١٠

64 10 0
                                    


هسهست الشمس في أذن الليل أهلًا، وقال الغروب للأثنين مهلًا، هكذا ودع الغروب مرغمًا عنان السماء، وأسدل الليل نقابه، صفرت الريح العابثة، وانطفأت الأضواء الوامضة، راحَ للفراش مبكرًا أبناء المدينة النابضة. إلا القصر الملكي! فالنوم ليس موعده الآن، بل هو وقت الجواري والموسيقى.. الصخب والمرح. لم تكن الملكة من هواة تلك السهرات، فهي تقول أن ذلك يجهد بشرتها النظرة، لا تشارك في تلك السهرات إلا ما ندر؛ على الرغم من حب الملك لهذه الليالي الماجنة، الجواري الراقصات يشغلن الوسط، يتمايلن بجيدهن، يتميسن في مشيتهن، يتغنجن بأصواتهن، جمالهن الآخاذ يسلب القلوب من الحناجر، وفي الخلف يصدح صوت العازفين.

امتلئ المكان بالضحكات المنتشية، والنفوس السكارى قد ملئت قاعة الملك المهيبة، وضيوفه الكرام كانوا حاضرين لتلك الليلة وفي حضن كل واحد منهم جارية من جواري القصر الفاتنات. إلا إيلكو الوحيد المتغيب عن هذه الجلسة المؤنسة للنفوس كما يصفها الملك.

لقد كان عند الملكة، يستغل انشغال أعين الآخرين عنهما، وهبوط الليل عليهما ليفضي لها بما يعتمل صدره، في جلسة سرية يملؤها الخصوصية، تخلو حتى من الجواري والخادمات، إلا من اتاما وميباتا، فتياتها المقربات، كانتا يجلسان بعيدًا، ولكن  يشاركانهما نفس الغرفة.

نهض إيلكو فجأة من مكانه، كما يبدو أن الجلسة انتهت، وقال كخاتمة لحديثهما لهذه الساعة: سأجد صانع ماهر، ربما سيقدر على صنع مفتاح مشابه له، في وقت قريب، لا أعدك بنتائج مبهرة لكن على الأقل سأحاول!

نبست الملكة بامتنان: أعتمد عليك جناب المستشار.

أحنى رأسه قبلَ أن يغادر، وتفوه بأمر أثارَ حيرتها: دعيني أخذ ذات هبة الآلهة لتحضر القائد لك، ستكون الخيار الأمثل لهذه المهمة السرية.

تسمرت الملكة ساكنة ساكتة، مشدودة القسمات، تغلب الحيرة على سحنتها، غير واثقة مما يجب أن يكون الجواب، فأضاف إيلكو كي يدحر زعزعة الثقة: سنضمن صمتها عن الوشاية بهذه الاجتماعات.

((ربما أنت محق)) قالت الملكة وهي تحاول أن تقنع نفسها بما قاله مستشارهم الخاص، اعطته الأذن لفعل ذلك، وطلبَ من اتاما أن تحضرها إليه خارج الحرم النسوي الخاص بـ بو آبي.
لم تكن سوى لحظات، حتى اقتادتها اتاما كما في المرة الماضية، فوضعَ إيلكو يده على ذراعها، وهو يسحب يد الوصيفة منها بروية، يحادثها بلهجة غلب عليها اللطف المصطنع: شكرًا لك، حاولي أن لا تقتاديها بتلك الطريقة المهينة مجددًا، فقد أصبحت من أملاك الملكة الآن، ألا تظنين ذلك؟

لم تتوقع الوصيفة ذلك منه، فانتفضت في سرها "إما أن هذه الفتاة ساحرة، أو أن عينها الخضراء تمنحها هذا القدر من الاهتمام حقًا، ما بال الجميع يهتم بشأن ذراعيها!"

اُشيع بين العوام أن من لديه عين ملونة، فهو يحظى برعاية الآلهة، وأنها هبة تمنحه التميز والرفعة بين اقرانه، ولأن ظهورها كان نادر في أرض الرؤوس السود؛ لذا فعيناها كانتا تجذبا الاهتمام والانتباه أينما حلت.
لم تجرؤ الوصيفة على إخراج تلك الكلمات بلسانها، إلا أن الكره سيعميها أكثر كلما صادفت شخصًا يهتم بهذه الجديدة التي سلبت أنظار الكثيرين إليها. لم يكن من اتاما سوى أن تحني رأسها ثم تغادر. التفت نحو نبيشوم وقد علت على سحنتها الطرية، الحذر المخلوط بالاستغراب من تصرفه المثير للريبة في نفسها الوجلة. ندت عنه شبه ابتسامة، كان ينوي اللطف فيها، لكن! لا تعلم لِمَ شعرت بالخوف مما تضمره نواياه المخفية. قال لها بلهجة عفوية، مادًا يديه نحو الأمام، باتجاه طريق المغادرة: دعينا نمضي في طريقنا الآن، هناك ما يجب التحدث به بأمر من الملكة.

الهاربة والمفاتيح المفقودة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن