كلما بسط الليل ردائه على اور_يم العظيمة، لم يكن بنوها ليطيلوا السهر فيها إلا المناسبات الخاصة، و اليوم، و في هذه الليلة الخاصة جافى النوم سكان هذا البلاد، و القلوب قلقة و النفوس وجلة مما قد يخبئه الصباح اذا ما طوت الليلة ردائها، من عساه من الاحباب سيبقى! و من سيوارى في الثرى! صلوات في المعابد قد أقيمت، و مشاعل النار قد اوقدت، و لم تكن لتنطفىء حتى يأذن الصباح بشعاع نوره.
و في المعبد كانت تشارك الملكة بتلك الصلوات، كأم لهذا الشعب تدعو لابنائها، و بصفتها كاهنة عليا لهذه الامة تصلي لسلامتها، و لكن رأسها كان مشغول عن الصلاة، لم تستطع أن تركز في شيء و كأن عقلها يرفض التفكير بغير ما قيل لها من قبل إيلكو، فلم ينفك الامر يصدع رأسها.
حينما أتمت الصلوات حملت نفسها ومضت دون تأخير او تفكير اكثر، إلى قاعة الملك، و دخلت عليه حيث كان يجلس بهدوء لوحده، مختلي بأفكاره، استغرب من دخولها الغير متوقع، و لكنه لم يفتح فمه بكلمة، قالت بنبرة صارمة: ممنوع أن يقاطعنا احد.و امتثلت الخادمات و الحرس لامرها، فخرج الجميع في خطوات متسارع حتى تسنى لبو _آبي أن تختلي بزوجها. كان يجلس على كرسيه بجانب منضدة صنعت من الحجر المتراص، مزينة بنتوئات و زخرفات نحاسية، مسندة إلى الجدار، و يتخذ وضعية الهادىء المتأمل، لم يسألها شيئاً و اكتفى بالتحديق بها و كأنه يعلم أن لديها ما تود البوح به، فقالت له: لدي شيء أقوله!
لم يعلق على الامر، و لم يكن ذاك رفضاً أيضاً، فاستلت سيف شجاعتها و أخبرته عن الخادمة السارقة و أمر الختم المسروق ثم أضافت: و الآن ميلام يتهمني اني انا من ارسلت له لوح عليه ختمي الخاص و أمرته بقتل نبلانوم، ثم هناك اورين الذي يقول أن لجش تسلمت لوح عليه نفس الختم و كأني اطلب منهم المساعدة في إسقاط حكمك…. لذا أردت أن أخبرك ذلك، ان تسمع هذا الامر مني قبل أن يصل مسامعك خبراً فتسيء الظن بي… تذكر دائماً اني أبداً و اقول أبداً لن اقوم بخيانتك و لا خيانة اور_يم!
كان يطالعها ببرود تام و كأنه مغيب عن العالم الذي يدور حوله، و راحت تبحث هي بنظراته عن رد فعل منه يمكن لها أن تفهم موقفه منها، لكنه ببساطة كانَ هادئاً بشكل غير متوقع، ثم همَّ ليتنهد و يغير موضع استراحة يديه من على ساقه إلى المنضدة، و تمتم قائلاً: لقد كانَ ميلام هنا قبل قليل، أعطاني هذا و أضاف أنه كانَ مرسل منكِ.
نظرت إلى اللوح ،و قرأت ما عليه و تفاجأت بوجود الختم خاصتها مطبوعاً في أسفل اللوح الطيني، و قالت له: و هل صدقته!
مال برأسه نحو اليمين و هو يطالعها مخاطباً اياها بكياسة باردة: انا فقط اقول أن هذا غريب!... تأتين إلي هكذت لتخبريني بهذا الأمر فجأة، و كل ذلك في الوقت الذي جاء الي حاكم لارسا بهذا اللوح، لو كنتي مكاني هل ستظننين ان كل ذلك يحدث من قبيل الصدفة؟
أنت تقرأ
الهاربة والمفاتيح المفقودة
Historical Fictionفائزة بمسابقة اسوة بأفضل رواية لعام ٢٠٢٠. عن جارية أحضرها قائد الجيش هدية لملكته، فإذا بها تكون حفرة تجره مع مملكته نحو الضياع.