الفصل السادس والعشرون

149 8 0
                                    

《الفصل السادس والعشرون》

على حافة الهاوية ابتسم مجددًا قبل السقوط.
- التقينا مجددًا كارمن.
جملة متذمرة خرجت كرصاصة طائشة من مختل تعرفت عليه قبلًا وجمعهما عدة لقاءات متتالية لينتهي بها الحال هكذا، إن صرخت بأعلى صوتها في تلك اللحظة بأنها سقطت على واقع ضبابي يخنقها حد الموت فلن يصدقها أحد لأنها تذهب إلى أقرب سلة مهملات "على حد وصفها" تختار منها الأقذر وتعود متسخة إلى المنزل دون التفكير في تنظيف الفوضى التي صنعتها لنفسها ولن تستطيع على ما يبدو إيجاد تفسير منطقي يقنعها قبل أن يمنعها عن التصرف بطيش مرة أخرى.
- لِمَ.!
خرجت منها هشة أقرب إلى الانكسار وكأنها طائر ينتفض أرضـًا قبل لفظ أنفاسه الأخيرة، جلس جوارها واستند إلى الحائط ينظر إلى اللاشئ ليتحدث بعدها بهدوء
- الانتقام عزيزتي هو ما يجعلنا أقوى.
استقام سريعًا ليتجه نحو الحائط ينزع من عليه قطعة قماش داكنة، التقط فرشاة وغمرها في أحد الألوان على طاولة جواره يرسم عليه عدة خطوط، كرر العملية السابقة عدة مرات بين مزج للألوان، وضعها في أماكنها المحددة وهو يضحك بانتشاء وكأنه تناول جرعة مخدر زائدة ليُكمل قائلًا
- الانتقام ترياق كثرته سم مميت والقليل منه فقط يُبقيك على قيد الحياة..
صمت في نفس اللحظة التي توقف فيها عما يفعل وتحرك جانبًا ليعرض عليها ما صنعته يداه لتفاجأ بحية عملاقة تلتهم صغارًا وذيلها يعتصر أناسًا، يبدو بأنها تُحفته الفنية التي تحدث عنها سابقًا وهاهو على وشك إنهائها، تنهدت بضيق لتخبره بعدها بتبرم
- مختل أنت....
قاطعها بانحنائه في حركة دراماتيكية تُظهر امتنانه بسعادة على تشجيعها له وكأنها قد مدحته لتوها، اعتدل في وقفته ليراقب لوحته التي أصبحت على وشك الانتهاء ليخبرها بهدوء
- بل كثرة المعاناة عزيزتي تجعل من السوي مختلًا في عُرفكم.
وضع الفرشاة جانبًا واتجه نحوها يراقب تعابير وجهها المُبهمة ليتساءل بنفاذ صبر
- أي استفسار كارمن.!
وكأنه في تلك اللحظة أهداها حياتها على طبق من ماس لتخبره بألم
- عانيت كثيرًا من قبل ولم يدرك أحد ذلك.
رغم حزنها عليه إلا أنه اعتبر ذلك من دافع الشفقة لا أكثر ليبتسم لها بخبث وهو يخبرها بلامبالاة 
- حجم المعاناة مهما كان غائرًا إلا أن مرارته تدوم طويلًا مهما حاولت تلافيها.
أومأت كارمن إيجابـًا وهي لا تستطيع العثور على كلمات مناسبة في مثل ذاك الموقف الموجودة به لأنها لم تكن رهينة من قبل، تنفست بعمق وهي تحاول اختيار كلمات لا تؤذيه قبلها فرغم كل ما يحدث في تلك اللحظة إلا أن فضله في أحد مراحل حياتها عليها كبير مهما أنكر هو ذلك، استمعت إليه يخبرها بتهكم
- إن أردتِ قول شئ فلا داعي لتجميله كارمن.
- في اللحظة التي قررت فيها فعل كل شئ لأجل انتقام غبي دمرت حياتك وحياة كل مَن يهمهم أمرك سيد......
وصله شماتة منها وكأنه لم يكتفِ من شفقتها إلا أنها مزجتها بصفة أخرى يمقتها ليقاطعها بغضب
- بل في اللحظة التي زارني فيها الخوف صغيرًا أصبحت كهلًا فقد أعز ما يملك ولم يعد لديه ما يبكي عليه...
حرك رأسه بهستيرية يمينًا ويسارًا وكأنه يحاول إزالة ذكريات نخرت عقله وأصابته بالعطب فلم يعد قادرًا على تخطي أي أمر أو حتى تذكره ليخبرها من وسط كل ما يفعله
- في اللحظة التي فقدت فيها العائلة ولم يبق بحياتي السند مهما حاولت البحث عنه بيت دفاتر الأحياء..
توقف عما يفعل لينظر إليه بعيون خالية من شعور بالذنب فقط خواء يكاد يصعقها من كثرة برودته ليُكمل بهدوء
- في تلك اللحظة فقط أدركت بأن حياتي تدمرت بالفعل كارمن.
ختم كلماته بابتسامة سعيدة نتيجة تخبطها البازغ له متشبهًا بقائد أوركسترا مجنون يتراقص على خيبات الجميع، يضحك على وجهعم قبل وقوفه شامخًا فوق رماد انهياره.
عاد إلى جلسته الأولى جوارها لكن تلك المرة يجاهد على ألا يضحك لكنه لا يستطيع التمسك بحالة واحدة من حالات مزاجيته المتعددة حاليًا الذي تحول إلى صمت مفاجئ حينما أخبرته بإقرار
- اخترت دربًا أصعب مما تتخيل ومحاولة تصحيحه أو حتى إعادته إلى مسار صحيح لن يكلفك سوى حياتك.
- مَن أخبركِ بأني أريد تصحيح أي مما يحدث كارمن..!
تساؤل مستنكر كان رده الطبيعي على إقرار أطلقه لسانها وآمن به بعض من تفكيره لكنه لن يعطي الفرصة لندمه بالتسلل بعدما وصل إلى تلك المرحلة من حبكته المنتظرة لذا أخبرها بهدوء يافع يصارع ضد وحش كاسر
- الانتقام يعطي الحياة نكهتها الخاصة.
أخذ يعدد على أصابع يده ما يريد لذا ثنى إصبع الخنصر وأكمل بتوضيح
- هو السم والترياق.
تلاه ثنى البنصر وهو يلوح أمام وجهها
- الحقيقة والسراب.
فعل المثل بإصبع الوسطى تلاه السبابة وهو يقول بهدوء
- هو الأذى للنفس قبل تمني هلاك الغير.
صمت يتأمل ملامحها ولأول مرة يدرك أنها لازالت بثوب زفافها مع بقايا زينة تلطخ وجهها على استحياء، لوحة فوضوية من صُنع يده، ملامح مرتعشة بمسحة فضول طغت على خلاياها لتسقط في فخ حيرة بسبب انهيارها إن كان ناتج من فضول تود إشباعه أم خوف من مصير مجهول مما قد يحدث لكنه غير نادم على ما آلت إليه الأمور يكفي أنها ورقته الرابحة في لعبة خسرها منذ زمن، ابتسم في محاولة منه لتشتيت ذهنه عما يجول به ولازال إصبع الإبهام شامخًا ليُكمل حديثه بهدوء
- أما ذاك الإصبع فهو الثبات في منتصف العاصفة مهما حطمتك إلى أجزاء إلا أنكَ لازلت صامد مكانك دون الخوف من مصير مجهول قد يصيبك في غفلة من القدر.
داخلهما الكثير وكل منهما مسار أفكاره يضعه في منتصف بحر لا فرار من أمواجه العاتية مهما حاولت الهرب بعيدًا عنها لن تجد منها إلا ما يحطمك قبل أن يسحبك للأسفل في محاولة لتعذيبك ثم سلب روحك على حين غرة منك وبعدها مرحبًا بالطفو قانونًا للفظ الجسد خارج مرمى بطشه.
هو..
يدرك جيدًا بوجود الكثير داخلها للسؤال عنه لكنها تقف على باب الحيرة قبل عدولها عن قرارها..
هي..
تريد الهرب من ذاك المكان بأي طريقة لكن لن يسمح لها بمجرد التفكير في خطة بسبب حصاره لها..
نظرات تبادلاها بصمت ونظر كل منهما للجانب الآخر دون التفوه بالمزيد، ثنى ركبتيه ليضع رأسه عليها بترحاب يتأمل حيرتها الواضحة له، حثها على طرح ما تود وياللعجب تلتزم بالصمت منهجًا لها ليتساءل بتبرم
- ألستِ خائفة كارمن..!
ضحكت باستخفاف على تساؤله الماكر فحتى تلك اللحظة لا تشعر بالخوف منه رغم خوفها السابق إلا أنها ارتاحت قليلًا بعدما علمت هوية خاطفها
- لو كنتَ تريد أذيتي لفعلتَ منذ زمن.
قالتها ببساطة ليباغتها بلامبالاة
- ألم تفكري بأن الوقت المناسب لأذيتكِ لم يحن بالسابق لكنه حان الآن..!
بُهِتت ملامحها في تلك اللحظة وهذا الخاطر يتجول بين طرقات عقلها بسُكِر لتستوعب بهدوء حقيقة واحدة أنها الضحية وهو حتى أن دفنها مكانها فلن يعثر عليها أحد، تخبطت في فخ حيرة زُلت قدمها فيه بسببه لتعلنه في سرها حتى لا تستفزه واتخذت الصمت درع لها بعد إجابته تلك، داخلها يدعو بأن تخرج من بين براثنه بأقل الخسائر حتى لا تندم بقية عمرها عما قد يفعله بها ذاك المجهول خاصةً وأنها تتعامل مع شخصياته الكثيرة في نفس الوقت الذي تقف فيه مجردة من أي وسيلة للدفاع عن نفسها أو أن تنأى بعيدًا عن بطشه حتى لا تطالها شظاياه بترحاب.
- لِم اخترتني بالتحديد لتنفيذ خطتك الخبيثة وكأنك لا تخشى مكروه!
بالرغم من ارتعاش حلقها في تقديم حرف وتأخير آخر إلا أنها حسمت رأيها في السؤال عن كل ما يشغل بالها فقد لا تأتيها الفرصة ثانية لكن ما فاجأها بحق هو علو ضحكاته الماجنة بعدما انتهت من حديثها، حاول السيطرة على ضحكاته ليخبرها بعنجهية مفرطة
- لأني بالفعل لا أخشى حدوث مكروه لي كارمن.
صمت لثوان يتأمل ملامحها المضطربة وبعدها أكمل بتمهل وكأنه يتذوق كل كلمة قبل أن يلفظها في وجهها بقسوة
- والسبب في اختياركِ أنكِ الصيد الثمين.
اختتم كلماته بوضع صورة أمامها لتجحظ عينيها بصدمة مما تراه ما لبث أن أطبق عليها بقاضيته قائلًا
- ربما في المرة المقبلة أُخبرك اسمي أو حتى كنيتي لكن ليس الآن.
اختتم كلماته باتجاهه صوب الباب معلنًا نهاية الحديث معها ليقف ثانيةً دون أن يلتفت لها وهي تتساءل بنبرة متحشرجة
- لِم تلك بحوزتكَ!
قالتها والإشارة إلى ما وضعه قبل رحيله ليخبرها بغير اهتمام
- بالمرة القادمة كارمن فإقامتكِ حتى تلك اللحظة إجبارية.
غادر دون إضافة المزيد ليتركها صاخبة العقل من كثرة التفكير رغم صمت كل ما حولها إلا من عدة أصوات خارجية تنبعث من مذياع لأحد القنوات الفضائية.
أسندت رأسها وهي تفكر في ذكريات متداخلة بين رفض معاذ من والدها بالرغم من موافقته على غيث متعللًا بأنه أفضل خيار لها بل في المستقبل سوف تشكره على هكذا اختيار لتضحك بمرارة وهي تتأمل وضعها الحالي فيبدو بأنه لا أحد يهتم بأمرها أو بما تريده بعد لتسقط دموعها باستسلام لمصير مجهول لن تتقابل فيه خطوط حياتنا مهما حاولنا جعلها متعرجة لنتلاقى.
أتتلاقى طُرقنا يومًا..!
تتلاقى أرواحنا دومًا لكن ربما تتلاقى أجسادنا لفترة ذات يوم..
لكن كيف نتلاقى وكل الطرق أُغلقت بيد من حديد..!
القدر باغتنا بفاجعة ولم نكن مدركين..
الحياة عاونته ومنعتنا من التلذذ بحياة هانئة حتى لو لم نطاوعها.
نحن خانعوا الفؤاد.. مُجبروا المصير وفي النهاية علينا تقبل كل ذلك بصدر رحب دون إصدار آهة متألمة أو نداء استغاثة للأقربون علهم يترجمون صمت ملكوم دون صراخ..
وأنت كالغريق الذي انتهى أمره ولن يفيده انتشاله من الماء بعد الآن..
تأمل فوضوية الغرفة بعيون ثاقبة يجاهد للعثور على دليل يسانده لي العثور على حبيبته المفقودة، أزاح غطاء الفراش وجلس عليه بتعب متذكرًا حديثه مع حياء قبل أيام ورفضها للتوسط له عن صهيب لدخول غرفة الفندق بعدما تم إغلاقها مؤقتًا حتى ينتهي التحقيق، وضع يده على رأيه يحاول تخفيف صداع بدأ يهاجمه من كثرة التفكير في الأمر وخاصةً حينما هاتف قريبة كارمن ليخبرها بنبرة خالية من أي شعور
- كيف حالكِ آنسة حياء؟
وحياء من الطرف الآخر وجدت رقمًا غريبًا يضيء شاشة هاتفها، ناظرته قليلًا قبل حسم أمرها بالرد عليه لتفاجأ بصوت شاب يسألها عن حالها ورغم عدم معرفتها بهويته في البداية إلا أنها أجابته بهدوء
- بخير وأنتَ!
- أحاول أن أكون بخير.
بإجابته أدركت مَن يكون لكنها لم تتحدث بل انتظرت حتى ينتهي هو مما في جعبته ليواجهها الصمت من الطرف الآخر للحظات قبل أن يُكمل حديثه برجاء طالبًا منها مساعدته فيما يود
- أريد طلب أمر ما منكِ.
قالها غيث على استحياء لتشجعه على إكمال ما يريد
- بالطبع ان كان في مقدوري فعل ذلك.
- يمكنكِ.
قالها بإقرار أقرب إلى تأكيد لتندهش من ثقته تلك، أومأت برأسها إيجابـًا وكأنه أمامها دون إبداء رد فعل تعقيبًا على حديثه خاصة حينما ألقى كلماته التالية على مسامعها بهدوء
- أريد منكِ مساعدتي على دخول غرفة الفندق لمعاينته مرة أخرى.
رغم استخفافها من فكرته تلك ورغبتها في الضحك بصوت مرتفع إلا أنها اتخذت الصمت حليفًًا لها حتى ينتهي مما يريد لتستمع إلى صوت تنهيدة متخاذلة منه بعدما أخبرته بهدوء
- اعتذر سيد غيث فالغرفة عبارة عن مسرح جريمة ولن يكون سهلًا التواجد به في هذا التوقيت عى وجه الخصوص.
- أريدك أن تتحدثي مع صهيب وتخبريه بالأمر لن يرفض..
آخر كلماته قالها بثقة لكنه لم يلاحظ تعبيرات وجهها المنكمشة وهي تتأمل أظافر يدها بتفحص وهي تخبره بتهكم
- إن كنت تثق بصهيب فاطلب منه ذلك.
قالت كلماتها وأغلقت الخط بعد عدة كلمات مقتضبة أخرى اختتمت حديثها بها
- الغرفة لن تفيدك في شئ فالطب الشرعي حتى الآن لم يجد وأنتَ لست أفضل منهم.
أخبرته بأنه ليس الأفضل وهذا أمر أثار حفيظته نحوها فهي حتى هذه اللحظة ليست متعاونة معهم في أمر بل تتباطأ كثيرًا تجاه كل ما يخص العائلة، أغلق معها وهاتف صهيب يخبره بالأمر ورغم رفض الطرف الآخر في البداية إلا أن غيث أقنعه قائلًا
- إن كانت قد اختفت من الغرفة دون أن تلقطها كاميرا المراقبة..
هنا انتبه صهيب إلى ما يقوله خاصةً مع حديثه قائلًا
- أشعر بوجود لغز في الغرفة لم يستطع فريق الطب الشرعي الوصول إليه لكنه موجود.
آمن على حديثه المتحمس فهو نفس ما يشعر به حتى الآن بوجود أمر في الغرفة ولن يراه إلا من آمن بذلك، حمحم بهدوء أعقبه قوله بنبرة متزنة
- يمكنك الذهاب غيث لكن تذكر عدم التلاعب بأي دليل حتى لا تهلك.
وافقه على طلبه وهاهو الآن يبحث في كل زاوية من الغرفة عله يعثر على ضالته المنشودة، أخذ يطرق على الجدار عدة طرقات خفيفة متمنيًا وجود مخبأ سري في أي بقعة على الحائط لكن سريعًا بدأ اليأس في الغزو ناحية طموحه ذاك ليلتهمه على مهل دون رحمة، جلس على حافة الفراش قبل أن يطرأ على باله نفس الفكرة لكن في مكان آخر لذا اتجه سريعًا صوب المرحاض وفعل المثل على الحائط والنتيجة مخيبة كمثيلتها تمامًا، استنتاجه خال من الصحة وهذا أحبطه أكثر من ذي قبل تنهد بتخاذل واستند على طرف حوض الاستحمام يراقب الشمع المنتشرة على إحدى حافتيه بعيون خاوية من أي انبهار لكنه لاحظ وجود مفتاح غريب على الحائط جواره لم ينتبه له أو بمعنى أدق لم يراه قبلًا، أزاح قطع الشمع الموجودة أمامه ضغط عليه أكثر من مرة لكن دون نتيجة لذا حركه في نفس اتجاه عقارب الساعة ولم يفلح الأمر أيضـًا لكن بمجرد الضغط عليه مع تحريكه عكس عقارب الساعة استمع إلى شئ ما يُزاح لتتسع عيناه بصدمة حينما تحرك الجدار المقابل له ليظهر من خلفه مكان معتم لم يسمع عنه من قبل لذا اتجه نحوه كالمتلهف في رؤية حبيبته واستخدم هاتفه المحمول ليضيء المكان ليجد كيس بلاستيكي مستندًا على الحائط وجواره ورقة صغيرة تشبه كارت المعايدة ساكن على الحائط وبمجرد فتحه وجد به عبارة واحدة جعلته يزداد غيظًا على غيظه خاصةً حينما شعر منها بأن الطرف الآخر قد ابتسم كثيرًا بمجرد كتابتها وكأنه يتحداه من مقدرة فعل أي خطب.
"حظ تعيس أيضـًا في المرات المقبلة".
ان قال بأنه يشعر باستماعه لصوت ضحكات في نهاية العبارة فلن يصدقه أحد بل سوف يستخف به الجميع من طفوليته الحمقاء.
خرج من ذاك المكان وجلس على حافة حوض الاستحمام ثانيةً وهو يضغط على عدة أرقام قبل أن يقول بهدوء لصهيب بعدما فتح الخط
- عثرت على شئ ما في المرحاض.
بعدها بأكثر من نصف ساعة تحول المكان إلى مسرح جريمة أيضـًا يحاول الفريق الطبي في البحث عن أي دليل يفيدهم في رحلة البحث تلك وبمجرد قدوم صهيب طلب من الجميع بالتزام الصمت حول هذا المكان حتى يعرفوا إن كان مشترك بكافة الغرف أم هنا فقط، راقب غيث قليلًا قبل أن يقول له بنبرة منخفضة جوار أذنه
- جيد بأنكَ ارتديت القفازات.
استمع إلى أحد أفراد فريقه ينادي عليه قبل استئذانه من غيث واتجاهه إليه ليخبره الرجل بهدوء
- أشعر بأن الجدران الأربع تؤدي إلى أماكن أيضـًا مثل تلك الغرفة لكن لا يوجد دليل على ذلك.
أومأ له صهيب بحماس ليخبره بعدها بإقرار
- سأتقدم بطلب للحصول على مخططات الفندق القديمة تحديدًا ربما كانت هذه الأماكن كانت تستخدم في أمر لم نعرفه بعد.
أيده الرجل في حديثه واتجه يُكمل باقي عمله وكذلك صهيب مع وعد بضرورة اغتنام تلك الفرصة ربما كانت هدية أخرى لمحاولة إنقاذ كارمن على قيد الحياة.
لكن الحياة لا تُهدينا الفرص دون مقابل قد يكون في بعض الأحيان دمائنا فالفرص لا تأتي من فراغ بل تكون محصلة اجتهاد بذلته طوال عقد من حياتك حتى استطعت تأمينها..
وفرصته سنحت له بعد حديث كل من صهيب ونيا بالإضافة إلى تذكره لحديث أوار لتتجه قطع الأحجية إلى مكانها المناسب وما عليه سوى إكمال البقية حتى يعرف ما هو مخفي خلفها.
أخبرها طارق صباحًا بأنه سوف يصطحبها إلى مكان العمل وهي وافقت بسبب وجود سيارتها في مركز الصيانة وبمجرد وجوده بالقرب من المنزل أرسل لها نصية لتظهر له بعدها بدقائق من بعيد تلوح له، اتخذت مكانها جواره في السيارة ليخبرها طارق بهدوء محاولًا اكتشاف ردة فعلها
- أحضرتُ لكِ هدية.
قالها وأخرج من جيب سترته صندوق صغير وضعه بين يديها، فتحته بشغف وارتفعت صوت صرخاتها بسعادة حينما وجدته قد أهداها مجموعة لأحد العلامات التجارية من طلاء الأظافر وحُمرة الشفاه باللونين الأحمر والوردي، تابع سعادتها بصدمة حاول إخفائها قدر الإمكان خاصة مع قولها بفرحة عارمة
- كيف علمت بأني اعشق طلاء الأظافر خاصة ذو اللون الأحمر؟
لم تمهله فرصة للتحدث بل اختتمت كلماتها باستخدام الطلاء على أظافرها وبعدما انتهت مما تفعل تأملت شكل يدها ببهجة طغت على ملامحها.
أما طارق في ذاك الوقت كان يريد الإجابة عن سؤال واحد "مَن أنتِ"! فهو يعلم جيدًا بأن حياء تكره طلاء الأظافر خاصة واللون الأحمر بصفة عامة كما أن لديها هاجس من احتمالية إصابتها بمكروه إن وضعته أما تلك الفتاة فهي عكسها تمامًا، تكره ما تحب حياء والعكس صحيح حتى إشعار آخر..
لاحظ تأملها به ليعقد حاجبيه بعدم فهم ليتساءل بهدوء من صمتها المفاجئ
- ما الأمر؟
- كيف علمت؟
مطت شفتيها للأمام قليلًا وهي تضع حُمرة الشفاه من نفس اللون ليبتلع ريقه بصعوبة وهو يشعر أنه ليس بخير ليتحدث بإجابة مقتضبة
- يليق بكِ.
صمت ليفكر في خطوته التالية فتلك لم تكن الإجابة التي يريد قولها لكن إن كانت سعيدة فهذا يكفيه في الوقت الحالي دون وجود تفسير محدد لاضطرابه الداخلي في هذه اللحظة تحديدًا ليُكمل بهدوء بعدما طال صمته
- كما أنكِ تبدين شهية في هذا اللون.
اختتم كلماته بغمزة من طرف عينه لتضحك على مشاكسته قبل أن تقول له بامتنان
- شكرًا طارق عليها..
ثم أخبرته بالإنجليزية بعدما لم تُسعفها ذاكرتها في إيجاد التعبير المناسب عنها باللغة العربية
- You made my day.
اختتمت كلماتها أيضـًا بغمزة من طرف عينها ليضحك على فعلتها وهو يكاد يقسم بأنه ليست حياء بل نسخة مصطنعة منها، قرر خطوته التالية وقاد السيارة بهدوء إلى مقر العمل ولم يخلو الطريق من كوميديا ابتكراها سويًا أجبرت تفكير طارق على الانحراف قليلًا للتمتع ببضع لحظات مسلوبة من الزمن ليتذكر أمر ما وأخبرها به على الفور
- ما رأيكِ بالذهاب إلى منزل صهيب للوقوف على مستجدات القضية وكذلك معاونته أن احتاج أمر ما!
- لم اعتد الذهاب إلى منازل الغرباء.
قالتها بفتور وهي تنظر إلى الهاتف تتابع ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي ليتأكد للمرة التي لا يعلم عددها بأنها حياء مزيفة.
أوقف السيارة على جانب الطريق لتنظر له بعد فهم ليخبرها بهدوء
- اصعدي أولًا.
- وأنت!
قالتها باستفسار ليجيبها بإقرار
- لا يوجد مكان شاغر هنا لركن السيارة لذا سأذهب إلى جراج السيارات لركنها.
اختتم كلماته بالإشارة إلى مكانه لتومأ له عدة مرات بتفهم قبل تركها له والذهاب للداخل أما هو فقاد السيارة بعيدًا تجاه وجهته المقصودة قبل أن يخرج هاتفه، نظر في الساعة الدولية ليعلم إن كان الوقت مناسبًا للتحدث مع أوار في تلك الساعة أم لا وبالفعل وجد التوقيت لازال باكرًا هناك لكنه قرر الاتصال به باستخدام أحد تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي وما هي إلا لحظات وأجابه أوار ليضحك على احتمالية وجود صديقه على الزر وكأنه كان بانتظاره.
أما أوار فقد كان يتصفح المواقع الإخبارية بعد نجاح القضية الأخيرة التي تعاون أبيل وحبيبته فيولا في حلها كما أنها رغبة حياء في المقام الأول لتشتيت تفكيرها عن حالها والتفكير في نجاح الأصدقاء، وجد الهاتف يهتز واسم طارق بالأعلى لذا فتح الاتصال وأجاب على الفور ليستمع إلى ضحكات على الطرف الآخر لكنه لم يُبدِ أي ردة فعل. 
- كيف حال حياء أوار؟
رغم مباغتة سؤال طارق وعدم توقعه إلا أنه لم يتأثر لذا أخبره بمراوغة
- من المفترض أن تكون الإجابة عندك طارق لا أنا.
ضحك طارق باستخفاف من إجابته الساذجة وكأنه لا يعلم بأن الموجودة معه مزيفة، تنهد بضيق وتساءل بحيرة
- لماذا لم تخبرني بأنها مزيفة أوار؟
مفاجأة لم يتوقع أن يعرفها بسرعة هكذا رغم معرفته بطارق جيدًا وأنه سيلاحظ الأمر عاجلًا، فكر قليلًا فيما يود قوله حتى لا تتفاقم الأمور أكثر من ذلك، تنهد بإرهاق وهو يشعر بوجود الكثير من الأشياء تضغط عليه من كل جانب لكنه حسم أمره بإخباره
- كيف أفعل طارق وانا لم أصدق الأمر طارق.
ابتعد قليلًا عن مرمى عينيها ليُكمل بحنق
- لم أصدق بأن حبيبتي أصابها مكروه وانا بعيد عنها.
يشعر بأنه في تلك اللحظة على حافة الانهيار وما هي إلا عدة كلمات أخرى وينفجر في اللاشئ، صمت طارق من الطرف الآخر جعله يستأنف حديثه قائلًا بتعب
- لم أستطع الانهيار طارق لأنها تحتاج مني القوة حتى لا تنهار أكثر مما هي عليه الآن.
نعم هو على حق هكذا أخبر بها طارق نفسه فسقوطه يعني جفاف النهر من مياهه، تنهد بهدوء ولم يجد ما يواسي به صديقه ليخبره بهدوء
- لازلت بجوارك أوار.
هكذا تحدث بها المتصل ليؤيده الآخر في حديثه وداخل كل منهما مشاعر متضاربة لا يوجد لها تفسير، طال الصمت بينهما ليقطعه الأول بقوله
- كيف حالها الآن أوار؟
- أفضل من السابق.
كلمات مقتضبة أخبره بها أوار فهو لا يريد في هذا الوقت بالتحديد ليأخذ الحديث بينهما إلى ضفة أخرى بتساؤله
- كيف علمت بأنها ليست حياء وإنما نسخة منها؟
- لستُ وحدي أوار؟
قالها بإقرار ليعقد الآخر حاجبيه في عدم فهم قبل أن يسأله باستفسار عن مقصده
- ماذا تقصد؟
- صهيب يشعر بأنها ليست حياء.
عند ذكر اسم غريمه ترنح داخله قليلًا وهو يشعر بوجود حجر على صدره يمنعه من التنفس بانتظام، لم يسأل عن الأمر أكثر من ذلك لكن طارق أعطاه أكثر مما كان يريد أن يعرف
- وافقت بسلاسة على عمله بالقضية بل واقنعت العائلة بذلك وهو أمر لم يصدقه صهيب.
وأوار أيضـًا لم يصدق الأمر فهي لم تتخطى بعد وجودها مع صهيب بنفس المكان يفعل تفعلها وتهديه قضية تخص إحدى صديقاتها مؤكدًا أنها كان بإمكانها الانضمام إليها وإزاحة حبيبها السابق من الطريق تمامًا، صوت طارق المتردد أخرجه من شروده خاصةً حينما أخبره
- كما أنه يشعر بأن...
حثه أوار على إكمال حديثه ليخبره الآخر بسرعة
- له يد باختفاء كارمن.
للوهلة الأولى لم يصدق الأمر فهي بالتأكيد ليست بشعة إلى تلك الدرجة لكنه طلب من طارق مراقبتها كظلها ليعرفا كل شئ عنها مُشددًا عليه بضرورة التعامل معاها كأن شيئًا لم يكن حتى لا تشعر هي وتأخذ حذرها وأيضًا عدم التفوه بأي حرف لأي شخص حتى لو كانت نيا، وافقه طارق على حديثه وطلب منه على استحياء
- أريد الاطمئنان عليها.
- لا.
مقتضبة من أوار لكن في مواجهة إلحاحه المستمر عاد أدراجه ثانيةً إلى غرفة رانسي يمد يده لها بالهاتف، نظرت له بتشوش وأطرقت رأسها للأسفل.
أما رانسي فقد كانت تنتظر أوار خاصةً بعد غيابه فترة بالخارج لكنه حينما أتى طلب منها بصمت أن تتحدث مع صديق حبيبها السابق، عينيها تُصدر رفض قاطع للأمر فهي لم تتواصل معه منذ زمن ولا تدري ماذا تقول أو فيما يتحدثا لكنها بيد أوار تتسلل تدريجيـًا إلى راحة يدها قبل تغلغلها بين أصابعها لتُعيد رفع رأسها إليه بنظرة باكية، أومأ لها بتشجيع لتأخذ الهاتف، ضغطت على مكبر الصوت ووضعت الهاتف أمامها ليضحك هو على فعلتها تلك فرغم صداقته مع طارق إلا أنه يغار عليها حد الهلاك، حمحمت بهدوء وتساءلت بنبرة هادئة
- كيف حالك طارق؟
تفاجأ طارق فتأخر حديثها جعله يشعر بأنها لا تريد ذلك لذا أخبرها بحنان
- بخير... وأنتِ؟
- بخير أيضـًا.
مقتضبة في حديثها معه رغم مرور الوقت إلا أنها لم تتخطى أمر صداقته مع صهيب بعد وبأنه صديق لها مثله تمامًا، حاول قول المزيد لكن طرقات على زجاج السيارة جعله يندهش من وجود الأخرى أمامه، ابتلع ريقه بصعوبة وأنزل زجاج السيارة قليلًا ليخبر حياء بتساؤل مرح
- ما الأمر حياء؟
أشارت إلى المقعد المجاور له ليجد هاتفها الخلوي لازال بالسيارة، توتر من هاجس ما لكنه أعطاه لها بهدوء وأخبر الطرف الآخر قائلًا
- حسنـًا نيا سأفعل كل ما طلبته.
وأنهى المكالمة ليهبط من السيارة، أغلقها جيدًا واتجه معها إلى مكان العمل مع وعد بتكرار الحديث مع أوار مستقبلًا.
أما رانسي فاندهشت مما فعل فهو سألها ولم يستمع للإجابة فقط أتى بسيرة ابنة خالته وأغلق الخط لكنها لم تسأل وآثرت الصمت كذلك أوار لم يخبرها بكل ما يحدث في مسقط رأسها وبالأخص وجود شبيهة لها فقط أخبرها بما يريد حتى لا تقلق أكثر من ذلك ويحدث ما لا يُحمد عقباه، طرقات على باب الغرفة وبعدها ظهور ممرضة تُبلغ أوار بأن الطبيب يريد رؤيته، وافقها واستأذن من رانسي وذهب إليه..
طرق الباب وما إن سمح له الآخر بالدخول حتى فعل ليجلس على المقعد المقابل للطبيب، وجده مُنهكًا في بعض الأوراق قبل أن يتركها بتعب وابتسم بترحاب لضيفه، حمحم بهدوء وأخبر الجالس قبالته بحديثه الهادئ
- كما أخبرتك سابقًا سيد أوار..
تعمد التوقف لثانيتين حتى يحصل على اهتمام أوار الكامل ليستكمل حديثه قائلًا
- لا يوجد أي إصابة جسدية قد تكون السبب في عجز الآنسة رانسي على السير كما أن أعصاب قدميها استجابت للمؤثرات الخارجية بصورة طبيعية.
قال كلماته وأشار إلى عدة تقارير قبل أن يضعها أمام أوار ليشرح له مقصده بالتفصيل
- عجزها نفسي أقرب منه جسدي سيدي.
أومأ له بتفهم وبعد حديث قصير عن إمكانية خروجها من المشفى تركه وذهب إليها مجددًا وداخله يفكر بأنه وجب عليه إخبارها بكل ما يحدث حتى لا تنهار إن علمت لكن قلبه لن يطاوعه في أن يُثقل عليها أكثر من ذلك متعللًا بأنه يكفيها ما بها مقررًا إرجاء الأمر حاليًا وليترك المستقبل لوقته.
كل شئ من وجهة نظرنا صحيح حتى يأتي الصحيح بحد ذاته ليدمر كل ما ظنناه يومًا واضعًا رواسي جديدة لمسار لن يحيد عنه أحد سواء كان برضاك أو غير ذلك فلا يهم رأيك من الأساس لأنك لم تتصرف بحنكة في البداية بل تركت كل شئ يطفو فوق السطح دون محاولة منك لتبينه لذا انتظر وشاهد.
................
إن لم تختر الوقت المناسب فلا تندم مستقبلًا..
وباسل قرر اغتنام فرصة وجوده مع تلك الفتاة التي رآها سابقًا في المصعد سويًا، تأمل ظهرها بعبث وابتسم بتلاعب وهو يخبرها بهمس بالقرب من أذنها.
- كيف حالك جميلتي؟
أما نيا فقد كانت شاردة في بعض التقارير الإلكترونية تحاول مراجعتها قبل إرسالها إلى أوار لتعرف رأيه، لم تكن بحال جيد بما يكفي لتعرف هوية الشخص الموجود معها بالمصعد، كرر سؤاله السابق لتضغط أسنانها بحنق مما يفعله ذاك المنحرف وعلى حين غفلة منه التفت إليه ثم ثنت ركبتها وسددت له ضربة قوية في بطنه لينحني قليلًا في محاولة منه لتخفيف الوجع ليجدها تهمس جوار أذنه بخبث
- حالي مثلما تشعر أنتَ الآن.
انتبهت لفتح المصعد حينما وصل للطابق المنشود لتخرج منه بثبات وصوت ذاك الغريب من وجهة نظرها يخبرها بغضب
- ليس عدلًا آنستي..
التفت له لتكور قبضة يدها وتضعها بالقرب من وجهها علامة البكاء ليخبرها بمشاكسة بعدما استقام واقفًا
- لكنكِ حلواي المفضلة جميلتي.
تسمرت في مكانها حينما وجدته يقترب لتخطو بسرعة نحو منزلها بعدما فتحت بابه ليقف هو على بعد خطوات أمام منزل صهيب وبعدها أرسل لها قُبلة في الهواء لتغلق الباب في وجهه بعنف دون كلمة واحدة منها فذاك المنحرف يبدو أنه بحاجة إلى التهذيب على حد قولها.
اتصلت بعدها بأمن العقار وأخبرتهم بوجود غريب يتطفل على الطابق الذي تقطن به منذ مدة وقد تعرض لها قبل قليل في المصعد من طرفه أخبرها الحارس بألا تقلق كما أنه سيرسل لمضيفه تنبيه يحذره من قدومه إلى العقار ثانيةً.
تنهدت براحة ما لبث أن تحول إلى صدمة بمجرد إخبار الحارس لها
- متأكدة آنسة نيا بأنه تعرض لكِ ليس العكس.
أما الحارس فقد كان شاهد اللقطات من كاميرا المراقبة الموجودة في المصعد وتابع كل ما يحدث غير مصدق بأن تلك البريئة قد أخذت حقها بيدها كما يقول البعض مدحًا في إحداهن.
ابتلعت ريقها بتوتر وأخبرته بتبريرها المنطقي من وجهة نظرها
- لكل فعل رد فعل وأرجو ألا تنسى بأني رد الفعل.
أومأ لها بتفهم وهو يشاهد دلوف الضيف لمسكن جارها، حمحم بهدوء وتحدث بعدها بإقرار
- الضيف يخص السيد صهيب ويبدو بأنه يقطن معه لوجود نسخة من المفاتيح بحوزته.
تنهدت بضيق حينما علمت بكونه جارًا لها كجارها العزيز، أغلقت الخط معه بعدما أخبرها بأنه سيُنبه عليه بعدم التعرض لها ثانيةً.
أغلق معها حتى اتصل على منزل صهيب يُبلغه بالأمر، وما إن فُتِح الخط حتى تحدث بهدوء محاولًا معرفة هوية المُجيب
- السيد صهيب معي!
- بل باسل.
قالها باسل بإقرار منتظرًا معرفة هوية المتصل ليخبره الآخر بهدوء
- معك أحد أفراد أمن العقار.
قالها الحارس في تعريف بسيط عن نفسه ليرحب به باسل قبل سؤاله عن وجود خطب ما ليجيبه الحارس
- الآنسة نيا قدمت شكوى بكونك تعرضت لها لي المصعد.
رغم عدم معرفته بالسابق عن هوية تلك المرأة لكن بمجرد إكمال الحارس حديثه تمكن أخيرًا من معرفة اسمها لكن لقد وضع الحارس لقب آنسة ليس سيدة كما قال صهيب.. أيعني هذا بأنها مثلما تمنى وحيدة مثله، اتسعت ابتسامته بحبور مقررًا البقاء في منزل صهيب لمطاردتها حتى توافق على الارتباط به، فصديقه أعطاه نسخة من المفاتيح ليأتي في الوقت الذي يريد والآن لن يرحل مطلقًا.
ابتسم بتهكم وصل الحارس ليخبره بهدوء
- بل هي مَن تعرضت لي وتسجيل الكاميرا شاهد على ذلك.
تنهد الحارس بنفاذ صبر وهو لا يريد الدخول جدال معه ليقول باستفزاز يريد إنهاء الأمر
- إذن أخبرها بنفسك.
- حسنـًا.
قال باسل باقتضاب وأغلق الخط دون إضافة كلمة إضافية وهو يبتسم كالمجنون الذي فقد أحد أبراج عقله ويتسول في الشارع بحثًا عن مأوى.
قرر أول خطوة بأن يعتذر لها عما بدر منه وبعدها لكل مقام مقال..
لذا في اليوم التالي ظل مرابطًا أمام الباب يتأمل من فتحته السحرية مرورها وما إن رآها حتى عدَّل من هندامه أمام المرآة جوار الباب وخرج مسرعًا ليجدها تقف منتظرة المصعد، وقف جوارها لتنظر له بغضب دون حديث ليبتسم لها قبل أن يقول لها بحنان
- صباح الخير.
اختتم كلماته بأن مد يده بكوب قهوة وقطعة حلوى لتنظر له باستخفاف دون أن تتفوه بحرف، تنهد بضيق وأكمل حديثه قائلًا
- اعتذر عما حدث أمس.
تنبهت كافة حواسها حينما استمعت إلى اعترافه بندم لتنتشل من بين يديه قطعة الحلوى قبل أن تلوح بها أمام وجهه وتخبره بهدوء
- لا عليك.
التهمت قطعة الحلوى بتلذذ وبعدها تحدثت هي الأخرى بندم
- اعتذر أيضـًا عما حدث أمس.
- باسل.
قالها وداعب خصلات شعره بحرج لتضحك على فعلته تلك لتقول إلى الأخرى
- نيا.
تجاذبا أطراف الحديث وكل منهما يتحدث عن نفسه قليلًا حتى انفصلا أمام مدخل العقار وكل منهما اتجه نحوه وجهته مع وعد بتكرار اللقاء بينهما بما أنهما أصبحا جيران.
تابع صهيب كل ما يحدث من بعيد بحنق لوجود رجل حتى لو كان صديقه يتحرك في نفس مدارها بل والأثقل على روحه أنها تتجاذب معه أطراف الحديث بانسيابية فهو قد ظنها سوف تضعه عند حد مناسب لكن فليترك الأمر جانبًا حتى وقت لاحق فالأهم الآن قضيته التي اتخذت عدة طرق أخرى غير التي كان يتوقعها مع إصرار مالك الفندق بأنه لا يمتلك أي تخطيط للفندق ولن يستطيع مساعدته كذلك دهشته من معرفته بوجود غرف سرية بين غرف الفندق وهذا جعله يتكتم على الخبر حتى لا يهلع الزوار ويضطر لبيعه مع وعده بأنه سيفعل كل ما يطلبه صهيب لحل الأمر بعيدًا عن أعين الصحافة الصفراء لذا طلب مساعدة باسل في تنفيذ هذا الأمر ومحاولة الوصول إلى تاريخ الفندق بأكمله دون معرفة أحد.
بعض الفرص إن لم تستثمرها في وقتها هنيئًا لك خسارتها غير مأسوف على سذاجتك الفطرية.
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن