في غرفة فارغة ذات نافذة صغيرة وحيدة يمر منها ضوء القمر؛ كانت مسكن إهراسيم في تلك الليلة. لم يكن مسكناً مريحاً و لم يعامل كضيف مرحب به؛ فمن الذي عساه سيكبل يدي ضيفه من الخلف، و يكبل قدميه، و يرميه في غرفة باردة و هو أسير لحمى لعينة قد زارته منذ الليلة الماضية و لم تغادر جسده بعد. كان أحدهم يدخل و يخرج محملاً بصحون الطعام، و ابريق من الماء، يضعها أمامه على الأرض. مد يديه نحو جبهة سجينه فوجدها لا زلت ساخنة، فقام برمي الماء على وجهه، و كأنه يغسل بطيخة، فيلهث إهراسيم تحت الماء المرافق فوق وجهه، حتى يكاد ينقذ طع النفس منه، و كأنه يغرق بذلك الماء. و عندما يخرج ذلك الرجل يجلس المختطف بتثاقل، و جسم بلغ المرض منه، نظر إلى مكان جرحه ووجده قد انفتح من جديد، و سالت منه الدماء مرة أخرى، و لم يكن بمقدوره معالجة نفسه.
نظر إهراسيم بالأرجاء و راقب ظل الرجل المار من تحت الباب، و لما اختفى، اخرج قطعة من الفخار المكسور كان قد خبئها في ملابسه منذ الأمس بعد أن كسر الجرة مدعياً أنها افلتت من يده المقيدة سهواً، و هو منذ الأمس يحاول رغم مرضه أن يفك الوثاق عنه بقطعة الفخار المكسورة تلك. لم تكن النتائج سريعة و مبهرة و لكن ليست لديه شكوى على اي حال، فكل ما عليه هو المحاولة ليس ألا.
كان يقضي وقتاً طويلاً و هو يحاول جاهداً قطع الحبال عنه، وما أن يستشعر حركة خلف الباب، يخبئها داخل ملابسه من جديد، و يعود ليرمي نفسه على الأرض مدعياً الاعياء الشديد. وهكذا كان يمضي الوقت في صمت و هدوء، لم يحاول أن يسأل إو يعرف من هم أو ما السبب، فقط كان شغله الشاغل بالخروج من هنا سريعاً، حتى أنهم كانوا يتجاهلوه رغم ذلك، لم يتحدث معه أحد، و لم يسأله أي شخص… لكنه حاول ان يتنصت للأحاديث التي كانت تدار خلف الباب الذي يحبسه، لكنه مهما حاول فلم يكن يسمع شيئاً، لأنهم كانوا يتعمدون على الحديث بعيداً عن سجنه الخاص، و لم يستطع أن يلقف كلمة مفيدة تمكنه من تفسير ما يحدث الان.
حتى سمعَ صوت ما فجأة جعله يثب من مكانه جفلاً، صوت يألفه، دفع قلبه للاضطراب و القلق بالسهولة، فراح يشد العزم في قطع الحبال بقوة لم يظن أنه لا زال يملكها بعد، و لم تكن إلا دقائق حتى انقطع حبل يديه، و توجه إلى وثاق قدميه، الذي لم يكلفه وقتاً طويلاً، و بين لحظة واخرى وجد اطرافه عادت حرة من جديد، ليدخل الحارس مرة أخرى، فتفاجأ بما رآه و راح يهجم على إهراسيم، لكن الأخير تمكن من غرز قطعة الفخار المكسورة داخل قلبه، فيسقط على الأرض سريعاً، و سرعان ما يأتي الاخرون بعد سماعهم تلك الجلبة، و يشهدوا بأم أعينهم على ما لم يكن بالحسبان.
*قيد دون مقاومة؛ حامي حمى السور، و سيد اور_يم العظيمة، رُبطت يداه و ساقاه إلى لوح خشبي، و انتظر هناك معلقاً صدور الحكم، و قرار التنفيذ، تقدم نحوه كبير حراس السجن، وقف أمامه صامتاً في البداية، لا يعرف ما يقول أو كيف يصيغ ما يجوز التحدث به:لقد حذرتك من مغبات الأمر، كيفَ ظننت أن الملك يتسامح مع ذلك بسهولة.
أنت تقرأ
الهاربة والمفاتيح المفقودة
Historical Fictionفائزة بمسابقة اسوة بأفضل رواية لعام ٢٠٢٠. عن جارية أحضرها قائد الجيش هدية لملكته، فإذا بها تكون حفرة تجره مع مملكته نحو الضياع.