٤٦

28 8 3
                                    

كلما بسط الليل ردائه على اور_يم العظيمة، لم يكن بنوها ليطيلوا السهر فيها إلا المناسبات الخاصة، و اليوم، و في هذه الليلة الخاصة جافى النوم سكان هذا البلاد، و القلوب قلقة و النفوس وجلة مما قد يخبئه الصباح اذا ما طوت الليلة ردائها، من عساه من الاحباب سيبقى! و من سيوارى في الثرى! صلوات في المعابد قد أقيمت، و مشاعل النار قد اوقدت، و لم تكن لتنطفىء حتى يأذن الصباح بشعاع نوره.

و في المعبد كانت تشارك الملكة بتلك الصلوات، كأم لهذا الشعب تدعو لابنائها، و بصفتها كاهنة عليا لهذه الامة تصلي لسلامتها، و لكن رأسها كان مشغول عن الصلاة، لم تستطع أن تركز في شيء و كأن عقلها يرفض التفكير بغير ما قيل لها من قبل إيلكو، فلم ينفك الامر يصدع رأسها.
حينما أتمت الصلوات حملت نفسها ومضت دون تأخير او تفكير اكثر، إلى قاعة الملك، و دخلت عليه حيث كان يجلس بهدوء لوحده، مختلي بأفكاره، استغرب من دخولها الغير متوقع، و لكنه لم يفتح فمه بكلمة، قالت بنبرة صارمة: ممنوع أن يقاطعنا احد.

و امتثلت الخادمات و الحرس لامرها، فخرج الجميع في خطوات متسارع حتى تسنى لبو _آبي أن تختلي بزوجها. كان يجلس على كرسيه بجانب منضدة صنعت من الحجر المتراص، مزينة بنتوئات و زخرفات نحاسية، مسندة إلى الجدار، و يتخذ وضعية الهادىء المتأمل، لم يسألها شيئاً و اكتفى بالتحديق بها و كأنه يعلم أن لديها ما تود البوح به، فقالت له: لدي شيء أقوله!

لم يعلق على الامر، و لم يكن ذاك رفضاً أيضاً، فاستلت سيف شجاعتها و أخبرته عن الخادمة السارقة و أمر الختم المسروق ثم أضافت: و الآن ميلام يتهمني اني انا من ارسلت له لوح عليه ختمي الخاص و أمرته بقتل نبلانوم، ثم هناك اورين الذي يقول أن لجش تسلمت لوح عليه نفس الختم و كأني اطلب منهم المساعدة في إسقاط حكمك…. لذا أردت أن أخبرك ذلك، ان تسمع هذا الامر مني قبل أن يصل مسامعك خبراً فتسيء الظن بي… تذكر دائماً اني أبداً و اقول أبداً لن اقوم بخيانتك و لا خيانة اور_يم!

كان يطالعها ببرود تام و كأنه مغيب عن العالم الذي يدور حوله، و راحت تبحث هي بنظراته عن رد فعل منه يمكن لها أن تفهم موقفه منها، لكنه ببساطة كانَ هادئاً بشكل غير متوقع، ثم همَّ ليتنهد و يغير موضع استراحة يديه من على ساقه إلى المنضدة، و تمتم قائلاً: لقد كانَ ميلام هنا قبل قليل، أعطاني هذا و أضاف أنه كانَ مرسل منكِ.

نظرت إلى اللوح ،و قرأت ما عليه و تفاجأت بوجود الختم خاصتها مطبوعاً في أسفل اللوح الطيني، و قالت له: و هل صدقته!

مال برأسه نحو اليمين و هو يطالعها مخاطباً اياها بكياسة باردة: انا فقط اقول أن هذا غريب!... تأتين إلي هكذت لتخبريني بهذا الأمر فجأة، و كل ذلك في الوقت الذي جاء الي حاكم لارسا بهذا اللوح، لو كنتي مكاني هل ستظننين ان كل ذلك يحدث من قبيل الصدفة؟

الهاربة والمفاتيح المفقودة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن