《الفصل السابع》
وسقط القناع لتعلم بأن الحزن لم يكن إلا جزء من قناع ارتديته مرغمـًا ليس لشيء إلا أنك أحببت دور البديل به، حياتك مرتبطة بقناع ساهمت بحياكته رغم جهلك بوجوده ذات يوم.
وسقط القناع لتظهر ندبات ألم أردت دومًا الاحتفاظ بها في ركن منزوي لن يصل إليه سواك.
وسقط القناع لتدرك بأنك وحيد وأن سندك دومًا لم يكن سوى فقاعة انفجرت بعدما حجبت بصيرتك لفترة طويلة.
في مصر وخصوصـًا بمنزل السيد خلدون.....
لا تعلم لما آثرت الوقوف جوارها، هل لأنها صديقتها أم أنها روح تشبهها كثيرًا، مَنْ كان يصدق بأن تلك الحياء المفعمة بالحيوية والنشاط ستتحول لزهرة ذابلة متخاذلة من يراها للوهلة الأولى يظن بأنها في أواخر الثلاثينات من كثرة همومها المتثاقلة، انطفأ رونقها بعدما سكن الحزن جنباتها، لم يعتني بها أحد وقت قسوة الظروف لتتحول من فتاة رقيقة المشاعر لأخرى متبلدة الشعور، وحيدة الروح، لم تجد الحنان وقت احتياجها لجرعة منه، لم تجد البسمة وقت عبوسها لذا اتخذت أسلم حل ألا وهو ارتداء قناع الجليد مع تبلد الحياة رغم مرورها.
لا تعلم ذنبها لتعاقب بهذه الطريقة، ذنبها أنها أحبت شخص تخلى عنها بإرادته وقت احتياجها له، ابتعد بعدما دمر كل جميل داخلها، حياتها توقفت عند نقطة أخرجت جزء من الأسوء لديها ولازالت تجاهد لتخرج الجزء الآخر ببزخ، انقلبت حياتها رأسـًا على عقب كتغير فصول السنة بتقلباتها المختلفة، تحتاج مَنْ يمسك بيدها ويدلها على بداية نفق النور لا يتركها وسط العتمة تصارع وحدها متيقنة بأنها تود الاستسلام غير عابئة بأي شيء بعد الآن، تريد أم يكون لها القشة التي تنقذ الغريق لا القشة التي تقسم ظهر البعير، فهي كـ الزهرة تحتاج أحيانــًا لمَنْ يعتني بها وقت قسوة الظروف حتى تفوح بعطورها وقت ازدهارها.
بمجرد أن رأتها حياء احتضنتها وفقط، شددت فاطيما من احتضانها تبثها الأمان، أحست بأنها فعلت الصواب، تربيته، اثنتين وبكت حياء، بكت كما لم تبك مِنْ قبل وفاطيما تهدهدها كـ طفل صغير فقد والدته في خضم الزحام، ولم يتذكر ملامحها سوى أنها أمه.
صرخت كثيرًا وهي تعيد آخر حديثها ووالدها، انفطر قلب صديقتها كثيرًا لما آلت إليه الأمور، تقسم بداخلها أنها ستنتقم من كل شخص كان السبب في جرحها، فرت الدموع تضامنـًا مع حال صديقتها، جففتها بألم ولا زالت تحدثها بكلمات تبعث في روحها الطاقة للصمود فـ الطريق شائك ولازالت ببدايته، شددت من احتضانها علها تشعرها بجزء ولو بسيط من أمان احتاجته يومًا، فجأة هدأت العاصفة، توقف الصراخ وهربت الشهقات، الصمت غلف المكان بقسوة عكس الصخب قبل قليل لتسقط صريعة بعالم الأحلام، يبدو بأن جسدها قد مل كل هذا، وتضامنت معه الروح ليذهبا بثبات عميق، عالم لا يضم سواها ووالدها الحبيب.
عدلت وضعيتها على الفراش، دثرتها جيدًا، قبلتها على جبينها ثم محت آخر دمعاتها العالقة بين أهدابها، لتتشبث بها حياء كـ طوق نجاة ظهر لها كضياء في عتمة الكهف، تحدثت بكلمات كثيرة لم تفهم منها سوى
- ساعديني فاطيما، أرجوك.
جلست جوارها حتى استكانت أنفاسها، هدأت روحها الثائرة، استأذنت خالتها ديما وذهبت لمنزلها، قابلها أوار بحديقة المنزل، احتضنها بهدوء قبل تأمل ملامحها الشاردة ليقول باستفهام
- ما بك!
عبس وجهه وتقلصت عضلاته عقب قوله، لتقول بحزن تملك ملامحها المرهقة
- حياء.
تبعتها فاطيما بتنهيدة حارة خرجت من بين شفتيها، يبدو من ملامحها تحمل الكثير مما عانته صديقتها، لتتحدث بحزن
- عدني تقديم المساعدة لها.
وبملامح وجه غير مقروءة أخبرها بجهل وكأنه يريد بوصلة للوصول إليها حتى لا ينحرف عن طريقه في المنتصف
- كيف؟!
- لا أعلم لكنها تعاني، لا أحد يشعر بها، ممزقة داخليـًا، تفتقد الأمان، تفقد مَنْ يعيد إليها كل ماهو مسلوب من جديد، تود مَنْ يساعدها لبناء نفسها مجددًا، صدقني كل ماحدث جعلها هشة كفرخ فقد عشه مع والدته في العاصفة، تحتاج مساعدة أحدهم لاسترجاع ثقتها، انت تستطيع عزيزي، صديقتي ليست صديقتي بل أختي مَنْ وقفت جواري وقت احتجتها، ساعدتني لتخطي عقبات حياتي واحدة تلو الأخرى لذا أريد إحياء تلك البتلات ثانية علها تسترجع ضحكتها المفقودة يومًا.
تنهدت بحرارة وهي تزيح دموعها بألم قبل قولها بهدوء وهي تنظر إليه
- ستساعدني!
قالت فاطيما كلماتها الأخيرة بترجي ليحرك رأسه صعودًا وهبوطًا علامة الموافقة، انصرف من أمامها وعقله يفكر كيف السبيل لإخراج تلك الحياء من شرنقة حزنها حتى لا تختنق بها وحدها فهو يريد لتلك الشرنقة التمزق لتخرج فراشة تملأ الحديقة بهجة فوق جمالها.
......................
بمنزل رانسي..
تململت بنومتها الغير مريحة، لتفتح عينيها بإنزعاج لتحدق وشرارات الغضب تقدح من عينيها بتلك الجالسة المبتسمة للهاتف، ضيفتها سليطة اللسان بحق، يبدو بأنها قد جُنت تمامًا بعد حديث أمس مع أبيل، رفعت رانسي أحد حاجبيها بتعجب ولا زالت تردد داخلها "أيفعل الحب كل هذا بها"!
على عكس فيولا التي استيقظت على صوت إشعار بوصول رسالة من أحدهم، فتحتها بعيون ناعسة لتنتفض فرحة من فحواها، رسالة من حبيبها أبيل، مشاعرها تشبه فراشة تتراقص على رحيق الزهور وقت الربيع لتتدلل بها قبل تدللها عليهت، تدغدغها بنعومة خشية جرحها، وبعيون فرحة كررت رسالته مجددًا
- أنتِ الروح حيث لا روح بعدك، أنتِ الحياة التي لا تضاهيها حياة، أنتِ القلب حيث دقاته الثائرة، أنتِ الحدود حيث لا حدود لجمالك.
ابتسمت بخجل قبل إرسالها هي الأخرى ردًا على حديثه
- دقات قلبي ثائرة بوجودك حزينة بغيابك، روحي تتراقص على نغمات قربك تبكي على أطلال بعدك، عقلي يشتاقك، قلبي يناديك والأهم من ذلك دقاته تعشقك.
أحست بعين أحدهم تكاد تخترقها، لتلقي نظرة على صديقتها النائمة جوارها لتفاجأ بها مستيقظة تنظر لها بغضب، ابتسمت فيولا بسماجة وهي تبتلع ريقها بصعوبة خوفًا من القادم، فهي تعلم تلك النظرة جيدًا، لتهاجمها ذكرياتها بذاك الأمس القريب
.......عودة لما حدث بالسابق.....
فتحت رانسي الباب بعيون ناعسة، رأتها لتبتسم بسعادة، فيبدو من هيئتها مرور كل شيء على مايرام أو أكثر بقليل، همت بالحديث واحتضانها لتقابلها فيولا بصفعة دون معرفة عواقب فعلتها، هرب النعاس ذعرًا مما سيحدث بعد قليل، لتتحدث رانسي ببرود وملامح وجهها لا تُنذر بالخير
- انتهيتِ!
لتصرخ بها فيولا بعصبية تاركة فرحتها قبل قليل في حاوية القمامة
- أكرهكِ رانسي، أحرقتِ أعصابي أمس ولن أسامحكِ.
احتضنتها رانسي بحب متناسية ما حدث قبل قليل وداخلها يكاد يقسم باختلاف الوضع لوأدتها حية دون ذرة ندم لتقول بهدوء وهي تربت على ظهرها بحنان
- أردتُ رؤية تلك السعادة المحتضنة حدقتيك بتملك وكأنها آخر شيء أرغبه قبل وفاتي.
- لكنكِ تراقصتِ على أعصابي المحترقة، تلاعبتِ بمشاعري، والأهم من ذلك تجاهلتي حزني وكأني لستُ بحساباتِك.
ابتسمت رانسي بسعادة عقب قولها المتبرم ذاك، لتتحدث بهدوء محاولة الخروج من ذلك المأزق بأقل خسائر
- لو أخبرتكُ قبلًا عما يخطط له أبيل صدقيني لن تشعري بتلك السعادة الكامنة بين جدران قلبك الآن، كما أني استمتعت كثيرًا باللعب على أعصابك صغيرتي
- مختلة.
قالتها فيولا بإقرار لتجيبها رانسي بغضب هي الأخرى.
- حمقاء غبية، يمكنكِ المغادرة الآن، أود العودة للنوم ثانية.
قالتها وهي تحاول إخراج الأخرة عنوة من المنزل لتقول فيولا بسماجة
- لا عزيزتي سأمكث لديك الليلة، عقابـًا لفعلتك.
زفرت رانسي بحنق قبل قولها بنفور وهي تكاد تدك عنق الأخرى بغل
- لكنِ لا أملك سوى فراش واحد لذا اذهبي حيث منزلك فوالداك بانتظارك.
- لا يهمني.
قالتها بلامبالاة قبل إزاحة رانسي جانبًا ودخلت المنزل، بدلت ثيابها بأخرى مريحة من ملابس رانسي، ترددت بضع مرات على المبرد لتذوق صنف من فاكهة تتناولها رانسي صباحًا غير عابئة بتلك المشتعلة جانبًا، ودت رانسي قتلها بذاك السكين الموضوع على الطاولة أمامها دون ذرة ندم، ألا يكفي وجودها بل زاد الأمر لإزعاجها بمنزلها.
نامتا متجاورتين على الفراش دون أن يتحدثا سويـًا حتى خلدتا في نوم عميق.
........عودة للوقت الحاضر.....
- أيتها الضيفة اذهبي لتحضير طعام الإفطار.
قالتها رانسي بأمر لتتحدث فيولا بسماجة
- ضيفة!
ابتسمت ببلاهة قبل قولها بجدية جاهدت كثيرًا حتى لا ينكشف أمرها
- لا يصح للضيفة إطعام نفسها لذا اذهبي أنت حيث تحضير الفطور.
زفرة غاضبة كانت رد فعل رانسي على قول ضيفتها الغير مرغوب بها خاصة بعد فعلتها السابقة.
قامت فيولا متجهه للمرحاض، لتقع صارخة على الأرض بعد وضع رانسي إحدى قدميها بطريقها لتضحك بانتشاء على فعلتها، نظرت لها فيولا بغضب وهي تتأوه من الألم تبعها فرار رانسي من أمامها استعدادًا للذهاب للعمل.
......................
أما بمكتب التحقيقات...
مغعمـًا بالنشاط، ابتسامته تزين ثغره طوال الوقت، يود الخلاص من تلك القضية حتى ينهي ترتيبات الزفاف، ابتسم داخله عندما أحس قربها منه، لتزداد دقات قلبها وتصبح أكثر عنفـًا
- صباح الخير أبيل.
قالتها رانسي لتخرجه من حالته تلك، ابتسم بهدوء قبل قوله
- صباحك سعادة مفعم بالحيوية.
تبع كلماته بغمزة من طرف عينه لتلك الواقفة جوار رانسي، لتضحك بخجل، سعلة حادة حذرته من التمادي قبل قول رانسي
- حسنـًا فيولا، اذهبي لعملك حتى أنهي بعض الأعمال العالقة مع أبيل.
هزت رأسها بضحك من تعبيرات وجه أبيل المكفهرة وكأنها يود خنقها، انتظرت رانسي ذهابها لتقول بصرامة محذرة إياه
- هنا عمل لا شيء آخر عزيزي، لذا تمالك مشاعرك أكثر من ذلك.
حرك رأسه علامة الموافقة قبل الدلوف خلفها لمكتبها قبل قولها
- كيف سارت الخطة.
- معلومات السيد أدريان كانت عامل مهم في فك طلاسم العديد من الأمور الغامضة، لكن كلها تنتهي لنفس الشخص W.R لكن لفت نظري شيء غريب.
وبنظرات تود المزيد من جانب رانسي أخبرها بهدوء
- سيدة بمقتبل الثلاثينيات ظهرت بمكتب الضحية ثلاث مرات، وبكل مرة تخرج مكفهرة الوجه، ومرتين عند السيد أدريان، لكن بفحص الكاميرات كانت موجودة أثناء غيابه، بتتبع مسارها اتضح بأن طفلتها تعاني من مرض وتود تدخل سريع لكن علاقتها بالضحية لم استطع تحديدها بعد.
- اسمها!.
- راشيل اوزبكا، إنجليزية من أصل هولندي، مطلقة منذ مايقارب الأربع سنوات، سبب الطلاق مجهول، لكن زوجها هاجر لأمستردام واستقر هناك.
- حسنـًا أود التحقيق معها، الكشف عن بعض أسرارها، بجعبتها الكثير وهي خيط البداية للسيد W.R إن لم تكن عامل أساسي في كشف هويته
قالتها رانسي بهدوء حذر بعدما أخرجت زفير حاد من رئتيها، انصرف أبيل وبقيت تتذكر بعض من انتقامها من تلك الفيولا
........عودة لما حدث بالماضي......
أثناء الإفطار طالبت فيولا المزيد من الماء، لتضحك رانسي وهي تتناول باستمتاع، تحدثت فيولا بصوت مبحوح وعيون دامعة
- الطعام حار، البيض به الكثير من الفلفل الحار.
- تناولي العصير سيفيدك.
قالتها رانسي ببرود لتتحدث فيولا ببكاء
- بلى سأتناول خاصتك.
- بكل تأكيد عزيزتي.
قالتها رانسي بهدوء ولازالت تتوعد لتلك الفيولا على الصفعة، فهي لا تنس حقها وقبل أن تكمل توعدها كانت فيولا تقذف محتويات الكوب على وجهها، لتشهق بفزع من تلك المختلة وتقول بعصبية غير مصدقة فعلتها
- مختلة.
تبعت قولها بقذف محتويات كوب فيولا على رأسها لتنظر كلًا منهما بعينين تقدحان شررًا قبل أن تنفجرا ضاحكتين، لتتحدث رانسي عقب موجة الضحك تلك
- لننظف المكان وأنفسنا قبل الذهاب للمطعم لتناول وجبة الفطور.
وبالفعل أنهتا تنظيف المكان وأنفسهن قبل الذهاب إلى المطعم، ليستقبلهم العجوز بحنان، تناولتا الإفطار وذهبتا للعمل سويـًا.
........عودة للوقت الحاضر....
فاقت من شرودها على رنين هاتفها لتبتسم بسعادة قبل إغلاقه نهائيـًا مقررة عدم الإجابة على المتصل، ستُنفذ وعدها الذي قطعته قبل أربع سنوات ولن تتخلى عنه حتى لا تصاب بالوجع ثانية.
....................
في منزل السيد علي.
جلست كارمن بهدوء أمام والدها بعدما طلب رؤيتها، ابتسمت بتوتر فـ نادرًا ما يطلب رؤيتها أو مناقشتها في أمر ما، تفحصها والدها بهدوء قبل قوله
- معاذ الشيمي.
قالها بمباغتة لتنظر له بعدم فهم ليقول مستأنفًا حديثه السابق
- علاقتك به!
انفرجت أساريرها فرحـًا بمجرد لفظ اسمه، أذنها سمعته، دقاتها تعزف مقطوعة خاصة به وله فقط، لتعزفها أوتارها بسعادة قبل قولها
- دكتور بالجامعة.
قالتها بأنفاس متهدجة وابتسامة سعادة، ودت لو أخبرته بأنه مالك قلبها، صديق وحدتها، أنيس عزلتها، لم يفوت علي فرصة كتلك لتأمل ملامحها المختلفة قبل أنفاسها المضطربة لمجرد ذكر اسمه وبرفعة حاجب أخبرها
- فقط!
كلمة باردة كصقيع ديسمبر كانت كفيلة لتحطيم سعادتها من القادم، كلمة من ثلاثة أحرف لكنها لا تبشر بالخير قط، ابتلعت ريقها بصعوبة وجاهد لسانها بترجمة الكلمات المزدحمة من حنجرتها، شعور الاختناق يقتلها، شعور العجز يدميها، تنفست بعمق علها تجد الراحة ولو قليلًا ثم قالت
- معاذ يود الزواج بي، يحبني وانا أبادله المشاعر أضعاف.
صقفة ساخرة كانت رد فعل والدها تعقيبًا على حديثها الغي مهذب وجرأتها الواضحة ليقول بعدها بسخرية من حبها الأفلاطوني الواهي
- ذاك المتلعثم!.
- متلعثم وقت غضبه فقط.
قالتها باندفاع حينما وجدت استعداد والدها للهجوم على معتقداتها ليدمر كل ما تطاله يده قبل قولها بإيضاح تحاول كسب ولو جزء قليل من تعاطفه مع حبيبها
- متلعثم لكنه ذو قلب نقي، أرجوك والدي قابله مرة أخرى وتعرف عليه، ستعجبك أخلاقه.
قالتها كارمن بحزن علها تقنع والدها ليصدمها بقوله الفج وكأنه سأم من ترهاتها الغير مبررة
- ابن القاتل لديه أخلاق؟!
وقهقهة ساخرة كانت التابع الأمثل ليتبعها بحديثه تلاها حركته الغاضبة في كافة بقاع المكان قبل قوله بتهكم صريح
- مِمَنْ ورثها؟! مِنْ والده الخائن لكل جميل.
ثم نظر لها بحنق قبل إشعال سيجاره علَّه سهون عليه ولو قليلًا من ماض ظنه انغلق ولن يعود مهما تعاقبت الفصول لينفتح على مصرعيه بسذاجة أحمق ظن الفوز حليفه بكل وقت ليقول بعدعا بهدوء عكس غضبه السابق وهو يتذكر يده المخضبة بإثم والد معاذ والآن يريد إعادة الماض ثانيةً بكل حماقة
- مِنْ والده الناكر لكل فضل! أخبريني عن أي أخلاق تتحدثين.
طرقة حادة على الطاولة الموضوعة أمامه جعلت دقاتها تهدر بعنف لتخبره بعيون دامعة وكأنها لا تصدق بأنه والدها يحاول تمزيق صفحات حبها العُذري دون مراعاة لمشاعرها النازفة
- والده قاتل لكن ما ذنبه، هو معاذ وليس عدنان الشيمي.
- ذنبه بأنه يحمل دم والده، يمتلك جيناته ومن نفس فصيلته المفضلة ألا وهي التواضع حتى التملك قبل ضربه في خنجر من الخلف.
قالها والدها بغضب مضاعف يحاول الشرح لها دون الخوض في تفاصيل، يعلم بأن مرآة الحب مدمرة بالفعل لكنه لا يريد منها تحمل الإصابات وبالمستقبل تنحرها تلك الشظايا ببرود، انكمشت على نفسها أكثر ودموعها تغرق وجهها فهي لم تطلب أي شيء من قبل وحينما طلبت قُبِل طلبها بالرفض، نظرت له بحزن وهي تجيبه بكسرة لفرحتها وحرمان من حب ظنته أبدي
- لا يهمني، كل ما أريده هو معاذ وفقط.
- لكن أنا يهمني، لن أضع يدي بيد ابن قاتل أختي حتى لو كان سببًا في ذبولك لا يهم، ابن القاتل يبقى قاتل هو الآخر، دماء الماض لم تنضب بعد وأنتِ لن تعيدي تلك الترهات ثاينةً..
ثم صمت يتأمل وقع الكلمات عليها، يعلم بأن طريقته خطأ لكنه لا يريد رؤيتها جثة كشقيقته الراحلة ليقول بعدها بتحذير
- أتسمعين!
قال كلماته الأخيرة بزعيق جعلها ترتجف من القادم ليستأنف بحزن موضحًا ولو قليل من عبق الماض
- الماض سيظل يلاحقه، مهما فعلتِ ومهما بررتِ ستظلين موضع شك بالنسبة له، أخلاقه تلك صورة يريدك رؤيتها فقط لكن بمجرد العيش معه سيظل الشك بينكما، ينخر علاقتكما بالبطيء ثم يترككِ على أعتاب الاشتياق حتى تموتي بحسرتك أو يقتلك كما فعلها والده سابقًا لذا الموضوع منته، ستتصلين به وتخبريه برفضي وانقطاع العلاقة للأبد.
- لكن....
قالتها كارمن بتلعثم، ليقاطعها بغضب
- لكن ماذا؟! أخبريني كارمن..
تعمد نداء اسمها لتنظر إليه بعيون زائغة ليقول باستفسار
- مستقبلًا عندما يطلب منك أولادك رؤية والد والدهم، ما ردك! ستخبريهم انه توفى بحادث أم سننتظر الزيارة القادمة رؤيته، شبح الماض مهما حاولنا الاختباء منه يظل يعكر صفو حياتنا، إن اخبروك أين جدتهم؟! ردك سيكون بأنها قُتِلت أم أنها توفيت بحادث مع زوجها، أطفالك سيكرهونك، مشوهين داخليـًا بسبب كذبك وزوجك، لن اسمح بحدوث هذا مهما حدث، لأنني وببساطة لا أريد تكرار تجربة الماض، أفهمتِ؟
- لن أمانعك والدي لكن تذكر بأنك كنت السبب لشعوري بالحرمان من سعادة وئدتها من قلبي قبل العيش أجمل لحظاتها، أود السماح لمقابلته للمرة الأخيرة، سأخبره برفضي لا رفضك، حتى لا يحمل لك ضغينة بالمستقبل، لأنك ستظل أخو والدته المتوفاه مهما حدث، لا أريد السماح لذكريات الماض ان تمنعك من تقبله بحياتك، سأرفض ليس لكونك تريد ذلك، لكني سأرفض لأني وببساطة اعتزلت الفرحة داخلي، سأكون كما تريد انت حتى آتي بالمستقبل وألومك لأنك كنت سببًا في كل ماحدث وتدمير حياتي بافتراضات أنت نفسك لا تعلم مدى صحتها، سآتي لتكون شاهدًا عما اقترفه تفكيرك قبل كبريائك أبي.
ألقت كلماتها وانصرفت لغرفتها والدموع تغرق وجهها، اليوم حُرمت من السعادة للأبد.
جلس والدها على الكرسي ولا زالت ذكريات الماض تنهش خلايا عقله تمنعه من الراحة مهما فعل، كلمات ابنته الآن جعلته يخجل من حاله لكن تلك الحقيقة لن يتقبل ابن القاتل ذاك مهما حدث حتى لو حمل ضعف جينات أخته لا نصفها فقط فهو لن يتقبله بحياته أو حياة ابنته.
........................
عودة مرة أخرى لمكتب التحقيقات...
جلست رانسي بهدوء أمام تلك المدعوة راشيل اوزبكا، تأملتها قليلًا، إمرأة مفعمة بالنشاط، أوروبية الملامح، ذو بشرة بيضاء عيون عسلية بخطوط خضراء، أنف مرفوع بكبرياء، شفاهه مكتنزة، ضحكت بسماجة قبل قولها
- حسنـًا راشيل أين البداية؟
- بداية ماذا؟ ! لا أعلم سبب وجودي هنا؟.
قالتها راشيل بغباء لتبتسم رانسي قبل قولها
- البداية مع السيد دانيال!؟ أم W.R أم قضية القتل؟!.
- قضية قتل ماذا؟
قالتها بعدم فهم لتقول رانسي ببرود وهي تمد يدها لمصافحتها
- تهاني الحارة سيدتي، أصبحت ضلعًا هامًا بتلك القضية الشائكة.
نظرت لها راشيل بعدم تصديق وقد تبينت جزء من حديثها لتقول بإصرار متمسكة بحديثها السابق
- لا أعلم شيء ولا يوجد دليل ملموس لكلماتك.
- بلى سيدتي، مكان العثور على الضحية بالقرب من منزلك، تراب الماس فُقد من مختبر السيد دانيال، الخبر الجيد انه لم يبلغ عن اختفائه أما الخبر السيء أنك كنت هناك وقت اختفائه، الضحية ذهبت إليه أكثر من مرة، سيدتي قيود الجريمة تكبلك، إما أن تكوني شاهد بالقضية أو تصبحين المتهمة وابحثي عن أخرى تعتني بطفلتك منذ الآن.
حزنت كثيرًا لملامح العجز التي أحكمت قبضتها على تلك المتهمة، لا تريد استخدام تلك الطريقة الفجة في التهديد لكنها الأمثل، لا تريد سوى الخلاص من تلك القضية.
عند راشيل لم يختلف الوضع كثيرًا، بل ازداد سوءًا، الأهم من كل هذا طفلتها، رفعت رأسها بتخاذل قبل قولها
- سأخبرك كل شيء لكن طفلتي أمانتك.
وبكل صدق أخبرتها رانسي بهدوء
- طفلتك تم نقلها لأحد المستشفيات التابعة لنا لتلقي الرعاية الكاملة، لا تقلق كوني بخير الآن وأعدك بأنها ستكون أفضل عند خروجك.
صمت حاد من كلا الطرفين، يبدو بأنها ترتب أفكارها قبل البوح بما يعتمل داخلها، رددت راشيل بهدوء
- الضحية حيوان قذر تمنيت رؤيته يتعذب لأتلذذ بعجزه، ذهبت إليه بصباح أحد الأيام طلبـًا بقرض مالي أملًا في علاج طفلتي لكنه رفض متحججـًا بأن البنك استثماري فقط ولا يسمح بالقروض غير فئة رجال الأعمال، ذهبت مرتين لكنه لم يوافق وكان نفس الرد، وأحد الأيام اتصل بي أحدهم بأنه قد تم تحويل المبلغ المطلوب لحسابي، شرط أن أذهب لمختبر السيد دانيال وإحضار عينة لاختبارها والتأكد من جودة المنتج، وافقت على الفور، ذهبت لأكثر من مرة حتى استطعت الحصول عليها، أرسلتها لعنوان بريد مزيف، ولم أعلم شيء بعدها، فقط اليوم علمت بكل ماحدث.
- أتتذكرين عنوان البريد سيدتي!
قالتها رانسي برجاء لتهز رأسها إيجابـًا، ضحكت رانسي كثيرًا لقرب انتهاء القضية قبل قولها
- أريده.
- حسنـًا.
قالتها راشيل بهدوء، تبع قولها وضع ورقة بها عنوان البريد، أمرت أحدهم بإعادتها لغرفة الحجز ثانية قبل إجراء مكالمة هاتفية مع أبيل، بالطبع هاتفه مغلق كعادة الآونة الأخيرة، لذا أرسلت إليه تسجيل صوتي على أحد المواقع الشهيرة
- أبيل، اتصلت كثيرًا لكن كالعادة هاتفك مغلق، تتبع عنوان البريد مع أحد أخصائي المواقع، افرغ الكاميرات لمعرفة من استقبل الظرف لونه ذهبي لامع، مع بضعة نقوش لورود الزنبق، تأكد من هوية المستلم وأخبرني بالتطورات، سأذهب لمعرفة آخر الأوضاع مع ابنة راشيل وألاقيك هناك، لا تتكاسل عزيزي وإلا لن تتزوج بعمرك مهما فعلت، ليس تهديد لكنها الحقيقة لذا أفعل ما أمرتك به وإلا لن تكون هناك فيولا أو حتى عش زوجية.
........................
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان
أنت تقرأ
"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"
Romanceمن بين الرماد... "داء العشق يُبتر لا يُضمد" تحكي قصة فتاة تخلى عنها حبيبها ليلة الزفاف فماذا ستفعل حيال ذلك.. هل تبكي الأطلال أم تقف شامخة كحال ذويها!.. نحن أمام بضع كلمات منثورة تعطي إيحاء بوجود الأمل دومًا مادام القلب ينبض بالحياة.