٣١

14 8 0
                                    

وقفَ اورين في مسرح الجريمة، يطالع جدران الغرفة الخالية، بالأمس كانوا هنا، و اليوم عاد الصمت ليسكنها، حملقَ لوقت لا بأس به، يحدق في انعكاس روحه الفارغة، متجهم الوجه معميّ البصيرة، لا يدور في خلده سوى تأنيب الضمير و الغضب. فتح فمه ايننتوم الذي كان يقف بجانبه قائلاً: لم ندرك الأمر إلا بعد فوات الأوان.

-اين كان ازيش من ذلك.

_ لقد تم استدراجه خارج الغرفة بعد أن غادر والد السيد إهراسيم، اخبروه ان القائد يرسل في أمره، غادر لبرهة ثم عاد فوجد الفتاة و حارس ميلام قد اختفيا رغم انه قد اقفل باب الغرفة عليهم، إلا أنه وجد القفل مفتوح، ثم جاءته هجمة غادرة من الخلف، تلقى بعض الطعنات و فقد وعيه، و حينها قد اختفى إهراسيم سراً…. احد الحراس كان ماراً من هناك صدفة و استغرب جلوس ازيش على الأرض وقتها، فاسرع ليراه و هو يكابد بلفظ أنفاسه، و تمتم له ما حدث بجهد جهيد، حتى اغمى عليه في النهاية.

_و كيف حاله الان؟

_لقد مات!!!

جحظت عينا القائد فزعاً، التفت نحو مساعده غير مصدق، و اضاف ايننتوم بأسى و هو يشير نحو اثار الدم التي سالت من رفيقه: لقد تمسك بالحياة بصعوبة بليغة، إلا أنه أفلت العنان بعد أن أشرقت الشمس بنورها لينطفئ نوره للأبد.

صمتٌ بهيم ساد المكان، شد اورين على قبضة يده، غيمت عيناه بظلمة مرعبة، هالة قاتمة من الكره شعت من حوله، غمغم بصوت محتدم: في البداية اعتدوا على ارضي، ثم مساعدي، و الآن هم يقتلون جنودي، انا… انا لن ادع ذلك يمر دون عقاب، اقسم اني سأنتقم و لو تطلب ذلك إحراق الممالك كلها.

مشى مغادراً و صوت الانتقام يضرب في داخله، عاصفة من الأخذ بالثأر تهز جذوعه، لقد اشعلوا فتيل غضبه، و من يجرأ الان على الوقوف في وجهه.

((ماذا بشأن حارس ميلام؟)) سأل القائد في حين غرة و هو في طريقه نحو المعسكر، فأجاب ايننتوم: لم نجده، لقد اختفى مع الفتاة؛ نحن متأكدين من ذلك، إلا أنها وحدها من ظهرت… ربما جواب ذلك عندها سيدي!

لم يعقب القائد بشيء، و لبثت افكاره حبيسة داخله، لا يشاركها مع ايننتوم الذي كان يتطلع لتوجيهاته، إلا أنه التزم الصمت منتظراً متى يحين الوقت ليتحرك. توقف القائد فجأة فتوقف ايننتوم تباعاً.
و كان السيد نندانيش يقف منتصف الطريق لا يحرك انشاً، يطالع القائد بعيون باردة مكفهرة، نظرات من الشر الدفين ترمي بقذائفها نحو القائد، و بدا أنه ضعيف أمامها، و طال الصمت و حف التوتر بالنفس، حتى نطق السيد متزمتاً: أعد إلي ولدي اورين، يجب ألا تخذله مثلما خذلت نبيشوم!

لقد كان سهماً قاتلاً في قلب القائد، لم يجرأ على النظر في عين السيد حتى، إلا أنه شعر بثقل يكتم قلبه، أنكس رأسه منكسراً، لا يملك ما يرد به عليه، و مضى السيد نندانيش في لحظته، ماراً كالريح السموم بجانبه.

تطلع ايننتوم بجهل تام، لا يعرف أي غرابة يمكن لها أن تصف ما قد جرى للتو، لكنه تعلم أن يلتزم الصمت حينما لا يكون الكلام موجهاً إليه، و لم يرغب بالتطفل على معنى ما قيل للتو، و تابع خلف قائده ما أن خطى الأخير خطواته بصمت بهيم، و نفس مثقلة.

الهاربة والمفاتيح المفقودة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن