٢

133 15 4
                                    

حينَما بزغَ أول خيطٍ فضي من الفجر، كانت القافلة قد شرعت لإكمال مسيرتها باتجاه أور_يم. كأفعى بنية؛ شقت طريقها خلف القائد ومساعده، تتموج بين كثبان الرمل الممتدة. ولا زالت تلك الفتاة غائبة عن الوعي حتى الآن، ربما كانت نائمة، متعبة أو مجهدة من الهروب الذي أفند طاقتها. لم يُدلِ معالجها بمعلومة مفيدة عن صحتها، وتوقعه لدوام غيبوبتها؛ لم يكن تخصصه الطب والمداواة على أي حال؛ بل كان حرفيّ شأنه شأن الآخرين من القافلة التي ضمت الحرفيين أمثاله والتجار والبضائع النفيسة.

في الوقت الذي اقتربت فيه الشمس من منتصف السماء، كانت أبواب أور_يم قد فُتحت لتستقبل قائد جيشها، أعلن الحراس قدومه. فضجت مسامع القادمين بصوت صرير الباب الضخم، ذو المساند المعدنية التي تآكلت بفعل الصديد. نبه هذا الضجيج تلك الغافية في ركب العربة. فتحت عينيها فزعة، مأخوذة بالمكان الذي أصبحت فيه.

كانت حذرة في حركتها، تريد أن تتأكد من رحالها أين حطت. أبصرت لباس الحراس وحماية القافلة، لم تكن مثل الذي كانوا يطاردونها، ولما عاينت القائد وهو في المقدمة، علمت أنها نفذت من مصيرها الأسخم، إلى مصير مجهول، ثم عادت قواها لتخور من جديد، وأغمي عليها من جديد، كأنها لم تستيقظ قط.

أقبل على عجلٍ متبسمًا رجلٌ بهندامِ حرسَ الحرمَ الملكي يقالُ له إيننتوم، ذو وجه ناعم، حليق الوجه، غائر العينين، أمسك لجام الفرس الذي يقودُ عربة القائد ذات العجلتين الدوارة: لقد حللتُم سهلًا يا سيدي القائد، أهلًا بعودتكَ سالمًا لأرضك.

ندت عن أورين ابتسامة رضية وهو ينزل من العربة المكشوفة: أهلاِ بك إيننتوم.
ثمَ التفت إلى الحرس ممن رافقوه بالرحلة: فلترافقوا التجار واصحاب المهن إلى مكان الراحة، أسبغوا عليهم بالطعام والشراب، اتركوهم ليغتسلوا ويبدلوا الثياب، إلى حين تأمر الملكة بمقابلتهم.

تقبلوا أوامره بالسمع والطاعة، وحينَ خطوا أول خطوة مبتعدين، نبههم: عليكَ أن تحرّص عليهم بارتداء الملابس النظيفة والزاهية، فالملكة لن ترضى بهم إن لم يكونوا على قدر من الرقي والرتابة.

أجابه حرسهُ: أمرك سيدي!

وقبلَ أن يلتفت أورين نحو ايننتوم، قاطعه شخص آخر، مقتربًا منه بنبرة خفيضة وكأنه يخفي شيئًا: وماذا بشأن الفتاة سيدي؟

تنهدَ وطالعَ اللا شيء، كأنه نسي لوهلة أمرها: أحضر لها الطبيب يازو بأمر مني ليعاينها، وسألحقُ بكَ بعدَ قليل.

تلقى الأمر وغادرَ مسرعًا لتنفيذه، ثمَ التفت القائدُ إلى ايننتوم، وهو يوشح فمه بابتسامة سعيدة ((أتمنى ألا أكون قد رميت عليكَ حملًا ثقيلًا!)) .. وضربَ على كتفه يحيه. أخفض الآخر شيء من مستوى رأسه: لقد بتُّ معتقدًا بأني وجه شؤم على أمن الأرض يا سيدي!... فما أن مضى أربعة عشر نهارًا منذ أن استلمت منك مقاليد أمن مدينتنا، حتى انقلب الوضع في البلاد المجاورة، وتزعزعت الأوضاع.

الهاربة والمفاتيح المفقودة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن