بلغ أيننتوم البوابة الأمامية، و الفزع يرسم الوانه على سيمائه الفتية، سيطرت الظنون السوء على أفكاره، و جفت حنجرته، تلفت يمنة و يسرة عله يجدها، إلا أن لا خبر ينذر بوصولها من عدمه، فبقي محتاراً في أن ينتظر، او ان يمضي يبحث عنها. ثم لمح الحارس البديل الذي تركه يشغل مكانه لبعض الوقت، و راح يسرع بخطواته و سؤاله: هل دخل أي أحد من البوابة، أو لمحت، أو حتى رأيت؟
هز الاخر كتفيه مجيباً بلا مبالاة: كلا!.
لم ينتظر لوقت أطول و راح يبحث عنها خارج البوابة، بوجل قاهر، لم يخجل من ان ينادي بصوتها.. في كل مرة كان هتافه اعلى. مرة تلو مرة، لم يكن هناك من جواب شاف لندائاته، لتتسلل دمعة خائفة، هل ضاعت، هل هربت ربما... هل باغتها أحدهم وقتلها... هل هناك أيادي خفية انهت حياتها... بم يفكر.. و كيف يفكر، فالظلمة السوداء كانت تدور من حوله بنحو مدوخ. ليأتي صوتها البعيد اخيراً، باعثا شعاع الضياء في داخله، كشمعة اُوقدت فبعثت الامل في غرفة ديجور.
أطلق ساقيه للريح، و صوته ما أنفك ينادي عليها، و أذانه تسمع صوتها المحبوب، حتى رأها فجاة و هي تحتضن نفسها، لم تكن إلا لحظات حتى حوطها بقوة بين راعيه، و غمرها بحبه، و صب عليها جام خوفه و قلقه، لم يكن ينوي ان يفلتها، لن يتركها بعد اليوم لقد وعد نفسه، انها تعني له حياته بأكملها. لقد أثبتت له ان يحبها، اكثر من نفسه.
((لا بأس.. لم يحدث لي شيء)) خرج صوتها مكتوماً من بين ذراعيه الخانقة، فأرخى يديه و راح يطالع وجهها بقلق و حب، ثم تصيرت تلك النظرات القلقة إلى غاضبة محتدة: أي جنون هذا الذي دعاكِ تغامرين بنفسك... لقد ظننتُ اني سأفقدك إلى الأبد.. أنها أخر مرة! اخر مرة أسمح لك بارتكاب حماقات مثل هذه.
أجابت بصوت مرح لا يشفي غليله: كانت مغامرة ممتعة رغم ذلك.
بدأت ملامحه تستاء: هل ذاك الصديق يستحق تلك المغمرة المجنونة.. هل هو أهم من حياتكِ؟
أجابت و هي تغض بصرها: قلت لك لقد اقسمت بوعد.. و لست بناكثة للوعود... انا لم أعبر الصحاري و الجبال كي اجده... فقط رحلة ساعة أو اقل حتى وجدته!
- ما هو؟ ما كان هذا الشيء.
سكتت و تمنعت عن الجواب، و هي ترمقه بنظرات متأسفة خجلة لأجل ذلك فينزعج منها و يستاء، و يفلتها من يديه و يمضي، تاركاً إياها تجري خلفه، و هو يتمتم بنبرة حزينة: لهذه الدرجة لا تثقين بي!
فأمسكت بيده تمنع من المغادرة و قد بدا عليها اللهاث و هي تلحق به، ثم قالت من بين كلماتها المتقطعة: أنه امر خطير يفوق مكانتينا، امر يخص الملك و اربما الممالك ستتحارب لأجله، لذا دعنا في منطقة الجهل التام، هو الأفضل لنا.
فرد عليها: ان الامر خطير فلم ورطت نفسكِ.
أجابت محتدة: قلت لك فعلتها لأجل صديق... و الان.. أنا لن أخبرك ، لكن يمكن لي ان أريك!
أنت تقرأ
الهاربة والمفاتيح المفقودة
Historical Fictionفائزة بمسابقة اسوة بأفضل رواية لعام ٢٠٢٠. عن جارية أحضرها قائد الجيش هدية لملكته، فإذا بها تكون حفرة تجره مع مملكته نحو الضياع.