الفصل الأول

8.8K 69 4
                                    

《الفصل الأول》

ليس كل مايتمناه المرء مُجاب، هناك أشياء ستظل في خانة التملك نظرًا لعدم تحققها أو أنها قد أتت بطريقة غير التي توقعناها فـ دائمـــًا هناك تخيلات معينة سواء لحياتك، بطل أحلامك أو حتى وظيفتك، كل تلك الأشياء لها تصورات من فولاذ داخل عقولنا.. إذا تشوهت إحدى قواعدها يحدث خلل في البقية المتبقية ليصعب التكيف معها فيما بعد حتى لو جاهدنا لفعل ما هو عكس ذلك..

تتأمل هيئتها المزدانة برضا تام، فستانها الأبيض مع بعض الفصوص اللامعة المنثورة بطريقة تخطف الأنفاس، شعرها الغجري المقيد بتملك مع تلك الطرحة ليكونا مزيجـًا من التحدي فـ أخيرًا أتى اليوم الذي انتظرته طويلًا يوم زفافها بفارس أحلامها صهيب، حارسها الصغير حين رأته مرات عديدة بعد عودتها من بلاد الغرب مع والدها، تعلق قلبها به وتناست الأمر بعد عودتها ثانية إلى موطن والدتها للدراسة.
تمنته في الخفاء وقد كان، لا يفصل بينها وبين زوجها المستقبلي سوى عدة طوابق إتمامًا لمراسم الزفاف ثم فصلة صغيرة ليصبح فارسها للأبد.
على الجانب الآخر، دق الباب معلنًا دلوف تلك السيدة الوقور بجوار زوجها فاليوم صغيرتهم أصبحت عروس ستغادرهم لمنزل زوجها، احتضنتهما معـًا فتلك مصدر قوتها، سعادتها وأيضًا فخرها، نظر الأب إليها بملامح حزينة ثم قال بسعادة والدموع تكاد تترقرق من عينيه
- هنيئـًا له ذلك الصهيب، سيمتلك لؤلؤة والدها وتصبح ملكه.
تشبثت بأحضانه علها تنعم بذلك الدفء ولو لمرة أخيرة لتتحدث بنبرة شبه باكية
- سأشتاقك حقـًا يـ أول حب بحياتي، فأنتَ ملاذي......
قاطعتها والدتها بتلك النبرة الحنون في محاولة لتخفيف الحزن الذي خيم على رؤوسهم عكس الصخب المنتشر في الأجواء، فاليوم سعادة لطفلتهم وهذا ماتمنته لتطمئن على طفلتها..
- كفاك تغزلًا بزوجي فــ أنا رافضة لمشاركته مع أخرى.
ثم صمتت قليلًا لتقول بنبرة أشبه بالتهديد مع حركة إصبعها المُحذرة
- أفهمتِ!
اختتمت كلماتها برفعة حاجب علامة الحزم لترفع الأخرى عينيها باستسلام قبل قولها بنبرة متسلية لتثير غيرتها أكثر
- حسنـًا يــ من وهبتني الحياة، والدي عشقي الأبدي أما أنتِ فسكنت فؤاده منذ الوهلة الأولى، هكذا أخبرني.
احتضنتها الأم بسعادة ثم ربتت على ظهرها بحنان تبثها شوقها قبل الهبوط لأسفل، لتقول بهدوء
- طفلتي الصغيرة حياء.
نداء ممزوج بإشراق لسعادة تلوح في الأفق، انتبهت حياء إلى حديثها قبل قول الأولى بنصيحة ممزوجة بالتوسم خيرًا في القادم
- اليوم أصبحتِ عروس غاية في الجمال.
سكنت خلجاتها تختطف نظرات سعادة تلألأت من عيني العروس
- احفظي زوجكِ طفلتي فـ عيون المتلصصين لا ترحم، كوني عونـًا لزوجك، الطاعة واجبة، الرشد حيث الصواب أهم من كنوز قارون، كوني له الأم، الأخت، الصديقة، قبل أن تكوني الزوجة.
صمتت تلتقط أنفاسها الثائرة إثر انفعالها المرح قبل استئنافها قولها بهمس خفيض
- الحياة قائمة على المساواة، لا تبيتِ ليلتكِ بوجود شوائب من شأنها تعكير صفو الحياة واستقرارها.
اختتمت كلماتها لتربت على كتف حياء بحنان ممزوج بنصيحة أم تخشى عليها من حياة جديدة عنها
- لا تهملي زوجك مهما كلفك الأمر، كوني له راحة البال حتى لا يبحث عنها خارجًا فالرجل بطبعه مهما أحب لن يبحث سوى عن الهدوء وطمأنينة النفس.
اومأت برأسها إيجابـًا، انفلتت ضحكاته لتملأ السعادة أرجاء الغرفة قبل سيطرته عليها ليتحدث والدها بعبث بعدما غمز بطرف عينه لطفلته بمشاكسة
- لقد حان الوقت طفلتي، صهيب متلهفـًا للقاكِ.
غزت حمرة طفيفة ملامحها الفرحة على استحياء قبل الابتسام بسعادة، تبادلت عناق أخير مع والديها لتخرج من جنتهما لجنة حبيبها، بعدما قبض على كف يدها بحنان، هبطا الدرج قبل الدلوف للقاعة المنشودة، ارتفعت أصوات الموسيقى معلنة وصولهما.
كمن يقف على الجمر بانتظارها، تلك النظرة المبهمة التي تراها للمرة الأولى مغلفة عينيه بتملك، دقات قلبها العنيفة التي رقصت فرحـًا لوجوده أمامها.. اختلف نشازها لتتحول إلى أخرى مضطربة، تسلمها من والدها وسار معها إلى المكان المخصص للعروسين، أمسك يدها بتملك فاليوم أهم أيام حياته على الإطلاق، غازلها ببعض كلمات الغزل لتحمر وجنتاها خجلًا من كلماته المعسولة، ليتحدث بهدوء مريب
- أخيرًا أتى اليوم المنشود.
ابتسمت بخجل من كلماته البسيطة مع حركة طفيفة مؤيدة من رأسها، أخبره أحدهم هامسًا بوصول المأذون، ترك يدها بهدوء ذاهبـًا حيث هو ولأول مرة يدق قلبها بعنف خوفًا من القادم، أهذا توتر توديع العزوبية أم أن فارسها قد فر من حصارها؟ لتضحك خجلًا على مسار أفكارها لكن ذرات الخوف داخلها تكاد تقسم بأن اليوم سيتغير مسار حياتها للأبد لكنها لا تعلم هل تتغير بالسلب أم الإيجاب، لا تعلم لما أصابتها عاصفة التوتر تلك مزعزعة فرحتها وكأنها رياح عاتية تقتلع نبتة العشق من جذورها.
تحدث المأذون عن أهمية الزواج، كيفية إنشاء علاقة صالحة مع الزوجة محذرًا عدم إهمال أحدهما للآخر وبعض النصائح في نهاية خطبته.
شرع في مراسم كتب الكتاب وحينما أتت اللحظة لبدء مراسم عقد القران قاطعه ذاك الصوت المألوف منتشلًا مكبر الصوت من بين يديه متحدثـًا بهدوء
- عذرًا شيخي على المقاطعة لكن كيف سيتم الزفاف دون موافقة أحد الطرفين، يعد إجبارًا أليس كذلك شيخي!.
.......................
في لندن.....
دق منبه السادسة صباحًا معلنًا عن بداية يوم جديد منبهـًا مالكته بموعد استيقاظها حتى لا تتأخر عن عملها، فركت جفنيها لتمحو آثار النعاس قبل اعتدالها جالسة بخمول، سارت بغير هدى للمرحاض، بدلت ثيابها بثوب رياضي لممارسة رياضتها المفضلة كعادتها مذ انتقلت إلى لندن.
بعد حوالي نصف ساعة عدو، جلست على أحد المقاعد بتلك الجنة الخضراء، التقطت أنفاسها بإرهاق صاحبته بتأمل كل جميل بالحديقة.
أرض فسيحة استعمرتها النجيلة الخضراء بتحد، على اليمين بعض الشجيرات تزين حدودها بتملك، مع وجود بعض أنواع الورود كالجوري، والزنبق منثورة في أحواض صغيرة تأسرك بألوانها قبل تقييدك بعطرها الآخاذ أنفاسك المضطربة، أما اليسار قد فرض سيطرته بوجود أشجار يتجاوز عمرها السبعين عامـًا تخللها شجيرات بأعمار أقل بكثير، مقاعد على هيئة أشكال مختلفة وضعت على مسافات متساوية، لتظهر وكأن ريشة فنان قد خطتها بتملك، ابتسمت قبل استعدادها للرحيل.
قررت الذهاب حيث تأخذها قدميها وبابتسامة حنون استقبلها ذلك العجوز جاسبر قائلًا بسعادة
- صباحك سعادة جميلتي.
تأملت ملامحه الهادئة بابتسامة جذابة، عيون سوداء تفيض بحنان أبوي خالص تناقض بشرته البيضاء، ذو قامة طويلة وشعر أسود تسللت إليه بعض الخطوط الفضية بتملك لتزيده وقارًا، يبدو بأنه على مشارف الخمسين من عمره، فرنسي الأصل لكنه استقر بلندن بعد هجرته من بلده الأم، يمتلك العديد من المطاعم لإعداد أشهى المأكولات من أشهر مطابخ العالم إلا أنه يفضل الفرع الرئيسي لتردد رانسي عليه من وقت لآخر.
طرقعة أصابع أمام وجهها جعلتها تستعيد رباطة جأشها سريعًا قبل قولها الهاديء
- صباحك سعادة أيها العجوز الوسيم.
- لست بعجوز طفلتي لكنها شرارة شباب متأخرة.
ضحكت بسعادة كطفلة في الرابعة من عمرها، هذا المكان سيظل المفضل بالنسبة لها، فهو خير ملجأ بعد منزل عائلتها، ابتسمت بسخرية على مسار أفكارها وقبل الانخراط في الماض هتفت بتملق
- مستعدة لمحاربة أكثر شخص تبغضه لنيل وجبتي المفضلة عزيزي الشاب الكبير. 
- حسنـًا طفلتي لك هذا.
قالها العجوز وعاد أدراجه للداخل، موليـًا إياها ظهره، في حين شحبت ابتسامتها تلقائيًا باختفاء طيفه، مرت أربعة أعوام على وجودها هنا وثلاث مذ معرفتها بذاك العجوز، هون عليها الكثير، أرق الغربة نخر لياليها دون توقف لكن بوجود تلك العائلة ألفت كل شيء هنا حتى قوانين تلك البلد الصارم.
شغلت تفكيرها بتأمل المطعم للمرة التي لا تعلم عددها، طاولات من نفس النوع لكن بألوان كلاسيكية، جدران مطلية بألوان عصرية زاهية، أما تصاميم الألوان فالذوق الفرنسي قد فرض نفسه، أضواء خافتة مع موسيقي هادئة كونا سيمفونية الاسترخاء النفسي قبل العصبي، ركن هاديء لمحبي القراءة والإطلاع مع اختلاف التصميم والطاولات مصحوبة بمكتبة بها الكثير من الكتب من لغات العالم أجمع، جدارها المفضل ذلك الموجود به حوض كبير يحتوي على أسماك من أنواع كثيرة، مع بعض الشعب المرجانية؛ وكأنك تنظر مباشرة لقاع البحر من شدة انخراط الحوض مع المكان قبل انجذاب الكائنات داخله معلنة تكيفها بعيدًا عن المحيط.
عاد إليها مجددًا حاملًا بين يديه طبقها المفضل، أدمنته من صنع يديه، لتجد تلك العجوز الحنون تقف بجانب زوجها، اقتربت منها للترحيب قبل تلثيم إحدى وجنتيها لتقول بسعادة كمن امتلك نجمة من السماء
- اشتقتك عزيزتي رانسي، لقد مر الكثير من الوقت دون لقاك.
كادي: رغم مرضها المحتل قسماتها بهدوء إلا أنها تتمتع بذاك الجمال الإنجليزي من بشرة بيضاء كثلوج تلك البلد قارس البرودة، عيون مرجانية تنضح حنانًا كحال زوجها، شعر كستنائي طويل، عمرها لا يتعد الخمسون ربيعًا بعد، تعاني من أمراض بالقلب خاصة بعد ولادة فيولا وتحذير الطبيب من احتمالية فقدها لحياتها في حال إصرارها على الإنجاب ثانية، تعشق زوجها وتحب تلك الفتاة رانسي الحاملة لكل صفة وعكسها.
- جميلتي الحنون، قلبي يرفرف فرحـًا بعدما أبصرتك بحال أفضل.
قالت رانسي كلماتها الأخيرة واحتضنتها قبل متابعتها
- أرجوك حافظ على صحتك لأجل ذلك الوسيم وفيولا، فالحياة دونك معتمة.
قبلتها بحنو، جلست جوارها وثرثرن في كافة المواضيع، وبانتهاء وجبتها استمعت إلى صخب يأتِ من الداخل قبل انطلاق قذيفة نحوها قائلة بغضب
- لن أتركك أيتها المتملقة، لقد اختطفت عائلتي دون شفقة على قلبي الملكوم.
قهقهات عالية كانت الرد على أفعال تلك المشاكسة الطفولية، رفعت يدها عاليـًا دليلًا على استسلامها بعدما هددتها بتلك الشوكة ثم
- هذه عائلتي وانت فقط دخيلة عزيزتي فيولا...
قالتها رانسي ليقاطعهما العجوز جاسبر بصرامة مصطنعه بعدما مل من حوار كل لقاء
- لقد سئمت منكن، ستدفعن غرامة إزعاجي بتناول وجبة الغذاء معنا، وبالطبع مهمة تنظيف المطعم مع النادلات.
اعتراضات منخفضة منهن، مع نظرات مشتعلة من جانب رانسي لتقول بخفوت لتلك الواقفة جوارها
- انتقامكِ أهون من تنظيف المطعم.
قالت كلماتها قبل وقوفها لتقول بهدوء موجهة حديثها للسيد جاسبر
- حسنـًا أيها العجوز الشاب لك هذا، في تمام الثالثة سنزعجك برضاكَ.
ثم صمتت قليلًا لتقول للأخرى بتعالي مصطنع
- وانت يـ فتاة المشرحة سأنتظرك بعد ساعتين من الآن.
وانصرفت بهدوئها المعتاد دون إضافة كلمة أخرى.
فيولا: اتخذت من رانسي أختًا لها بعدما يئست من قضاء أغلب وقتها وحيدة دون صديق، طبيبة شرعية في أحد أشهر مكاتب التحقيق بـ لندن، في الرابعة والعشرين من عمرها، ورثت من والدتها البشرة البيضاء و العيون المرجانية أما والدها قد ورثت منه الطول الممشوق عكس والدتها متوسطة الطول أما خصلاتها النارية فورثتها من أقارب والدها.
........................
في القاهرة..
وخصوصـًا في ذلك المبنى حديث الطراز، جلست كعادتها على الكرسي المخصص لها، تأملت المكان بعد تجديده، رسومات لشخصيات كرتونية احتلت الجدران بشجاعة بألوانها الزاهية، حائل زجاجي يفصلها عن بقية فريق العمل مع وجود عدد كبير من الأزار وأجهزة التحكم، نظرت إليهم بتعبيرات سعيدة ثم قالت بشيء من الحماس بعدما ارتدت تلك السماعات
- مرحبًا صديقاتي، أهلًا أصدقائي، اليوم مميز بحق، لدينا الكثير من التعليقات على سؤال أمس، أيضـًا ضيف تمنيتم وجوده من قبل، وبالتأكيد موضوع جديد، ألم أقل قبلًا بأن اليوم مزدحم بالكثير، لكل متابعيني على ,Radio FM, تردد 129.1FM، تلك الأغنية الرائعة إهداء لكم قبل الخروج لفاصل قصير.
قالت كلماتها الأخيرة بعدما أشار لها أحد العاملين بذلك.
صوبت بصرها بنظرة فاحصة على الموضوعات للمرة التي لاتعلم عددها، قطع تأملها صوت أحدهم معلنًا وصول الضيف، انفرجت أساريرها فرحـًا، فـ ذاك الريان قد وافق على هذا الحوار الجديد من نوعه بالنسبة له، فتجربة كتلك لم يخوضها من قبل، رحبت به وشكرته على وجوده قبل احتلال كل منهما لمقعده أشار لها مهندس الصوت ثانية لتقول بحماس
- من جديد بعد الفاصل، أمستعدون لمعرفة الضيف؟! ضيفنا اليوم •ريان حامد• بالطبع الطبيب الوسيم، ريان، أقدم لك كثير من الشكر على وجودك ضمن أسرتنا المتواضعة.
تحدث بثقة والبسمة لاتفارق محياه
- شكرًا لكِ جميلتي فاطيما، سرت بجسدي قشعريرة متحمسة لمجرد تخيلي هنا أما إحساسي فلا أستطيع وصفه لذا وجب عليا شكرك بكثير من الامتنان.
ضحكت بخجل من كلماته قبل قولها بهدوء
- قبل البدء أريد منك تفسير لشهرتك تلك سيد ريان.
ابتسم من فضولها المتزايد ليقول بهدوء حذر
- أن تكون طبيبًا شيء مهم لكن تمزج بين مهنة الطب والطهي فهو أمر جديد خاصةً في مجتمعنا العربي.
- كيف!
قالتها بتساؤل ليقول بهدوء
- العلاج بالموسيقى أمر شائع بالغرب لكن هنا فكرة وجود طبيب نفسي أو الذهاب إليه يُشير بأن عقلك عطب ويحتاج إلى الإصلاح أو الإيداع بمشفى أمراض عقلية حتى لا تؤذي الغير.
- وما علاقة الأمر بالطبخ؟
قالتها فآطم باستفسار ليقول هو بإيضاح دون الدخول في التفاصيل
- الطبخ مثل الموسيقى عالم يأسرك بنكهاته قبل رائحته العذبة لذا قررت معالجة مرضاي بالطبخ كتغيير لكن التجربة نجحت والدليل شهرتي على مواقع التواصل الاجتماعي.
أومأت تفهمًا لحديثه قبل قولها بمزاح بعدما قرأت شيء ما أمامها
- أتعلم أساليب الطهي إذًا!
نظر لها بعدم فهم لتقول بإيضاح
- إحدى المستمعات سألت إن كنت تعلم فنون الطهي.
- بالطبع كيف أذهب للحرب دون إعداد أسلحة ملائمة
قالها بابتسامة ودود ليشير مهندس صوت بفاصل قصير، لتفعل فآطم مثلما طلب قبل إخبار المستمعين بالعودة بعد قليل.
لحظات وعاد البث ثانية لتقول بهدوء
- حسنـًا ضيفي المتحمس، لنبدأ أولى فقراتنا وهي مناقشة مجموعة من الأسئلة من وجهة نظرك ومقارنتها مع المستمعين.
- بالطبع عزيزتي.
- موضوع اليوم عنوانه "الثقة"
قالتها فآطم بتعريف لاختيار الموضوع على المستمعين قبل قولها بهدوء
- كلمة تعددت تعريفاتها، منا من يتجاهلها، لا يضعها في اعتباره حتى لا يشغل باله بماهيتها، البعض الآخر استخدمها كـ قناع لمصلحة ما وبعد انتهائها تختفي لتعكر صفو الحياة أما الأغلبية ثقتهم تنكسر على صخرة المشكلات الغير منتهيه، فالثقة كالحلقة بمرور الوقت يخفت رونقها، وتضعف قوتها قبل انكسارها.
صمتت تلتقط أنفاسها قبل توجيه حديثها للضيف قائلة
- تلك كانت بعض آراء الجمهور لكن ضيفي يبدو بأن لديه نظرة مختلفة، أليس كذلك؟
- حسنـًا، ماقلته سابقًا لم تكن سوى آراء من أشخاص تحطمت ثقتهم بعدما منحوها لأشخاص لا تستحق.
قال آخر كلماته بلامبالاة ليُكمل بهدوء
- فـ للعملة الواحدة وجهان، مابالك بالانسان، نحن نعطي الثقة مطلقة، لا نفكر سوى بسعادتنا اللحظية مهما كلفنا الأمر حتى لو كان الألم على بعد إنش واحد من مرمى البصر، سعادتنا شبيه بالماء الراقد و بـ قذف حجر به يتعكر صفوه مع وجود دوامات على سطحه، نحن لا نفكر سوى باللحظة، نريد امتلاكها مهما كلفنا الأمر.
تجرع بعض من الكوب أمامه قبل قوله بثقة
- الثقة بالنسبة لي رداء بمقاس محدد أعطيه لمن يناسبه مقاسه، حتى تكتمل الطلة ويخرج في أبهى صورة له أما إذا أخذها من لا يستحق، سأصبح مكبل اليدين أضطر لتضييقه حتى يناسبه أو وضع رقع به ليصبح أكثر اتساعـًا، لن يرتد ذلك الرداء إلا من يستحقه دون تجميل أو تزيين.
- كلام حقـًا غاية في الجمال لكن ماذا عن تلك العلاقات الغير مكتملة؟
قالتها بهدوء مبدية إعجابها من طريقته السلسة في الحديث ليقول بتعجب صاحبه الكثير من شرح التفاصيل
- أتقصدين العلاقات الغير ناجحة! نجاح العلاقة من عدمه ماهو إلا اختبار لمعرفة طاقة تحملك، أيضـًا المشكلات عندما تتخذ مجراها في علاقة ما فإنها تنخر الاستقرار، تزعزع الثقة وبالتأكيد تفشل العلاقة، باختيارنا من نجعل الثقة سم نتجرع نتائجه أو عسل نتلذذ طعمه.
- سؤالي ماقبل الأخير سيدي، ماذا عن تلك العلاقات التي يترك أحد الطرفين يده متخليـًا عن الآخر؟
- تشعبت الأسباب من منظوري الخاص، قد يتخلى أحد الطرفين جُبنـًا من زيادة مسؤولياته، بالتالي يتخلى وهذا نوع يُحترم بالتأكيد فهو لم يرد ظُلمـًا لشريكه لذا يعد أكثرهم ثقة بقرارته وتخطيطًا لواقعه الحالي أما الندم مع الوقت سيطرق خلاياه لأنه مع الوقت أدرك بأنه ظلم نفسه ولم يظلم أحد غيره.
صمت ليشير بيده علامة اثنين قبل قوله باشمئزاز
- يوجد نوع آخر يبني ثقته على كذب، بالتالي قاعدة الثقة بينهما ستصبح هشة تحملها الرياح بسلاسة إلى الهاوية، قد يعترف الطرف المذنب بفداحة ذنبه واختياره متمثل في أمرين لا ثالث لهما إما البدء من جديد مع شريكه أو الانفصال عنه، الأسلم الانفصال فـ الكذب سيظل شبح يطارد سعادة حياتهما حتى تدمر وتدمي أطرافها بألم.
تنفس بهدوء ليلفظ أنفاسه دفعة واحدة قبل قوله بهدوء
- بالطبع يوجد غير ذلك لكن تلك من وجهة نظري، فـ انكسار الثقة ماهو إلا تحطيم أولى قواعد الحياة من جذورها، قد يختلف الكثير معي لكن *الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية* سأنتظر آرائكم مع مذيعتنا الجميلة، وبالطبع ستتكرر تلك المقابلة كثيرًا في المستقبل.
اختتم كلماته لتفاجئه فآطم برجاء أخير
- وما نصيحتك للمستمعين حتى لا يُجرح أحدهم الآخر بعد فوات الأوان.
- أظن الثقة عامل أساسي لشروع قارب علاقتنا للسير نحو حياة هانئة غير مُحملة بالكثير من الأعباء حتى لو اضطر أحد الطرفين للتخلي مبكرًا، وقتها سيكون الجرح أقل عمقًا وإيلامًا بدلًا من الكره وسيل لعنات من الألم تطاردهم لبقية حياتهم.
ريان حامد: أحد أشهر الأطباء النفسيين في مصر، اتخذ الطب مهنته بينما الرسم عشقه منذ الصغر، شارك في الكثير من المعارض وتسلم العديد من الجوائز، ذاع صيته بالفترة الأخيرة كأكثر الأطباء نجاحًا بمهنته بعدما استخدم فنون الطهي كأحد الطرق للعلاج مستغلًا الرسم في توصيل هدفه كذلك.
أنهت فاطيما الحلقة بعد شكرها لضيفها، وبالطبع لم تنس طرح سؤال الأسبوع لمناقشته نهاية الأسبوع القادم.
..................
في مكان متباعد نسبيـًا عن صخب المدينة، وقف بخوف منتظرًا أحدهم، التفاتة كل بضع ثوان كانت كفيلة لتخبرك بمدى ذُعره، حبات عرق تجمعت على جبينه، يمحيها بأيد مترعشة، انتفض قلبه فزعـًا حينما استمع لوقع خطوات متزنة؛ ليتراقص القلق بمقلتيه قبل نهش مخاوفه بهدوء مريب.
أحس بيد وضعت على كتفه بهدوء، التفت بخوف ليتنفس الصعداء اطمئنانـًا لوجوده، ابتسم بسعادة قبل بترها مجبرة..
- عذرًا عزيزي المسالم، لكن تلك سُنة الحياة، يجب اختفاء أحدنا لينعم الآخر بالراحة.
هربت الدماء من عروقه وارتفعت وتيرة أنفاسه توترًا قبل ارتعاش أطرافه موشيةً بخوفه الجلل، ابتسم الطرف الآخر بخبث أفعى قبل....................

...........................
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن