الفصل الأربعون

134 6 4
                                    

اللهم أرحم ضحايا زلزال سوريا وتركيا وألهم ذويهم الصبر والسلوان💔
....
"الفصل والأربعون"

المأساة مشروع قاتم مبني على فقد مؤكد للأقرب من قلوبنا ثم يتركنا بوشاح أسود حداد على أرواحهم قبل فقدهم.

لن تنجو مادمت تحاول الصمود في وجه العاصفة وحدك دون أي تسلح..
وهي لم تحاول مواجهة العاصفة قط أو حتى الصمود أمامها لدقائق معدودة من الزمن بل وجدت نفسها في المنتصف تمامًا تحارب وحدها دون أي مساعدة.. تُوضع في مواقف عدة وليس عليها اختيار أي منها لتجنب الكارثة فيما بعد بل تجربة كل واحد على حدة وتجرع مرارته على مهل..
تحمل العواقب واحدة تلو الأخرى حتى تقوى عزيمتك وتقف في وجه مصيبة تالية دون هطول دمعة واحدة منك..
الكاتب فر دون أي أثر خلفه وترك للجنون مهمة إكمال المشهد وحده دون مساندة من أحد.
إمرأتين ورجل في شبه مثلث حاد النظرات..
قلب مضطرب.. آخر خائف وثالث متجبر بل ويؤكد أنه لن يتراجع عما اعتزم حتى لو فقد أعز ما يملك.
المبادرة كانت منها حينما دفعت مقعدها المدولب ليصبح الثلاثة في مواجهة بعضهم البعض، مسدس وطلقة واحدة يقابلها جثة سوف تستقر بها الرصاصة بعد الانتهاء من تلك الدراما..
اثنين يشاركان وضحية ستكون كبش فداء لفوهة المسدس.
- بعد كل تلك القواعد التي وضعتها قسرًا وتريدين تنفيذها جبرًا..
نظرات نارية كانت من تلك القابعة أمامها جعلتها تصمت لحظات قبل أن تُكمل في تحد صارخ لها
- لن تصبحي سوى حياء المزيفة.
قالتها بتفاخر لتنظر لها الأخرى باستخفاف من عدم وعيها وقلة تفكيرها فيما قد يحدث بعد دقائق من الآن.. لطخت خنصرها بحُمرة شفاها قبل أن تقبض على رسغ الأخرى تنقش عليها بهدوء وهي تتحدث بتلكؤ
- بل إيما.
ابتسامة خبث ارتسمت على جانب شفتيها بإصرار وهي تُكمل بنبرة أكثر هدوئًا من السابق
- أو يمكنك مناداتي بالكوبرا.
اتخذت من لقبها درع لردع تلك التي تتبجح بكونها نسخة حقيقة وما دون ذلك مجرد تزييف ولا تعلم بأنها الوحيدة التي تعيش في وحل جعل منها دُمية مثقفة.
- تلك ستكون كبش فداء لنا.
أشارت بيدها إلى حياء ليعقد أوار حاجبيه بعدم فهم مما تريد تلك المختلة أمامه فقلبه على غير العادة يدق بعنف صارخًا فيه بضرورة الهروب من ذاك الفخ حتى لا يفقد حبيبة قلبه الوحيدة..
أما إيما فضحكت بعبث وهي تلصق إصبعي الوسطى والسبابة سويًا مع ثني الخنصر والبنصر "على هيئة سلاح بيدها" صوبته تجاه رأس حياء بتلذذ تبعه قولها بهدوء
- بوم.
قربت إصبعيها من شفتيها مجازًا على نثر البارود العالق في فوهة مسدس..
اندهش من جنونها وما تريده قد وصله دون تجميل لكن ولسبب ما داخلها أخبرته بهدوء على قواعد لعبتها المفضلة
- تشبه الروليت الروسية في وجود طلقة واحدة داخل الاسطوانة التي بدوري قمت بلفها بقوة حتى تتوقف تمامًا.
انتظرت حتى توقفت الاسطوانة عن الدوران تمامًا ثم أكملت بفحيح يشبه لقبها
- ست محاولات لكل منا ثلاثة ومعدل نجاة كل واحد منا هو "1 من 6" أي ما يعادل "16.67%"
- لن أخوض تلك اللعبة إيما.
قالها أوار بصراخ مقاطعًا استرسالها لتتأمله باستهزاء من سخافاته الغير مبررة من وجهة نظرها، تنهدت بضيق وأخبرته بعدها بهدوء بإيضاح
- تنص اللعبة الأصلية على التناوب في الإطلاق لكن...
صمتت لإثارة اضطرابه أكثر من السابق وهي تعلم جيدًا بحجم الخسائر التي سوف تطاله بعد الليلة، ابتسمت بسعادة وهي تخبره تخبره بترحاب حذر
- توجيه المسدس طوال الست مرات سيكون على رأس تلك المنبوذة.
قالتها وأشارت إلى أوار لتبهت معالمه بذُعر مما تريد وقبل أن يعترض أكملت بتفاخر
- تلك لعبة روليت روسية بتحديث إيما العبقرية.
انتفض من مكانه بعدما انتهت من حديثها وصاح فيها بحنق يحاول تغيير مسارها عن تلك النقطة تحديدًا حتى لا يخسر أي منهن
- مَن أخبركِ بأني سأوافق على كل ذلك.
اختتم كلماته واتجه صوب حياء يدفع مقعدها بغضب مقررًا الرحيل عن المكان وبمجرد خروجه من الحيز الموجود به استمع إلى صوت فرقعة من خلف أحد الأعمدة تلاه ارتفاع الدخان من نفس المكان لتصيح به وهي لازالت على وضعها دون تأثر
- يمكنك محاولة المغادرة حينها فقط لن يخرج أحد منا على قيد الحياة.
اختتمت كلماتها وهي تلوح أمامه بجهاز تحكم ليخبرها بغضب
- أنتِ مجرد مختلة إيما.
- أدرك ذلك جيدًا.
قالتها بتأكيد على عبارته السابقة ليقترب بإذعان ثانية حتى يحافظ على حياة حبيبته على الأقل خاصةً حينما لمح كتلة مجهولة أسفل مقعد حياء وقبل أن يندهش أو يسأل أخبرته بهدوء
- يمكنك طاعتي في ذلك الأمر فقط وبعدها لن أزعجكَ بأي شئ.
وافق على مضض فهو يدرك تمامًا بأنها مختلة وإن لزم الأمر واحتد الموقف فيمكنها تفجير ثلاثتهم دون أي ذرة ندم.
أما حياء فبعدما شرحت شبيهتها إيما كل شئ يخص لعبتها بالإضافة إلى بعض التعديلات.. ظنت أنها النهاية وأن كل ما يحدث حولها في تلك اللحظة تحديدًا هو محاولة لإبطاء موتها المحتم وهي أرادت في لحظة ما أن يتوقف كل ذلك لأنه في اعتقادها الراحة الآن أفضل من آلام كثيرة ممزوجة بمسكن لن ينفعها بعد الآن... إن كان الموت حليفها تلك الليلة فمرحبًا بأحضانه.
اقترب منها أوار وأخبرها بهدوء
- أعدكِ بعدم حدوث مكروه لكِ ولن يُطالكِ أي شئ حبيبتي.
اختتم كلماته وقبَّل رأسها بحنان لتشتعل غيرة إيما بغضب من فعلته فمهما حدث هي تريداه كشريك لها طوال حياته ولن تتوانى عن تحقيق ذلك الهدف مهما حدث.
وضعت المسدس أرضًا وأدارته بقوة ليلف حول نفسه عدة مرات قبل أن يتوقف وفوهته تجاه حياء لتضحك إيما بانتشاء وهي تخبره بسعادة ماجنة
- يبدو بأن السلاح سقط في عشق ضحيته الليلة.
اختتمت كلماتها وانتشلته من على الأرض لتضعه في يد أوار تخبره بمراوغة
- بما أنها حبيبتك في الوقت الحالي فقط يمكنك البدء أولًا.
ابتسمت بسعادة لتقابلها نظراته وسؤال حاله يردد بنبرة مشتتة
- لِم..!
- للتخلص منها بالطبع.
قالتها دون تزييف تلك المرة لينظر لها بتشتت وهو ينظر لحبيبته تارة وهي مرة أخرى، لن يستطيع فعلها مهما حاول فكيف تخبره تلك التي تجلس أمامه برعونة أنه يمكنه تصويب فوهة المسدس على حبيبته بل ومن المحتمل أيضًا أن يتسبب في وفاتها دون قصد منه.. يده سوف تصبح مخضبة بدماء برائتها مع مطاردة ضعفها اللعين له كل مساء حينما يضع رأسه على الوسادة.. يريدها أن تشاركه حياته قبل وسادته لا ان تطارده في كوابيسه كل ليلة تصرخ فيه وتطالبه بأن يسترد لها حقها منه حينها فقط الموت أهون عليه.
لم يشعر بأي شئ يحدث حوله حتى أمسكت هي بيده وسلطت فوهة مسدسها على رأس غريمتها تخبره بتلذذ
- أول محاولة أوار إما أن تُصيب وتتخلص لي منها إلى الأبد أو يتبقى خمس محاولات أخرى.
نبرتها العميقة أنبأته بأنها ليست سوى رسول دمار  أتى لتخريب استقرارهم دون مراعاة لمشاعر أي ممن حوله لكنه لن يسمح لها بنيل ما تريد وعلى حين غفلة انتشل يده من بين براثنها وصوب فوهته جوار رأسه إشارة بأنه مستعد للتضحية لأجل حبيبته وقبل أن يستوعب أي أحد ما يحدث ضغط الزناد.
ارتفعت أصوات الفتاتين بتسرع
- لا أوار أرجوك.
الرصاصة لم تكن موجودة في المحاولة الأولى بعدما ضغط الزناد لترتفع صوت أنفاسهم براحة من نجاته من تهلكة وضع نفسه بها لتخبره إيما بسخرية
- دور بطولة في فيلم هابط فاقد لكل مقومات الحياة.
اختتمت كلماتها وهي تنتشل منه المسدس وتصوبه نحو ابنة قلبه كما يسجلها على هاتفه المحمول، نظر لها برعب جلي قبل أن يصيح فيها برجاء
- يمكنني فعل أي شئ إيما لكن أرجوكِ توقفي.
تنهدت بضيق وأخبرته بلامبالاة
- يمكنك قتلها إذن.
قالتها بإقرار لينظر لها ببهوت مما تطلب فهو قد ظن بأنها سوف تخبره بالزواج بها ومرافقتها إلى أي مكان في سبيل التخلي عما تريد، قاطعت تفكيره بضحكات ماجنة من طرفها وهي تخبره بإيضاح بعدما فهمت ما يفكر فيه
- لا يمكنني الزواج بك أوار وحبيبتك على قيد الحياة في حين أنه يمكنني ذلك بعد قتلها لمواساتك في محنتك تلك. 
اختتمت كلماتها وصوبت المسدس بسرعة أمام وجه الأخرى قبل أن تضغط الزناد أملًا في قتلها هذه المرة لتزفر بضيق فالمحاولة الثانية فشلت أيضًا من وجهة نظرها ومرت بسلام على حياء كما كان يعتقد أوار.
أعادت السلاح إلى أوار وهي تخبره بتحذير
- إن كررت نفس الأمر فلن أتهاون دقيقة واحدة في إلغاء الأمر وقتلها بنفسي.
- في كل الحالات هي قتيلة رعونتكِ إيما.
قالها بغضب لتومأ إيجابًا علامة الموافقة على حديثه قبل أن تتسع عينيها وهو يسألها بفضول
- فما الفرق إذن..!
ضحكت من سذاجته في طرح سؤال كذلك الذي أخبرها به قبل لحظات لتتأمله قليلًا وبعدها أهدته جواب ربما يشفي غليل قلبه نحوها
- الفرق أنها ربما تموت في إحدى محاولاتي حينها سأكون قد تخلصت منها وانتقمت من والدها عما فعله بنا أو يكون لك شرف قتلها في واحدة من محاولتيك وقتها فقط ستكون السعادة مضاعفة لأني تمكنت من التخلص منها على يد حبيبها تحت بند "ومن الحب ما قتل".
أمجنونة هي أم ماذا..!
تخبره بكل بساطة أنه يمكنه قتل حبيبته في سبيل سعادتها وانتقامها الواهي لكن مَن سوف يهتم بتعاسة قلبه.. بتضميد جراحه.. بالتخفيف عنه وقت تذكره لها وهي غارقة في دمائها.. بتلطخ يديه بعار التضحية بها فهو مهما تحدث لن يستطيع وصف شعوره على مقياس الألم
- أفعلها أوار. 
قالتها حياء بصوت متحشرج وهي تنظر إلى تلك القابعة أمامها بتحد صارخ لتُكمل بعدها برجاء حذر
- أرجوك.
- لا أستطيع.
قالها بتوتر متخيلًا حبكة أسوأ قد تحدث لها ليغمض عينيه بعدما استمع إلى صياح الأخرى في وجهه بحنق
- بل يمكنك فعلها. 
بأيد مرتجفة وهو لازال مغمض عينيه صوب فوهة المسدس على رأس حبيبته وضغط الزناد مع تعالي أصوات تنفسه الهادرة ليزفر براحة حينما أضحت محاولته الثانية ناجحة من وجهة نظره ولم يصيبها أي مكروه.
حاولت إيما انتشال السلاح من بين يديه لكنه منعها من ذلك لتنظر له بحنق من حماقته في اتخاذ قرارات ربما تصيبه قبلها بالهلاك، شملته بنظراتها لتحدثه بنبرة حانقة بينما تضغط على أسنانها بغيظ
- اترك يدي يا هذا.
قالت آخر كلماتها بصراخ قبل أن تخطف المسدس على حين غفلة وتصوبه تجاه الأخرى ودون مقدمات ضغطت الزناد لتكون المحاولة الرابعة كذلك فاشلة من وجهة نظرها.
ازدادت ضحكاتها كرجل مسه فيض من خُبال ولم يستطع التفرقة بين ما يراه في مخيلته فقط وما يحدث معه في العالم الواقعي.. حاولت التحكم في ضحكاتها وهي تضع المسدس في يد أوار تلاه قولها بهدوء مستمتع
- لم يتبق سوى محاولتين إحداهن تخصك والثانية لي.
حديثها مقلق وضحكاتها أكثر قلقًا لروح تلك التي تتابع كل شئ بفتور دون أن تتدخل وكأنها ليست حياتها التي من المفترض انها على المحك بعد لحظات من الآن..
أغمضت عينيها بتعب من كل الصخب داخلها لتخبر أوار بنبرة هادئة تحثه على فعلها
- يمكنك فعلها عزيزي.
- لا أستطيع حياء فاحتمالية موتك في تلك المحاولة 50%
قالها برفض يحاول تبرير موقفه فهي إما أن تلفظ آخر أنفاسها على يديه أو تقبض الأخرى على روحها باستمتاع، تنهد باختناق من ذاك الموقف الذي وُضِع فيه قسرًا دون تمهيد..
- إن كان تلك المحاولة ستكون سببًا في سلب روحي فمرحبًا بالموت على يديك أواري.
قالتها وقبضت هي على يده تلك المرة لتلصق الفوهة برأسها، ارتسمت ابتسامة حالمة تنافي كل ما يدور داخله وأخبرته بحنان
- أحبك يا كل ما لي.
لو قالتها في موقف آخر غير هذا لانتفض يحلق في سماء العشاق بسعادة لكن كلماتها هذه المرة بالنسبة له ربما تكون الأخيرة ولن تتلفظ بها قط أو يسمعها من بين شفتيها فيما بعد..
أما هي فقد تبعت كلماتها بضغطها على الزناد بإصرار عنيد على إنهاء تلك اللعبة إلى الأبد ربما، أغمضت عينيها وتنهدت براحة حينما أضحت تلك المحاولة فاشلة هي الأخرى وتبقى لها واحدة أخيرة ستكون سببًا في هلاكها بالتأكيد وعلى يد مَن غريمتها الأزلية.
أخذت السلاح من أوار بسعادة وكأنها قد فازت ببطاقة يانصيب بعدما فقدت كل ما تملك من أموال فالمرة الأخيرة ستكون من نصيبها بكل تأكيد وأيضًا لن تتنازل عن استغلالها أبشع استغلال.
أبعدت حياء فوهة المسدس عن رأسها وأخبرت إيما بهدوء حذر
- يُقال بأن لكل سجين محكوم عليه بالإعدام أمنية وأنا لا أقل عنه في شئ.
أومأت إيجابًا توافقها على حديثها فمهما يكن تلك آخر أمنية تطلبها ويتم تنفيذها على خير لتُكمل بإصرار من احتمالية عدم موافقة الأخرى في الإجابة عليها
- أريد معرفة الإثم الذي اقترفه والدي في حق أسرتك..!
عم الصمت أرجاء المكان وذكرياتها تتجول بين غيوم الماض تتذكر ما حدث لأسرتها نتيجة طيش والد أحمق في ثوب رجل أعمال ذو شأن.. تود الاحتفاظ بكل ذلك لنفسها لكنها أيضًا تريد إخبارها بالأمر لإيضاح مدى دناءة والدها وحقارته معهم جميعًا، تنهدت بحزن وأخبرتها بنبرة مليئة بالكثير من الخزي جراء أفعاله الشنيعة بهم
- والدك أتى ذات مساء وأخبر العائلة بأنه يريد استثمار أموالهم معه بشركته الصغيرة لن أنكر حينها بأن الأرباح كانت تأتي في موعدها كل شهر لمدة خمسة أشهر.
صمتت لجعل بقية حديثها أكثر تشويقًا لينتبه لها الآخرين وفي داخل كل واحد صراع بأن القادم أسوأ مما ظنا ليخرجهم من بوتقة شرودهم صوتها الغاضب وهي تخبرهم باحتقان
- بعدها اختفى ليشتد الحال بنا فالأم كانت تحتاج إلى جراحة عاجلة وذهبت مع والدي إليه نترجاه بأن يعيد لنا حفنة قليلة من الأموال لإتمام الجراحة لكنه بدلًا من ذلك أمر حراسه بطردنا إلى الخارج مع عدم السماح لها بالدخول مرة أخرى.
