الفصل الثالث والثلاثون

133 6 8
                                    

"الفصل الثالث والثلاثون"

"العبث مع المجهول نغمة لن يتقنها سوى مَن مات قلبه بمرور الزمن"
مرحبًا بك في دوامة القاع أو بمعنى أوضح مملكة "أركان الدالي" حيث أنا السيد هنا وأنتَ مجرد مستمع لعبث ترجو أن يكون كذب مع تحريك رأسك كل بضع ثوان متضامنًا مع ما أقول مهما يلغت بشاعته لكن قبلًا يجب أن تعلم جيدًا بأن المثالية دمرتها الخيانة ولم يتبق في جعبتها سوى الانتقام.
تحت مبدأ "من البداية أركان.. أرجوك"
وتضامنًا معه في بعض النقاط قررت وبكامل قواي العقلية الثرثرة معه قليلًا فهو منذ زمن يرفض ذاك النوع من النقاش متعللًا بأنه ربما لن يفهم أحد ما مر به لذا اتخذ العنف عنوان لحياته تحت غطاء "صديق رجل أعمال مرموق" -المقصود هنا صديقه كارم لكن خلال السطور التالية سوف نعرف كيف اجتمعا- وقبل أن أترك أفكاري بين يدي ذاك العابث أرجو أن يستمع الجميع بما سوف يخبركن به بشرط ألا تجادلن حتى لا يهرب كما اعتاد دومًا.
قد لا تبدو الصورة مثالية كما كانت دائمًا في نظر الجميع، إطار مدهب يحتضن صورة تذكارية لعائلة حنون جمعها الدفء ذات ليلة ليدمرها الطمع بشِركه قبل أن يقضي عليه تمامًا ولم يتبق منه سوى كراهية أنارت القلوب وأشعلتها بلهيب الانتقام دون رادع فالماض مهما بلغت بشاعته إلا أنه يحوم حولنا دومًا لينخر سلامنا بنهم حتى نسقط باستسلام والخيار الوحيد للنجاة إما بتخطي الأمر تمامًا كأنه لم يكن ولم يحدث ثم اتركه إلى حال سبيله أو خد نفس عميق وأمنح نفسك لحظة هدنة تنظر فيها إلى الإطار من الخارج وبعدها أمعن النظر في كل طرف فيها ﻷنك لن ترى شئ سوى أنها كانت صورة عائلية مهتزة.. مهترأة.. ممزقة الأطراف وكل طرف بها يحارب لأجل النجاة من دوامة تكاد تقتلعهم جميعًا وتقذف بهم إلى الفقر بعدما احتضنها الطمع وشيعها إلى مثواها الأخير.
مرحبًا بك من القاع حيث أنا السيد هنا وأنتَ مجرد مستمع لثرثرة ربما لن أخبرك بها سوى مرة واحدة ولن أعيدها ثانية أو أكررها فيما بعد فقط أنصت بتمعن ولا تنظر إلي بريبة هكذا فأنت هالك لا محالة إن كررت فعلتك تلك مرة أخرى.
المكان: قاعة الأوبرا أمام بيانو عتيق أعزف عليه كلما أتيت إلى هنا.
الزمان لن يكون سوى دوامة تنقلنا بين الأحداث المختلفة التي حدثت في الماض وما نتج عنها في المستقبل القريب لذا لا تقلق سوف أُشبع فضولك ولن أتركك هكذا.
اختتم أركان كلماته ووقف جوار البيانو ينحني بتحية إلى جمهور وهمي يتابع انفعالاته المختلفة ليدونها تحت بند ذاك الأحمق لا تبدو نيته واضحة بل خبث تشكل في هيئة وسيم ليخدع الجميع بحيله اللامتناهية وبعدها سوف يقضي عليهم دون ذرة ندم.
مرحبًا بالجميع...
أُدعى أركان الدالي وفي رواية أخرى ابن الملجأ الذي أنقذه سيده منه في عمر صغير ولم يتركه لقدر مظلم ربما كان ليلاحقه إلى الأبد.
لن أخبرك بالاسم الحقيقي لي لأني تخليت عنه منذ زمن.. من اليوم الذي حاول فيه العم قتلنا حتى يرث كل شئ وحده.
صُدِمت مما تسمع...!
لا يهم.. الأهم بألا تسأل وأيضًا بالفعل تم اغتيال طفولتي على يد أقربهم لي لتنعدم الثقة في الجميع منذ ذلك الحين لكن لنبدأ من اللحظة التي تم اكتشاف الأمر فيها وخطة القتل الجماعية لتدمير العائلة وذاك كله من أجل حفنة من المال.
أتصدق الأمر عزيزي..!
بأن العائلة التي من المفترض أن تكون الملجأ لنا لم تكن سوى يد اغتالتنا بدماء باردة لأجل إرث ربما يزداد بضع آلاف خلال الأعوام التالية وبعدها تمتﻷ البطون بالطعام فالخيال جامح بعدما تم الاستيلاء على المزيد من الأموال بخبث.
حسنـًا لنبدأ الأمر باجتماع عائلي صغير بين والدي والسيد علي بعدها أتى الجميع بداية من السيد خلدون والد الآنسة حياء بشكواه المستمرة أن ابنته بالخارج وحدها مع أهل زوجته بعدما توفت هي أثناء ولادتها وتعنت الجد والجدة في التفريط بالصغيرة.
أتى بعدها السيد جمال دون زوجته يضرب أخماسًا بكونها لا تريد إجهاض الجنين بحجة أنها تريد تخليد ذكراهم والحصول على قطعة منه تنمو داخلها تسعة أشهر ثم تخرج إلى كنف العائلة ليزداد ارتباطهم.. حينها أدركت أن جمال لا يريد عائلة بل لذة لبعض الوقت ثم يغادر إلى أخرى يتمتع معها قليلًا وهكذا.. جمال لم يكن يريد الاستقرار بل المتعة وفقط.
دلف للداخل بعدها الصغير معاذ بسيلان أنفه وشكوى والدته بأن الطبيب لا يريد إجراء الجراحة له متعللًا بصغر سنه وفي رواية أخرى لا يود التعامل مع والد الصغير ومن خلفها ظهر زوجها بنظراته الغير مطمئنة بالمرة فقد اقترب مني على حين غفلة وسكب المشروب على ملابسي ثم صدح بعدها صوت ضحكة سمجة تتحدث بعبث
- اعتذر يا صغير لم أركَ
لتأخذني بعدها والدتي حتى تبدل لي ثيابي ولم أرى بقية الزوار فقد اعتمدوا جميعًا على صلة الصداقة بينهم ليتسامروا سويًا كل يوم لتنشأ بينهم علاقة أقوى من بعض علاقات الدم.
رفضت والدتي بعدها أن تسمح لي بالهبوط لأسفل ثانيةً والسبب ان الجميع حديثهم ممل وهو لن يفهمه على أي حال، أخذتني للفراش وطلبت مني النوم وفعلت المثل لأستمع إلى صوت والدي يدلف للداخل بإعياء ومن خلفه أمي تساعده على تبديل ملابسه ليخبرها بإنهاك
- أشعر بأن نهايتي قد اقتربت حبيبتي.
دمعت عيناها وهي تُربت على كتفه بحنان لتخبره بعدها بهدوء
- لن يصيبك مكروه عزيزي فقط اطمئن وتناول علاجك بانتظام وتذكر دومًا أننا جواركَ في الضراء قبل السراء.
اختتمت كلماتها وارتمت بين أحضانه ليُقبل رأسها بتعب وداخله يكاد يُجزم بأن العُمر يفنى ولم يتبق منه سوى القليل ليخبرها بنبرة هادئة
- أرجو منكِ أن تعتني بالصغير حتى وإن فرقنا الموت.
بعدها ذهبت في سبات عميق ولم استمع لبقية الحديث لكن كلمات والدي أنبأتني انه يعاني من مرض عُضال ولم يتبق سوى القليل من الوقت لذا قررت البقاء جواره طوال وجوده بالمنزل وكذلك على مقربة من عمي علي لأكون الشخص الذي يثق به بعد وفاة والدي وياليتني لم أفعل لأن كل ما رأيته بعد ذلك لم يأتي سوى بالدمار لنا جميعًا خاصةً مع طمع علي في السيطرة على كل شئ بعد وفاة أبي دون أن يكون له وريث بطريقة غير شرعية ليصبح هو الوريث الوحيد لكل شئ.
بدأ الأمر حينما تسللت سرًا من خلف والدتي لأذهب إلى الأسفل استمع إلى ثرثرة العم وبقية زملائه لأندهش من حديثهم الساخر حينما تحدث جمال قائلًا
- ما تريده درب من الجنون علي.
صمت علي يتابع رد فعل الجميع بعدما أخبرهم أنه يريد إنشاء مصنع لإنتاج الخمر في الخارج ليستمع إلى صوت والد معاذ وهو يخبره بهدوء يفكر مليًا في كل ما يريده علي ليتساءل بهدوء
- لكن تكلفة مشروع مثل ذاك الذي تريده يحتاج إلى الكثير من الأموال لا نمتلك منها الكثير في الوقت الحالي. 
- بل نمتلك أكثر مما تظن أنت.
قالها علي بتمهل وهو يجلس باسترخاء على مقعده أكثر يتأمل ملامح وجوههم المندهشة مما يقول ليتساءل خلدون باستفسار عن مقصده
- كيف ذلك؟
انتظر الجميع على أحر من الجمر منتظرين الاستماع إلى حديث المضيف الذي أخبرهم بهدوء
- بالتخلص من بعض العقبات.
هنا الحديث بدأ يأخذ مجرى آخر تمامًا غير الذي اعتاد الجميع على الثرثرة بشأنه لكن أكثر اثنين كانا منتبهين هما جمال ووالد معاذ الذي أخبره بهدوء وهو يحاول أن يحسب أبعاد ما يريده صديقهم والأرباح التي سيحصل عليها ليتساءل بخبث
- مَن تلك العقبات؟
- أخي مريض بشدة وقد أخبرني الطبيب بأنه لم يتبقى له الكثير من الوقت.
نظر بعضهم لبعض بدهشة مما يقوله ذاك الأبلة فشقيقه على فراش الموت وهو يريد أخذ إرثه بكل تبجح، تأمل علي خلدون قليلًا قبل أن يخبره بهدوء
- ما رأيك بهذا الحديث خلدون؟
نظر له خلدون مطولًا يتأمل ملامحه، يبحث عن أي ثغرة تخبره أن صديقه يمزح فهو أكثر شخص يعلم مقدار العلاقة بين الشقيقين ومدى عمقها وحينما لم يجد أي إجابة أخبره بتذكير
- حتى وإن توفى شقيقك فأنت لن تحصل على أي شئ من إرثه فزوجته وابنه لازالا على قيد الحياة
- لنتخلص منهما إذن.
قالها بإقرار لينظر الجميع بدهشة من قسوة قلبه فعلي لديه بعض الموقف الغير أخلاقية لكن إن يصل الموضوع إلى القتل لم يتخيله أي منهما قط، صاح فيه خلدون بغضب وهو يخبره
- أجننت أم ماذا علي؟
- بل ما أريده هو الصواب خلدون.
قالها بغضب مماثل لنفس غضبهم ليخبرهم بعدها بشرح واف لما يود تنفيذه
- تلك الفقيرة لن تقاسمني في أي من مال أبي حتى وإن اضطررت لقتل أخي معهما كذلك.
- كيف نضمن بأنك ستمنح كل منا حصة من مال شقيقك بعد انتهاء كل ذلك!
قالها جمال بحماس وقد أعجبته اللعبة كثيرة ليبتسم علي من حديثه ليجلس مكانه ثانية واضعًا قدمًا فوق الأخرى يجيبهم بهدوء
- سيتم تقسيم الإرث على أربعتنا وكل شخص لديه مطلق الحرية في التصرف بحقه.
هنا لم يستطع أركان استماع المزيد من الهراء لذا صعد بأقصى سرعة إلى غرفتهم يبكي بألم مما يود البقية فعله به وبعائلته ليجد والدته تنظر له بقلق من حالته تلك لتسأله بهدوء
- ما بك أركان!
نظر لها وإلى والده قبل أن يرتمي بين أحضان أبيه يخبره ببكاء
- يخططون لقتلنا بعد وفاة أبي حتى يتمكن الجميع من الحصول على إرثه.
رغم عدم تصديق والده الأمر إلا أنه والدته صدقت لأنها ترى معاملة جافة من جانب علي بعد علمه بخبر تعب زوجها لتأمر الصغير أن يخبر أبيه بما سمعه وبالفعل أخبره بكل شئ ليأمر الزوج بأن يهبط إلى الأسفل بمساندة زوجته ليجد الوضع مستقر تمامًا فشقيقه وأصدقائه يقضون وقتهم في اللهو كما العادة ليجلس معهم قليلًا وقبل أن يصعد للأعلى أخبرهم بتساؤل
- الصغير أخبرني بأنه بعد وفاتي لن يكون هناك مَن يعتني به.
ورغم القلق الذي اعترى الجميع من أن يكون ذاك الشقي قد استمع إلى حديثهم وأخبره لأبويه إلى أن خلدون أخبره بنبرة هادئة
- الصغير سيكون ابن لنا جميعًا لذا استرح ولا داعي لإرهاق جسدك.
عاد أبي ثانية إلى الحجرة صامت اللسان، واجم الملامح، داخله بركان يكاد يثور في أي لحظة ليقترب مني بحنان وهو يحتضنني بتشبث وكأنها المرة الأخيرة التي سوف يراني فيها بعدها تأمل والدتي كثيرًا وأخبرها بعدها بتخاذل
- يبدو بأن الصغير كان معه حق في حديثه.
صمت قليلًا يحاول أن يبحث عن بعض من شجاعته المفقودة ليخبرها بنبرة منكسرة
- أعتذر أني لا أستطيع حمايتكم من بطشهم.
لم تقو على الحديث بل احتضنته بمواساة مما هو مقبل عليه.. بتعب من غدر الأيام.. بألم من حاله وكأنه قد أُصيب بعيار ناري وحينما طلب من شقيقه أم يداويه تركه يموت دون أن يساعده، وجدته لا يتحدث لتبادر هي بذلك وهي تخبره بحنان
- الأهم أنك معنا عزيزي.
- لن أكون معكم لفترة طويلة زوجتي المصون ووجودي عالة عليكم جميعًا.
قالها بسخرية من كل شئ يحدث معه فكم تمنى في تلك اللحظة أن يكون بصحة جيدة لأيام قليلة فقط حتى يستطيع تأمين حياتهما وبعدها يموت بسلام، تنهد بضيق من تلك الأحمال التي أثقلت كاهله ليقول بهدوء محاولًا إقناعها بفكرة واحدة
- وجب عليكِ مغادرة المنزل مع الصغير اليوم قبل غدًا.
حركت رأسها علامة الرفض مما يقول فهو اختار الجنون دربًا له وهي لن تطاوعه فيما يريد لتخبره بإصرار
- لن أغادر وأترككَ وحدك معهم.
- هم عائلتي لن يؤذونني لكنهم سيفعلوا معكِ ومع الصغير.
قالها يحاول تبرير موقفه لتبقى هي على عنادها معه فهي لا تريد تركه يصارع بمفرده مهما حدث خاصةً وأنه لا أحد يتحمل خدمة شخص آخر في هذا الوقت، يئس من إقناعها ويئست هي من جعله يتخلى عن الفكرة تمامًا ليخبرها بنبرة هادئة حاول فيها أن يجعلها تفهم بأن العائلة بعد وفاته لن يكونوا سوى أعداء لها
- إن كنتِ تهتمين لأمري وأمر الصغير فأرجو منكِ أن تغادري هذا المنزل بأقصى سرعة.
نظرت للصغير وزوجها قبل أن تحسم أمرها في مغادرة المكان تمامًا دون أن يعرف أحدهم مكانها مع بعض الأوراق النقدية التي أعطاها لها زوجها قبل تنفيذ خطتها والذهاب بعيدًا عن بطش أخيه.
سارت الأيام بعد ذاك اليوم باردة خاصة مع تحذير أمي شديد اللهجة بعدم الخروج من المنزل حتى لا يعثر علينا أولئك الأشرار ويقتلونا كما خططوا قبلًا لينهار كل أمل ظلت جذوره تنمو داخل والدتي بعدما علمت بخبر وفاة والدي ليأخذ معه كل خير ظلت أمي ترجوه،  أخبرتني ذات ليلة بعدما أيام حداد على فقيد قلبها كما كانت تلقبه دائمًا بأن النهاية أتية لا محالة فقط بضع أيام وسوف ينهار استقرارهم الواهي.
حدث بالفعل ما كانت تخشاه فقد أتى الأربعة رجال لزيارتنا ذات ليلة بعدما علموا مكاننا ليخبرها علي بأن مستعد للبقاء على حياتنا مقابل التنازل عن كافة حقوقنا في والدي لكنها لم توافق في البداية فهي تعلم نيته بالطبع وحينما أدارت الأمر في عقلها وافقت فهي في كل الحالات سوف ينتهي بها المطاف على يديهم لذا أخبرته بهدوء
- أرجوك لا تفعل له شيئًا ويمكنك قتلي أو فعل ما تشاء بي.
لم يهتم لكلماتها الراجية ولم يرق قلبه لها بل وضع الورق أمامها لتمضيه كونها الوصية على ابن الشقيق، ساومته على ألا يؤذيني بسوء لكنه لم يعرها أي اهتمام فقط مجرد ثرثرة في الهواء وسوف تنتهي قريبًا.
المساومة هي الطريق الأمثل دومًا للنجاة مادمت الطرف الأقوى.. المساومة مع الضعيف أشبه بشراء السمك من الماء أو الرهان على عصفور فوق الشجرة بأنه سوف يهاجم صقرًا يأتي من بعيد لافتراسه.
المساومة هي أن تفعل كل شئ في سبيل النجاة بشرط أن تكون واقفًا على أرضية صلبة حتى تُملي على الجميع شروطك اللامتناهية.
وفي حالة والدتي لم تكن سوى الطرف الضعيف.. الطرف المتخاذل.. الطرف الذي فقد السيطرة على كل شئ دون أن يعلم وفي النهاية كان الشاه التي قُطِعت عنقها سهوًا.
- بل ستمضين على التنازل وأقتلع حياتك أنتِ والصغير دون أن يرف لي جفن.
قالها جمال باستهزاء وهو يجلس على المقعد الوحيد الموجود بالغرفة واضعًا قدم فوق الأخرى، نظر لها باستخفاف بعدما رأى الخوف يتأرجح بين مقلتيها وكأنها تنتظر بأن ينقذها من بين براثنه ليأمر والد معاذ بنظرات صامتة، لحظات واقتربا من مكان وجودهما ليثبتها والد معاذ مكانها قبل أن يبادر الآخر بلف الحبال حولها وكذلك حول الصغير الذي حاول الدفاع عن والدته لكن في كل مرة كان يقابله لكمة من يد أحدهم.. لم يرحموه صغيرًا وهو أقسم بألا يرحمهم حينما يكبر متعللًا بأن الدمار يقتلع الجميع دون تحيز.
- أرجوك اتركه وافعل بي ما تشاء.
قالتها والدتي بذعر حينما رأتهما ينثران مادة مشتعلة في المكان من الداخل، نظر إليها جمال بشماتة وهو يخبرها بلامبالاة
- سوف أترك فمك دون تكميم حتى تتمكني من الصراخ كيفما تريدين ولن يساعدك أحد سيدتي.
قالها وألقي عود ثقاب مشتعل في أحد زوايا المنزل وغادرا دون أن ينظرا للخلف ولو لمرة واحدة حينها والدتي حاولت بكل ما استطاعت من قوة لإنقاذنا وهي تخبرني بحنان
- أنت أمانة والدك صغيري ولن أسمح لمكروه أن يصيبك.
وبالفعل استطاعت إنقاذي لكن عقلها منذ تلك اللحظة لازال يُعيد الحادث وكأنه يجلدها بنار الماض.
تم نقلي إلى أحد دور الأيتام.. أخبرتهم بأني لا أتذكر أي شئ حتى اسمه نفسه لا أتذكره ليطلق أحدهم علي لقب "حسن" ورغم كُرهي للاسم إلى أني تقبلته لأبقى هناك عدة سنوات دون أن أعلم أي شئ عن والدتي وكأن الخيط الذي كان بيننا قد تمزق مع النيران..
يُقال بأن اليد التي تنتشلك تشبث بها إلى الأبد..
وبالفعل أتت تلك اليد في هيئة رجل أعمال أرمل دون أطفال ويريد أن يكون لديه ذرية ترثه من بعد وفاته.. أُعجب بس كثيرًا وأخبرته بأن اسمي حسن لكنه تحدث يومها بحنان أبوي افتقده منذ زمن
- بل اسمك أركان الدالي.
وبالفعل تم ذلك وتبناني.. تحدثت معه بعدها بأني أتذكر كل شئ وأن عائلة والدي تصارعت لأجل حفنة من المال ووالدتي لا أعلم عنها أي شئ منذ الحريق ليخبرني بأنه سوف يعثر عليها لأجلي لكن بشرط أن أتعاون مع الصغير كارم "الذي بالمناسبة قد تبناه هو الآخر من دار أيتام أخرى" لبناء إمبراطورية في سوق العقارات مع المساهمة لبعض دور الأيتام كل فترة.. وافقت وهو كذلك وافق على حديثي لأتعرف بعدها على كارم وكان نعم الأخ.. يُشبهني كثيرًا وعوضني عن آلام ظلت تؤرقني منذ زمن وتنخر قلبي من كثرة إنهاكه لتبدأ مرحلة أخرى من الهجر لكن تلك المرة حينما قرر والدنا بالتبني إرسالنا إلى الخارج لإتمام دراستنا وبعدها نعود مرة ثانية إلى الوطن وعدًا إياي بأن والدتي بخير لأنه عثر عليها في أحد دور الرعاية وتم نقلها إلى مكان آمن تتعالج فيه ووجب عليه الرحيل ليكون شخصًا تفتخر به فيما بعد..
لم يخبرني بأنها لا تتذكر سوى الصغير وأن حياتها وذاكرتها توقفت منذ يوم الحريق.. وأنها تظن بأن ابنها قد توفى ولم يتبق منه سوى رفات مع المنزل..
لم يخبرني أي شئ وكأنه كان يتوقع بأني سوف أثور وحينما واجهته أخبرني بحنان
- أريدك أن تكون قوي حتى تتمكن من القضاء عن كل ما يؤذيك دون شفقة.. أريدك قوي لأنك ابني ولم أعتد أن يكون صغيري ضعيف هكذا.
بعدها أخبرني كارم بأنه عثر على صديقة من دار الأيتام ويريد مساعدتها في العثور على عائلتها لأخبره بأني سأفعل بالتأكيد.. وللعجب كانت تلك الفتاة ابنة غير شريعة من راقصة في حانة شعبية ورجل أعمال ذو شأن.. والدها ذاك الذي تخلى عنها لم يكن سوى العم علي.. عدوي اللدود.. مفاجأة غير متوقعة بالنسبة لي لكنها كانت بطاقة ربما احتاجها مستقبلًا..
بعدها علمت بأن جمال ووالد معاذ قد تم الزج بهما في السجن بتهمة القتل، أحدهما بتهمة قتل ابنه والآخر بتهمة قتل زوجته "عمتي المصون" بعدما غدر بهم علي ولم يعطهم أي من أمواله بل وأهان الجميع..
الابتزاز لعبة إما أن تدرك كافة خيوطها وتجيد العزف عليها أو تلتف تلك الخيوط حول رقبتك وتخنقك بها.
لعبة أدركت كافة قواعدها بعدما أخذت بعين الاعتبار الكثير من الاحتياطات حتى لا يتم الغدر بي.. وعدت جمال بأني سوف أعطيه الفرص بمجرد خروجه من السجن بشرط أن يخبرني عن بعض الوثائق وبالفعل أخبراني عن مكانها بأقل مجهود.
استمعت إلى صوت أحدهم يخبرني بأني السبب في وفاة والد معاذ وجمال.
لن أدافع عن نفسي بل سأؤكد كلامك بأني بالفعل السبب في وفاتهما..
كيف..!
أخبرت والد معاذ بأن ابنه يعاني بسبب ما حدث بل وتم رفض طلب زواجه من ابنة رجل آخر بحجة أن والده قتل والدته.. بالطبع لم يتأثر من المرة الأولى لكن كما يُقال دومًا "كثرة الحديث في موضوع ما له مفعول السحر على أذن المستمع"
وبالفعل قرر مغادرة تلك الأرض بعدما شنق نفسه في شباك زنزانته.. خيرته إما أن يقتل نفسه أو أفعلها أنا.. وهو لم ينتظر بل فعل ذلك دون مجهود بنفسه. 
أما وجود تمارا بحياة معاذ كانت خطة مني كذلك لأنتقم منه فطمع والده مزق عائلتنا لكن لو تحدثنا بصراحة قررت العفو عنه وحينما لم تتعرف علي والدتي قررت الانتقام من الجميع فجعلت دروبه تتلاقى مع تمارا ليكونا معًا وقد كان حتى أتت تلك الحمقاء سقطت في عشقه ولن تستطيع إكمال الأمر كما كان مخطط..
تدمير قلبه وتشويه العشق في نظره كان كافي بالنسبة لي حتى تلك اللحظة.. فيما بعد لا أعلم ما سيحدث لكن يكفيني ما حدث له حتى الآن.
وفاة جمال..!
بالطبع فالدكتورة الجامعية نوفان شوكر كانت خطتي منذ البداية، فتاة طموح تبحث عن مريض ليكون جزء من أبحاثها وتختبر عليه نظريتها حتى تثبت مدى صحتها لذا أرسلتها إليه على أنها خادمة رغم رفضها في بداية الأمر لكن حينما اختبرت جنونه أدركت بأنه عينة مناسبة لها.
كيف أعرف نوفان!
كانت إحدى الفتيات التي تم تبنيها من المؤسسة الخاصة بنا ليس هذا فقط بل كانت تريد فعل أي شئ مقابل رد الجميل.. أعطيتها مشروب لجمال "ممزوج به نسبة صغيرة من إيثيلين جليكول" وأخبرتها بضرورة إعطائه له كل يوم دون توقف، رغم عدم فهمها إلا أنها وافقت وبعدها انتهى أمره وتوفى لكنها توفت قبله نتيجة وجود جرعة زائدة من مخدر ما في جسدها.. أقسم بأني لم أفعلها لذا لا تنظر لي هكذا وكأني مجرم لا صاحب حق. 
لم أستطع إيذاء عائلته فأوار كان يساند كارم في بعض الأعمال وأخبره ذات مرة أنه ظل يتابع مع طبيب نفسي ليتعافى مما كان يفعله به والده لذا حذرني صديقي من العبث معه.
أتريد معرفة أي شئ عن حياء المزيفة "إيما أو كما تطلق على نفسها الكوبرا" للأسف لن أخبرك لأنها أوصتني بألا أفعل لكنها أيضـًا كانت سلاح للقضاء على عائلة خلدون بأكملها..
مهلًا لحظة..
خلدون لم أكن السبب في وفاته لكن كنت سبب رئيسي في تدمير زفاف ابنته، تعرفت على هتان وأرسلت لها الكثير من مقاطع قصيرة غير أخلاقية لزوجة أخيها المستقبلية لتُقرر إيقاف تلك الزيجة لكن شقيقها لم يستمع لها نهائيًا لذا قررت بأن تواجه حياء علها تغادر حياتهم دون أذية والأخرى لم تستمع لحديثها كذلك بل أخبرتها بصراحة
- أنا أحب صهيب ولن أتخلى عنه مهما حدث صغيرتي.
ومن بعدها بدأت حرب باردة بين الاثنتين حتى سقطت بعض من تلك المقاطع في يد صهيب ليقرر الانتقام منها بعدما نحرت قلبه وقتها أدرك بأن الأوان قد فات خاصةً مع حادث تصادم شقيقته في سيارة حياء ليربط الأمر بأنها هددتها بفضح سرها وزوجته عبثت المستقبلية عبثت في السيارة لتتوفى هي..
في الحقيقة لم تعبث حياء بالسيارة ولا حتى أنا.. مَن عبث بالسيارة هي هتان ليلوم صهيب حياء على كل شئ يحدث.. لم تجد طريقة أخرى سوى تلك حينها لإيقاف تلك الزيجة.
بالفعل تلك الزيجة توقفت لكن على حساب روحها فهنيئًا لها.. أما حياء والدها لم يتحمل الأمر بعدما أُشيع بأنها بائعة هوى ليتهاوى أرضـًا ثم توفى في المشفى حينها شعرت بالشفقة قليلًا عليها لكن كلما رأيت والدتي هكذا أمام عيني يزداد غضبي منهم جميعًا.
تم اختطاف كارمن لتكون بين براثني وحينما رأت صورة والداي أخذت تصيح بحنق تريد أن تعرف كيف أصبحت تلك الصورة بين براثني.. وقتها أردت إخبارها بأني ابن العم الذي غدر به والدها لكن لم أستطع فيكفي أن تعرف هي بمفردها حقيقة والدها المصون.
نسيت إخبارك بأمر هام.. أن الكوبرا ليست شقيقة حياء بل نسخة مزيفة افتعلتها لتكون هنا جواري حتى استطيع السيطرة على إرث خلدون وتدمير بعض الأدلة  التي بحوزة الشرطة كانت هي البطاقة الذهبية التي استطعت من خلالها فعل الكثير لكن يبدو بأنها قد تم اكتشاف أمرها لذا قررت سحبها ثانية حتى يهدأ الوضع قليلًا.
الدور القادم على علي لكن تدميره لن يكون بالشئ الهين فهو يشبه الشجرة العتيقة التي امتدت جذورها للأسفل حتى اشتدت وأصبح من الصعب التخلص منها أو اقتلاعها وذلك لأنه ببساطة أية أذية قد تطالها لن تجلب للجميع سوى الدمار لذا ينبغي عليَّ التمهل في اقتلاع تلك الجذور حتى تجف وتموت وبعدها لن يكون هناك شخص يُدعى علي.
انتهى كل ما بداخلي ولن أخبرك أي شئ آخر لذا انتظر ما سيحدث دون أن تُبدي رأيك فأنت مجرد شاهد على الأحداث لا أكثر ونصيحة مني لا تحاول لومي على أي شئ بعد الآن لأني في نهاية المطاف "صاحب حق".
نسيت إخبارك بأمر آخر أن كارم هو المسؤول عن كل شئ متعلق بالأعمال وأنا مجرد طيف لا يظهر سوى في الظلام لمساندته وفقط كما أن "يا إلهي لقد نسيت إخبارك كيف تعرفت على كارمن"
حسنـًا سأخبرك بتلك المعلومات فقط ولن أتحدث بعدها..
كارمن كانت تريد تعلم مقطوعة معينة لتعزفها في حفل تخرجها خاصة وأن حبيبها يحب ذاك النوع من الموسيقى لذا بدأت في تدريسها عدة أيام وأخبرتني فيما بعد عن اسمها وعائلتها.. لم أندهش بالطبع فأنا أعرفها جيدًا وأعلم كل ما تفعله طيلة اليوم بداية من استيقاظها صباحًا حتى خلودها للنوم مساءًا.
كنت أعلم تمامًا أن الفندق لديه الكثير من الحجر السرية وكذلك كارم لذا قررنا شرائه من والدي بالتبني ليكون لنا فيما بعد فقط مجرد انتقال ملكيته من شخص لآخر وكان طُعم ممتاز لاستدراج كارمن بإقامة حفل زفافها به..
المصور الذي اختطفها من الحجرة خدرها وبعدها أخرجها من الباب السري كما أخبرته أنا بفعل ذلك ثم أتى بها إليَّ ليظهر للجميع وكأن العروس قد فرت من زفافها دون دليل..
ملحوظة صغيرة "المصور أحد رجالي وقد اختفى تمامًا بعد ذلك حيث أمرته بضرورة الذهاب إلى أحد الأماكن الآمنة حتى لا يعرف أحدهم مكانه ثم تم إرساله إلى الخارج لإدارة أحد الفروع مع شخص آخر".
سأصمت هنا ولن أخبرك بأي شئ بعدها لكن دعني اقول بأن القسوة لن تولد اللين بل قسوة مثلها فأبي لم يكن له دخل بأي شئ وحدث له كل ذلك ونحن تم تدميرنا دون ذرة ندم ومضى كل واحد في طريقه لذا لا تلومني في أي مما يحدث فأنا ضحية مثل البقية ولن أتهاون أو أتنازل عن حقي.
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن