"الفصل الثالث والثلاثون"
لازلنا أحياء مادام القلب يشاكس الحياة.
حينما نسقط في فخاخ البشر لا نفكر سوى بعواطفنا، بأهمية خروجنا من الفخ بأقل الخسائر حتى لو تهالكت أرواحنا جراء ذلك الأهم أن نكون سالمين بقشرة وهمية تجبر الجميع على الاقتناع أننا بخير حتى لو كنا نصارع في أحلامنا أو نصاب بنوبة انهيار نتيجة كابوس يطاردنا أثناء الاستيقاظ قبل الغفلة لندرك مؤخرًا أن ما كنا نصارعه مبدأ مزعزع من عقيدة مهترأة لم تضر سوانا فقط ولن تدنس أحد غيرنا.
لحظة تأمل مع النفس نفكر فيها بعد وقوع الكارثة بكوننا ظننا أن نصف الأمر ابتلاء لا مخرج له ولا مفر منه، تحاوطنا الأفكار بسوداويتها الملعونة لنخرج من كل ذلك أشباح تعيش حولنا بابتسامة باهتة.. بقلب مرتعش من النبض بالحياة ثانيةً والأصعب أننا نهون على أنفسنا دون أي شعور بالخجل نحو روح نحرها اليأس باستسلام أرعن وكأننا فقدنا الحياة في زحمة الألم وما بقي منا فتات لن تصلحه مشاعر الأقربون لينتهي فصل مهترأ من حكاية متهالكة لنضع نقطة صغيرة باللون الأبيض في سجل لم يحمل معه سوى سواد المعاناة.
لكن...
هنا نقف باستقامة لنضع عدة تساؤلات قد تجول في خاطرنا الآن..
ماذا لو كانت هناك يد تجاهد على انتشالنا من الظلام!
تردد عدة كلمات بأنها لن تتركنا نغوص في القاع وحدنا لأنها إما سوف تسبقتنا إلى الأسفل أو تلتقفنا من غياهب المجهول دون تفكير فيما قد يترتب على ذلك مُضحيًا بحياته ولن يطرح الأمر على عقله مرتين لأنه قد حسم قراره بالفعل.
الحياة قصيرة..!
بل الحياة أقصر مما تتخيل لذا التقط نفسًا عميقًا وافعل ما يُمليه عليك قلبك دون التفكير في رد فعل المقربون منك فأنت هنا وحدك ولن ينقذك من بين براثن الخوف سوى طريقتك المُثلى في إدارة الموقف قبل التخلص من كل ما يعوقك إلى الأبد.
- مرحبًا بكِ فافي.
قالها جمال بصوت جهوري وهو يتحرك حولها بخيلاء غير مصدق بأنه هنا معها في نفس المكان الذي حدث فيه كل شئ قبل دهر مؤكدًا لنفسه بأن أسطر النهاية لن ينقصها أي شئ لتصبح جاهزة بالطريقة التي ترضيه هو لا غيره.
أما فآطم ظنت بأن اليوم أتى أسرع مما كانت تتخيل حيث هي وجمال والخوف يترقب ما سوف تؤول إليه الأمور، إما أن تنصر جمال وهنيئًا لخوفها لبقية الحياة أو تجاهد لتفعل ما أخبرها به ريان عن المواجهة وحسم النتيجة لن يُريح أحد سواها على المدى البعيد.
حاولت التحرك من مكانها لكن جسدها بأكمله كان مكبل بطريقة تعجز عن وصفها فهي لا تشعر بجسدها حتى تدرك إن كانت جالسة على مقعد أما مستلقية على الأرض ويحيط بها الظلام من كل جانب بسبب قطعة قماش يضعها على عينيها.
- ألم تمل من تفكيرك الأرعن ذاك بعد..!
قالتها بصوت جاهدت على أن يكون حازم حتى لا يصله بأنها تكاد تموت رعبًا من وجوده معها بنفس المكان لتستمع إلى صوت ضحكاته وهو يخبرها بسخرية
- يبدو بأن الطبيب يقوم بعمله على أتم وجه.
هنا شعرت بالخوف يتسرب إلى فؤادها من احتمالية إصابته بأي أذى حينها فقط لن تُسامح نفسها مادامت تحيا لذا استجمعت شجاعتها وعادت ثانيةً إلى أرض المواجهة وهي تخبره بيأس
- لِمَ عدتُ جمال..!
- يبدو بأن الطبيب قد جعلك أكثر وقاحة أيضـًا فافي.
قالها بمراوغة حينما وجدها تتحدث معه دون ألقاب وكأنه لا يمثل لها أي شئ في الحياة، لحظة واحدة هو لا يمثل لها شئ من الأساس.
أزال تلك القطعة من على عينيها لتجد نفسها تنظر له بطريقة مقلوبة -أي تم تعليقها من قدميها مع التفاف الحبل حول جسدها بأكمله بطريقة تشبه الذبيحة- وقبل أن تستوعب وضعها ذاك أخبرها هو بسعادة
- ما رأيك بأول لقاء بيننا فآطم بعد كل تلك السنوات التي قضيتها بمفردي دون وجودكم بحياتي!
- أنت مَن اختار جمال لا نحن.
قالتها تحاول تبرير موقفها قبل أن تصرخ فيه بغضب
- أنت مَن دمر العائلة لا نحن.
راقبته بعينيها وهي تُكمل حديثها بحنق
- أنت مَن قتل تيم وتركتنا نعيش في وهم الخزي قبل الخوف لسنوات والآن أتيت بكل تبجح لتقف أمامي متعللًا بأنه ينقصك عدة لمسات لإتمام انتقام أرعن لا وجود له سوى بذاكرتك الملعونة.
كلامها أيقظه من ثُباته الطويل ليدرك بأن تلك التي أمامه ليست ابنته التي كانت ترتعد لوجوده أمامها أو حتى النظر إليها بل أخرى اكتسبت الشجاعة مؤخرًا وتناطحه رأس برأس دون أن يرف لها جفن مع أنه يكاد يجزم بأنها تكاد تموت رعبًا من وجودهما تحت سقف واحد لكن مهلًا اللعبة أصبحت أمتع الآن وانتقلت إلى مستوى أعلى مما كان يتخيل وهذا يعجبه أيضـًا.
شعرت بشئ ما يتحرك على جسدها وقبل أن تنصدم أخبرها جمال بحقد
- أتذكرين تلك الليلة التي حدث فيها كل سئ معكِ! تلك الليلة التي تكرهينها حتى الآن ولا تستطيعي الخروج من شركها..!
لم يعطها الفرصة للرد فكل ما يريده هو تذكيرها بأمر لم تتعافى من أثره بعد ولا تستطيع نسيانه بل أكمل حديثه قائلًا
- كانت هناك أفعى صغيرة بالمكان لكن قدرك أنقذك يومها مما كنت مقبلة عليه واليوم لن ينقذك من بين براثني سواي.
سلطت نظراتها لأسفل لتجد حوض به الكثير من الحيايا أسفل رأسها مباشرة لا يفصلها عنهم سوى عدة يردات قليلة تتحركن بطريقة ملتوية في الإناء الموجودات به لتشعر بأن إحداهن تقبع على جسدها الآن مع شعور بالتقزز اجتاح جسدها فجأة من أن تصبح وجبة لهم ليصلها صوت جمال الضاحك وهو يخبرها بهدوء بعدما وجد ملامحها النافرة من الأمر بأكمله
- إن حررتك من وضعيتك المعكوسة تلك قد تنهشك تلك الجميلات دون رحمة.
- مختل.
قالتها همسًا لكنه لم يسمعها فقد كان يتحرك بطريقة استعراضية أمامها وهو يخبرها بتفاخر بعد تفكير
- ما رأيك بالغرفة بعد تجديدها وإضافة المزيد من التعديلات عليها.
أخذت تتأمل المكان بعيون مرتجفة وقلب مرتعش فهي على أعتاب مكان يذكرها بكل سئ مر عليها في حياتها..
تلك الغرفة التي شهدت اغتيال براءتها..
فقدان توأمها..
انهيار عالمها..
والأسوأ أنها آخر ذكرى جمعت بينها وبين توأمها الراحل.
لكل منا ذكرى سوداء لا يحب الخوض بها مهما حدث لكن هو يذكرها في كل لحظة بما اقترفته يداه من إثم وياليته ندم بعد كل تلك السنوات لكنه للأسف أصبح أكثر تجبرًا وكأن كل ما يهمه هو نفسه فقط مثل السابق تمامًا، الحجز لم يجعل قلبه لَينًا بل ازداد قتامة وسوداوية عن السابق ولأول مرة تشعر نحوه بالشفقة فهو أفنى حياته بأكملها دون ذرة من شعور بالخجل قد تسرب إليه في تلك الليالي الباردة.
شعرت بتأرجح الحبل لتطلق صرخة حادة حينما اصطدمت رأسها بالأرضية الصلبة وعقلها لا يستوعب بعد أن وضعيتها العجيبة تلك قد تخطتها بأقل خسائر لتدرك بأن الحيايا التي أخبرها عنها جمال يفصل بينهما حاجز زجاجي شفاف من بعيد تظن بأنه غير موجود من الأساس لتتحرك أكثر من مرة في محاولة منها للتخلص من قيدها لكن دون نتيجة.
تنهدت بضيق وهي تنظر إلى جمال المبتسم بسماجة لتخبره بنبرة جافة
- إلى أين ستصل بعد كل هذا؟
- إلى سلب روحك.
قالها بلامبالاة وهو يجلس على كرسيه العتيق كملك متوج في مملكة الظلام، أخرج لفافة تبغه ليدسها في فمه متجاهلًا شعور بالألم بدأ يضرب جسده بنهم مؤكدًا بأنه يشعر بذاك الألم منذ أيام لكنه كما العادة تجاهله تمامًا حتى يُنهي كل ما له علاقة بالماض.
أما فآطم فهي في تلك اللحظة تحديدًا تشعر بالرعب لكونها على مقربة منه ولا يفصل بينها وبين بطشه سوى القليل، تجاهد على التماسك لكنها بالفعل تكاد تموت من شدة خوفها مما قد يفعله بها وأمام شرودها وجدته يقترب منها ليجلس على الأرضية جوارها وهو يخبرها بهدوء يشرح لها الأمر
- ذاك المنزل لم يكن سوى مقبرة لسعادتي فآطم.
- كان بإمكانك تركه والمضي قِدمًا في حياتك ونحن لم نكن لنشتاق لك... أقسم بذلك.
ابتسم من حديثها الواثق رغم يقينه بأنها خائفة مما قد يحدث بعد ذلك ليستمع إلى حديثها وهي تكمل بنبرة أقرب للبكاء
- حينها فقط كان ليظل تيم جوارنا ولن تكون حياتنا كما هي الآن أبدًا.
صفق بيده عدة مرات علامة إعجابه بحديثها العقلاني نوعًا ما وهو يخبرها بهدوء
- حينها لن تكون هناك عائلة فآطم.
تعقيبًا على حديث لن تصدقه إن أخبرها به صباحًا قبل مساءًا فالعائلة سند وبحالتهم جميعًا العائلة لم تكن سوى كابوس مظلم التهم الجميع ولم يتبقى سوى أطلال لأشباح تجاهد على التحرك في الظلام.
- انتهى الجانب النظري الآن.
قالها بحماس وهو يقفز من مكانه ليصرخ بألم حينما اجتاحه وجع غريب يضرب جانبه الأيمن لتنظر له بطرف عينها باندهاش من كونه يتألم مثلنا فقد ظنته دون إحساس بأي مما يحدث حوله.
عم الصمت في أرجاء المكان قليلًا إلا من صوت تنفسه الحاد ليهدأ كل شئ ويقف تلك المرة مترنحًا قليلًا وهو يقول بهدوء
- حان الوقت لإكمال بعض الأمور المتعلقة بيننا صغيرتي الجميلة.
هنا ارتعدت من ذاك الصندوق الذي بين يديه ليضعه بالقرب منها قبل أن يجلسها ليفك وثاق يديها وهو يقول بهدوء
- مواجهة المجهول.
تتذكر بوضوح ما فعله آخر مرة حينما أصر على أن تمد يدها بداخل الصندوق لكنها لم تقدر على فعلها وراح ضحية طيشه في ذاك الوقت شقيقها تيم لذا بُهِتت ملامحها بألم وهي ترى كل ما حدث في الماض يُعاد في ذكرياتها الآن لتصرخ بتيه غير مدركة للوقت وقد اختلط عليها الماض والحاضر
- سأفعل ما تقول لكن لا تقتله أرجوك.
قالتها وأخذت تبكي بصوت مرتفع فالماض لا يرحمها ولا والدها كذلك، هي هنا مغيبة بين ماض تحاول الهروب من أسره وحاضر يلاحقها بأنيابه لتعود إلى هوة الخوف ثانية.
أما جمال فقد شعر بالصدمة من هذيانها مؤكدًا لنفسه بأنها ربما تفعل ذلك حتى تجعله يشعر بالذنب مما اقترف سابقًا لكن ما الذي اقترفه ليكون لديه مثل تلك الفتاة العاق بحياته ليتنهد بضيق وهو يخبرها بقسوة
- كفاكِ جنون فافي.
حتى اللقب تكرهه.. هكذا أخبرت نفسها فكل ما في المكان يجعلها تشعر بالغثيان قبل أن يرشدها إلى هوة سحيقة قد لا تخرج منها على خير بعد فهي شبه متأكدة بأن القادم لن يكون كما السابق بل أسوأ منه بمراحل وقد تأكدت ظنونها حينما تم تشغيل جهاز بأحد أركان الغرفة يصدر موسيقى مزعجة تتلاعب بأوتار استقرارها النفسي لتغمض عينيها بألم وهي تشعر بالأرضية تتحرك أسفلها ليُفتح جزء منها ويخرج العديد من الرؤوس الصلبة التي بدأت تخترق قدميها ببطء شديد ليخبرها جمال بهدوء
- تلك الرؤوس الحادة أكثر شئ فادني طوال فترة وجودي في السجن لذا هنيئًا لك تجربتها.
بكت بصمت عله يتركها لكنه كان كالمغيب تمامًا فأسر السنوات الماضية لازال عائق بينه وبين تقبل حقيقة أنه ربما أخطأ في حق نفسه في المقام الأول فقد كانت لديه عائلة يتمناها أي شخص لكن الطمع هو ما وقف حائل بينهما فهنيئًا له الشقاء ولهم التعاسة، هكذا أخبر نفسه ليصمت لحظات قبل أن يخبرها باستفاضة وهو يشعر بالغضب منها ومن كل ما يحدث حوله
- تلك السنوات التي قضيتها هناك كانت بسببك أنتِ وأشقائكِ الأغبياء فآطم.
- أنتَ مَن وضع عائق بيننا وبينك لا نحن.
قالتها فآطم باستماتة وهي تدافع عن نفسها وأشقائها كذلك وكأنها بذلك تنفي تهمة سجنه طوال السنوات الماضية ليقترب منها بغضب وهو يسحب رأسها للخلف لتصدر آهة متألمة من قسوة جذبه ليخبرها بهمس جوار أذنها
- تشبهين والدتك في ضعفها فآطم.
ضحك باستهزاء وهو يكمل بهدوء
- كانت مغفلة مثلك تمامًا وظنت بأن الوردية يمكنها أن تنير الظلام بل وتقضي عليه.
حررها من قبضته ليقول بعدها بلامبالاة
- لكنها كانت ساذجة حد الهلاك، ساذجة في حياتها قبل أن تكون ضعيفة في كل قرار قد يترتب عليه يومها وأنتِ مثلها تمامًا.
قرب الصندوق من يدها ليأمرها بهدوء أن تضع يدها به وتخرج ما فيه لترفض في البداية ليخبرها بقسوة وبنبرة أشبه بالتهديد
- إما أن تفعليها بهدوء أو أترك تلك الرقطاء لتفعل بك ما تشاء.
قالها وأشار إلى أفعى موضوعة على الحائط في صندوق زجاجي شفاف لتشهق بفزع من تهديده قبل أن تضع يدها مجبرة تبحث في الصندوق عن أي شئ يمكنها التقاطه والمفاجأة أنه كان فارغ تمامًا لتزفر براحة ما لبث أن بهتت حينما أخبرها بلامبالاة
- لو كنتِ فعلتها هكذا قبل سنوات لكان شقيقك الأحمق على قيد الحياة الآن.
أزاح الصندوق من بين يديها بقسوة وهو يكمل بغضب
- أنتِ السبب في موته فآطم لا أنا.
اختتم كلماته ووضع صندوق أكبر قليلًا أمامها يأمرها بفعل المثل ورغم ترددها السابق إلا أنها وافقت ومدت يدها لتشعر بشئ يتحرك أسفل يدها، أمسكته وسحبت يدها بسرعة لتصرخ بفزع حينما وجدتها ثعبان صغير يتحرك في كافة الاتجاهات دون راحة وقبل أن تتركه أخبرها هو بسعادة حقيقية
- إن تركته ستكوني أول واحدة تُلدغ من بين أنيابه وتموت بسبب سُمه المميت.
قال كلماته وجلس جوارها أرضـًا في تعب فهو لا يعرف ما يحدث له في الأوانة الأخيرة ومدى ضعف جسده الذي يشعر به مؤخرًا هكذا لتخبره هي بتوتر
- أنتَ بخير..!
ابتسم بقسوة وهو يخبرها بغضب
- لن أموت بسرعة فآطم فلدينا الكثير لننهيه سويًا.
صُعِقت من كلماته فرغم كونه يتألم إلا أنه يُكابر لأجل انتقام واه وضعه بينه وبين نفسه لتحقيقه دون عيش حياة خاصة به قد تنجيه من شرك أفكاره.
وجدته يجلس بتكاسل لتقذف الثعبان بسرعة في الصندوق قبل أن تزيحه بعيدًا عنها وتفك أسر قدميها من الحبال، حذرها بغضب من ألا تتحرك حتى لا تصاب من تلك الرؤوس الحادة أسفلها لكنها لم تستمع له خاصةً وهي تجده يجلس هكذا دون حراك ويجاهد لالتقاط أنفاسه ولا تدرك ما حدث بعدها حيث وجدته يتمدد أرضـًا ويصرخ بتعب لتنظر له بهدوء وداخلها يخبرها بأن تهرب وتتركه بمفرده دون مساعدة منها لكن قلبها لم يطاوعها أن تفعل ذلك لأنه في نهاية المطاف والدها قبل كونه شخص يتألم ووجب عليها مساعدته لتفتش بين ثيابه حتى عثرت على هاتفه المحمول، ضغطت عدة أرقام وما إن وصلها صوت الطرف الآخر حتى قالت بعصبية ممزوجة بالبكاء
- والدي لا يستطيع التنفس بصورة طبيعية ويشعر بالكثير من التعب في الوقت الحالي.
جلست جواره تتأمل جسده المسجي أرضـًا وهي تفكر بأنها أخطأت في الاتصال بالإسعاف لإنقاذه ربما إن تركته يموت هكذا أفضل لهم جميعًا ولن يطاردهم بعد ذلك فهناك احتمالية من التخلص منه للأبد دون ذرة رحمة.
هنا سقطت فآطم في شرك التردد لا تدري أتساعده أم تتركه يموت بالبطئ أمام عينيها كما فعل مع شقيقها تيم في الصغر.. لكن إن فعلت ذلك فهل سيطاردها شبحه ليلًا لأن حياته سُلِبت أمام عينيها دون أن تأخذ رد فعل ملائم أم يتركها تنعم بحياة هانئة بعد أيام عجاف لم تتذوق طعم السعادة فيها.
أخذت تترنح بين هذيانها حتى استمعت إلى صوت سيارة الشرطة بالخارج لتطرق على الباب بعنف علَّ أحدهم ينجدها لتجد الباب ينكسر قبل أن يظهر ريان من خلفه ومعه العديد من رجال الشرطة يحيطون بالمكان ليتجه صوبها قبل أن يحتضنها بحزن وهو يخبرها بتساؤل
- أنتِ بخير فآطم..!
لم يعطها فرصة للإجابة فقد أخذ يفحصها بحنان وهو يخبرها بألم
- أعتذر حبيبتي على تأخري عليكِ.
ابتعدت عنه بسرعة وهي تخبره ببكاء
- أرجوك أنقذه ريان.
قالت كلماتها وجلست جوار والدها ليجلس هو الآخر جوارها يتأمل نبضه ليخبر الضابط الذي وقف يطالعهم بعدم فهم
- نبضه ضعيف للغاية.
وصل المسعفون ليتحرك ريان جانبًا ويحتضن فآطم من كتفها ليجبرها على الوقوف لتقف بتعب وهي تتأمل أحدهم يضع قناعًا على وجه جمال ليساعده على التنفس بصورة طبيعية قبل أن يأخذه البقية للخارج متجهين صوب أقرب مشفى لتنظر فآطم نحو ريان وهي تترجاه بألم
- أريد الذهاب معه.
استأذن من الضابط المسؤول عن التحقيق بأن يغادرا مع سيارة الإسعاف ورغم اعتراضه السابق إلا أنه وافق وليتأجل التحقيق حتى يقف على الحالة الصحية للجاني، أخذها ريان واتجها صوب الخارج ليكونا معه رغم عدم اقتناعه بكل ما تفعله فآطم فهو يشعر بأنها لا تميز بين أي شئ سوى احتمالية خسارته كما حدث مع تيم وشعور بالذنب يبدأ باجتياحها لبقية حياتها ليفعل كل ما تريده وبعدها بينهما جلسة مطولة يفهم منها الأمر.
ظلت صامتة طوال الطريق تستند برأسها على كتفه ولا تتحدث حتى وصلا إلى المشفى لتجلس على أقرب مقعد دون التفوه بحرف واحد، ظنها لن تتحدث لذا قرر الذهاب إلى ممرضة بآخر الرواق يُحضر بعض الإسعافات الأولية لتتشبث بكفه قبل أن تخبره بنبرة تائهة
- هل أنا مخطئة في إنقاذه..!
- لا عليكِ فآطم لقد تعاملتِ بطيبتكِ فآطم لا بقسوته.
قالها بحنان وهو يجلس جوارها ليتحضنها بينما هي لا تشعر بأي شئ سوى مرار يتسرب إليها ليدمر استقرارها قبل حياتها بالبطئ لتخبره بتشوش وداخلها يكاد ينتفض رعبًا من كثرة الألم الذي ضرب جسدها فجأة
- أشعر بالخيانة تجاه تيم وما حدث معه.
- بالعكس فآطم لو لم تفعلي ذلك لكنتِ شعرتِ بالكثير من الندم فيما بعد.
حديثه أقنعها قليلًا ليخرج الطبيب من الغرفة بعدما اختفى فيها لفترة من الوقت ليذهب إليه ريان يسأله عن حالة المريض وهو يتحدث بهدوء
- كيف حاله الآن أيها الطبيب؟
- لا يبدو بخير على الإطلاق فالمريض تم إخضاعه لفحص السموم وتبين وجود الإيثيلين جليكول في جسده.
- ماذا؟
قالها بعدم استيعاب فريان يدرك جيدًا أن هذا المُركب رغم وجوده في صورة سائلة إلا أنه سم على المدى البطئ إذا تناوله الشخص دون أن يدرك خطورته خاصةً كونه يشبه العصير في حلاوته لتقترب منه فآطم تسأل ريان عن مقصد الطبيب ليقول لها بحنان
- الأمور ليست على ما يرام مع جمال فآطم.
عادت إلى مكانها ليُكمل ريان حديثه مع الطبيب قبل أن تأتي ممرضة مسرعة إلى الخارج تخبر الآخر بهمس لم يسمعه ريان قبل أن يستأذن منه ويعود إلى الداخل وبعدها بلحظات أتى ثانيةً وأخبره بحزن
- يبدو بأن جسده قد استسلم تمامًا لتأثير السُم.
صمت يحاول تدارك الأمر فالمريض قد أتى في مرحلة متأخرة للغاية بعد انهيار منظومة جسده بأكملها ليكمل بهدوء
- البقاء لله.
قالها وغادر لتبهت ملامح فآطم غير مستوعبة ما حدث قبل أن تقول بغضب ممزوج بالكثير من الحزن
- كيف يمكنه الموت هكذا دون تصفية حسابنا ريان.
حاولت البكاء رثاءً لوفاته لكنها تشعر بالخيانة نحو شقيقها الذي توفى وعانت لأجله سنوات عجاف.
حاولت الشعور بالشفقة عليه لكنه لم يشعر بذلك حينما كان في نفس موقفها سابقًا وكان هو رمز الجبروت ولم يرأف لحالهم
حاولت وحاولت والنتيجة فشل ذريع مع الكثير من تبلد المشاعر أصابها في مقتل لتتماسك دون أن تحاول الانهيار فما رأته منه أكبر من احتمالية غفرانها له لتقول بهمس بعدما صوبت نظراتها نحو زوجها الذي يطالعها بقلق
- وفاته أفضل لنا جميعًا.
قالتها وجلست دون أن تُبادر بفعل أي شئ آخر فلا مدركة بأن ريان كان معه كل الحق بأنها فعلت الصواب حتى لا تُصاب بخيبة أمل فيما بعد لكونها لم تساعده.
مرت عدة أيام بعد دفنه دون الحديث مع أحد فقط البقاء صامتة وكأنها قد أرادت الانفصال عن العالم بأكمله حتى تُصلح داخلها وبعدها مرحبًا بحياة أكثر استقرار، طلبت من ريان الذهاب إلى منزلهم السابق بعدما تحولت القضية إلى صهيب يحقق فيها خاصةً وأنها مرتبطة بطريقة ما بقضية الضحية نوفان شوكر بعدما أظهرت نتائج الطب الشرعي وجود الإيثيلين جليكول في جسدها هي الأخرى ليتم توكيل صهيب بالتحقيق في تلك القضية أيضـًا.
كذلك فآطم أخبرت الشرطة بأن جمال لم يختطفها بل الأمر أن طرقهم تشابكت ثانيةً وأنها تريد التنازل عن كل شئ حتى تستطيع البقاء في منزلهم السابق مرة أخرى، تفهم الضابط حالتها وتم التنازل عن الشكوى التي قدمها زوجها لتذهب معه أخيرًا إلى هناك وبالأخص إلى غرفة بعينها كانت تسبب لها الكثير من الهواجس في السابق، لتنظر بعينها إلى مكان الحيايا الفارغة وقبل أن تسأل أخبرها ريان بحنان
- الشرطة تحفظت عليهم وقد وافق أوار على ذلك.
ابتسمت بيأس قبل أن تنظر إلى إناء يحتوي على مادة مشتعلة كان قد أحضرها جمال سابقًا لتأخذها قبل أن تنثر محتوياتها في أركان الغرفة وحينما حاول ريان منعها أخبرته بحزم
- ليس الآن.
لم يفهم مقصدها لتخبره بمزيد من الإصرار
- لن أتراجع عن الأمر ريان بعد كل ما حدث.
اختتمت كلماتها وأشعلت النيران في الغرفة لتتأمل النيران تتراقص حولها كما تراقصت ضحكات جمال الشيطانية وتفكيره المجنون من قبل، شعرت بالراحة تتسلل إليها خاصةً حينما شعرت بروح شقيقها تقف أمامها وتبتسم بفخر لتدرك فآطم أنها فعلت الصواب بالفعل ويمكنها الآن إكمال بقية حياتها بالطريقة التي تريدها هي دون أن يؤثر على قرارها أي من هواجسها السابقة.
وفي المساء جلست على الأريكة في غرفة النوم منتظرة قدوم زوجها الذي طال غيابه بالخارج كثيرًا فبعد إحراقها للمنزل غادر لإنهاء بعض الأمور حتى لا تتفاقم، ابتسمت بحنان وهي تتذكر قلقه عليها طوال الأيام الماضية واشتد الأمر مع وجومها الدائم وكأنها تطرده من حيز حياتها دون مجهود.
رأته يدلف للداخل بتثاقل لتتنهد بضيق قبل أن تقول بحزن
- ظننتها النهاية ريان.
لم يحاول منعها من التحدث حتى لا يتراكم الأمر عليها ويتحول إلى جلد ذات فيما بعد خاصة أنها لم تتحدث عن أي مما حدث سابقًا وتركها كما تشاء لتُكمل بحزن
- أول شخص طرأ في ذاكرتي حينها هو أنتَ.
صُدِم من حديثها فتلك أول مرة تخصه بمشاعرها وتصرح بها علانيةً بعدما دُفِنت طويلًا تحت قناع اليأس، تنهدت بيأس وهي تُكمل بحنان
- لم أشعر سوى بأن حياتنا لم تبدأ معًا لأرحل هكذا دون وداع أخير منك أو حتى أخبرك بما أشعر به تجاهك.
تلعثمت وارتجف داخلها قبل أن تخبره بحنان
- حينها فقط أدركت بأنه لو تبقى في حياتي لحظات فقط أريد أن أقضيها معك.
اقترب منها ليحتضنها بسعادة فأخيرًا بعد جفاء الأيام السابقة أتى المطر ليخبره بأنه قد صبر كثيرًا وحان وقت الراحة فهو لم يضغط عليها في أي شئ يخص حياتهما سويًا حتى لا تشعر بأنها محاطة في حصار حبه أو سقطت في شرك حنانه وتندم بعدها بل وتهجره دون ندم، همست بسعادة جوار أذنه وهي تقول بحنان
- أُحبكَ ريان كما لم أفعل مع أحد قبل.
- وأنا أعشقكِ جميلتي فآطم.
قالها وهو يطبع قُبلة حانية على وجنتها لتبتسم بخجل قبل أن تدفن رأسها في صدره لتستأنف حديثها بحنان
- بل أنا أهيم بك عشقًا حبيبي الحاني.
لم يشعر سوى أنه بحاجة إلى البقاء هكذا طوال الليل يستمع إلى سيمفونية عشقها دون كلل فهو قد انتظر كثيرًا حتى تعترف له بأي شئ مما تشعر به تجاهه والآن قد جادت عليه بالكثير دون مقدمات لتتجرأ أكثر وهي تعبث بخصلات شعره بعبث ليبتسم لها بمشاكسة فهي قد أعطته الضوء الأخضر لينفذ كل تخيلاته الجامحة في الوقت الراهن لتصبح فآطم زوجته قلبًا وقالبًا بعد عناء ليال طويلة مع كوابيس ظنها لن تنتهي قريبًا لكنه سعيد بأنها بادرت بالأمر وهو أكمل الطريق معها ليقسم بأنه لن يفرقهما سوى الموت بعد الآن.
تقول أمي مِرارًا بأن المحاولة مع كثرة الخيبات تصيب القلب بالعطب وتنحر المشاعر في مهدها لكن حينما يتجدد الأمل بشعاع عشق قد ينير بعض طرقات اليأس داخل عطب قلوبنا حينها فقط يمكننا الوقوف مجددًا في وجه العاصفة دون خوف من تراكمات جعلت وجيبنا يخفق بخوف مما قد ينتظره مستقبلًا إن ظل يجاهد للبقاء وحده يحارب عواصف الظلام.
وشعاع الضوء الخاص بفآطم وحامل راية أملها في البقاء أقوى لأجل نفسه أولا قبله قد أستعمرها بمشاعر ظنتها لا توجد سوى في القصص المصورة فقط لكنها قد وحدتها على أرض الواقع ولن تتنازل عنها مهما كلفها الأمر حتى وان اضطرت لفقد حياتها جراء ذلك.
.....................
يُقال بأن وراء كل ثري سر يجاهد على إخفائه.. يتشبث بطاقة الإصرار لمحوه من الحياة مهما كلفه الأمر ومهما دفع مقابل ذلك.. يُقال بأنه مهما خبأته طويلًا إلا أنه يعود في النهاية ليواجهك بأسوأ وسيلة لم تتوقعها قط بل ويباغتك بعدة ضربات متتالية حتى تفقد وعيك تمامًا وبعدها تحاول الوصول إلى راية الاستسلام لرفعها لكن حينها فقط ستكون نهايتك وكل مَن ظلمته سابقًا يُجهز ضربته القاضية للقضاء عليك دون شفقة.
- حانت آخرتك سيد علي.
هكذا قرأ الرسالة من مجهول عدة مرات ليحاول تبين الأمر لكنه لم يفلح فأعدائه مهما أنكر كُثر ليظن بأنه ربما جمال مَن أرسل له تلك الرسالة في محاولة منه لتهديده لكن رجاله أخبروه بأن الوضع عند الآخر مستتب للغاية ولا يوجد شئ يدعو للقلق لذا قرر بأن يتصل على ذاك الرقم وما إن فُتِح الطرف الآخر حتى تحدث علي باندفاع
- سأجعلك تندم لبقية حياتك للعبث معي هكذا دون أن تعرف حجمك الطبيعي.
لم يصله سوى قهقهات من الطرف الآخر وكأنه يستخف بحديثه الهازئ ذاك ليبتلع ريقه بتوتر وهو يخبره بنبرة شامتة
- بل أنتَ علي مَن لم يدرك حجمه الطبيعي بعد.
ضحك علي باستهزاء على حديثه ليخبره الطرف الآخر بشماتة
- اضحك الآن وقريبًا جدًا ستترجاني لأصفح عنك ولن يحدث يا هذا.
قالها وأغلق الهاتف دون الاستماع إلى كلمة أخرى لتبهت ملامح علي مما قد يحدث خاصة وأنه مجهول بالنسبة له لم يعرف هويته بعد ليتنهد بضيق قبل أن يضغط عدة أرقام يتصل برجاله يتأكد منهم أن جمال لازال تحت نظراتهم ليخبره أحدهم بصدمة زلزلت كيانه بأكمله
- جمال قد توفى منذ عدة أيام.
- ولماذا لم تخبرني أيها الأحمق؟
قالها علي وهو يصرخ للطرف الآخر ليخبره بهدوء محاولًا تبرير الأمر
- لأنك لم تطلب منا إخبارك بما يخصه سيد علي فقط كل ما كان علينا فعله مراقبته وانتهى دورنا الآن.
قالها وأغلق الهاتف في وجهه لينفجر علي بغضب وهو يقذف كل ما تطاله يده بجنون من كل ما يحدث معه وكأن الجميع يريد تدميره دون هوادة.
تنفس بغضب وهو يشعر بأن نهايته قد اقتربت بعد معرفته بوفاة جمال وكذلك جهله بمكان ابنته حتى الآن ليستمع إلى صوت إشعار بوصول رسالة جديدة من نفس المجهول، فتحها لتجحظ عيناه بصدمة من الصورة التي أرسلها لها وذيل أسفلها عدة كلمات منمقة لكنها جعلت يشعر وكأن نصل حاد قد أصابه في مقتل
"ابنتك من دار الأيتام لازالت جميلة كما كانت منذ الصغر بل إنها أيضـًا تتوق إلى رؤيتك قريبًا".
- مَن أنتَ بحق الجحيم؟
قالها بصراخ قبل أن يقذف الهاتف في الحائط بيأس وهو يشعر بأن الأرض تدور به ليسقط على أقرب أريكة وذكريات التخلي فتحت أبواب ذكرياته على مصرعيها دون ندم هذه المرة فهو قد أجل كل ذلك كثيرًا وحانت نهاية فصل عاث به فسادًا كيفما شاء لكن نقطة النهاية به ستكون مُرضية له أم ستهلكه دون ندم عليه وكأنه والعدم سواء لا يفصل بينهما سوى طريقة التخلى عن الماض وتركه للقدر يحركه بالطريقة التي يريدها برغبته هو لا برغبة علي.
أما على الطرف الآخر فقد توقع تمامًا ما يحدث مع علي وثورته الواهية في معرفة أحدهم لسر ظ يخبأه طويلًا لكن القدر وضعه في طريقه لينظر إلى صديقه الذي أخبره بتساؤل
- متى ستنتهي لعبة الغُميضة تلك أركان؟
ابتسم أركان وهو يستند على ظهر مقعده براحة وبعدها أخبره بهدوء
- قريبًا جدًا كارم بل أقرب مما تتخيل.
- أخاف عليك من علي وشره.
قالها كارم بتبرير ليخبره الآخر بهدوء وهو يُغمض عينيه بتعب
- علي انتهى منذ زمن لكنه يُكابر في فهم الأمر.
ابتسم كارم لحديث صديقه فهو يدرك جيدًا أنه لن يتخلى عن الأمر حتى يصبح علي في موقف ضعف عقابًا له على ما فعله مع والدته قبله سابقًا بل وجعلها تصل إلى تلك الحالة السيئة دون أن يشعر بالشفقة عليهما رغم أنهما لم يكونا غريبين وكان هو مصدر حمايتهم لكنه بحماقة رعناء دمر حياتهم ولم ينظر لعواقب ذلك مستقبلًا ليهاجمه الماض بأسوأ وقت مضى على تجبره طوال فترة حياته وفرصة أركان أتت ولن يتركها تتسرب من بين يديه هكذا دون أن يأخذ حقه على أكمل وجه.
- ماذا ستفعل مع ابنته!
- أي واحدة.
قالها وارتفعت صوت قهقهاته بسعادة في تلك اللحظة فهو يشعر بأنه يمتلك كنز هائل لن يعوضه عن سنوات عمره السابقة لكنه كفيل لأن يُدخِل السرور على قلبه ولو قليلًا فقط الوقت هو العامل الأهم الذي انتظره طوال حياته.
صوت طرقات على الباب جعلته يهدر بصوت مرتفع لمَن في الخارج بأنه لا يود مقابلة أحد لتدخل هي بعنفوانها الغاضب وهي تخبره بغضب
- لِمَ تتهرب من رؤيتي أركان!
قالتها باستنكار ليخبرها كارم بهدوء محاولًا امتصاص غضبها فهي مهما حدث تظل جزء من خطة وضعها أركان طويلًا ولن يتهاون في أي خطأ قد يودي بخطته إلى الفشل
- كيف حالك حياء؟
- بل حياء المزيفة.
قالها أركان بهدوء وهو ينظر لها بلامبالاة لتشتعل غيظًا من تجاهله لها طوال الأيام الماضية لتخبره بغضب
- إن كنت قد أحضرتني إلى هنا لإهانتي فسأغادر على الفور دون ترك أي أثر خلفي.
- إن كان بإمكانك فعلها فهنيئًا لكِ.
قالها أركان بهدوء وهو ينظر لها بتحد لتأخذ مزهرية موضوعة جانبًا وتقذفها على الحائط خلفه لينظر هو وكارم إليها بصدمة مما فعلته فأركان كان على وشك الإصابة منذ لحظات بسببها لتجلس على المقعد في مقابلته هو وصديقه قبل أن تخبره بتحد
- لا تنس بأن الكوبرا تلدغ دون تهاون.
- لقد كانت الجوكر في خطتك أركان.
قالها كارم بتبرير يحاول معرفة موقفه مع تلك الحانقة أمامه ليخبره أركان باستخفاف
- كانت والآن أصبحت بطاقة جوكر محترقة لن تفيدني في شئ.
اختتم كلماته ليضع مسجل على المكتب أمامها قبل أن تستمع إلى صوت طارق يتحدث في الهاتف مع أوار ويخبره بهدوء
- كيف حال حياء أوار؟
رغم مباغتة سؤال طارق وعدم توقعه إلا أنه لم يتأثر لذا أخبره بمراوغة
- من المفترض أن تكون الإجابة عندك طارق لا أنا.
ضحك طارق باستخفاف من إجابته الساذجة وكأنه لا يعلم بأن الموجودة معه مزيفة، تنهد بضيق وتساءل بحيرة
- لماذا لم تخبرني بأنها مزيفة أوار؟
أغلق أركان التسجيل ليخبرهم بعدها بهدوء شارحًا بالتفصيل ما حدث في ذلك اليوم
- كنت اتصل على تلك الحمقاء لأخبرها بأمر ما لكنها لم تجيب بل فتحت الاتصال دون أن تعلم وبعدها استمعت إلى صوت طارق يتحدث مع أوار عنكِ وكم أنتِ أصبحتِ بطاقة مكشوفة بالنسبة لهم.
- لكن لا تنس بأنه لولا مساعدتي لم تكن كارمن لتصبح بحوزتك الآن.
قالتها بتفاخر وهي تنظر إلى طلاء أظافرها الذي أهداه لها طارق منذ فترة أي في نفس اليوم الذي تم تسجيل تلك المكالمة معه، أكان يخدعها في ذلك الوقت ليُسقطها في شرك إثمها أم ماذا وهي كالمخدوعة تحركت خلفه دون أن تشعر بأنها قد غرقت في الوحل ومَن عليه إنقاذها تركها في الحال، حمحم أركان بهدوء ليخبرها بعدها بحنق
- كما أن حياء الأصلية لازالت على قيد الحياة.
هنا صُعِقت إيما "حياء المزيفة" من كم الحقائق التي عرفتها دفعة واحدة لكن لم يُمهلها أركان فرصة لتفكر بل أخبرها بحنق
- كل عملك السابق لديه ذيول عزيزتي وهذا يدل على فشلك الذريع في إدارة الأمور.
قالها بإقرار لتنظر له بحنق من حديثه الجارح لها لتخبره بغضب
- أريد العودة حيث كنت.
- دون إنهاء الأمور المعلقة التي تخصك..!
قالها أركان باستنكار قبل أن يكمل حديثه بهدوء حذر متوقعًا ثورتها نتيجة رفضه
- فالإجابة لا.
تنهدت بضيق وهي تكاد تستشيط غضبـًا من عجرفته الزائدة معها لتستند برأسها على المقعد قبل أن تضع قدمًا فوق الأخرى تتأمل ملامحه الهادئة عكس صديقه لتخبره بهدوء
- حسنًا إذن لكن بعدها تأكد بأني سأقتلك أركان.
قالتها ونظرت لهم لينفجروا جميعًا في الضحك من تلك المسرحية الهزلية التي قام بها ثلاثتهم منذ قليل فهم شركاء في كل ما يحدث ولن يتخلى أحدهم عن البقية مهما حدث لتسبح إيما في ذكرياتها العتيقة ولم تخرج منها سوى بواحدة مؤثرة حدثت في الأيام السابقة وبالأخص يوم اختطاف كارمن.
ابتسمت بهدوء وهي تتذكر خطة أركان في كونه سوف يتصل بها قبل اختطافها بلحظات حتى تبعد دائرة الشك عنها في التحقيقات وتظهر في تسجيلات المراقبة أنها كانت تتحدث مع لعوب على الهاتف ولم تنتبه لما يحدث في الغرفة مع كارمن وهكذا تم اختطافها دون دليل يُذكر وبقي سر اختفائها من الغرفة مجهول لأيام بالنسبة لها وللبقية حتى أتى غيث وأخبر الجميع عن الغرف السرية الموجودة بغرف الفندق وهنا استطاعت حل أحجية لم يخبرها بها أركان من قبل.
عادت لأرض الواقع حينما وجه أركان حديثه لها بهدوء
- أوار ومعه رانسي "حياء الحقيقية" سوف يصلان إلى القاهرة في نهاية الأسبوع.
في لندن وخاصة في المشفى عند رانسي وأوار...
كان جالسًا أمامها يتصفح جريدة أمامه بعدما أخذ وقت مستقطع للراحة من مجهود العمل فيبدو بأن نيا قد أرسلت له الكثير وهو يجاهد لإنهائه في وقت قياسي حتى يتفرغ لها لتنظر له مطولًا قبل أن تخبره بهدوء
- أتخفي عني أمر ما أوار!
رفع رأسه عن الصحيفة بمباغتة من سؤالها الغير متوقع لينظر لها باستفهام قبل أن يُجيب تساؤلها بسؤال آخر غير مستوعب ما قد تُرمي له
- أي أمر رانسي!
- أي شئ.
قالتها بهدوء قبل أن تصمت قليلًا وبعدها أخبرته بعدم فهم وداخلها يشعر بوجود الكثير وهو يخفيه عنها حتى لا تصاب بالإحباط
- مؤخرًا طارق أصبح يتصل بي كثيرًا.
- وما الغريب في ذلك!
قالها بتساؤل لتزفر بحنق وبعدها أجابته بتبرير
- انا وطارق التواصل بيننا انتهى منذ سنوات ولهفته في الفترة الأخيرة للاطمئنان عليَّ أمر محير.
- إن كان اتصاله يشعرك بعدم الراحة يمكنني إخباره بألا يعاود الاتصال بك بعد الآن.
- لم أقصد أوار.
قالتها بتبرير من حديثه ذاك لكنها لا تستطيع إيصال ما تشعر به حقًا فداخلها يوسوس لها بوجود خطب جلل يحدث من خلف ظهرها والجميع يعرف ماعداها هي لتقول بغضب وقد تملك منها وسواس أفكارها الحانق
- حينما يحدثني على الهاتف واستمع إلى صوت أحد جواره يخبرني بسرعة "سأتصل بكِ لاحقًا نيا" وبعدها يغلق الهاتف وحينما يحدثني بعدها يفعل نفس الأمر دون وجود تفسير منطقي لكل ذلك لذا سألت عن ماهية الأمر لا أكثر من ذلك ولا أقل.
تنهد أوار بضيق واقترب منها يجلس جوارها قبل أن يخبرها بحنان
- كافة الأمور على ما يرام حبيبتي لذا لا داعي لتوترك ذاك.
تنهد بضيق يحاول الخروج من المأزق بأقل الخسائر لأنه يكاد يقسم بأنها إن ضغطت عليه مرة أخرى سوف يقول لها الحقيقة كاملة وليحترق العالم بعد ذلك.
- كما أني حجزت بناءً على رغبتك تذاكر رحلة العودة إلى القاهرة بنهاية الأسبوع بعد حفل زفاف فيولا وأبيل.
تنهدت بسعادة حينما تذكرت أمر زواج أصدقائها بعد تأجيل دام بسبب حالتها الغير مستقرة حتى أقنعتهم أخيرًا بضرورة تعجيل الزواج حتى تشاركهم فرحتهم قبل العودة إلى الوطن رغم اعتراض الطبيب المتابع لحالتها بشدة من قرار سفرها إلا أن رغبتها في العودة طغت على كل اعتراض قد يفكر فيه الطبيب وبالفعل رضخ في نهاية المطاف لكل ما تريده حتى وان كان غير مقتنع بالأمر من وجهة نظره.
هزها أوار من كتفها برفق حينما وجدها ساكنة لا تتحدث معه ليظن بأن خطته ربما فشلت لكنها فاجأته برجائها
- أريد الخروج من المشفى والعودة إلى المنزل حتى يحين وقت عودتنا إلى القاهرة.
- لَمِ..!
قالها أوار بتساؤل لتنظر له بعتاب وهي تكاد تختنق من وجودها بين جدران تلك الغرفة ليلًا ونهارًا دون تغيير من فكرة تسيطر عليها بأنها رهينة كرسي متحرك في الوقت الراهن ومحتجزة بسجن أكبر في المشفى وهو لا يشعر بها بل يسألها عن السبب وكأنه لا يدرك حجم التوتر الواقع عليها لدرجة تفتت أعصابها
- لإني لا أريد قضاء بقية حياتي أشعر بالاحتجاز في مشفى سواء هنا أو في القاهرة..
صمتت تنظر إليه وترى أثر كلماتها عليه ونفسها لا تهون عليها أبدًا لذا أكملت بهدوء
- أريد الشعور بالحرية ولو للحظات أوار حتى لا أموت اختناقًا من هول ما أشعر به في الوقت الراهن.
يعلم جيدًا مقدار ما تشعر به لكن كيف يخبرها بأن الخطر يحيطها من كل جانب وأنها إن كانت تشعر بالاختناق لكونها محتجزة هنا فهو يكاد يموت رعبًا من فكرة إصابتها بمكروه وهو جوارها لذا عليه أن يتمالك نفسه ويفكر في خطواته القادمة بروية حتى لا تكون العواقب وخيمة والخسائر حينها لن تطال حبيبته وحدها بل ستتخطاها لتدمر الجميع دون استثناء أو رحمة.
- حسنـًا رانسي لكِ ما شئتِ.
قالها وتعلل باتصال من نيا ليخرج من الغرفة ويضغط عدة أرقام قبل أن يخبر الطرف الآخر بهدوء
- رانسي تود العودة إلى منزلها أبيل.
تنهد أبيل بضيق من توقيت اتصال أوار الغير مناسب بالمرة فهو كاد أن يلتهم ثغر خطيبته لكن ذاك باتصاله جعله تفر من بين يديه ليخبره بحنق مكتوم
- سأفعل اللازم أوار.
قالها وأغلق الخط دون انتظار بقية حديثه وبعدها وضع الهاتف جانبًا يبحث عن حبيبته التي تركته قبل لحظات وهو يخبرها بعبث
- لازال لدينا بعض الدروس وجب علينا إتقانها قبل موعد الزفاف حبيبتي.
ضحكت من الداخل بخجل من كلماته العابثة لتخبره بغضب
- يمكنني منحك بعض الدروس بالمجان.
قالتها وفتحت الباب ليدلف إلى داخل الغرفة بسعادة غامرة وقبل أن يقترب منها أخبرته بعبث
- تلك الدروس الواجب عليك إتقانها في الوقت الراهن أيها الكسول العابث.
اختتمت كلماتها لتشير إلى الحقائب الموضوع بداخلهم ثيابهما أعلى الفراش ليقترب منها بخبث وهو يقول بعبث تبعه بغمزة من طرف عينه
- بل دروس الفراش أفضل بكثير.
- أبيل.
قالتها بغضب ليخبرها بتبرير
- بل أقصد ترتيب الفراش حبيبتي.
أشارت بعينها إلى الحقائب ليبدأ في مساعدتها بدلًا من تعطيل الأمر فهي كانت واضحة معه إن لم يساعدها في شئ يخص ترتيب منزل الزوجية سوف تؤجل الزفاف حتى تُنهي كل ما يتعلق بالمنزل وبعدها هي مَن ستحدد الزفاف، رفع نظره نحوها ليجدها تحدق به في غضب ليرفع يده علامة التحية "التحية العسكرية" تبعه بقوله العابث
- أمر زوجتي المستقبلية مُجاب في الوقت الراهن وبعدها سوف نتقن بقية الأمور جميلتي الحنون.
ضحكت على حديثه لتخبره بحنان
- أشكرك أبيل على وجودك دومًا جواري.
قالتها وأخذا يكملان بقية الأمور بعد توزيع المهام عليهما لإنجاز المزيد من الأعمال في فترة قصيرة وفي وقت الراحة جلسا يتناولان الطعام الذي أرسله والدها لهما لتسأله بهدوء
- مَن المتصل حينها!
- رانسي تريد العودة إلى منزلها.
قالها بهدوء لتشهق بفزع قبل أن تخبره بغضب
- ماذا..؟
صمتت تتناول بعض الماء لتسأله بعدها بهدوء
- وما رأي أوار في كل ذلك؟
- لا يرغب في عدم إخبارها بأي شى حتى وفاة والده لم يخبرها بها حتى لا تتأثر نفسيًا كما أخبره الطبيب.
تفوه بها أبيل بتفسير وهو يتناول طعامه فصديقته إن علمت بوجود أخرى مكانها في بلدها الأم سوف ترتكب جناية على الأرجح لذا من الأفضل أن تبقى بعيدة عن كل تلك الأمور حاليًا حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه فهي يكفيها أنها لا تفهم كيف لشبيهة لها أن تتجرأ وتصدمها بسيارتها دون ذرة ندم من ذلك بل والأدهى أنها تأخذ مكانها حاليًا.. في نهاية المطاف هو ممتن لوجود أوار معه لأنها ما إن تسنح لها الفرصة وتسأل بشأن التحقيق يخبرها بأي عذر أو خبر لا تعلمه حتى لا تتوتر الأمور وتصبح أسوأ من ذلك مؤكدًا بأن الأهم هو تأمين المنزل في الوقت الحالي ولن يخبرها أحد منهم حتى لا تتفاقم الأمور معهم جميعًا أكثر من ذلك.
واختر من الرفاق مَن يعينك على إكمال دروبك دون الشعور بأنك مقيد لأسر ضغط نفسي أو مهدد من مجهول يريد الانقضاض عليك والفتك بك في أي لحظة أو يمكننا تصحيحها قليلًا والقول بأنه يود الفتك بك في لحظة غفلة منك.
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان
أنت تقرأ
"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"
Romanceمن بين الرماد... "داء العشق يُبتر لا يُضمد" تحكي قصة فتاة تخلى عنها حبيبها ليلة الزفاف فماذا ستفعل حيال ذلك.. هل تبكي الأطلال أم تقف شامخة كحال ذويها!.. نحن أمام بضع كلمات منثورة تعطي إيحاء بوجود الأمل دومًا مادام القلب ينبض بالحياة.