عند البوابة الشمالية، في برج المراقبة كانت يدا اوكو مشغولة بالمسح و التجفيف في كل مرة تنهال دموعها، هالة من الحزن حاوطتها، شيء من الندم او التأنيب يراودُ نفسها، تراقب البعيد، و الشمس لم يعد لها وقت طويل لتودع. طالعت المدينة من مكانها و ناسها يزاولون أمورهم باعتيادية؛ لا يدرون بعد بما حل بالأمس و ما عساه أن يحل بالغد من مصيبة، لازالَ أصحاب المقام يتكتمون عن ذكر ذلك للعوام، حتى تقتضي الضرورة ذلك. لا يوجد في مرمى بصرها إي خطى للعدو، اي تجمع، او اي حركة مشبوهة، فقط الفضاء الأجرد خلف الأسوار؛ أمامها!
خطوة هادئة تكادُ تخلو من أيّ صوت؛ تقترب من مكان تمركزها، و بسرعة بديهية منها التفتت تصوب قوسها و سهمها نحو المقرب منها، فلما وقعَ نظرها عليه، ألفت وجهه و تراجعت عن سحب سلاحها، استدارت و قالت باقتضاب: ما الذي تفعله هنا يا أبي؟وشحَ وجهه السمح بابتسامة بسيطة: جئت لأراكِ، الا يحق لوالدك ذلك؟
ردت: أنا أقوم بعملي الان بالإضافة انت لست هنا لتراني لذا لما لا تقول الحقيقة و تفصح عما تريد!
وضعَ يديه خلف ظهره و تحدث بجدية: حسناً… لقد جئت كي اعيدك الى المنزل!
_ و لِمَ سأَفعلُ ذلك!
_ اور_يم مقبله على حرب لا نفاذ منها، لجش تحشد قواتها، و اوروك هناك من جهه أخرى، لذا فان الموت يحاوط هذه المدينة من كل ناحية ولا ندري بعد أيهم سينظم للقتال بعد؛ لذا وبكل وضوح لم يعد لنا مقام هنا، علينا العوده إلى اريدوك، و عقد جلسة تشاور طارئة لكي نحمي مدينتنا، أو ربما نجد حلاً لهذه المعضلة المخيفة.
نظرت له من فوق بطرف عينها نظرة مخيفة وحادة فتبسم لها، وكأنه عرف ما تفسيرها و لكنه أثر ذلك في نفسه. سحب يديه من الخلف وقام بفركهما وكأنه يشعر بشيء من البرد و قال بنبرة بدا وكأنها خاتمة للحديث و ينوي المغادرة: عودي الى المنزل هذه الليلة ، و لا تخدعي نفسك فأنت لست جندي من جنود اور_يم انت تابعه مخلصة لأريدوك، إياك أن تنسيّ ذلك يوماً و لا تخدعي نفسك بأي ترهات ولائية.
ردت دون أن تنظر إليه: لدي عمل هنا لا أستطيع ان اذهب معك الان.
بنبرة هادئة إلا أنها مخيفة: اوكو، عودي الليله فهناك امر يجب الاعتناء به بنفسك لن تستطيعس الهرب من واجبك مهما حاولتِ التخفي بعيداً… سأغادر الان و لا تنسي اننا سنكون بانتظارك هذه الليلة.
ثم استدار. و ولى الأدبار تاركاً اياها غارقة في دوامة أفكارها القاتمة، و لا قدرة لها لتخرج منها سالمة. فانكست رأسها مستسلمة تعبة، لا طاقة لها بعد بالمقاومة.
*
الوهن استحوذ على بدنها، و القوة خارت من عظامها، ذبل وجهها، و اصفرت سحنتها، بالكاد تفتح عينيها حتى خفتَ بريق وعيها، و باتت بين الوعي و الللاوعي، تنهدات شاقة تسحبها أنفاسها، و كأن الهواء يضيق برئتيها، فيصعب عليها جر النفس في كل مرة، لم يبد عليها المقاومة، الرغبة بالنجاة، كانت مهدلة الجسم، لولا اليدان المربوطتان بقوة على الجدار لسقطت منذ وقت طويل… تفارق الوعي تارة، و تستعيده على ضرب أو رش بالماء البارد، فتستيقظ فزعة ترتجف أنفاسها من الخوف و البرد.
أنت تقرأ
الهاربة والمفاتيح المفقودة
Historical Fictionفائزة بمسابقة اسوة بأفضل رواية لعام ٢٠٢٠. عن جارية أحضرها قائد الجيش هدية لملكته، فإذا بها تكون حفرة تجره مع مملكته نحو الضياع.