في الجهة الأخرى من المكان، كانت شنونو تتبع مقتادها، إلى مصير غير معلوم، تتبعه مجبرة صامتة، إلا ان الكره و الغيض يغلي في عروقها.
لم يكن الحنق فقط! بل هو الخوف، الفزع مما سيجري لها حينما تنتهي هذه الخطوات. و حينما تجلى لها أنه بدأ بأخذها بعيداً عن صخب القصر و مجونه لهذا اليوم.توقف بعدما أمنَ في بقعة بعيدة عمَن يظنه يراقبه، اوقفها امامه في زاوية، حاصراً أياها، و مانعاً عنها أي منفذ قد يخطر ببالها كونه مناسباً للهرب او الفرار. لم يكن الفرار في رأسها منذ الأساس.
"لقد آن للأمر أن ينتهي، فلقد أظناني التعب، و اهلكني الخوف و الفزع، للنهي من الأمر مهما كانت نتائجه" كانت تقول لنفسها ذلك، منذ اللحظة التي تركها أهراسيم، و لم تغير رأيها بعدما حاصرها آيومين هنا.((غباءٌ أم جنونٌ، أو ربما كان انتحاراً هو ما أحظرك هنا؟)) نطق آيومين فجأة ليقطع دابر الصمت الذي أخذ من وقتهما كفايته.
رفعت رأسها، نظرت له و الحنق يقطر من قسمات وجهها سُماً، إلا أنها احتفظت بصوتها، ملتزمة الصمت، غير خاشية له أو لحديثه، فأضاف بعدما لم يجد تعقيباً: ما الذي ظننته حينما تأتين للقصر، هل ستحتويك بو آبي بعطفها؟! ستحميكِ! .. هل تدركين حجم ما ستفعله بك، لو علمت بحقيقتكِ... لِمَ تظني أنها ستقفُ معكِ أليس كذلك؟... لقد أخطأتُ سيدتي!... لم يكن يجدر بك القدوم إلى وكر الأفعى بنفسها!خرجت عن صمتها، ردت بصوت محتنق: لا شأن لكِ بما أفعله، و سأفعله.. بل كيف تجرأ أنت على الظهور أمامي؟ ...أيها الحقير الخائن.
أجاب بنبرة عالية: لا شأن لي.. هل تعلمين ما قاسيته و أنا أبحث عنكِ. حجم التفكير الأسود الذي أكل داخلي... هل ظننت أني بخير بعد الخيانة.
- كيف فعلتَ ذلك، كيف واتتك الجرأة لتفعل فعلتك الشنيعة!...لقد كنت حقيراً .. حقيراً خسيساً ناكراً لكل جميل!...كيف سولت نفسك أن تقتله.. كيف !... كيف؟ أيها اللعين!
و همت بضربه على صدره بقوة أنثى ضعيفة، أنهكها الحزن و البؤس، حتى ظهر ضعفها في دموعها التي ترقرقت في محجر عينيها، و لم تلبث حتى هبطت نازلة، دون أن تمنعها جفنيها.
أمسك يديها بقوة، راح يصرخ في وجهها بانفعال و هو يقترب منها أكثر: هل تريني فعلت ذلك بأرادتي؟!... هل تجديني حقاً قد أقتله برغبتي.. كل هذا الوقت!... كل هذا الوقت تظننين أني خائن... و أنا الذي أعاني مُرَّ قتله، و مُرَّ اضطراري لتنفيذ أوامر ميلام.أرخت من قوتها، حتى استشعر ذلك في يدها التي تحكم قبضته عليها، انذهلت لقوله، و شيء في داخلها يظن أنه لربما أستعجلت في قراراها معه، إلا أنها لم تظهر ذلك على ملامح وجهها، أفلتت يدها منه بعنف و قوة، لم تعطيه انطباع تصديقها إياه، فيقول هو لها بنبرة كسيرة متألمة: هو من طلب مني أن أقتله كي انقذكِ... كي يُتاح لكِ فرصة الهرب، نشتري الوقت المأخوذ من حياته، لنمنحه لك... كي أكون بصف ميلام.. يقبلني ضمن جنوده الموثوقين، حتى تتاح لي الصلاحية بأن أحميكِ.
أنت تقرأ
الهاربة والمفاتيح المفقودة
Historical Fictionفائزة بمسابقة اسوة بأفضل رواية لعام ٢٠٢٠. عن جارية أحضرها قائد الجيش هدية لملكته، فإذا بها تكون حفرة تجره مع مملكته نحو الضياع.