٩

77 13 0
                                    

أطبق الصمت حديثهما، غيمت عيناه ببريق محموم، ووخط الغموض سحنته، وغلب الوجوم عليه، التزم إهراسيم  بالصمت، وفي قرارته يعلم أن شيئًا  سيء حصل! ثم نطق أورين فجأة بلهجة باردة: أنا فقط أتسال أن كنت قد وضعت سارقة أخرى في القصر؟

قطب إهراسيم  حاجبيه ولم يبد أنه قد فهم قصده، وسأله: من تقصد؟... الفتاة!

لم يجب أورين، لكن الجواب كان واضح، مما دعا صاحبه يتساءل أكثر: لا أفهم!.. ما دخل الفتاة بحاكم لارسا الجديد وتلك السارقة؟

*

أحجم عن الحديث، وصار حبيس أفكاره، استعاد عقله الذكريات التي كانت وليدة الساعة الماضية، حينما دخل إلى القصر ووجد ميلام الحاكم الجديد، يجلس بجانب لينكال في قاعة العرش، بعد أن أتم التحية لصاحبيّ الجلالة، انظم لهم القائد في جلستهم، حينما رحب به بطريقة مقتضبة رسمية، ثم جلس بجانب إيلكو، الذي لا زال يراقب بصمت.

كان ميلام في نهاية عقده الثالث، لا زالَ يحتفظ بقسمات وجهه المشدودة، لحية مدببة صغيرة تنمو على ذقنه، تداعبها أصابعه كلما تحدث بكياسة مع اصحاب المقام. مأزر باللون الرمادي الغامق يلتف حول جسده كلباس وعصابة بلون الأسود كانت على رأسه، مزينة أطرافها بمزركشات بسيطة باللون الأبيض. في الخلف يقف بجانبه حارس واحد، ذو بنية جسمانية مذهلة، يقارب في طول أورين، لا يُظهر من جسده سوى القدمين؛ درع خفيف من سرابيل الفضة على صدره، وأشبه ما يبدو كتنورة قصيرة من القماش المدعم بصفائح النحاس عند خصره، ويلف باقي جسده بلفافات طويلة من القماش الأسود. كان هادئًا رزينًا، حتى أحنى رأسه للقائد أورين حينما وقعت عينه عليه.

قال الملك بعدما انتهوا من التحيات الرسمية: أهلًا بك في مدينتنا سيد ميلام، لقد أكرمتنا بزيارتك اللطيفة.

قد جاء محملًا بالهدايا للقصر وللملكة على وجه الخصوص، حُلي وقلائد، أحجار ذهبية، وأساور مُصاغة. تطلعت إليها الملكة بشغف، عندما وضِع الصندوق أمامها، طلبت من أتاما أن تمده نحوها، ولما ناولته، راحت تقلب بالقلائد الخرزية، وتعبث بالأقراط الذهبية.. الخواتم والأساور اللامعة.
بدت أنها تبحث عن شيء ما، ولما لم تجده، فقدت اهتمامها برؤية الصندوق، ندت عنها ابتسامة مصطنعة، وهي تومئ بشبه انحناءة رأسية: أنها حُلي رائعة سيد ميلام، أشكرك على كرمك!

قالَ الكاهن لينكال بفضول فجأة: كيف هي الأحوال في مدينتكم الآن سيدي؟

التفت ميلام بكياسة، ينفخ صدره بزهو وثقة: أنها أكثر من رائعة أيها الكاهن المبجل، ربما تشرفنا يومًا، كي تنزل بركاتك على مدينتنا لتحميها من كل سوء.
أجاب بعفوية: سنفعل بأقرب وقت، سيد ميلام.

سأل الملك: كيف حدث الانقلاب؟ أن فضولي يقتلني لأعرف التفاصيل الحقيقية لما جرى في ذلك اليوم! لا أحب أن أستمع إلى التزييف والكذب!

الهاربة والمفاتيح المفقودة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن