٨

54 14 0
                                    

عبرت الشمس منتصف السماء، واكتملت فترة الظهيرة، تداخلت أشعة الشمس بلطف على رؤوس البشر، هبت نسائم باردة عليلة، بعضها تكاد أن تسمى نسمة، وبعضها كان كالزوبعة، لم تدم سوى ثواني؛ إلا أنها أغبرت المكان في تلك الثواني المعدودة. سعلت اوكو بعض المرات، استنشقت رئتيها بعض الهواء المغبر، وتنفض الهواء بيدها كأنها تلامسه بالفعل. أبعد إهراسيم  أوراق الشجر اليابسة التي تعلقت بشعره الأسود الكثيف، والتفت إلى جمع الجنود الذين لا زالوا متحلقين حوله، وكأن لا عمل لهم اليوم، رغم أنهم في خضم فوضى واعمال دائمة. تعرج حاجبيه، وصاحَ محتدًا فيهم: لماذا لا تزالون هنا! هيا إلى مواقعكم بسرعة، قبل أن أبلغ الأمر إلى القائد ليتصرف معكم.

بعضهم قد تشتت موقفه وأسرع في اللحظة التي ذُكر فيها اسم القائد، وبعضهم يحتفظ بعناده، أو ربما بتحديه لإهراسيم، ومنهم من أنبرى يخاطب المساعد بلهجة تخلو من الرسمية: نريد أن نرى كيفَ ستختبر الفتى؟ ربما سيكون اختبارك فاشلًا عندها، نحن من سيخبر القائد ليتصرف.

يلقون كلماتهم كأنها دعابة، أو بصيغة المزاح الدائم، رغم كونهم يعدوه صديقًا ولا حدود بينهم؛ إلا أن الاستهانة والاستصغار واضح في ألسنتهم. ابتسم هو الآخر يدعي الضحك على دعابتهم الخادعة، لكنه كان فقط يكتم غيضه لمرة بعدَ مرة. كانت اوكو تتطلع إليه وإلى نظرات الجميع، كيف يكون هو مساعد القائد، وهم يلقون إهانات مبطنة بتلك الطريقة؟! ربما هو حقًا أبله بليد، لا يستحق منصبه كساعد أورين... دوت في وجدانها تلك الإشاعات التي سمعتها عن مساعد القائد، قيل أنه لا يتمتع بمهارات قتالية، وأنه قد حاز على منصبه بسبب الماضي العائلي الذي يربط القائد به فيما مضى. ولم ينصبه أورين مساعدًا له إلا لأجل ذلك.

فرقع إهراسيم  بأصابعه، يجذب أنتباه اوكو بعدما ضاعت في بحر من الأفكار التائهة، ولا زال يرسم على وجهه ابتسامة محببة، سألها بلهجة لطيفة: لما لا تعرفنا باسمك أولًا؟!

أرادَ أن يترك لها الخيار بالكشف عن هويتها الحقيقية، أو تخفيها، ونهاية أمر ذلك سيتركه لأورين نفسه الذي أحضرها، فمن غير المعقول أن لا علم له بشأن كونها فتاة. إلا أن اوكو كانت تلتمس الصمت، حائرة مترددة، حذرة فيما يجدر بها ذكره من عدمه. وتذكرت في الوقت الذي لم يمضِ عليه زمن طويل، حينما وقفت أمام البوابة مع أورين، منعها من الدخول قبل أن ينطق بما لديه من الأوامر، ويتأكد من استعدادها لتنفيذه.

كانَ قد زفر مليًا وهيأ نفسه للحديث بلهجة رسمية تخلو من اللين: حينما تعبرين هذه البوابة عليك أن تعرفي، أنك ستدخلين بصفتك شاب، وستخضعين للاختبار أمام الجنود على هذا الأساس، فإن خسرتِ! ستغادرين دون ذكر الأمر، حتى لا يتسنى لمن هب ودب محاجتنا بالانضمام، لنجد الآمة والجواري يطالبننا بالانضمام.
قالت مع نفسها ''هذه قسوة ضدنا أيها القائد''...إلا أنها لا تجرؤ على تلفظ تلك الكلمات بلسانها في وجهه، ومما يبدو أن القائد حقًا يعاني من نفور من النساء، وأكمل دون أن يتوقف: أما إذا بأي فرصة ما؛ استطعت النجاح في الاختبار يمكن لكِ حينها أن تعلني عن هويتك الحقيقية، ولن يتسنى لأحد الاعتراض بعد نجاحك في القتال. فهمت!

الهاربة والمفاتيح المفقودة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن