"الفصل الرابع والثلاثون"
"العائد من الجحيم لن يفكر سوى باستعادة ما سُلِب منه"
التصرف كفارس نبيل في المواقف المتأزمة لن يجعل منك نبيل بل متخاذل في حق نفسك قبل البقية، عليك أن تجاهد لأجلك دومًا في المقام الأول.. أن تمنح روحك السكينة التي تحتاجها.. أن تصارع للبقاء مادام هناك مَن يحاول أذيتك تحت بند إلى أولئك الذين خذلونا حينما احتجنا لهم... شكرًا لكم على إعطائنا جرعة زائدة من الحماس لنكافح الخبيث قبل المجهول أملًا في حماية حقوقنا.
- أريد معرفة هويتي.
قالتها بإصرار بعدما فُتِح الخط من الطرف الآخر لينظر أركان إلى اسم المتصل يتأكد من هويته قبل أن يخبرها باندهاش
- لِمَ الآن تمارا؟
سؤال مبطن فحواه العتاب فرغم استغلاله لها طوال الفترة الماضية وتعيينها تابعة له إلا أنه حتى تلك اللحظة يخشى عليها من معرفة أصولها خاصة وأن والدها ليس بالوجهة المشرفة التي يمكنها تقديم العون لها بل من الممكن أن يقتلها في أرضها إن وصله مجرد خبر أنها تعلم حقيقتها، زفر بحنق حينما وجدها تصرخ بغضب وهي تكاد تصيبه بالصمم
- لأني سئمت من كوني فتاة لقيطة طوال حياتي..
بكت..
وكأنها كانت بحاجة إلى محادثة مثل هذه لإفراغ طاقتها المكبوتة بها، هي لا تريد معرفة أي شئ عن أصلها تحت مبدأ "الأهل تخلوا سابقًا لذا لا داعي للعثور عليهم مستقبلًا" هي فقط تريد التحدث مع أحد ولسبب وجيه أركان على وجه التحديد ليكون الشخص الذي يتحمل لوم هجران حبيبها لها مع أنها لو فكرت قليلًا لأدركت مدى بشاعة موقفها..
نظر أركان للخط ظنًا منه أنها أغلقته لتُكمل هي بصوت بُح من كثرة بكائه
- أريده أن يعتذر عما فعله بي..
- لن يعتذر.
قالها بتوضيح لتصمت مجبرة حينما أكمل حديثه بهدوء مبررًا قوله
- لن يعتذر تمارا فالطاغوت هدفه السامي في الحياة تدمير الجميع لا بناء مجتمع سوي..
- الزمن كفيل بجعله يندم أركان.
قالتها في محاولة منه لاستعطافه ليضع يده على رأسه للتخفيف من حدة غضبه تجاه غبائها اللامتناهي ليقول بإقرار وكأنه يكمل جملته السابقة
- فقط إزالة العقبات من طريقه حتى لو كانت تلك العقبات أطفاله من صلبه.
ساد الصمت بينهما للحظات وكل منهما داخله مشاعر شتى يحاول وأدها في مهدها حيث أركان ومشاعر شفقة بدأت تنمو داخل تلك الصغيرة التي ترعرت على التنمر من المحيطين بها وحينما أرادت البدء من جديد أتى هو وقضى على بقية الأمل الموجود داخلها.. لا ينكر بأنه اعتبرها شقيقة له في وقت ما لكن حقيقة كونها ابنة الرجل الذي دمر حياتهم تجعل الدماء داخله تغلي أما هي فكل مرة تطلب من ذاك الذي تهاتفه حاليًا أن يخبرها هوية رجل لم يكلف نفسه عناء النظر خلفه لرؤية إن كانت بخير أم لا فقط أكمل حياته وكأن شئ لم يكن.. عند هذا الخاطر تحدثت بصوت مهتز حاولت جعله عميق إلا أنه خذلها مثل البقية
- ليته يحترق في الجحيم.
ابتسم أركان بخبث بعدما استمع لكلماتها الأخيرة، صمت يفكر قليلًا فيما قد يحدث إن جمعهما وكانت هي سلاحه لتدمير علي لينطبق عليه المثل "ومن الكره ما قتل" فنحن هنا عزيزتي لسنا أمام حب بين طرفين يودان اللقاء وأحدهما سيكون السبب في وفاة الآخر بل أمام كره دفين بين فتاة تخلى عنها الأهل وهي صغيرة لكونها "غلطة" لن يتحمل أحد مسؤوليتها.. والأب تمنى كثيرًا موتها في دار الأيتام صغيرة ولم يعلم اي شئ عنها بعدما تركها فقط تم التستر على الأمر دون مجهود فالمال يصنع المعجزات بحق كما يقولون.
- أتريدين معرفة هويته بحق..!
ورغم سؤاله إلا أنها خائفة مما هي مقبلة عليه فالمواجهة بين غريمين لن تنتهي سوى بالتخلص من واحد على حساب الآخر أي أن أحدهم سيكون الخاسر والطرف الثاني فائز بكل شئ.
تمارا في تلك اللحظة أرادت إغلاق المكالمة دون أن تعطيه أي رد لكن هناك في قلبها شعاع صغير يطلب منها بكل تبجح أن توافق وتخبره بإصرار بكلمة واحدة من ثلاثة أحرف "نعم" مع الكثير من الفضول تجاه ما قد ستؤول إليه الأمور متناسية أن الفضول حالة تجرنا إلى قاع المعاناة دون مجهود منكَ ولن تخرج منه إلا وأنت فتات.
- نعم.
صمتت قليلًا تستعيد جزء من طاقتها المفقودة وهي تكمل حديثها بشجاعة لا تعلم من أي استمدتها
- أريد معرفة هويته.
ارتسمت ابتسامة خبيثة على ملامحه ليخبرها بعدها بهدوء شارحًا لها بالتفصيل ما ستفعله
- أتتذكرين الظرف الأبيض الذي طلبت منكِ الاحتفاظ به في مكان آمن بآخر لقاء لنا.
أومأت رأسها إيجابـًا وهي تتذكر جيدًا ذاك الظرف الذي تركه لها وأخبرها بأنه يريدها أن تحتفظ به حتى يحين الموعد ويأخذه منها، تنهدت بهدوء وهاجس واحد يدور داخلها لكن قبل أن تترك نوافذ عقلها للشيطان أجابته بهدوء
- بالطبع لازلت أحتفظ به كما أمرتني.
لم يقابلها رد من الطرف الآخر لتعقد حاجبيها باندهاش قبل أن تخبره بهدوء
- من الممكن أن يكون لديه كافة المعلومات التي احتاج إلى معرفتها.
رغم جملتها العفوية إلا أنها خرجت في صيغة سؤال ليبتسم من ذكائها المحدود وقبل أن تتمادى في تفكيرها أكمل حديثه راجيًا منها ألا تفكر ثانية في أي شئ دون أن يأمرها بذلك
- أريد منك أن تُحضريه إلى مصر..
- ماذا؟
قالتها بصدمة مما يطلبه منها فهي لا تستطيع أن تذهب إلى أي مكان دون أن تعرف مكان معاذ وتطمئن عليه، صمتت مجبرة حينما استمعت إلى حديثه يخبرها بلامبالاة
- تأتي به دون فتحه أو العبث في محتوياته.. حينها فقط سوف أخبرك مَن يكون والدك آنسة تمارا.
- وماذا لو لم أوافق على فعل ذلك؟
قالتها بسرعة في محاولة منها لجعله يتنحى عن فكرته تلك فذاك المكان لازال يمثل لها الجانب المظلم من شخصيتها.. لازال يسحبها إلى كوابيس ظنت أنها اختفت منذ زمن.. ذاك المكان وغيره من الأماكن التي ترعرعت فيها وهي صغيرة تجعل منها أضحوكة من نفسها وهي لا تريد أن تكون المهرج دائمًا في حياتها ففي النهاية نفسها لها عليها حق
- لستُ أنا مَن يرغب في معرفة هوية والده تمارا بل أنتِ.
قالها بحنق في محاولة منها لجعلها تفهم أنها في موقف ضعف لا قوة فهي مَن تريد ولا يوجد لديها رفاهية الاختيار فقط الإجبار، حمحمت بحرج من وقاحته في وضعها أمام الأمر الواقع لتخبره بهدوء في محاولة منها لإنهاء المكالمة
- دعني أفكر في هذا الشأن قليلًا وسوف أخبرك قراري في وقت لاحق.
ابتسم من كلماتها فهو يكاد يقسم بأنها مستعدة ذهنيًا في العودة إلى محل إقامتها السابق لكنها تخشى من مواجهة مع شخص لطالما كرهته طوال حياتها.
أما هي فبعد إغلاقها الخط جلست أرضًا تفكر في أمر العودة مليًا فذاك الطريق لا عودة فيه إما تمضي قِدمًا دون النظر خلفها أو تبقى مكانها وتجعل الماض يدهسها قبل أن يتخطاها للأبد.
أعادت الاتصال للمرة التي لا تعلم عددها بذاك الغائب عن مُحيطها والحاضر دومًا في مرمى قلبها وبعدما يئست من احتمالية رده أرسلت له رسالة صوتية تخبره فيها بحزن
"معاذ.. فقط عد إلى المنزل ولن تراني به بعد الآن"
اختتمت كلماتها واتجهت بتثاقل إلى غرفة النوم تجمع أغراضها وقد عقدت العزم عما تريد فعله لترسل إلى أركان رسالة نصية تُبلغه فيها أنها مستعدة للعودة شرط أن يحميها حتى تغادر المكان ليرد عليها في وقتها وهو يخبرها بكلمات منمقة
"لا تقلقي آنستي فكل شئ سيكون جاهز للترحاب بك في الوقت المناسب... سأتأكد من حجز تذكرة عودة لكِ في أقرب فرصة ممكنة".
يُقال بأن الطرق على الحديد وهو ساخن يمكننا من تشكيله بأريحية..
وأركان قرر الطرق دون النظر لما سيحدث بعد ذلك لذا اتصال بعلي وحينما أجابه الطرف الآخر أخبره هو بسعادة
- استعد فهناك مفاجأة صغيرة سارة سوف تستقبلها بعد أيام.
- مختل.
قالها علي بإقرار وهو يصرخ على الطرف الآخر لينظر أركان إلى الهاتف بصدمة ليخبره بعدها بهدوء
- لا أحد مختل سواك أيها الأحمق.
أغلق الهاتف في وجهه دون أن يضيف كلمة أخرى لينظر علي إلى الهاتف بصدمة من إغلاقه الخط هكذا ليقذفه في وجه الجالس أمامه بعدما أخبره بخزي
- اعتذر سيد علي لم نستطع تحديد موقعه بأي وسيلة ممكنة.
وذاك الذي تحدث قبل لحظات لم يكن سوى مبرمج استأجره لتحديد موقع ذاك الذي ينغص عليه حياته منذ فترة لا بأس بها، صرخ علي في وجهه وهو يخبره بغضب
- إن كنت لا تريد أي أذية لعائلتك فاعمل حتى تعرف موقعه حينها فقط
نظر إلى نقطة وهمية في الفراغ أمامه تبعها بقوله المتوعد بخبث
- حينها فقط لن أرحمه أو أرحم أحد من أسرته.
اختتم كلماته وغادر من الغرفة بذوبعة غضب حيث أنه أصبح يتعامل مع الجميع منذ ظهور ذاك المجهول بعصبية مفرطة وكأنه بذلك سوف يعثر عليه لينظر له المبرمج بحنق من وقاحته في التعامل معه لينظر إلى شاشة الهاتف التي أضأت باسم رُب عمله ليجيب عليه بكلمات مقتضبة فحواها
- ذاك الأبلة يظن بأنه يمكنه العثور عليك وتدميرك سيد أركان.
ضحك أركان من الناحية الأخرى على سذاجة تفكير عمه فهو كل يوم يثبت له أنه أبلة في استخدام الأمور لصالحه بل حتى أنه في بعض الأحيان يستخدم قوة رجاله الأشداء في سلب الحق، عاد من تفكيره وهو يخبر المبرمج بهدوء
- تحمل قليلًا وبعدها لن يكون هناك شخص يُدعى علي من الأساس فقط اصبر قليلًا.
وافقه على رأيه وأغلق الهاتف بعدما أعطاه القليل من الطاقة لمواجهة أخرق يجلس في منزله.
الحرب خدعة وما عليك سوى قذف الطُعم حتى ينتشله عدوك وبعدها تجهز عليه بخطتك العبثية للانتقام منه دون ذرة ندم.
......................
"لن تُمنح ما تتمنى إلا بالسعي مهما كانت نواياك فالقاعدة الأهم.. تسعى فتنال".
السعي خلف ما تريد حتى لو تتمكن من الوصول إليه خيبة لن يشعر بها سوى من اجتهد بحق في تحقيق ما يريد ولم يحصل على شئ إلا الرفض.
ورانسي هكذا..
سعت كثيرًا لأجل سعادتها ولم تجني إلا نكسات اخترقت قلبها الواحدة تلو الأخرى ودمرته ليصبح غير صالح لأي شئ فيما بعد.
وهبت عشقها بصدق لأحمق دهسه دون ذرة ندم ومضى في حياته بعد ذلك ثم أتى معتذرًا.. مبررًا فعلته وراجيًا أن يكملا بقية حياتهما معًا متخطيًا جرح غائر لم تستطع الأيام مداواته بعد ثم ظهرت أنثى تُشبهها في كل شئ تريد قتلها بأي ثمن وكأن بينهما عداء لم تفهمه لكنها تريد تفسير لكل ما يدور في فُلكها حتى تستطيع أخذ قرار قد يُنجيها من مصائب محتملة في المستقبل القريب.
عند هذا الخاطر تذكرت أمر ما بشأن شبيهتها تلك لتنظر إلى أوار المنغمس في عمله تخبره بهدوء وهي تتأمل رد فعله لتحاول تفسيره
- ماذا فعلت بشأن تلك التي أخبرتك قبلًا أنها تُشبهني؟
أوار بعد انتقاله معها إلى المنزل انهال عليه الكثير من الأوراق التي تحتاج إلى المراجعة قبل توقيعها، ارتعشت يده قليلًا لكنه تمالك نفسه وهو ينظر لها بهدوء ليخبرها بعدها بإقرار
- لم أستطع الوصول إلى أي شئ يخصها هنا في المملكة المتحدة.
عاد إلى أوراقه ثانيةً راجيًا بألا تسأله عن أي شئ آخر فهي منذ انتقالهما تسأله كل يوم عدة أسئلة من ضمنها هوية تلك التي صدمتها بالسيارة لكنه لا يجد جواب مناسب يُهديه لها لأنه نفسه لا يملك واحدًا.
- أوار.
قالتها تناديه وهي تبتسم له ليتأمل ملامحها بهدوء فرغم التعب الظاهر عليها إلا أنه يراها جميلة بكل حالاتها.. رفعت حاجبها علامة الاستياء من صمته ليجيبها بهدوء محاولًا تجنب الأمر
- للمرة التي لا أعلم عددها..
وقبل أن يتحدث أخبرته بهدوء وهي تضع يدها على فمها في إشارة منها له لجعله يصمت
- دعني أُنهي حديثي أولًا عزيزي.
أومأ يوافقها الرأي لتُكمل هي حديثها بلامبالاة
- لن أسامحك أوار إن كنت تخفي عني أي شئ يخصني من قريب أو من بعيد..
- لكن..
قالها محاولًا تبرير موقفه لكنها لم تدع له الفرصة لفعل ذلك بل أكملت حديثها بهدوء في محاولة منها لاستجداء عطفه وتنوير عقلها عما فقدته منذ فترة ليست بالهينة
- لأنك في تلك الحالة تتخطى هَويتي بل وتلغي شخصيتي في اتخاذ قرار مناسب.
وضع الورق جانبًا فهو يشعر بأنها تخنقه بحديثها حتى تجعله يشعر بالذنب ويخبرها بكل ما فاتها في المرة الماضية، اقترب من مكان جلوسها ليضع رأسه على كتفها في محاولة منه بألا يضعف ليخبرها بعدها بهدوء منتقيًا كلماته بعناية حتى يصل مراده بأقل مجهود.. صمت يتأمل جانب وجهها ليقول بهدوء حذر
- لن يكون في صالحك معرفة بعض الأمور رانسي لأنها لن تضر سواكِ لكن يمكنني إخبارك بالقليل مما حدث ولم تعلمي عنه شئ.
صمتت دون حديث وعدم حديثها شجعه لإكمال ما نوى عليه ليقول لها بحنان عارضًا بعض من أحداث السابق
- فآطم تزوجت بعد حادثك بأيام قليلة..
- ماذا؟
قالتها بمفاجأة جراء ثرثرته التي لا تعلم مدى صحتها بعد فصديقتها تكره الرجال أجمعين بسبب والدها وما فعله بهم في الصغر ليكمل أوار قائلًا
- تزوجت صديقي ريان دون علمها بالأمر لكنه فيما بعد أخبرها ولم ينتظر حتى أتحدث معها سابقًا.
صمت لتنظر له باستفهام وداخلها الكثير من الأسئلة فيما يخص شقيقته وما حدث بعدها لتخبره بتسائل حذر أملًا منها في معرفة الدافع الحقيقي وراء ذلك
- لكن لِمَ فعلت ذلك بها؟
غلغل أصابع يده في خاصتها قبل أن يجذبها إليه يُقبلها بهدوء ليخبرها بعدها بحنان
- لأن جمال كان قد خرج من السجن حينها وكانت وجهته القادمة القضاء عليها لذا أردت حمايتها كذلك أبيل هاتفني وأخبرني بأنكِ في حالة حرجة.
- وبعدها..!
قالتها باستفسار ليُكمل هو بحنان
- أخبرت ريان بموافقتي على الزواج منهما بشرط واحد أن يحميها من بطش جمال ووافق بالفعل على كل حديث أخبرته به.
صمتت تفكر في الأمر ظنًا منها أن أوار يُبالغ في قراره من أجل شقيقته واصفةً إياه بالحماقة لأنه جعل الكثير من الوساوس تطرأ على عقله بل وجعلها تستحوذ عليه قبل تمكنه منها
- لكنك بالغت بتفكيرك أوار.
نظر لها بحزن قبل أن يترك يدها ويتحرك بعيدًا عنها في أرجاء المكان، نظر لها بعتاب وبعدها أخبرها بغضب يكاد ينهش داخله
- اختطفها رانسي وجعلها تمر بنفس الحالة التي مرت بها من قبل دون أن يرف له جفن.
شهقت مما يقول فهي ظنتها مجرد هواجس وترجمها إلى حالة ذُعر لكن ملامحه الباهتة أجبرتها على احترام تفكيره مع وعد بعدم الاستهوان بالأمور طالما تنظر لها من منظوره هو، عادت من شرودها على حديثه وهو يكمل بحزن على شقيقته
- لولا ريان زوجها لكانت في خبر كان.
اختتم كلماته وغادر المكان بغضب يحاول التنفيس عن كل ما يعتريه من حنق في أي شئ عداها.. أما هي فجلست تتأمل طيفه قبل أن تنتشل كتاب من على الطاولة أمامها تكمل قرأتها فيه وعقلها غائب في أوار وما سيفعله فيما بعد.
وبحلول الثالثة عصرًا دلف إلى المنزل يرتدي بذلته السوداء يأمرها بأن تُنهي استعدادها للذهاب إلى زفاف صديقتها فيولا، نظر إلى يدها المتشبثة بالمقعد في حسرة وإلى قدمها الخالية من أي حذاء قد يحتويها لينظر لها بعدم فهم قبل أن يخبرها بحنان
- تفضلين الحذاء ذو الكعب العالي أم ذاك؟
قالها وهو يلوح بيده أمامها بالاثنين لتخبره بهدوء وهي تشيح بوجهها إلى الناحية الأخرى
- أي شئ فالأمر لم يعد مهم إلى تلك الدرجة.
- بل هو كذلك.
قالها وهو يضع أمام قدمها حذاء رياضي اشتراه خصيصًا لتلك المناسبة ليكمل بهدوء وهو يشير للفتاة التي ساعدتها قبل قليل في ارتداء ثيابها بأن تظل مكانها وهو سيتكفل بالأمر من مكانه لتبتعد مضطرة وهي تبتسم لهما بحالمية.
- دعيني أفعلها لأجلك جميلتي الحنون.
قالها وساعدها في ارتدائه ليخبرها بعدها بحنان
- لنحتفل سويًا بعد زفافهما.
ابتسمت بخجل من كلماته وهي تومأ إيجابًا علامة الموافقة، هتف بحماس قبل أن يدفعها برفق إلى الخارج أملًا في اللحاق إلى مكان الزفاف.
مرت الدقائق بعدها حتى تجاوزت حاجز النصف ساعة ليصلا إلى مكان مخصص للزفاف ليجد الجميع متواجد عدى العروسين، أغمضت رانسي عينيها تحاول منع ذكريات يوم زفافها المشؤوم.
شعرت بيد أوار تربت على كتفها بحنان قبل أن يقترب من أذنها يخبرها بحنان
- يبدو بأن هناك عروس مستقبلية تحاول التسلل من حصار أوار حتى تتمكن من البقاء لمدة أطول كعزباء.
ضحكت بسعادة من حديثه فهو محق بكونها لا ترغب في أي ارتباط رسمي حتى تتفرغ بدرجة أكبر لعملها وقبل أن تجيبه وجدت العروس تدلف للداخل بيد والدها وأبيل يقف على الطرف الآخر منتظرًا إياها برومانسية من كونها على بُعد دقائق وتصبح معه إلى الأبد، ضحكت بحنان وهي تشاهد نظراتهم الخجلة تجاه بعضهما البعض ليأتي والد فيولا يخبرها بضرورة إلقاء خطاب على المدعويين لتتوتر قليلًا فهي حتى تلك اللحظة لم يخطر ببالها اي من ذلك، حثها أوار على الذهاب وهو يهمس لها بشئ أمام أذنها
- المشاعر أهم من الكلام المنمق عزيزتي لذا كوني على سجيتك وفقط.
تشجعت ودفعها والد فيولا إلى المكان المخصص للأصدقاء، شعرت بالحرج قليلًا حينما وجدت الجميع يحدق بها لتثبت نظراتها على واحد فقط يقف مكانه منذ أتى معها إلى الحفل، ضحكت بسعادة وهي تقول بحنان
- في البداية أتمنى أن تكون حياة صديقاي هانئة لأطول فترة ممكنة.
صمتت قليلًا تحاول البحث عن كلمات منمقة لإكمال حديثها وهي تستعيد الكثير من الذكريات بين ثلاثتهم لتقول بسعادة
- تحت بند ladies first سوف أتحدث أولًا عن صديقتي فيولا.
نظرت تتأمل هيأتها السعيدة لتكمل بحنان
- لم أختبر قط شعور أن يكون لي صديقة بمرتبة شقيقة لكن ذاك الأمر حدث وأصبح لدي فتاة أستمد منها طاقتي وقت ضعفي.. ساعدتني كثيرًا وأحبتني أكثر كما أنها لم تتذمر يومًا على تقلبات حياتي بل دعمتني في كل أمر كبير كان أم صغير لتصل بي إلى بر الأمان فهنيئًا لي شقيقة مثلها ومبارك لأبيل حصوله على زوجة حنون لن يجد متسعًا من الحياة لإحصاء مميزاتها.
- بل أعلمهم جميعًا.
قالها أبيل بفخر ردًا منه على حديثها لتضحك هي وبقية المتواجدين في المكان لتنظر له بحنق مصطنع وهي تجاهد على التحكم في غضبها حتى لا تذهب إليه وتدمر الباقي من سمعته أمام الجميع.. نظرت نحوه بخبث وهي تقول
- يكفي التحدث عن فيولا فأبيل لن يمانع ذلك.
أشاح بوجهه في الناحية الأخرى علامة التذمر لتستأنف حديثها عنه فمهما حدث هو صديق لن تستطيع تخطي وجوده بحياتها مهما حدث.
-أما أبيل فقد كان اليد التي تُربت على كتفي بحنان لتبثني الشجاعة حتى استمر في عملي.. لم يبخل عني بأي شئ قد يفيده بل واعتبرني في مقام شقيقة له.. أخبرني ذات ليلة بأنه لو كان يمتلك قلبين لا واحد فسوف تحتلهم فيولا لأني لست نوعه المفضل.
ضحك الجميع وهو حاول أن يخبرها بأن تصمت لكن فيولا همست له بغيظ
- دعها تُكمل عزيزي.
قالتها ورفعت حاجبها علامة التهديد ليضحك من طريقتها في التذمر واستمع إلى بقية كلمات الأخرى وهي تقول بسعادة
- أدرك جيدًا بأني النوع المفضل لأحدهم وهو كذلك نوعي المفضل وأي مذكر سالم يدور في فُلكي لن يصبح سوى صفرًا على اليسار بلا أي قيمة.
صمتت علامة إنهاء حديثها ليأتي أوار من خلفها وهو يخبرها بصوت جهوري سمعه أغلب الموجودين في المكان
- أنتِ في مكان لن تستطيع تاء تأنيث الوصول إليه حتى لو اجتمع بنات حواء أجمع فلن تتمكن أي واحدة منهن من ذلك.
اختتم كلماته وهو يجلس أمامها نصف جلسة يضع الخاتم أمام عينيه ويخبرها بحنان
- أتوافقين على قضاء بقية حياتك جواري دون أي تذمر!
ضحكت بسعادة قبل أن تومأ إيجابًا علامة الموافقة تبعه وضعها ليدها أمام وجهه ليضع الخاتم في بنصرها وبعدها قَبَّل يدها بإشراق من مستقبل تلون بوجودها جواره فهي حلم بعيد تمناه منذ زمن وفي كل مرة تخذله الأحداث وكأنها تعانده في العيش بسعادة لكن تلك المرة لن تبدو كما السابق فحبيبته حواره وهذا ما يهم وهو يعدها صمتًا بأنه لن يدع مكروه يصيبها حتى لو كان الأمر على حساب روحه.. غمز لأبيل بسعادة قبل أن يأخذها إلى مكان هادئ بعيدًا عن كل ذاك الصخب الموجود بالقرب من العروس.
تشبثت بيده في سعادة لكونها سوف تصبح زوجته في القريب العاجل عازمة على أن تتخطى الماض وكل ما به فيكفي تلك السنوات التي قضتها في جلد ذات لم يهلك سواها وهي اكتفت من كل ذلك فالقادم لن يكون إلا مع أوار فقط.
....................
حينما تقرر تخطي الماض وكل ما به أفعل ذلك من كافة الجوانب حتى تعيش حياة سعيدة أنتَ ومن حولك.
وهي قررت أن تترك الماض كما هو دون أي إضافات فحياتها توقفت من اللحظة التي توفى فيها شقيقها وظلت تصارع مجهول ينخر كوابيسها ليلًا ولا يتركها في حالها أبدًا، قررت وريان ساعدها على ذلك دون أن يسأل فقط يحفزها على التعايش مع الأمر دون ترك مجال لهواجس تنغص عليها حياتها بلا داعي.
استيقظت صباحًا لتجده لازال نائمًا جوارها يحتضنها بتملك وكأنه لا يصدق بأنها أصبحت زوجته مدى الحياة، عبثت بخصلات شعره بمشاكسة ليستيقظ بتكاسل قبل أن يشدد من احتضانها وينام مرة ثانية لتكرر فعلتها مرة بعد أخرى ليستعيد وعيه قبل أن يعبث بخصلاتها هي الأخرى وبعدها انفجرا في الضحك..
- لا أصدق بأن أجمل ابتسامة في الكون أراها بمجرد فتح عيناي.
ابتسمت بحرج ليصدح صوت الهاتف معلنًا عن وصول مكالمة جديدة، نظرت للهاتف بتكاسل قبل أن تتحمس وهي تجيبه بهدوء
- كيف حالك معاذ؟
ضغط ريان على أسنانه بحنق من وجود رجل آخر يدور في فلك زوجته حتى لو كان يقربها من بعيد، استمعت إلى صوته يخبرها بهدوء
- أنتِ بخير فآطم؟
- نعم بخير الفضل كله يعود لريان.
قالتها تجيب على سؤاله بهدوء وهي تنظر لذاك الذي يكاد يشتعل من حديثها ذلك لكنه آثر الصمت حتى تنتهي من تلك المكالمة الثقيلة على قلبه، صمت يحاول الاستماع إلى شئ لذا أبعدت فآطم الهاتف عن أذنها قبل أن تفعل مكبر الصوت ليصدح صوت معاذ يخبرها بخزي
- كانت تخدعني لأجل آخر فآطم.. دمرت قلبي بعدما أهديته لها لأجل غريب طلب منها ذلك.
- هل واجهتها؟
قالتها فآطم بتساؤل ليخبرها هو بحزن
- لم أفعل فمهما وصلت مكانتها بقلبي إلا أني رأيت الكذب بعينيها وكأنها تخشى فقداني.
صمتت تفكر في حديثه قليلًا لتخبره بعدها بهدوء
- ذلك لأنها لا تريد خسارتك معاذ.
- خسرتني وانتهى الأمر فآطم.
قالها بإقرار ممزوج بالكثير من الخزي وداخله لا يتحمل نكسات أخرى فالقلب أحب بصدق تلك المرة وتم طعنه بنجاح..
كيوبيد خائن.. انتظر اللحظة المناسبة وأطلق سهامه المسمومة ببسالة ليُدمي قلب العاشقين فلا يوجد عشق في الحياة بل خيانة من كل الأشخاص الذين وثقت بهم وكفى.
استمعت إلى صوت تنهيداته الحانقة لتخبره بحنان أم تبحث عن الراحة لأطفال الروضة التي تعمل بها
- وجب عليكَ مواجهتها معاذ حتى لا تندم مستقبلًا وإن كنت تحبها بصدق حاول معرفة السبب وراء فعلتها تلك وتأكد بأنها إن جعلت الأمر غير واضح بالنسبة لك فقد تكون وجهة نظرها حمايتك من شئ لا تعلمه أنتَ.
- أهذا رأيك؟
قالها بهدوء غير مقتنع بحديثها لتخبره بسرعة
- لا أري غير ذلك معاذ..
أغلقت الخط بعدها لينظر لها ريان بغيظ وهو يخبرها بحنق من بين أسنانه بعدما انتشل الهاتف من بين يديها ليضعه جانبًا
- أنا رجل غيور فآطم بل شديد الغيرة.
فهمت مقصده لتنظر له بحنان قبل أن تحيط رقبته بيدها، طبعت قبلة على جانب خده جوار ثغره لتخبره بعدها برومانسية
- القلب لم يرى سواك حبيبي اللذيذ.
ضحك من كلماتها التي تسربت إلى فؤاده دون استئذان ليشدد من احتضانه لها وهو يخبرها بهدوء
- أتمنى ألا يتكرر الأمر فآطم.
قالتها بتحذير لتومأ إيجابـًا تبعه قولها الهادئ
- لن يحدث ثانيةً ريان أعدك بذلك.
- وإن اتصل مرة أخرى!
قالها بتسائل رافعًا حاجبها منتظرًا إجابتها لتقول بوعد
- لن أجيبه بل أنتَ ستفعل.
قالت كلماتها وتسللت إلى المرحاض، استمع إلى صوتها من الداخل وهي تخبره بحنق
- استعد ريان حتى نغادر إلى منزل الجد.
أما معاذ فبعدما أغلق المكالمة معها وصله الكثير من المكالمات الفائتة لكن ما لفت نظره رسالة صوتية باسمها ليستمع إلى صوتها تخبره ببكاء
"معاذ.. فقط عد إلى المنزل ولن تراني به بعد الآن"
حاول الاتصال بها لكن هاتفها مغلق، قرر مواجهتها قبل فوات الأوان حتى لا يندم فيما بعد، اتجه للداخل يبدل ثيابه ويعود إلى منزله..
نصف ساعة مضت بعدما ترك المنزل ليذهب إليها، أخذ يبحث عنها في الغرف وهو ينادي باسمها لكن لا مجيب ليدرك أنه فقدها ربما إلى الأبد.
فوات الأوان بعدما تفقد كافة فرصك لن يفيدك في أي شئ.. فقط تعض أناملك من الحزن لفقدان نبض ثائر ينبض داخل قلبك.
عند ريان وفآطم ثانيةً..
أتمت استعدادها للخروج من المنزل لكنه ظل جالسًا مكانه يتأمل حركتها هنا وهناك وهو يُغير قنوات التلفاز الواحدة تلو الأخرى، وقفت أمامه تضع يدها في خصرها بضجر وهي تخبره بغضب
- لِمَ لم تُبدل ثيابك ريان؟
- لأننا لن نخرج من المنزل.
قالها ببساطة لتنظر له بعدم فهم قبل أن تصيح بغضب من بروده معها
- ماذا؟
جلست جواره تحاول عقد هدنة بينهما لتخبره بحنان وهي تتشبث بيده الساكن على الأريكة.
- أرجوك ريان لنذهب إلى الجد.
نظر لها بطرف عينه قبل أن يعود ثانية إلى التلفاز وهو يخبرها بإقرار وكأنه قد حسم الأمر تمامًا
- لن نذهب لأي مكان فآطم.
تنهد بهدوء وأخبرها بعدها بحنان
- الجد لا يريد رؤيتنا.
انتفضت من مكانها وتحركت صوب الباب وهي تخبره بعناد
- إن كنت لا ترغب في الخروج برفقتي فسوف أفعلها وحدي دونكَ.
اختتمت كلماتها وغادرت المنزل وقبل أن تصل إلى بوابة المنزل استمعت إلى صوت جرو صغير ينبح عليها من بعيد، تحركت بخطوات سريعة أشبه بالركض قبل أن يتحول إلى ركض بأقصى سرعتها مع صراخها الخائف مما قد يحدث والجرو خلفها حتى ظهر ريان من الداخل، لم يستطع تمالك أعصابه من منظرها ذاك ليحاول عدم الضحك حتى لا تسلب روحه منه، جدها تأتي من بعيد قبل أن تتشبث برقبته في خوف لتخبره بغضب
- أبعد ذاك الجرو عني ريان.
- أنثى لا ذكر.
قالها بهدوء يحاول إخبارها بنوع الجرو لتنظر له بغضب من بروده في التعامل مع الأمر، أخبرها بحنان
- لن يصيبك بمكروه فآطم كما أنه صغير جدًا على إيذائك.
اختتم كلماته واقترب من الجرو يلاعبه بسعادة، أشار لها أن تأتي لكنها رفضت في بداية ليخبرها بحماس
- الخوف من حيوان كهذا ليس في صالحكِ فآطم.
وصلتها ساخرة لتقترب منه بغل تنوي الانتقام منه لكن ما إن رآها الجرو حتى نبح أكثر من السابق لتنظر له الأخرى بغضب قبل أن تعود إلى مكانها ثانية ليقول لها ريان بهدوء محاولًا إقناعها
- وجب عليكِ مواجهة هواجسك فآطم حتى تتمكني من القضاء عليها الواحدة تلو الأخرى وتدركي بأن الخوف وهم ينشأ داخلنا ونحن نساعده على ذلك دون أدنى مجهود منا.
اختتم كلماته ليحثها على الاقتراب وبالفعل استجابت على استحياء وجلست تداعب الجرو بخوف في السابق لكن بعد دقائق اعتادت على الأمر وأخذت تداعبه بسعادة.
نظرت له بامتنان فهو محق كثيرًا في حديثه بأن الخوف مرض لن يدمر أحد غيرنا لذا وجب علينا الحذر حتى لا تكون العواقب وخيمة.
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان
أنت تقرأ
"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"
عاطفيةمن بين الرماد... "داء العشق يُبتر لا يُضمد" تحكي قصة فتاة تخلى عنها حبيبها ليلة الزفاف فماذا ستفعل حيال ذلك.. هل تبكي الأطلال أم تقف شامخة كحال ذويها!.. نحن أمام بضع كلمات منثورة تعطي إيحاء بوجود الأمل دومًا مادام القلب ينبض بالحياة.