أزالت قطرات دمع تجمعت على وجنتيها بحزن ومشاهد ذاك اليوم لا تغادر مخيلتها أبدًا رغم صغر سنها حينها
- يومها أتت عربة مسرعة من الجانب الآخر وأزاحت والدي من على الطريق ليستقر جثة هامدة أسفل عجلاتها وبعدها أتاه اتصال من المشفى بأن والدتي فارقت الحياة.
أغمضت عينيها بتعب من كل ذاك الألم الذي انفجر داخلها رغم مرور الكثير من الوقت..
لم يختلف الحال كثيرًا عند حياء وكذلك أوار فقد كانا مندهشين من كل ما قالته لكنها تدرك جيدًا كونها محقة فالوالد أخبرها سابقًا بأنه ربما ظلم أحدهم في وقت سابق وتسبب في هلاكه والذنب لازال يطارده وهو على فراش الموت بعدما نسيه في غياهب الزمن
- ما بعد ذلك اليوم جعل من إيما كوبرا لا ترحم أي من فرائسها مع قسم غليظ بأنها سوف تنتقم مستقبلًا منه وإن سبقها الموت إليه فابنته هي الهدف المنشود.
اختتمت كلماتها بغضب وأشارت بالسلاح أمام رأس الأخرى لتخبرها حياء بهدوء
- إن كان في وفاتي راحة لكِ وخمود بركان ألمك فلا سبيل أمامي سوى الموافقة على لفظ آخر أنفاسي على يديك.
أغمضت عينيها لتنظر الآخرى لها بثبات وأوار يدرك جيدًا بأن نظراتها الموحشة تلك دليل على أنها عاقدة العزم لتضغط الزناد بتمهل وقبل أن تدرك أي مما يحدث كان أوار الأقرب ليزيح يدها إلى الأعلى تبعه صدوح صوت الرصاصة في الأرجاء ليتنهد بتعب فلو تأخر لحظات لربما أصبحت حبيبته فقيدة قلبه إلى الأبد..
الوضع لم يختلف كثيرًا عند الفتاتين وداخل كل منهن الكثير من الضجيج ما بين الفقد أو تحقيق هدف طال انتظاره منذ زمن.
أما إيما فوضعت السلاح أرضًا وهي تبكي بحزن على ماض أليم لازالت تدهس شوكه حتى الآن.. أغمضت عينيها بتعب وأخذت تصرخ بألم من كل ما يحدث معها فهي ظنت أنه ربما بالتخلص من حياء يمكنها عيش حياة هادئة بعد تلك اللحظة لكن ذاك الأبلة حرمها من كل ذلك لتجلس بحسرة على كل ما فات من حياتها دون انتقام يشفي غليل روحها، اقتربت منها حياء واحتضنتها في محاولة منها للتخفيف عنها ولو قليلًا.. ﻷول مرة امتزج صوت بكائهن سويًا بعد الكثير من شد وجذب حدث بينهما لتقول لها حياء من بين بكائها
- اعتذر منكِ إيما عما فعله بكِ.
ربما اعتذار بسيط مثل هذا يمكنه التهوين عنها ولو قليلًا لكن بداخل كل منهن شعور مختلف ربما إن عرفه الآخر لفر من بين براثن الثاني.
لحظات الجنون انتشاء لا يمكن نسيانه بسهولة لكن ما بعد تلك اللحظات ألم ربما يصبح صداه في داخل كل منا إلى الأبد دون تضميد. 
.....................
المأساة التي تأتيك على غفلة ابتسم لها قبل أن تقبض روحك.
ومأساتها لم تكن سوى سقوط في فخ محتم بعدما أرادت الهروب من أسر أُجبرت عليه يوم زفافها وحينما قررت الرحيل وجدت نفسها أمام أخرى تصيح فيها بمفاجأة
- كارمن.
على صوت الصياح أتى أركان من غرفة جانبية بذهول من وصولها إلى المنزل بسهولة رغم تأكده أكثر من مرة أنها لن تستطيع الهروب ليتذكر أنه اختار مخبأ سري أسفل منزله "أشرف على إتمامه بنفسه" ليضعها فيه لكن وجودها هنا يؤكد أنها تستطيع الفرار رغم كل القيود التي كانت حولها.
- يبدو بأن الشقيقتين قد تقابلتا بالفعل.
نظرت له كارمن بعدم فهم لتنظر له تمارا بتحذير حتى لا يُكمل ما بدأه لكن عوضًا عن ذلك أكمل بهدوء محاولًا إثارة غضبهما
- كارمن حبيبة معاذ السابقة.
قالها وأشار تجاه الأولى قبل أن يقف في المنتصف جوارهن ويتحدث بعبث بعدما أشار نحو الثانية
- تمارا حبيبة معاذا الحالية.
بُهتت كلتاهن مما يقول فكارمن تعلم بأن معاذ قرر إكمال حياته بعد موافقتها على الزواج من آخر.. أما تمارا فهي تعلم هويتها لأنها رأت صورتها مع غيث في أحد لقاءاتهم المستمرة مؤخرًا..
- معاذ ذو تفكير أرعن حينما لم يستطع الحصول على الأولى عشق الثانية وكلتاهن شقيقات من الأب.
هكذا تفوه أركان بتلاعب وهو يغمز كارمن التي وقفت متجردة من أي شعور بالفهم لتخبره الأخرى بتحذير
- من فضلك اصمت.
- وإن لم أفعل.
قالها بتحد صارخ لتتنهد بضيق فهي كانت تريد فعل الكثير ووجود تلك الفتاة الآن "المسماة شقيقتها" جعلها تتراجع حتى لا يحدث ما لا يُحمد عُقباه.. زفرت كارمن بتعب فداخلها مشوش من كل ما يدور حولها ويحدث معها لتصرخ فيهم بغضب
- أيمكن لأحدكم أن يخبرني ما الأمر!
سلطا نظرهما نحوها وعم الصمت لحظات قبل أن يقطعه أركان بقوله الهازئ
- أي شق لم يستطع عقلك الصغير تفسيره يا صغيرة.!
- كل شئ.
قالتها بتعب واتخذت من أقرب مقعد لها ملجأ تجلس عليه بعدما رفضت قدميها حملها أكثر من ذلك.. ليقترب منها أركان وجلس على آخر مجاور لها وظلت تمارا على وضعها بعيدًا عنهم.
- تلك التي هناك. 
قالها وأشار إلى تمارا لتنظر له بتحذير من استرساله في الأمر لكن عوضًا عن ذلك أكمل بهدوء موضحًا لها ما قد عجز والدها عن إخبارهم به
- شقيقتك من علاقة أخرى بين والدك المدعو علي وأخرى.
شهقت كارمن مما تسمع فيبدو بأن قناع والده المخفي عنهم أسوأ مما كان يعتقد لتتسع عينيها بصدمة حينما أكمل باستهزاء
- نتيجة تلك الزيجة كانت تمارا التي رفض الاعتراف بها ووضعها في ملجأ للأيتام دون أن يبحث عنها قط وحينما احتاج إلى ورثها نسي أمر ابنته المفقودة وبحث عن الأخرى لتعاونه في محنته وسداد ديونه.
وضعت يدها على أذنيها تمنع نفسها من الاستماع إلى المزيد من الهراء وهي لازالت تظن أنه يخبرها كذبًا عن والدها.. مهما فعل في حقها إلا أنه في النهاية له حق الدفاع عنه حتى لو لم تمتلك دليل واحد على براءته لكن أركان لم يمهلها الفرصة لإيجاد ثغرات تبرأ والدها بل وضع الملح على جرحها دون أدنى شفقة عليها
- مرحبًا آنسة تمارا..
صدح صوت محامي والدها من مكبر الهاتف بعدما وضعه أركان أمامها ليكمل الآخر بعدما لم يجد صوتها يجيبه
- هل وافقتِ على مقابلة السيد علي..
ثم ذيل كلماته بأخرى قصمت ظهر البعير كما يقولون
- والدكِ على أحر من الجمر لمقابلتكِ.
وأنهى أركان المكالمة دون كلمة أخرى، أعاد الهاتف إلى مالكته ونظر للجالسة أمامه يخبرها بحنق
- والدكِ أسوأ مما تعتقدين عزيزتي.
نظرت له باستخفاف ووجهت نظراتها إلى الواقفة بعيدًا عنهم لتخبرها كارمن وهي تمط شفتيها باهتمام
- ألم يخبركِ إذن أنه ابن عمك يا شقيقتي.
نظرت لها تمارا باندهاش مما تقول فبالرغم من تقربها الشديد ومنه ومن كارم إلا أنها لم يخبرها قط حول تلك المعلومة، لملمت شتات نفسها سريعًا حتى لا تفوز الأخرى بنقطة على حسابها، نظرت إلى أركان قليلًا وبعدها أخبرت الأخرى بلامبالاة
- بالطبع أخبرني كل شئ بخصوصه عزيزتي لكنه لم يخبرني قط بأن شقيقتي أسيرته.
اختتمت كلماتها وجلست جوار أركان تتوعده في سرها فهو لديه الكثير من الأسرار ووجب عليها البحث كثيرًا حتى تصل إلى ما تريد.
- يمكنكَ تركها معي في المنزل أركان حتى نتعرف على بعضنا البعض.
قالتها بإصرار لينظر لها الآخر باستخفاف وهو يخبرها بلامبالاة
- يمكنكِ الاحتفاظ بها معكِ لكن إن فكرت في الخروج من المنزل سوف تنال هدية صغيرة ملطخة بدماء زوجها المستقبلي.
غادرهم لتنظرا إلى بعضهن البعض قبل أن تزفرا بضيق ويصوب كل منهما نظراته في الاتجاه المعاكس.
المفاجأة التي تصدمك مباشرةً من شدة وقاحتها غلفها جيدًا برداء البرود ثم أهدها إلى أول عدو يقابلك حتى تنتهي منه ومن صخبها إلى الأبد.
وفي حالتها المفاجأة ليست سوى شقيقة ظلت طويلًا في الظلام وحينما أتت اللحظة الحاسمة لتتركه والعيش في النور كما كانت تتمنى طاردها شبح الظلام وقرر العبث معهم جميعًا للانتقام منهم بسبب سلب حبيبته دون مرسوم منقوش باسمه ليبتلعهم الظلام إلى أن يحين وقت ويمد لهم أحد يد العون وتخليصهم من كل ما يحدث معهم لكنها لم تلاحظ قط بأن ذاك الظلام متمثل في ماض اسمه أركان ابن العم القادم من الموت لسلب أرواحهم جميعًا.
.........................
المأساة لا تطرق الباب قبل عم الخراب بل تأتي على غفلة لتخطف الأعز على قلوبنا مُحدثة ندوب غائرة ربما لن تُشفى بسهولة رغم مرور العُمر.
والفقد هنا ذكريات كثيرة ضحت بها لأجل شبح يطارد ذكرياتها بحريق هائل نجم عنه الكثير من الهلاك داخلها..
فقد أدى إلى نشأة سد منيع بينها وبين الكثير من العقبات التي لم تستطع تخطيها بعد.. لن تجد لها علاج سوى قذفها في بئر عميق علها تندثر أسفل الركام إلى أن تلفظ أنفاسها الأخيرة على خير.
الفقد داء واستمرار التعافي منه أمر محال أدى إلى تقيح الجرح بعدما ظنت أن بإمكانها تضميده.. العناية به ومراعاته حتى يلتئم مخلفًا بعده ندب نستخدمه كتذكار للاستشهاد على ما حدث لنا.
مر الكثير وهي لازالت هنا في المزرعة تستيقظ صباحًا لتجلس جوار النافذة تتابع بزوغ الشمس في كبد السماء، تأخذ الدفتر وتكتب فيه الكثير عن مخاوفها ليأتي ريان في تمام العاشرة صباحًا بابتسامة مشرقة، طعام الفطور ثم يأخذ الدفتر ويمزق الورقة المكتوب فيها مخاوفها ثم ينثرها في الفضاء أمامها وبعدها يخبرها بضرورة تكرار الأمر ثانية.
رغم أنها لم تعلم بعد سبب طلبه إلا أنها تطيعه وفقط دون جدال ربما لأنها أدركت مدى غبائها في إعطاء الأمر أكثر من حقه ونتج عن ذلك فقدانها لكل نفيس.
- صباح الخير أمي.
أتاها تلك المرة صوت أنثوي يخبرها بأن الصباح كله خير مادامت هي موجودة لتنظر لها بعقدة حاجب وذاكرتها لم تسعفها في تبين هويتها لتخبرها ثانية بعدما وجدت الحيرة مرتسمة على ملامحها
- ابنتك فآطم.
صمتت تمد يدها بكوب حليب دافئ قبل أن تجلس جوارها وتكمل حديثها بابتسامة مشرقة
- زوجة ابنك ريان.
أومأت بإيجاب قبل أن تبتسم لها بترحاب وهي تخبرها بتساؤل حذر
- وأين هو؟
فهمت المقصد من السؤال لتقضم القليل من قطعة خبز تلاه قولها بحنان
- أصر على تجهيز وجبة الغذاء اليوم.
عقدت والدة أركان حاجبيها بعدم فهم فيبدو أن الطبيب ماهر بدرجة محترف طهو، مررت فآطم الجُبن إليها وأكملت وهي تتناول الطعام
- ريان الأفضل في فنون الطهي لكنه لم يعترف بذلك قط.
ضحكت على كلماتها فبرغم النبرة المازحة التي غلفته إلا أنها كانت تتحدث بجدية مفرطة لتبدأ هي الأخرى في تناول طعامها رغبةً في الانتهاء منه بسرعة، لحظات مرت على مضض وأخبرتها بنبرة راجية
- أيمكنني مناداتك بأمي كما أفعل معها.
قالتها فآطم بتساؤل لتومأ لها الأخرى إيجابًا فهي قد ظنت بأنها يتيمة الأم حتى تطلب مثل ذلك الأمر لكنها فاجأتها بقولها المازح
- سيكون عندي اثنتين.
الأم لازالت على قيد الحياة بالطبع وعلى ما يبدو أن تلك طريقتها في تخفيف حدة الأمور لتضحك باستمتاع وداخلها يخبرها أنها ربما رأتها قبل وقت سابق لكن أين ومتى لا تعلم بالتحديد.
أهدتها فآطم نظرة دافئة وبعدها اتجهت إلى ركن في الغرفة تأخذ قارورة المياه الفارغة وتطلب من العاملة إحضار واحدة أخرى لتعود ثانية إلى التي تنظر نحوها بحذر وكأنها تدرس تصرفاتها..
جلست مكانها ثانية وأخبرتها بنبرة مشاكسة
- بعدما تنتهين من تناول الفطور يمكننا الذهاب إلى ريان وتقييم مجهوداته من وجهة نظرنا.
سايرتها في حديثها وأومأت لها علامة الموافقة، انتهت بعد قليل وجلست تتابع تحليق الطيور في الأفق قبل أن تهمس لها بحنان
- الصباح من نافذة الغرفة هنا مختلف.
ارتسمت ابتسامة سعيدة على ثغر فآطم بعدما استمعت إلى كلماتها تلك وأخبرتها بتأكيد
- الحياة هنا من منظور الطبيعة وبالتأكيد ستكون عن المدينة أمي.
وافقتها الرأي واتجهت معها إلى ركن منزوى بالمنزل تنظر إلى ما فعله ريان.
وجدته منهمك فيما يصنع لتقترب منه تلك التي كانت تقف جوارها قبل لحظات وتعبث معه.. أخذت القدر الموضوع فيه بقايا الكريمة ومزجت به إصبعها لتخبره بنبرة عابثة
- اشتقتك ريان.
لم تمهله الفرصة لفهم ما يحدث حتى عاجلته بتلطيخ أرنبة أنفه بما كان في يده، رفع حاجبه بعبث وأخبرها بتلكؤ حذر
- يمكنني أن أُجبركِ على إزالته بطريقة لن تعجبكِ قط.
وقبل أن يأخذ رد فعل مناسب أشارت بعينيها إلى الخلف مع محاولة مضنية في تمالك ابتسامتها المتسلية، التفت قليلًا برأسه قبل أن يتركها بحرج وهو يخبر السيدة القابعة هناك بحيرة
- صباح الخير أمي.
غمزته بطرف عينها بتحد صارخ أنه لن يستطيع فعل أي شئ لها ليقترب من أذنها يخبرها بوقاحة
- لا أستطيع الآن لكن ليلًا يمكنني فعل ما أشاء.
تركها ليُكمل ما يفعل لتقترب منه وهي تخبره بحذر
- أتريد مساعدة..!
قبل أن يوافق كانت قد اقتربت من والدة أركان تجذبها من يدها لتقترب منه هي الأخرى لتشاركه فيما يفعل.. ضحكت بخجل لوجودها في إطار ربما لا يناسبها لكن مشاكسة الأخرى جعلتها تنسى أي شئ قد يعكر صفو يومها
- يمكنك صُنع القليل من السلطة.
قالها ريان موجهًا حديثه إلى زوجته لتنظر له بحنق فهي لا تحب صُنعها لأنها مهما فعلت فالناتج النهائي على حد وصفها لا يشبه خاصته كما تخبره دومًا بعدها اقترب من الأخرى وأخبرها بحنان
- أما أنتِ أمي فيمكنك مساعدتي في إنهاء ما تبقى من أعمال هنا.
قالها وأشار إلى شرائح لحم لم تنضج بعد وبعض الأصناف الأخرى التي كانت مغطاة ولم تتبين ماهيتها.
وافقت على الفور ورغم تخوفها السابق إلا أنها اندمجت معه كثيرًا ولم يخلو الأمر من مشاكسة فآطم لها ولزوجها طوال الوقت.
الحياة تكون كريمة معك أحيانًا وتكافئك على صبرك مرات معدودة لكن وجب عليك الحذر حتى لا تنسل سعادتك من بين يديك على حين غفلة.
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن