الفصل الثاني

2.5K 45 2
                                    

《الفصل الثاني》

لِمَ القلق حيال أمور لا يدبرها إلا رب الكون!
لِمَ الاستعجال بحدوث شيء ما؟!
الاستماع إلى توافه الأمور ستنغص عليك حياتك في المستقبل القريب فـ الكلمات مثل الداء يبدأ بالتنبيه أولًا فـ الطرق عله يجد استجابة، الدلوف على استحياء كـ الضيف ثم يبدأ بنهش قوتك بالبطيء، تقل مقاومتك بالتدريج لتصبح معدومة بمرور الوقت وبعدها تحطيمك إلى أشلاء لن تستطيع جمعها معـًا وإن حاولت ستصبح مشوهة تؤذي كل مَن يقترب منها.

في أحد المنازل التي يبدو من هيئتها الثراء، حديقة بها بعض أشجار النخيل والفواكة ، تنشر رائحتها الذكية بأرجاء المكان، ملعب رياضي صغير في مكان معزول بأحد أطراف الحديقة، حمام سباحة كبير خلف المنزل منعـًا لأعين المتلصصين، أرجوحة تجمع مابين اللونين الزهري والبرغاندي، طاولة بكراس ملتصقة بها موضوعة بجانب أشجار الفواكه تنعمـًا بظلها و طمعـًا في رائحتها.
جلست السيدة هدى على المائدة بانتظار الجميع لتناول وجبة الإفطار سويـًا قبل انطلاق كل منهم حيث وجهته.
السيدة هدى: إمرأة وقور خط الشيب ملامحها بتجبر، هالة من الحزن تحيط بنيتيها بتملك، بشرة قمحية، جسد ممتلىء قليلًا إلا أنها جميلة بالرغم من سنوات عمرها الخمسين، حجاب رقيق زيَّن وجهها براحة ليزيدها جمالًا قبل الوقار.
هاجمتها ذكرياتها بما آلت إليه الأمور في الآونة الأخيرة، عانت كثيرًا وأخرجتهم لبر الأمان بخسائر ترتشف علقمها إلى الآن، ظهرت لمعة حزن بعينيها قبل تحولها لهدوء عقب استماعها لصوت طفلتها الوحيدة فاطيما
- صباح الخير غاليتي.
رافقت كلماتها بطبع قبلة حانية على يدها ومثيلتها على رأسها، ابتسمت لها ابتسامة ذات مغزى قبل قولها بتبرم
- غاليتك وأنت لاتنصتين لأي شيء أتفوه به.
فهمت بأن الحديث سيأخذ مجرى سلبي كـ عادة الآونة الأخيرة، نظرت لها بعيون مُصرة قبل قولها بحنق من تدخل الجميع بشؤونها الخاصة
- أرجوك غاليتي أود تناول فطور دون إثارة الأعصاب ولا أحبذ كرهك لقراري.
- حسنـًا لكِ ماشئتِ.
قالتها باستسلام لتقول بعدها بإصرار وكأنها لا تعي علة ابنتها بعد
- لكن بمرور الزمن ستفقدين رونق شبابك وتتحسرين على ما آلت إليه زمام الأمور بحياتك.
اختتمت كلماتها الأخيرة بتبرم من تيبس رأسها والثبات على قرار غير مبرر فحواه من وجهة نظرها
- المرأة لم تخلق للزواج والإنجاب، لديها الكثير، طموحات تود تحقيقها، نجاح تريد التلذذ به بعد معاناة الوصول إليه، المرأة قوية أمي.
ضحكت الأم باستخفاف على حديثها قبل قول الأخرى بإصرار تُنهي ما بدأته
- قوية بإرادتها وأيضًا ضعيفة بإرادتها، الحلم سأجعله حقيقة وستتبدل نظرات الاستهجان تلك إلى فخر، حتى لا تقلق غاليتي، أقسم لك بأني إذا وجدت قوتي في أحدهم سأطلب منك الموافقة على زواجنا، لا أريد شخص كامل، كل ما أريده شخص يكن قوتي وقت ضعفي ولا سيما وقت قوتي أيضًا، أريد مَن يشاركني الحلم لا أن يثبط من طموحي......
صرخة متألمة صدرت منها قطعت استرسالها في محاضرتها العتيقة تلك والتي لا تمل من ذكرها كل صباح، نظرت بغضب مصطنع وهي تعلم مَن فعلها، رفع يده علامة الاستسلام مع ضحكة بريئة زينت ثغره بمشاكسة لتتحدث فاطيما رافعة أحد حاجبيها بحنق قبل قولها بازدراء
- لِم؟
- لأنك تضيعين عمرك على سراب قد لا تقابلينه مطلقًا.
قالها تيم ببساطة لتقول الأم بفخر من وجود أحد أبنائها يتفهم خوفها الغريزي
- طفلي تيم بارك الله لكَ في شبابك، أقنعها فـ تفكيرها متيبس كـ حجر الصوان...
اختتمت والدتها حديثها بابتسامة منتصرة بعد مساندة صغيرها ليفاجئها الآخر بقوله الحاذق
- ليس فحواه بأن تتزوج من أي شخص تصطحبه جارتنا، فـ..
بـ تعبيرات وجه مشدودة ونبرة صوت حانقة، قاطعته والدته بغضب
- مَن طلب رأيك؟! اهتم بدراستك ولا تتدخل فيما لا يخصك، أفهمت؟
ضحك داخله من حالة والدته المؤيدة المعارضة في نفس الوقت فـ تفكيرها منصب على حديث السيدة جارتهم، التزم الصمت، جلس بجوار اخته، ثم مال على أذنها
- ليس لـ بشري سلطة على حياتك سواكِ فآطم وبالطبع تيم وأوار، لذا كوني ناجحة لأجلنا، أما مجنون فآطم سيآتي قريبـًا، لذا امحِ نظرة الحزن تلك القابعة بعينيك.
- عمَّ تتهامسان؟!
قالتها السيدة هدى بغضب مقاطعة همسهما ونظراتها الثاقبة تحاول فهم مغزى حديثهم
- لا شيء لكن ألن يشاركنا أوار وجبة الإفطار؟
قالها تيم بهدوء، أتاه الرد من خلفه بابتسامة مرحة قائلًا باستنكار من تساؤل أخيه
- أيبدأ الصباح دون تناول الإفطار مع عائلتي الجميلة أو يكتمل اليوم دون لقاكم!
- حسنـًا أيها المشاكس.
قالها تيم بهدوء، تبعها بغمزة من طرف عينه ترجمها بسهولة، استنتج أن الجو مشحون بالكثير فلا حاجة لوضع الملح على الجرح ووالدتها لن تقطبه بل ستضع المزيد دون شفقة لذا اتخذ موضعه، شرع الجميع بتناول الإفطار، سعلة خفيفة تلتها قول السيدة هدى باستجداء مشاعره عله يسعد قلبها هو الآخر
- ألن تسعد قلب والدتك صغيري الكبير؟
حسنـًا علم الجميع مغزى الكلمة، وبابتسامة بسيطة رد قائلًا
- لم يحن الوقت بعد غاليتي.
- غاليتي، ابحثِ لي عن عروس، فـ أنا الوحيد الذي لم تحضر له جارتنا المصون طلب للزواج أو وضعته في قائمة الانتظار.
قالها تيم محاولًا تخفيف ماهو قادم، نظرات شذر كانت من نصيبه، بينما ابتسم كلًا من أوار وفآطم بعدما أدركا سبب ذلك، أنهت الوالدة فطورها دون إضافة المزيد متعللة بأمور أخرى.
- حسنـًا سأذهب، هيا تيم دعني أوصلك.
قالتها فاطيما بهدوء، نهض كلًا من أوار وتيم، خرج ثلاثتهم حيث وجهتهم قبل وصولها للسيارة، استمعت لنبرة صوته الحانية...
- مبارك نجاح حلقتك الأخيرة طفلتي.
قالها أوار بعدما أعطى صغيرته قلمـًا من نوعها المفضل، قبلته بفرحة فهو لم ينس أي تفصيلة كما أن الفضل لله أولًا ثم هو في نجاحها
- وأنا؟
قالها تيم بحزن، أخرج كلًا منهما هدية له نظرًا لتفوقه في دراسته وارتفاع علامته الدراسية في اختباراته الأخيرة مما يعني أن مجهودهما لم يذهب هباءًا، احتضن الثلاثة بعضهم في حضن ثلاثي قبل المغادرة حيث وجهتهم ولسان والدتهم يرافقهم بالدعاء لهم.
نعم الأم كتلة حنان متجسدة في هيئة بشري، مهما حزنت من أطفالها، لا تستطع الحزن فترة طويلة، فهي من أنجبتهم، تتمنى لهم حياة أفضل بالتأكيد فكل أم تود رؤية أبنائها أفضل من الجميع، لذا مهما بلغ حزن الأم لا يصل إلى مرحلة الغضب وغير المقصود من ذلك إفراغ شحنة حزنك بها أو عدم إرضائها واعلم بأن الحزن لو تراكم في القلب فـ إصابته بالعطب ستكون بداية فقدان رونق الحب، أما وصوله لمرحلة الغضب، ماهو إلا خروج الأسد من عرينه.
.......................
صباح يوم جديد يحمل بين طياته الكثير، رنين الهاتف انتشلها من كابوس لازال يلازمها، يؤرق مضجعها بالرغم من مرور سنوات على حدوثه، حياة شبه هادئة بوجود الكوابيس التي عادت تسيطر على أحلامها لتنغص واقعها بتشفي، تحولت عيناها للشراسة قبل الرد على المتصل، وبصوت قوي مناقض لـ فتاة ارتسمت على ملامحها آثار النعاس رددت
- حسنـًا بضع دقائق كل ما أحتاجه.
أنهت الاتصال قبل الاستماع لرد الطرف الآخر، اغتسلت وارتدت ثيابها الرسمية قبل الخروج من منزلها حيث وجهتها.
لكل حواء طبعها، تصرفها اللائق بها وهي على النقيض من جنس حواء أجمع، منهن من تتفنن في لفت الأنظار، الاهتمام بكل ماهو عصري وجديد، الموضة هوسهن، والتسوق مبدأهن أما هي فـ عملها سلاحها، ليست من هواة الوقوف أمام المرآة للتبرج من أجل إيقاع أحدهم أو اختيار ماهو مناسب لها، كل ما تحتاجه هو التركيز على سلم نجاحها للوصول إلى غاية أسمى.
وصلت حيث مسرح الجريمة، حدود من شريط أصفر حول المكان، عدسات تلتقط صور بجميع الزوايا للضحية، أناس متجمهرون بالمكان مع منع الشرطة لعبورهم أملًا في رؤية ذلك الشاب، سبق صحفي هدف كل شخص قبل تحطم آمالهم بوجود قوات الأمن وزمجرتهم للابتعاد كانت كفيلة بمنعهم.
اعترض أحدهم طريقها مانعـًا إياها من استكماله، اكتفت برفع شارتها ليفسح لها الطريق، زجاج سيارة مهشم، حدود بيضاء حول قتيل يتراوح عمره بين السابعة والعشرين والثلاثين، طعنات متفرقة بأنحاء جسده، عيار ناري جوار قلبه، لابد وأن الطلق الناري هو ما أدى للوفاة، أطراف قابضة على شيء ما، تيبس جسده يشير إلى موته مابين الحادية عشر والثانية صباحًا، كان بمواجهة القاتل، مما يعني معرفته بهويتة.
ارتدت القفازات قبل الشروع في الاستكشاف عن قرب، اقتربت لتجد قطعة قماش لم تحدد ماهيتها لكن يبدو..
قطع مسار أفكارها ظهوره أمامها، نظرت له شذرًا فهي بحاجة لـ تلك الدقائق قبل بداية التحقيق واكتشاف بعض الثغرات قبل مطاردة الإمساك بالقاتل
- نظراتك سهام تُدمي قلبي.
قالها أبيل بحرج بعدما وضع يده أعلى وجيبه تبعها تبرمه بملامح حزينة زينت وجهه، تراخت تعبيراتها المحتقنة، أما حمرة الغضب قد فرت حرجـًا بعد تصريحه، ابتسامة مجاملة اعتذرت بها، قبل قولها
- اعتذر أبيل لكنك تعلم أهمية تلك الدقائق بالنسبة لي.
اكتفى بحركة رأسه يؤيدها فهي من أفضل محققي الجريمة في مكتب التحقيقات ويزيده فخرًا العمل معها ودون تردد تحدث مُعرفًا عن الضحية بهدوء
- ألفريد مايكل، ثمانية وعشرون عامـًا، مدير لأحد فروع بنك العاصمة، توفي في تمام الواحدة صباحًا، سبب الوفاة يشير للطعن المتكرر، لكن نتيجة الطب الشرعي ستظهر في غضون ساعات قليلة، سيارته على بعد عدة أميال من موقع الجريمة لكن ما يحيرني وجوده بتلك المنطقة البعيدة نسبيـًا عن المدينة.
تحدث أبيل بكلماته الأخيرة بحيرة واضحة على قسمات وجهه.
- هذا لـ سببين لا ثالث لهما، إما القاتل يعلم تلك المنطقة جيدًا لذا أراد الإستفادة من خبرته في الهروب إذا كان هناك فخـًا للإيقاع به، أو أنه أحد قاطنيها وفي الحالتين هو صاحب اللعبة أي من وضع قوانينها.
- لكن مالدافع لتشويه جسده هكذا؟
تفوه بها أبيل بتساؤل؛ لترمقه رانسي نظرات ذات معنى قبل الابتسام، لتقول بهدوء
- لم نبدأ التحقيقات بعد، لعبة المطاردة لازالت في بدايتها لذا احرص على الاستمتاع بكل تفصيلة بها حتى لا تُصاب بعلة الملل.
نظرات مقيدة من أبيل كانت الرد على حديثها الأخير، أعطاها ورقة بها بعض أسماء المشتبه بهم للبدأ في التحقيق، نظرات مطولة فاحصة لكل واحد منهم لتقرأ بعض المعلومات عنهم قبل قولها بهدوء
- فلنتراهن بأن القاتل غير مذكور بتلك القائمة؟
قالتها بثقة، ليبتسم بغرور بعدما فهم بداية اللعبة ليقول بهدوء
- لكِ ما شئتِ.
أبيل: شريك رانسي بالتحقيقات، بالرغم من معرفته السطحية بها إلا أنه يحترمها كثيرًا فهي بمثابة الأخت بالنسبة له، أيضـًا معاملتها الجافة في كثير من الأحيان تزيد من حنقه إلا أنها لا تنقص من قدرها لديه، يتصيد الفرص دومًا ليثبت لها بأنه خير شريك.
......................
في أحد المستشفيات الخاصة.
جلست منكسة الرأس على أحد المقاعد، نظرة خزي غلفت حدقتيها بعد ما حدث وترك صهيب لها تعاني ويلات قراره وحدها، كشلال كانت دموعها، لا تعلم كيف حدثت تلك العاصفة لتدمر عالمها وتقلبه رأس على عقب، التهمت فرحتها واستبدلتها بحزن استعمر خلايا قلبها قبل استوطان عقلها، هامت ذاكرتها بماض ليس بالبعيد، تلك الشائعات انتشرت بسرعة لا تصدقها، بقدر اندهاشها لما حدث بقدر خزيها لما آلت إليه الأمور، تتذكر نظرات الجميع كأنها متهمة هربت من عقوبة والجميع يلاحقها من أجل القصاص، لسانهم لم يرحمها، ما كسرها بحق هو نظرات والديها، نظرة حزن، انكسار، نظرة تطلب الفهم، إيضاح تلك الأمور، تذكرت يوم سقوط والدها أرضـًا بحديقة منزلهم، حينها سقطت قوتها الواهية المستمدة منه، سقط درع الحماية بالنسبة لها، نُقِل للمشفى لتعلم بوضع قلبه الغير مستقر، ضرورة التدخل الجراحي، تمنت إهدائه قلبها لكنه عطب لا يصلح لأي شخص، نظرات والدتها اللائمة تنغرس بين ثنايا قلبها بعنف لتدميه أكثر، أما سوط الشعور بالذنب فهو جلاد روحها.
- آنسة حياء.
قالها الطبيب بهدوء مخرجـًا إياها من شرودها، وبعيون هائمة أجابت عليه، قبل انتشالها من وحل ذكرياتها بقوله
- وضع السيد خلدون مستقر إلى حد ما، أربع وعشرون ساعة وبعض التحاليل ما تفصلنا عن إجراء الجراحة.
- سيكون بخير!.
قالتها بنبرة تحمل من الضعف والندم ما يؤلم القلب، تريد جوابـًا يطمئنها حتى لو كذب عليها، يعطيها بعض من قوتها لتكمل بقية أيامها، خيب ظنها بكلماته العملية دون ذرة أمل واحدة كأنه يجردها من ثباتها الواهِ.
- نأمل ذلك.
تركها وغادر، اتخذت من كلماته درع أمان لها مقنعة روحها بالعكس بعدما أعطى لها بصيص في استرجاع سعادتها، ركزت بصرها على والدتها لتتجاهلها عن عمد، عادت لمكانها مرة أخرى ملتزمة الصمت.
بعض الأزمات تحتاج منا التكاتف حتى لا نهلك في عواصف الحزن لكن حمقنا يجبرنا دومًا على تفضيل الكبرياء بدلًا من حياكة رُقع ألمنا بوجودنا مع بعضنا.
....................
في مكتب التحقيقات وبالطبع في غرفة الاستجواب، وقفت رانسي لاستجواب المشتبه به في تلك القضية الشائكة، داخلها يؤكد بأنه بوابة لـ فيض من المعلومات التي من شأنها ستغير مسار القضية بالتأكيد، نظرت له بتفحص علها تظفر ولو بـ معلومة من وجهة نظره بسيطة، تنفست بهدوء قبل قولها
- حسنـًا سيد أدريان، للمرة الثانية سأعطيك فرصة للدفاع عن نفسك بدلًا من الصمت، ما علاقتك بالضحية ألفريد مايكل!
- لا توجد علاقة بيني وبينه.
قالها بنبرة ثابتة رغم حركة بؤبؤيه العصبية متجاهلًا كلماتها السابقة بكون دائرة الشكوك تحوم حوله.
- سيد أدريان، انت المشتبه به الرئيسي.
قالتها وأشارت نحوه لتقول بهدوء عله يساعد روحه من ذاك المأزق
- داخلي يكاد يقسم بأنك بريء لكن صمتك سيعقد الأمور.
رفعت عدة أكياس بلاستيكية تستخدم لحفظ الأدلة بعد فحصها من فريق الطب الشرعي لتقول بحنق ظاهري بعد وضع الأصفاد أمامه
- الأدلة تشير إليك سيدي، بفحص أظافر القتيل وجد نسبة تكاد تكون معدومة من عنصر -البوتولينوم- أتعلم استخدماته أم أخبرك بها.
نظر لها بتجاهل ظاهري لتقول بعدما زفرت باستياء من محاولته البائسة في الفرار من جريمته
- سأقول لك جزء من استخداماته علك تتذكره، يساهم بنسبة قليلة جداً في مستحضرات التجميل، غير أنه مادة شديدة السمية.
- وماذا في ذلك؟
قالها باستخفاف لتقول بهدوء بعدما أحبت لعبة مطاردة الفأر التي سُجِن فيها بإرادته
- دعني أوضح أكثر تلك المادة توجد بمختبرك، امتلاكك لمختبر هدفه الأساسي تحضير وصناعة المواد اللازمة لعمل مستحضرات التجميل قبل اختبار جودتها.
تفوهت بها رانسي عله يلقي ما بجعبته، كوسيلة لمحاصرته من كل الجوانب، ثم استأنفت بعد التقاط أنفاسها بصورة منتظمة لتقول بإقرار مما غفل عنه هو الآخر
- غير عداوتك الصريحة معه لرفضه القرض الخاص بك لزيادة الآلات والمواد اللازمة لمختبرك، أيضـًا الربح غير الشرعي لنزول عدة أصناف تحتوي على نسبة من مادة-البوتولينوم- غير المصرح بها، لذا القضية أصبحت ثلاث.
ثم عددت على يدها بالترتيب
- رِبح بطريقة غير شرعية، إتجار بأرواح البشر، جريمة قتل الشاهد على جرائمك، لذا استعد لحبل المشنقة سيدي من الآن.
تعجب أبيل من كم الحقائق الموجودة بجعبتها أثناء مراقبته لها من خلف الزجاج الفاصل بين غرفة الاستجواب والغرفة الواقف بها، حتى معلوماته لم تصل إلى ذلك الكم الهائل لذا أدرك بأن نجاحها مستحق عن جدارة، أخرجه من شروده صوت أدريان هامسًا
- لم أقتله.
قالها بخزي لتقول رانسي باستخفاف
- الجميع يقول ذلك بعد قرب نهايتهم وبنهاية المطاف يكونوا أكثرهم جُرمًا
قاطعها بتبرير محاولًا الشرح بعدما وجد بأن قدميه قد زُلت في الوحل دون إرادته
- باعتباره رئيس لأحد فروع البنك، طلبت منه قرضـًا لأجل شراء بعض الآلات وتطوير جودة المنتج قبل التمعن بدراسة الجدوى وأهداف المشروع رفض ساخرًا متعللًا بأن تلك القروض لا تعطى إلا للمشروعات الحيوية.
- حيوية!
قالتها رانسي بتعجب ليوميء إيجابًا قبل قوله بحزن
- أصابني الإحباط بعدما صعق أحلامي وحولها لرماد ليس من السهل تجميعه مرة أخرى.
وبعد تنهيدة طويلة أخبرها بألم بما اقترفت يداه
- قررت التخلي عن مبدأ لا يقل شرفـًا عن قسم المهنة، عندما توضع داخل اختبار إما الحل السريع أو البكاء على الأطلال سيدتي وأنا رجل لا يبكي مادامت الحلول كثيرة.
قهقهاتها الساخرة جعلته يزداد خزيًا مما اقترفته يديه ليقول بخفوت
- أعترف بعدم اختبار جودتها قبل طرحها على المستخدمين؛ نظرًا لعدم تطوير الأجهزة وقررت إصدارها دون الاستماع لصوت الحق.
أشار بيده تجاه أحد الحاويات البلاستيكية قبل قوله بتذكر لما حدث
- عندما فقدت الكثير من الأرواح حياتها، أتى إليَّ بالمختبر متباهيًا برفضه المبرر وأنه غير نادم على قراره ليس هذا فقط بل سيحفر خلفي حتى أسقط دون عودة، كلامه لاذع بحق لكنه كالسوط جلدني على إثم اقترفته بسرور، أخبرني بأنه ندم لعدم إعطائي القرض لكنه مسرور بأنه ليس جزء مما حدث وحينما أخبرته بأنه شريك في أذية هذه الأرواح سخر من حديثي، العينة التي وجدت بيده تلك كانت عينة كنت اختبرها وقتها، مع وجود نسبة أقل من المعتاد من مادة-البوتولينوم- هذا كل شيء سيدتي.
واختتم كلماته بقوله
- فـ عندما تمثل المثالية، أعلم بأن الماض مشين.
- عذر أقبح من ذنب.
قالتها رانسي بنفور قبل تركه يندب حظه، ولازالت كلمته الأخيرة تتردد كناقوس خطر من القادم.
بدون تردد كانت وجهة أبيل الغرفة الأخرى مجريـًا التحقيق مع المشتبه بها الثانية، دخل بثبات ونظراته المسلطة عليها أرعبتها وبعثرت داخلها فـ لم تجد ماتقوله، تحدث بهدوء محاولًا التحكم بانفعالاته
- أين كنتِ في الفترة مابين الحادية عشر والثانية صباحًا؟
وبثبات زائف عكس مايجول بداخلها
- بالمنزل.
- كاذبة.
قالها أبيل صارخـًا أمامها، انتفضت فزعة لصراخه قبل نكس رأسها لأسفل حتى لا توشي تعبيرات وجهها بها، ازدردت ريقها بتوتر عقب كلماته التي كانت كالسهام، بعثرت قلعة حمايتها لتتركها دون درع يحميها من خطر الهلاك.
- مدام مادلين، بمراجعة كاميرات المراقبة تبين خروجك في الفترة بين العاشرة وعدم عودتك سوى في التاسعة صباحًا، وبإجراء البحث بمنزلك عثرت أفراد الشرطة على منديل ورقي به بقعة من الدم، وأكد مسئولوا المختبر بعد إجراء الاختبارات بأنه يعود لـ زوجك، غير عثورهم على أداة الجريمة، أما الفيصل في هذا الشأن هي النتائج المنتظر ظهورها بعد بضع ساعات.
هربت الدموع تحررًا من مقلتيها بعدما أطلقت جفونها سراحهم وبعيون يشوبها لمحة حزن، تحدثت مادلين بتوتر
- في الثامنة وردني اتصال يخبرني بـ خيانة زوجي، طعن أنوثتي بنصل حاد بعدما أقسم بأنه لن يكون سوى لي، خرجت من المنزل هائمة بعدما علمت وجهتي، لازال وعده بالتغير يتراقص على ألحان ضعفي لكن منحتني القوة ثأرًا لكبريائي.
استأذنت فأعطاها كوب ماء تجرعت منه القليل قبل قولها بشرود
- راقبت خروجه مع إمرأة جميلة، تركها بعد طبع قبلة على ثغرها وانصرف كل منهم في طريقه، فارت الدماء بعروقي وشيطاني قد اتخذ القرار قبل الانقضاض عليه من الخلف سمعته يتحدث بأنه أت، سيقابل أخرى لذا بدون تردد تبعته حتى تلك البؤرة البعيدة نسبيـًا، ملامح الذعر تملكت منه بعدما استمع لصوت يأتي من خلفه لكن حل الهدوء بعد رؤيتي، ابتسم باطمئنان ابتسامة ردت إليه من جانبي قبل غرس المقص بصدره، سقط قتيلًا دون حراك وغادرت دون إضافة المزيد.
- سأخبركِ بأمرين.
قالها أبيل بهدوء بعدما أخذ نفسـًا عميقـًا يملأ به صدره ليلفظه دفعة واحدة مُوضحًا باسترسال
- الأول أنت موقوفة بالشروع في قتل زوجك، أما الثاني
ثم صمت ينظر لها بكره جراء فعلتها الشنيعة أو غبائها اللامحدود
- فزوجك لم يكن ميتـًا بعدما تركته بل كان على قيد الحياة.
قال كلماته وغادر الغرفة لاعنًا إياها بغضب، وجد رانسي واقفة أمام الزجاج العازل بين الغرفتين تتابع ما يحدث أثناء التحقيق، تابعت انكسارها.. ندمها.. غامت عيناها حزنـًا قبل قولها بما استنتجه عقلها.
- ليس هناك أصعب من وجودك بـ لعبة لم تكن أحد أطرافها، دخولك مُرغمًا لتكون طرف وهمي بها لتفيق على ارتكابك لجريمة قتل لم تكن تتخيل فعلها بأحلك الظروف.
صمتة فتنهيدة ثم نظرات لائمة لتلك القابعة خلف الجدار مختتمة إياها بقولها
- لو ترك الإنسان العنان لشيطانه لـ دمر الأخضر واليابس بلا ذرة ندم.
ضحكت باستهزاء قبل قولها بإقرار
- اعلم بأن المتصل هو أحد مرتكبي الجريمة، هو أيضـًا من اتصل بزوجها، وبالتأكيد من انتشل أداة الجريمة من الجثة بعد طعنها مرات عدیدة، تاركـًا إياه...
- اعتذر عن المقاطعة، لكن تم الانتهاء من تشريح الجثة والنتائج.....
صوب كل من أبيل ورانسي بصرهم تجاه فيولا حتى تلقي ما بجعبتها من حقائق ستغير مسار القضية بكل تأكيد.
....................
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن