٣٣

23 8 0
                                    

وقف ايننتوم في الجهة الشمالية من القصر الكبير، يتلفت يمنة و يسرى، يجاهد ليختفِ عن الأنظار، يتمنى ألا يلحظه أحد، تلونت سحنته بالاضطراب، والقلق غلب على أنفاسه. حتى أتت من الخلف ميش بوجه مبتسم، تنفرج الأسارير من قسماتها برؤيته، و هبت حاضنة إياه من الخلف: اشتقت إليك.

بلحظة مفاجئة أفرج عن نفسه بعنفوان من بين ذراعيها، و استدار لها وهو عاقد الحاجبين: ليس الوقت وقت اشتياق و حب!

سألت بحيرة: ما الخطب، لم انت متوتر الأعصاب هكذا!

أجابها: انا حقاً لا أصدقك ميش، كيف لكِ ان تكوني بهذا البرود، و نحن في جحيم مستعر… إن الفوضى قائمة في البلاد و أظمنُ لكِ أننا أحد أسبابها.

_ و كيفَ نكون أحد أسبابها، هل نحن من أعلن الحرب مثلاً!

_ لو أنني لم الحق بكِ لما تم خطف إهراسيم، و لكن بسبب تهورك و مُضيك من أجل تلك الفتاة، التي باتت مشكلة لإصحاب الجلالة هي الأخرى.

تخصرت ميش و قالت بنبرة منزعجة: ما الذي تريد أن تقوله ايننتوم؟

أجاب بحزم: لنتخلص من ذاك الغرض، فشعورٌ سيء ينتابني بشأنه، لا أود أن نكون أنا و انت في دائرة التجادل بشأنه، دعينا نتخلص منه و ليحصل ما يحصل، المهم أن نكون خارج دائرة الاشتباه.

ردت: هذا لا يمكن.. إنها امانة، لقد ائتمنتني عليها، لا يجب أن أخون.

قبض ايننتوم على كتفيها، بدت نبرته أكثر قلقاً و جدية: ميش افهمي الأمر جيداً، لو كانت فتاة عادية، أو خادمة من اللواتي اعتدتِ على مساعدتها؛ ما تدخلت، لكن! انها أميرة، ليست مجرد فتاة عادية، أميرة لملكٍ خائن.. و هذا يعني أن المصائب ستلحق بها أينما حلت، و سيطال الموت كل من عاونها، و لا أودُّ أن تكوني واحد منهم، ارجوكِ… تفهمي الموقف! نحن مجرد خدم، و تسليط العقاب علينا لا يحتاج جهد من أصحاب المقام، أزمعُ و بكل ثقة إن الموت سيدنو منا قبل أن يتمكن منها، لو فقط فاح لهم خبر مساعدتكِ لها… لذا أنا لا أريد أن اخسركِ ميش!

اطبقت عن الحديث، و أمارات الوجل كانت جلية على سيمائها، قالت و التردد في عينيها: هل يمكنني أن أذهب للقائها!

رد: هذا مستحيل، أنه ممنوع!

تحدثت: إذن! دعنا نسلم الغرض للقائد، هو الوحيد الذي سيتصرف أو يتفهم موقفنا، هي لا تود تسليمه للملكة أنا أعلم ذلك، لقد هزت رأسها في تلك اللحظة، و أنا أيضاً لا أود أن أواجه النين العليا، فهي لن تتوانى عن فصل رأسي عن جسدي.

قال لها و هو راضٍ: حسناً، اعطني إياه و انا سأقوم بإيصاله له.

((كلا)) ردت بحزم: أنا سأفعل ذلك بنفسي، أريد التحدث معه.

تغضنت عضلات وجهه: و ما الذي تتحدثين به، لا تقحمي نفسك، دعيني أكن انا المسؤول، حتى تكوني خارج الموضوع مهما وصل الحال.

حدجت به بنظرة لطيفة، و حطت بباطن يدها على خده، ثم ربتت مرتان، بدت أنها صفعة مُبطنة، و انسلت مغادرة صوب المعسكر، لحقَ بها من لحظتها وهو ينادي : ما الذي تفعلينه أيتها الخرقاء، قلت لكِ لا تورطي نفسك.

لم تُجبه بشيء و لم تتردد في المضي حتى، فعادَ ليخاطبها: على الأقل فلتعودي لتُحضري ذلك الشيء.

توقفت لحظتها، و استدارت باتجاهه، و توقف هو الآخر معها، فقالت له: لكنه معي!

استغرب من ذلك، و نظرَ إليها جيداً، يتفحص عن مكان وجوده، فوضعت يدها على صدرها وضربته قائلة: أنه هنا!

نظر ايننتوم و شعرَ بالشيء من الخجل، فأبعد عينيه عن المكان، و سأل متحاشياً الرؤية: اين… اقصد كيف!

مدت يدها و فتحت عقدة الرباط التي تلتف حول صدرها، لأكثر من لفة، حتى سقطت منها ثلاث زهرات ذهبية الصنع. و تلقفتها بيدها قبلَ أن تسقط ارضاً، و قدمتها دون أن تعطيها له: ها هيَ ذا. أرأيت الان!

احكمت ضمّها في يديها، و أسرعت في نفس اللحظة للتوجه نحو القائد اورين.

الهاربة والمفاتيح المفقودة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن