٤٢

20 8 0
                                    

امضيا الاثنين باقي الوقت معاً في المكان، قام بأشعال النار و تحلقا حولها بسكون تام، صوت فرقعة الخشب هو يرن في المستمع، حتى سألت فجأة و بطريقة غير متوقعة: إن كانَ هو قاتل ابنتك، فلِمَ تساعده؟!

رفع حاجبيه متفاجئاً لوهلة، ثم استنشق طويلاً راسماً على فمه إبتسامة متألمة، حملق بالنار و كأنه يحدق بالماضي السحيق: كانَ حنقي الشديد هو من اتهمه بقتلها… اه على تلك الأيام الهادئة، المسالمة، من كان يظن أن كل ذلك سيحدث في طرفة عين… كانت فتاة لطيفة، و جميلة… جميلة مثلك، و مثل عينيكِ… حنونة مع الجميع، لم تتعال على احد، و لم تتصرف مع الخدم كسيدة و عبد، و بلا شك هذا ما أوقع اورين بها!... كان هو و اباه يعملان في الحقل عندي، و رغم أنه عبد لم يمنع نبيشوم من تكوين صداقة معه، و كأن أخيها يتبع خطاها مهما فعلت، فتعلق هو الآخر باورين الذي يكبره سناً… كنت أرفض تلك العلاقة الثلاثية، الصداقة في مجتمع الطبقات لا ينفع، لكنها لم تكن تستمع، رغم أنها اكبر سناً منهم، إلا أن اورين كان أعقلهم، فبين طيش ابنتي و مرحها، و بين الصغير الذي لا يعرف سوى اللعب، كان العاقل الوحيد بينهم، لن أكذب عليكِ...في بعض الأحيان كنت اتمناه ان يكون هو ابني، بكرى الذي يحمل من بعدي الاسم و الثروة.

توقف قليلاَ عن الحديث و لا زالَ وجهه يرسم إبتسامة الأسى و هو يسترجع الذكريات المكبوتة: ايام السلام لم تدم تلك طويلاً، و كتب لصداقتهما ان تنتهي قبل أن يريا خط مدادها الطويل، كان ذلك في السنة التي بدا قطاع طرق من لجش بالتعدي على الأراضي، و ارضي كانت على الأطراف، وكانت حقولي هي أول من احترق، وقتها كان والد اورين يقوم بجني المحصول، يحاول ان ينقذ ما يمكن أنقاذه، لكن النار لم تسمح له بإنقاذ نفسه حتى، ومات جثة متفحمة في أحضان ولده، تغير اورين مذ ذلك الحين، و اصبحَ منعزلاً إنطوائياً، كئيباً، منعت نبيشوم مراراً منه، لكنها لم تستسلم، كانت تحاول أن تكون معه، تقف إلى جانبه… و معَ مرور الوقت كانت لجش تزيد في عدوانها و استفزازها حتى اقتربت من الأراضي و تعلن انها ملكها، و في أحد الأيام كنت خارج ارضي، احاول جلب المؤنة لعائلتي و ممن تبقى تحت خدمتي، أذكر يومها أني استوقفتها عند الباب و طلبت منها بلهجة محذرة، ألا تذهب بعيداً عن المنزل، ألا تتهور فالوضع ليس ملائم للعب و المطاردة التي تمارسه مع اورين، تبسمت لي وقتها، و عرفت أنها لن تقتنع، و لم يكن بيدي اي حيلة، قالو لي فيما بعد، إن مجموعة من الجنود قد امسكوها حينما كانت خارج المنزل لوحدها، تبحث عن اورين كعادتها، و برأيكِ ما هو أول شيء يمكن أن يفعله رجال همج، بفتاة جميلة مثلها!

اغرورقت عينا ايتانا، وضعت يدها على فمها مصدومة حزينة، و لم يتوقف السيد نندانيش عن حكايته: وصلَ لها اورين لكن بعد أن قاموا بفعلتهم، حاولوا ان يتنازل معهم لكن ما الذي يمكن لفتى في عمره أن يفعل مع مجموعة من الرجال الاكبر سناً منه، لم اترك في المنزل رجال اكفاء، فالخدم الذي تبقوا عندي كانو من كبار السن الذين لا مكانَ لهم يؤيهم غير سقفي، فرغم أنهم قد انظموا متأخرين لكن لم يجد ذلك نفعاً بشيء… قالوا ان اورين قاتلهم، حتى خضبوه بدمه، و كانت تصرخ هي بألا تفعل، تتوسل إليه ان يتركهم، إلا أنه عنيد مثلها، يصرخ بـ احتمي خلفي، سأحميكِ'' لكن رجل من الخلف قد انبرى له بخنجره، ارادَ أن يتمكن منه في غفلة، فتلقت نبيشوم بدلاً عنه، تلك الغبية...أبنتي الغبية رمت بنفسها أمام الموت لتحميه، لتحمي اورين الأحمق، و ماتت نبيشوم في تلك اللحظة بين يديه… تم طرد المحتل َ لكن بعد فوات الأوان… و هكذا يا سمو الأميرة، قد قُتلت أبنتي العزيزة، و ابني الغبي الآخر قد لحق باورين، و كأنه لا يكفيني ما عانته أبنتي لأجله، و الآن يأخذ ابني!

الهاربة والمفاتيح المفقودة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن