٤٣

22 8 0
                                    

كان تاشكين يجلس في مخيمه، عاقد اليدين، تهتز ساقه بتوتر، ينتظر بنفاذ صبر أمراً ما، و كأن بجانبه مساعده شيشوك يعيد عليه جملة  ((أهدأ… لا تتحمس كثيراً)) و لكنه لم يكن يستمع، فما أن دخلَ احد الجنود عليه حتى نهض من مكانه و هب إليه بلهفة سائلاً: ما الأخبار؟ هل عرفتم إلى أينَ قد اتجه!

هز رأسه الجندي بإرتباك و هو يواجه قائده الذي يتصرف بحماس طفولي على غير العادة، إستاء قائد لجش و ابتعد عنه صائحاً في وجهه: اذن لماذا أتيت؟

رد مجيباً: أتيت لأخبرك أنه قد جاء، و يطلب لقاءك!

تفاجأ قائد لجش و مساعده، فسأل شيشوك: اورين جاء بنفسه!

هز الجندي رأسه بإيجاب و سأل: ماذا أقول له سيدي؟

لم ينتظر أن يأخذ الجواب، فالقائد الملتحمي اندفع خارج خيمته مسرعاً ليشهد بأم عينه حقيقة ما يقوله جنديه، و كانَ هناك غريمه ينتظر مثلما قيلَ له.
ينتظر بطلته البهية، في ليلة اضاءها ضوء القمر تحت غطاء السماء الكلية، المزينة بأكاليل النجوم الفضية. يقف بهدوء و ثقة، لا يهاب من كونه دخيل في وكر اعدائه، فقال له تاشكين وهو يفتح ذراعيه سائراً بخطى متبخترة نحوه: يا لرحمة السماء، ما الذي يدفع ضبع ضال عن قطيعه ليدخل وكر الأسود بقدميه.

رد عليه : الأسود لا تختبئ فوق الأشجار، و حدها القردة من تفعل ذلك كما أرى الان.

إبتسامة جانبية هازئة على وجه اورين، ثم نظرة باردة رمقه بها، لتعيد تاشكين إلى وعيه، و ليذكره بألا يجب إستفزازه،فقال اورين: لابد أنك كنت تبحث عني، لذا أتيت إليك مختصراً الطريق.

ضحك الاخر وقال: و أنا الذي كنت أظن أني املك عيونا تراقب كل مكان، اتضح أنك لست بأقل شأناً أيها القائد… اذن! هل تريد مني أن اشكرك على قدومك أم امتدحك!

قال اورين : لا زالَ وجهك جميل كما تركته!

وضع تاشكين يده على الندبة التي في وجهه وقال: نعم و أود أن اصنع لك واحدة مثلها في أقرب فرصة… ستبدو رائع الجمال بها اورين.

بنبرة جافة لا تنوي ان تطيل بالمزح؛ قال اورين: قل لي تاشكين، لماذا تحشد قواتك هنا! ما الذي تنويه!

مط شفتيه، و هز كتفه بلا مبالاة و هو يجيبه: لا شيئ، لقد أحببت المكان لذا انا استقر به مع جنودي لبعض الوقت.

تنهد اورين،  و نظر حوله، ثم قال بنبرة جادة: اسمع! ليس لدي وقت لذا لنترك المزاح و نختصر الطريق، جئتك بنفسي، وحيداً فريداً، لا سلاح بيدي، و في نيتني أن نحضى بحديث لائق، فهل يمكن ذلك؟

تصير وجه اللجشي الساخر إلى جدية و هو يرد: هات ما عندك.

فقال القائد: اين إهراسيم؟

أجاب مستغرباً: إهراسيم؟ من أهراسيم!... اه تذكرت! لابد أنه مساعدك أليس كذلك؟ انا لا أفهم لماذا تسئلني عن مساعدك، ثم هل هو طفل صغير قد اضعته في السوق كي تسألني عنه.

الهاربة والمفاتيح المفقودة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن