١١

60 11 0
                                    

تسمرت في مكانها لوقت من الزمن، تطالع السماء الكحلية فوق رأسها، ونجومها القليلات لهذه الليلة على غير العادة، ونصف القمر لم يكتمل بعد. تلاعبت بأذيال ثيابها نسائم الليل الباردة، تطايرت أوراق الشجر اليابسة، وراقبت كيف تدور في حلقة مفرغة وما تلبث حتى تعود للأرض مهما علت وطارت.

استنشقت مليًا، وكأنها انتهت من تجميع أفكارها أو ربما أجلت أمر ذلك لوقت لاحق، وعليها تنفيذ ما أمرت به الساعة. توجهت رغم صعوبتها باستدلال الطريق نحو مكان القائد، لم يكن إيجاده سهلًا، فهي ليست على علم بمداخل ومخارج القصر وما يحيط به بعد، ولم يكن بمقدرتها السؤال عن التوجيهات، سارت فقط في طرق مختلفة علها صدفة أن تجد القائد، أو يهديه الرب إليها.

وكأن دعواتها قد استجيبت بعد أن كلت وأصابها القنوط واليأس. تهلل وجهها فرحًا برؤيته، جاهدت كي لا تسفر عيناها عن دموعها، وكان الأخير يقف متحلقًا حول حرسه وجنده، واوكو كانت برفقتهم. لما رأت إهراسيم  تسمرت مكانها، وكأن سلاسل وهمية كبلت أقدامها، يراودها صوت إيلكو وهو يقول "كيف لآهراسيم أن لا يتعرف عليكِ!"

بين المنطق والعقل فكرت مع نفسها "ربما عليّ ألا أظهر أمامه، كي لا يتذكرني!... لكن! ربما إيلكو يكذب!.. قال ذك ليخيفني فقط، أنا لم أرَه في حياتي ولم اسمع به من قبل" بين الذهاب وبين عدمه، لم تستطع نبيشوم اتخاذ قرارها، حتى فات الأوان، حينما وقع نظر إهراسيم عليها!

ثابتة في مكانها بهدوء بقيت، تعاينه وهو ينكز قائده في خاصرته، والتفت الأخير نحوها، رنا إليها محدق الطرف غير وامض، ومثله كانت هي، تطلعت إليه ولا شيء سوى المسكنة يغلب عليها، ثم استدارت قدمه صوبها، وكأنها تجر أثقالًا سارت إليها.

اضطرب قلبها، تزلزل استقراراها، تلاطمت أنفاسها، في كل خطوة يخطوها نحوها تسأل نفسها "هل أهرب منه؟... ماذا لو علم بما يستتر خلفي؟.. سيقتلني.. سيخنقني... سيعذبني حتى تفيض الروح من الجسد... ربما سيتفهم!!.. سيحميني.. يساعدني... ينقذني مما أنا فيه.... هل أبقى معه؟" عشر خطوات كانت المسافة التي باعدت بينهما وما أن أكملها حتى بلغها.

وقف عندها بصمت، لم يتبق سوى الخطوة الأخيرة... الخطوة الحادية عشر! لكنه لن يفعلها، لن يقدم على الاقتراب لتلك الدرجة. في لحظة كان مزاجها السكينة المطلقة والصمت العذب.
الأعين تحدج بعضها، ليأتي صوته أخيرًا قاطعًا بسيف حاد كل حبال الآمال والشكوك التي نسجتها: ما الذي تفعلينه هنا أيتها الحمقاء، هل هو منزلك أو ما شابه حتى تتجولي فيه ليلًا كما يحلو لكِ.. أنه الانذار الأول والأخير لك، لن أسامح بمثل هكذا مخالفات فهمتِ!

"سيقتلني.. سيخنقني... لن يحميني ولن يساعدني" حدثت نفسها، بعدما قطعت حبل الرجاء منه. مدت يديها برفق تؤشر طالبة منه الانضمام إليها. قطب حاجبيه جاهلًا ما تبغيه، وحاولت من جديد بيأس. لقد أرسلوها كي يضمنوا خرسها حينما تقع في الأيدي الخطأ، لكنهم لم يحسبوا حسابًا للطريقة التي يجب عليها أن تبلغ القائد فيه مطلبهم. أنها تكره نفسها الساعة.
حاولت جاهدة أن تصف له ما أمرت، ترفع يديها تشير إلى التاج، تحاول تقليد الملكة في زهوها ومشيتها ذات الكياسة الفخمة والرأس المرفوع، طريقة تفآخرها؛ باختصار، لقد كان أورين يجاهد لإخفاء ضحكته عنها، وهو يطالعها تتصرف كالبلهاء أمامه. لقد فهم ما كانت تحاول فعله، إلا أنه أراد أن يعرف إلى أي درجة ستصل بمحاولاتها. وهو لا يزال يُعرج بحاجبيه، يدعي عدم الفهم لما تحاول قوله.

الهاربة والمفاتيح المفقودة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن