وقف ايننتوم في الجهة الشمالية من القصر الكبير، يتلفت يمنة و يسرى، يجاهد ليختفِ عن الأنظار، يتمنى ألا يلحظه أحد، تلونت سحنته بالاضطراب، والقلق غلب على أنفاسه. حتى أتت من الخلف ميش بوجه مبتسم، تنفرج الأسارير من قسماتها برؤيته، و هبت حاضنة إياه من الخلف: اشتقت إليك.
بلحظة مفاجئة أفرج عن نفسه بعنفوان من بين ذراعيها، و استدار لها وهو عاقد الحاجبين: ليس الوقت وقت اشتياق و حب!
سألت بحيرة: ما الخطب، لم انت متوتر الأعصاب هكذا!
أجابها: انا حقاً لا أصدقك ميش، كيف لكِ ان تكوني بهذا البرود، و نحن في جحيم مستعر… إن الفوضى قائمة في البلاد و أظمنُ لكِ أننا أحد أسبابها.
_ و كيفَ نكون أحد أسبابها، هل نحن من أعلن الحرب مثلاً!
_ لو أنني لم الحق بكِ لما تم خطف إهراسيم، و لكن بسبب تهورك و مُضيك من أجل تلك الفتاة، التي باتت مشكلة لإصحاب الجلالة هي الأخرى.
تخصرت ميش و قالت بنبرة منزعجة: ما الذي تريد أن تقوله ايننتوم؟
أجاب بحزم: لنتخلص من ذاك الغرض، فشعورٌ سيء ينتابني بشأنه، لا أود أن نكون أنا و انت في دائرة التجادل بشأنه، دعينا نتخلص منه و ليحصل ما يحصل، المهم أن نكون خارج دائرة الاشتباه.
ردت: هذا لا يمكن.. إنها امانة، لقد ائتمنتني عليها، لا يجب أن أخون.
قبض ايننتوم على كتفيها، بدت نبرته أكثر قلقاً و جدية: ميش افهمي الأمر جيداً، لو كانت فتاة عادية، أو خادمة من اللواتي اعتدتِ على مساعدتها؛ ما تدخلت، لكن! انها أميرة، ليست مجرد فتاة عادية، أميرة لملكٍ خائن.. و هذا يعني أن المصائب ستلحق بها أينما حلت، و سيطال الموت كل من عاونها، و لا أودُّ أن تكوني واحد منهم، ارجوكِ… تفهمي الموقف! نحن مجرد خدم، و تسليط العقاب علينا لا يحتاج جهد من أصحاب المقام، أزمعُ و بكل ثقة إن الموت سيدنو منا قبل أن يتمكن منها، لو فقط فاح لهم خبر مساعدتكِ لها… لذا أنا لا أريد أن اخسركِ ميش!
اطبقت عن الحديث، و أمارات الوجل كانت جلية على سيمائها، قالت و التردد في عينيها: هل يمكنني أن أذهب للقائها!
رد: هذا مستحيل، أنه ممنوع!
تحدثت: إذن! دعنا نسلم الغرض للقائد، هو الوحيد الذي سيتصرف أو يتفهم موقفنا، هي لا تود تسليمه للملكة أنا أعلم ذلك، لقد هزت رأسها في تلك اللحظة، و أنا أيضاً لا أود أن أواجه النين العليا، فهي لن تتوانى عن فصل رأسي عن جسدي.
قال لها و هو راضٍ: حسناً، اعطني إياه و انا سأقوم بإيصاله له.
((كلا)) ردت بحزم: أنا سأفعل ذلك بنفسي، أريد التحدث معه.
تغضنت عضلات وجهه: و ما الذي تتحدثين به، لا تقحمي نفسك، دعيني أكن انا المسؤول، حتى تكوني خارج الموضوع مهما وصل الحال.
حدجت به بنظرة لطيفة، و حطت بباطن يدها على خده، ثم ربتت مرتان، بدت أنها صفعة مُبطنة، و انسلت مغادرة صوب المعسكر، لحقَ بها من لحظتها وهو ينادي : ما الذي تفعلينه أيتها الخرقاء، قلت لكِ لا تورطي نفسك.
لم تُجبه بشيء و لم تتردد في المضي حتى، فعادَ ليخاطبها: على الأقل فلتعودي لتُحضري ذلك الشيء.
توقفت لحظتها، و استدارت باتجاهه، و توقف هو الآخر معها، فقالت له: لكنه معي!
استغرب من ذلك، و نظرَ إليها جيداً، يتفحص عن مكان وجوده، فوضعت يدها على صدرها وضربته قائلة: أنه هنا!
نظر ايننتوم و شعرَ بالشيء من الخجل، فأبعد عينيه عن المكان، و سأل متحاشياً الرؤية: اين… اقصد كيف!
مدت يدها و فتحت عقدة الرباط التي تلتف حول صدرها، لأكثر من لفة، حتى سقطت منها ثلاث زهرات ذهبية الصنع. و تلقفتها بيدها قبلَ أن تسقط ارضاً، و قدمتها دون أن تعطيها له: ها هيَ ذا. أرأيت الان!
احكمت ضمّها في يديها، و أسرعت في نفس اللحظة للتوجه نحو القائد اورين.
أنت تقرأ
الهاربة والمفاتيح المفقودة
Historical Fictionفائزة بمسابقة اسوة بأفضل رواية لعام ٢٠٢٠. عن جارية أحضرها قائد الجيش هدية لملكته، فإذا بها تكون حفرة تجره مع مملكته نحو الضياع.