كانَ اورين ملبياً كل أمر من جلالته دون اعتراض، لقد كان شخصاً اخر، ذا بشرة شاحبة و قسمات حادة، يرغب بالتنفيس عن غضبه بقتل أحدهم، و الجيش الذي يقبع خارج بوابة مدينته هو الحل الأمثل لمتطلباته، و استغرب جلالته تصرفاته المطيعة على غير العادة فقال بعفوية: ما بك اورين؟ أهذا بسبب الاميرة!
نظر لجلالته يطالعه بعين لا تفسر نفسها، حتى ازدادت حيرة الملك اكثر، و بات اكثر احتراماً منه، و لم يشأ تحت أي ضرف بإثارة غضبه. قال اورين فجأة: بشأن الافاعي التي اخبرتك عنها، هل وجدتها؟
اجاب الملك: لقد وجدتها و وضعتها بالقرب مني، انا اتهم ميلام بذلك! لا شأن للكاهن لينكال بما يجري، إنه احد احباب الرب على الأرض، فكيف يخون هذا الرباط؟
لوى اورين زاوية فمه هازئاً ساخراً، ثم قال: لا بأس اذن! افعل ما تراه مناسباً لم يعد يهمني.
سحب حنجره الصغير الذي كاد يسقط من حزامه، و أعاد ربطه باحكام و هو يقول لجلالته: ساخذ قواتي خارج المدينة، فلابد ان قوات لجش تحتشد الان، و سأترك قوات لا باس بها تحت تصرف ايننتوم داخل المدينة لحمايتكم.
و من دون توديع او توضيح، قرر القائد مغادرة القصر و العودة للانظمام إلى جيشه، و كان مساعده الاخر قد ارتدى حلته الكاملة و استعد للحرب المرتقبة، وقف اورين بجانبه و سأل دون مقدمات: هل وجدته!
أجاب ايننتوم: لقد غادروا قبل أن تصل إليهم ايدينا… خرجوا من البوابة الغربية، تلك التي كانت تحرسها مع إهراسيم.
بلهجة لاذعة: هل هو صعباً ان تؤدوا الأوامر كما أريد! ألم تستطع أن تسرع في الذهاب حينما اخبرتك؟
_لكن سيدي، لقد ذهبت في نفس الساعة التي امرتني بها، و كان الجناح خالياً منهم، أخبرني الخدم انهم غادروا حينما اقبل الليل… الامر فقط أننا اكتشفناهم متأخرين.
_مجموعة من الهواة.. انا أملك فقط مجموعة من الهواة، طلبت منكم شيئاً واحداً، هل هو صعب تنفيذه.
ثم جاء احد الحراس لاهثاً، فزعاً ينادي قائلاً: سيدي القائد… سيدي القائد!
أدار اورين رأسه و هو لا يستبشر خيراً بهذا الوجه،و لما وصلَ لهم قال دون مقدمات: لقد احتشدت قوات لجش في الخارج، و هناك اخبار من مراقبي الابراج أن عدد لا بأس به من الرجال يقترب من الجهة الغربية، ان اوروك تقترب بجيشها.
((رائع.. و كأنه كان ينقصني ذلك)) انطلق اورين متمتماً بكلمات، و صعد على احد الأبراج القريبة من البوابة الامامية، و لاح ببصره أعداد الرؤوس المتجمعة، في صفوف متساوية، يكاد لا يبلغ مداها البصر، بغال ضخمة تجر عربات كبيرة، محملة بالأسلحة الكثيرة. تنهد اورين و اغمض عينيه يحاول استعادة هدوئه، و ركازة تفكيره، احتاج إلى لحظة من الهدوء مع نفسه، فانعزل عن الجميع في غرفته الخاصة، جلس على المقعد و طالع الجدران، لكن حتى الغرفة لم تتركه بحاله، و راحت تعيد له الذكريات الأليمة، حيث على هذا الفراش كانت آخر ذكرى لرفيقه، و هنا قد تغير كل شيء. تمتم بحسرة "سامحني إهراسيم، لقد خذلتك، أتمنى أن تكون بخير الان، و انا لا اعلم أن كنت سأكون بخير ايضاِ"
أنت تقرأ
الهاربة والمفاتيح المفقودة
Historical Fictionفائزة بمسابقة اسوة بأفضل رواية لعام ٢٠٢٠. عن جارية أحضرها قائد الجيش هدية لملكته، فإذا بها تكون حفرة تجره مع مملكته نحو الضياع.