٤٠

11 8 0
                                    

كانت ايتانا تجلس في نفس المكان كما تركها القائد، حبيسة أفكارها المتقلب، تحاور نفسها بألا تضعف في آخر ساعة لها، تغمض عينها متأملة، هادئة، تحجم نفسها بصعوبة على ألا ترتعش ذعراً، الموت يقترب منها، و هي على شفا حفرة بين التشكيك بقرارها و بين الثقة. 

قاطعت وحدتها خطوات حذرة، تطرق على الأرض الحجرية ببطء و رتابة، و لما فتحت مقلتيها، الفت القائد يقف أمامها بوجه كدر، مغتم بائس، فنهضت من مكانها مسرعة، تقدمت نحوه وجلة، بخطوات اثقالها القيود: سيدي! هل…

لم تكمل جملتها، فما السوء الذي لا تتوقعه و بلاده على شفت حفرة من الحرب و نائبه مفقود. 

اطبق الصمت بينهما، و العيون تشكو همها، بعد أن غدرا بهما اللسان. تنهد بنفس ثقيل، ثمَ قالَ لها: ما الذي تنوين فعله بالمفاتيح الذهبية؟ 

فأجابته: لقد قلت لك، إنَ الأمر كله مناط بصيرتك لحل الأمور. 

ابتسامة جانبية هازئة علت محياه: كنتِ تعلمين أن ميش ستحضرها لي! 

_كنت أمل ذلك. 

حملق بها بهدوء، وكأنه يكشف عن اغوارها المكتومة، طرفت عينه فرفع حاجبه بلحظة مباغتة، فتح فاه ناطقاً: لقد كان ذلك تدبيرك منذ البداية، لا شيء حصل صدفة، حتى لقائنا كانَ مدبراً من البداية، لم تصطدمي بي دون وعي، رميتي بنفسكِ بين يدي عن قصد، فقط لتدخلي القصر، فقط كي تكوني قريبة من الملكة. 

انكست رأسها، و لكنها ما لبثت حتى عادت لترفعه، لتنظر بعينه بثقة اكبر، بعين مختلفة، ببريق لم يعتد رؤيته فيها: كانت السبل قد ضاقت بي، جسدي متعب، و الوهن قد بلغني، و الاستسلام تسلل لعزيمتي… الموت يقترب  مني كلما حاولت الهرب، ما أنا سوى فتاة ضعيفة أعتادت أن تكون مدللة، لم يكن في الحسبان ان اكون مناضلة للبقاء، و حينما سقطت، و تعثرت طالعت السماء و انا أدرك واثقة أن النهاية تقترب، حتى رأيت الرايات، و لمحت عيني ثياب الجنود، عرفت أن حبلاً من النجاة قد رُمي إليّ، خبئت الزهرات في مكان ما، ثم انطلقت نحوك. 

_كيفَ علمتي اني سأنقذك؟ او قد اصطحبك إلى داخل القصر. 

_أوليت ثقتي بعيني، لم يكن لدي شك لترفضهما. 

_نعم، انتِ محقة، من قد يرفض عين خضراء ماكرة كعينيكِ، و انا الغبي الذي خُدع، وضعت سكين الخطر على رقبة مولاتي بنفسي! 

انتفضت رادة و الدموع تنسب من عينها بهدوء : لم أكن أود أن اقتلها، لقد أردت أن أتحدث معها، ان أخبرها عما جرى لعائلتي، اسلمها المفاتيح كما أمرني والدي، لقد قال لي اذهبي إليها، احتمي تحت جناحيها، ستحميك، لكني وجدتها ترحب بميلام بأذرع مفتوحة، لم تحاسبه، لم تطالبه بالتبرير لفعلته الحقيرة، لقد قالوا فقط أن ابي خائن، عندها أدركت انها أنانية حقيرة ما إن تعلم حقيقتي ستقتلني و تخفي وجهي من الحياة كما اختفت عائلتي.

الهاربة والمفاتيح المفقودة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن