٣٠

15 8 0
                                    

لم تهدأ صاحبة الجلالة، و لم تسكن في مكانها، ما انفكت تذرع غرفتها جيئةً و ذهاباً، لطخ الخنق الشديد هيئتها، و تزفر أنفاس الاكفهرار الساخنة، يكاد ذيل ثوبها يتمزق، وهو يتلوى بين أناملها؛ ضحية مسكينة يصب فيه جام غضبها ليس إلا.

((ما الذي سَنَفعله الان!... ما الذي يجب فعله وسط هذه الفوضى المجنونة، من جهة تلك اللعينة، و من جهة اخرى تلك الحرب التي يود زوجي زجنا فيها))

هتفت صائحة، و القلق باد في نبرتها، تبث شكواها و كأنها تحادث نفسها، إلا أنها لم تكن تفعل ذلك حرفياً فالمخاطب كان الوزير إيلكو الجالس بصمت أمامها، منكس الرأس، غارق في التفكير، يتلاطم رأسه، في أمواج هائجة من التخبط، لا يعرف كيف يفكر و بِمَ عليه أن يجيب، أو كيف يهدأ من روع مولاته حتى. عكس اتاما التي كانت الأكثر قلقاً ع مولاتها ولسانها ما ينفك يطلب من جلالتها؛ ان تُهدأ من ثورة غضبها، كي لا تسوء صحتها، و الباقيات كانن يلتزمنَّ الصمت بوجوه ملونة أثر الاضطراب المُقلِق.

((أنه خطأك انتَ ايلكو منذ البداية)) رفع المذكور اسمه، و سيمائه مندهشة، بعد ان سمع ذلك منها بنبرة حادة، فنهض من مكانه، وهو يشير لنفسه بتسائل : انا مولاتي؟

اومأت: نعم انت! كانت أمام ناظريك كُلَّ هذهِ المُدة فَكيفَ لَكَ ألا تتعرَفَ عليها!

ازدرد ريقه بفزع، و برر موقفه بارتباك: لَم الحظها في ذلك الحين… أعني لم تَكُن هناك فرصة لِنلتقي عندما زُرت والدَها قبلاً!

حدقت به بنظرة جانبية مشككة، فرفع صوته في لحظة خوف: أُقسِمُ لكِ جلالتكِ، لم ألتَقِ بها!

اسدلت جلالتها جفنيها، و زفرت باحباط و استياء، و سكن شيئاً مِن اجيج الفوران الذي يثور داخلها، ثُمَ استسلم جَسَدها هاوياً على وسائد الراحة الخاصةِ بِها، و لا يعتمل قلبها سوى الغم و الكدر بسبب عجز يديها عن فعل شيء، وهي تراقبُ بِعَينٍ صامتة.
غمغمت :ما الذي سنفعله إيلكو الان… مع الحرب التي تستعد لتنشب أضفارها في وجهنا؟

_ اظن إن المواجهة حتمية، علينا أن نستعد لكل هجوم يمكن أن يمسي غادراً، بعد ما جرى لأهراسيم.

ردت بانفعال:ما الذي تهذي به!... كيف لك ان تدعم الحرب، لا يمكن لأور_يم ان تدخل في حرب بعد أن ذاقته في ماضيها، ثم إن قوتنا بسيطة مقارنة بلجش، و إن توجب علينا مواجهتهم فالاستسلام افضل حل سلمي، لبني المدينة.

عقب مندهشاً مستغرباً: الاستسلام!

نهضت من مكانها مشددة في نبرتها: نعم الاستسلام… أنه الحل السليم إذا ما دَفَعَنا الملك في حرب غبية، محسومة النتائج.

رد : لكن اورين لن يطيع سوى امر الملك.

تمشت في المكان بضع خطوات حتى وقفت عند نافذتها، وافصحت قائلة بنبرة باردة: علينا أن نجد سبيلاً يجبره على طاعتنا… فلتجد انت شيئاً ما بخصوص ذلك.

الهاربة والمفاتيح المفقودة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن