الفصل السادس و الستون( الجزء الاول)

8.6K 458 493
                                    

(وان طرفي موصول برؤيته...وان تباعد عن سكناي سكناه)

بعد مرور عام ... مساء..احدى الدول الاوروبية..

يجلس امامها في هذا الليل الشتوي البارد...وقد توقفت موجة الثلوج منذ ايام..فعاد الجو قاتلا ببرده.. منفرا بتجرده..و يبدو انه قد تعود هذا الطقس الذي كان يثير كآبته قبل اعوام..فبات الان يألفه...يستمتع به.. خاصة هذه الفترة من العام..حيث تتساقط فيها الثلوج فيتغير الجو الى الدافىء تقريبا و تحمر السماء عند حلول ليلها و قد خلت من النجوم و اختبأ فيها وجه القمر.....
و تتأملة هي باسمة بارتياح....يرتدي بلوفر داكنا وقد التف حول عنقه سكارف انيق جدا يحمل توقيع ماركة رجالية معروفة.. لقد لمحت فيه الدقة و حسن الاختيار..بعيد جدا عن بعض الماركات التي تقف خلفها المثلية مثلا...او اي توجهات سياسية اخرى...فقد لاحظت انه رجل ذو مبدأ لا ينحرف عنه ابدا..و لطالما دخلا في نقاشات عميقة تنتهي بصمتها المنزعج..فهي مثلا من انصار الحرية الشخصية.. بل ترى ان بعض الامور فطرية تماما و هذا هو الفكر الحديث الذي بات يطرق في اغلب النقاشات بينهما.. و لا تنكر انه يبهرها غالب الأحيان فتصمت عاجزة تبحث عن الدليل..خاصة في نقاشاتهم الدينية

تتعمق بملامح وجهه المسترخية وقد تدثرت بأحدى القطع الوبرية الموضوعه بكثرة حولها بغية التماس الدفىء منها في هذا الجو البارد خارجا.. فمن اجله فضلت الجلوس هنا في هذا الجو الشديد البرودة...وقد اشعل بناء على طلبه كانون مستدير وضع بجانب طاولتهما العامرة.. تراقب طبقة الانيق بمحتوياته النباتية التي لم يتناول منها الكثر حتى ابعدها عنه متمتما بشيء ما.. فتعود ابتسامتها و ترتسم على شفتيها بشغف..عنيد..مجادل بشكل لا يصدق....فقد اخبرته ان بعض اللحوم هنا ذبحت على الطريقة الاسلامية..الا انه لا يأكل الا اذا تأكد بنفسه او كما يقول دوما..عندما ارتاح نفسيا للمكان.ويبدو ان المكان الذي اختارته له لم ينل استحسانه النفسي.... احيانا يحيرها جدا.. و يثير اعجابها ذات الوقت..فمثله من يحمل الثقافة و االكثير من الافكار المتقدمة من المفترض ان يكون متحررا بعض الشيء في الجانب الديني..الا انه صامد مناور و محاور بدليل يزعجها احيانا كونه يخرسها.. تراه للمره الرابعة يشعل سيجارة و يدخنها بعمق و عيناه تتأمل لهيب النار امامه فتقول باسمة

- دعنا من عالم الوجوديات.. و الاسرار الكونية.. حدثني عنك..عن بلدك.. عن حياتك..اخبرني عن ذاك الحادث الذي كاد ان يودي بك..
فيبتسم بأناقه شديدة لافتة للنظر.. يهمس لها بعد حين بمزاج رائق
- كم اتمنى ان يكون فضولك هذا موازيا عندما نتناقش انا وانتي معا... اراك دائما نافره ناشزه عن السرب
- وانت عنيد... لا تمل و لا تجزع.. فيبتسم اكثر
- عل و عسى كما يقال.. اعتق رقبة و اخلصها من النار ... فتضحك كثيرا برقة... فاتنه بجمال غربي.. تتنهد بعد وقت ..و تنظر له بشقاوة
- لا تتهرب كالعادة.. فالليل طويلا هنا..تصمت وقتا ثم تقول بابتسامة ولا يغادرها فضولها

ثَأري..فَغُفْراَنَكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن