أومأت الفتاة وهي شبه سعيدة بأنه استطاع أن يفهمها أخيرًا، ثم عاد ليكمل أسئلته: تسمعين جيدًا... ولا تتكلمين؟
أومأت أكثر، فتنهد إهراسيم بإحباط والتفت ليسأل قائده: ما الذي ستفعله الآن؟
ارتسمت على زاوية فم أورين ابتسامة ماكرة جانبية، ساخرة، وعين لا تُنبأ بالخير مطلقًا، وقال بنبرة تشي بالسخرية: ألم أقل لك، أننا سنعرف ما قصتها؟
راحَ إهراسيم يضيق عينيه، يطالع الفتاة التي بدأ القلق يتسلل لداخلها، تتنقل بين نظرات الذئب المرعبة، وبين الراعي الذي لربما سيحد سكينه عليها بعد وقت ما، يتنهد بتعب ويقلب برأسه وينظر لها من كل الزوايا، سألها: هل كنت في أور_يم من قبل؟
هزت رأسها نافية، وعينها تظهر الصدق في ذلك، ثم أضاف بنبرة متحيرة وكأنه يخبر قائده: لا أعلم ما هو، لكني أشعر أني رأيتها من قبل، أو ربما تشبه شخص أعرفه!
ليأتيه الجواب فجأة من القائد: شقيقتك!... أنها تشبه شقيقتك!
التفت الآخر وعيناه تجحظان من الصدمة نحو أورين، الذي بدوره بدأ بالالتفات ببطء نحو نائبه، وشيء من التردد يطفو في السطح. كان إهراسيم منزعجًا، وتساءلت الفتاة في داخلها، عن كم الغرابة الذي أثاره ذكر شقيقته فقط.
فقطع المساعد تلك اللحظة بنبرة حادة وحازمة وهو يطالع الفتاة: لا تدع الموضوع ينجرف نحو محور آخر، فكر الآن كيف ستستخرج المعلومات التي تريدها من فتاة خرساء.التفت أورين، وعيناه أكثر حدة وأشد رهبة: سأعرف ما أريد حتى لو اضطررتها لتهز رأسها الليل بطوله.
في تلك اللحظة! تساءلت في تلك اللحظة، أكانت ستفضل أن تقع بين يدي أولئك الذئاب الضارية، على أن ينقذها أورين المخيف هذا. أقبل على حين غرة، حارسهم الآخر و الذي يدعى آزيش؛ لينقذها في اللحظة الأخيرة من براثن الصياد، واللهاث بادٍ في أنفاسه، استغرب لقدومه القائد ومساعده، ثم قال بنبرة صوت متهدجة: سيدي القائد... الملكة... الملكة!
_ ما بها؟
أجاب: أنها هنا!
علّت الدهشة على محيا الاثنين، ونهض من مكانه بسرعة، أشار عليه إهراسيم : اذهب لاستقبالها حالًا.
((لا حاجة ليأتي)) صوت من خلف الباب ران في المسامع، لتدخلَ صاحبة الجلالة بهيبتها، ووقارها الفخم الذي طغى على المكان، فخر لها آزيش وإهراسيم على ركبهم، وأورين قد ركع لمولاته الجليلة، صاحبة الفخامة العالية بو-آبي شبعاد.
طلت عليهم بثوب أبيض من الكتان الناعم، يتدرج من كتفها الأيمن ويلتف حول جسدها، تاركًا الكتف الأيسر والذراع مكشوفين، ويتذيل الفستان قماشٌ طويل يزحف خلفها. وثَمَ عقدٌ من الخرز الملون المطعم بالأحجار الكريمة على عنقها بطبقات ثلاث، حتى يصل إلى مرتفع صدرها. تتدلى من أذنيها أقراط هلالية الشكل ضخمة مزدوجة، وعلى رأسها تاج مصنوع من الذهب على شكل طوق من أوراق الغار. تتسمُ بوجهٍ ناعمٍ طري كبشرة طفل وليد، عينان جاحظتان ببؤبؤٍ صغير، حاجب مشذبٌ ومقوس، أَنفٌ حاد وطويل، وفم صغير بشفاهٍ زهرية. يحفها خدمها من الخلف، ووصيفتان بفستانين باللون الأحمر؛ دون غيرهما؛ تقفان خلفها، وقد انحنيا لمقام القائد أورين، مثلما فعل بقية الخدم من خلفهما.
أنت تقرأ
الهاربة والمفاتيح المفقودة
Historical Fictionفائزة بمسابقة اسوة بأفضل رواية لعام ٢٠٢٠. عن جارية أحضرها قائد الجيش هدية لملكته، فإذا بها تكون حفرة تجره مع مملكته نحو الضياع.