p9

51 5 19
                                    

رؤية ضبابية لايكسر خلوتها سوى ضوء متدفق من مصباح زيتي يترنح على السقف ، أرضية مهترئة ، وجدران بهت لونها،  صوت صرير خفيف سببه ذلك الباب الخشبي المتداعي ، سقف شبه مدمر ، وقطرات مطر تتسرب منه لتملأ ذلك الدلو القابع تحت فتحت من ذالك الأخير ،

جثة نحيلة تتربع على مساحة ليست بالكبيرة في تلك الغرفة الضيقة الأشبه بعلب التونة ، تتضح لك الرؤية تدريجيا لتلمح كم الأدوية المستهلكة المصطفة في جهة ، والأعشاب الطبية في الجهة الأخرى ، طعام ملقى بإهمال في إحدى زوايا الغرفة ، جدار أشبه بجدران السجون ، و خربشات أشبه بالأعمدة يتخيل لك أنه إستخدمها لعد الأيام ، وكأنه سجين ، فعلا هو سجين ، سجين مرض إحتل أركان جسده دون سابق إنذار ، ليعد الأيام منتظرا خلاصه ، وليس سوى منية تتحقق بموته ....

  
صوت لهثات متقطعة ، وصرخة  ....

وليست سوى صرخة معبرت  عن الألم ... ليستقيم صاحب الجثة الهزيلة ، فيتسلط لك ضوء المصباح الزيتي كاشفا عن ما أبت الضلمة إضهاره ، قطرات عرق تغسل جبينه ، جسد هزيل وكأن جلده ملتصق بعضمه ، عينان حمراوان ...

إشتد عليه الألم ليمسك برأسه كمحاولة لإسكات تلك الصيحات ، لإسكات ذلك العذاب الذي يرافقه منذ أن فتح عينيه على هذه الدنيا ....

فإذا بآخر خصل من شعره الفحمي تتساقط لتنضم للبقية ...

بكا وتوسل الرحمة فهل من مغيث ؟؟؟ ...

لا فكيف وهو من تخلى عنه ذووه ، بمجرد أنه حمل مرض عضال عجز الأطباء عن تشخيص حالته ....

فقد الرغبة في الحياة منذ زمن .... وهاهي ذي تلك الهلاوس تراوده ثانية ....

يريد أن ينهي حياته  لقد إكتفى من المقاومة من أجل لاشئ ....

نهض بخطوات مترنحة تناول حبلا سبق وأن كان يستعمله لتثبيت ذلك الباب المتداعي عندما يسوء الطقس ...

إرتكز على كرسي خشبي مهترء ،  وصعد ليثبت ذلك الحبل في منتصف السقف ، وهو متأكد أنه حتى لو خسر حياته هنا ، وفي هذه اللحظة لن يهتم لذلك أحد ، فقد توقفت الزيارات عنده ، وحتى ذلك الطبيب الذي أظهر له منظر الصديق المتعاطف إمتنع عن زيارته بحجة الإنشغال ...

كاذب ... وكلهم كاذبون ، فهو يعلم في قرارات نفسه أنهم متعمدون ذلك ، خائفون من إنتقال العدوى ، أو لأنهم عجزوا عن تشخيص حالته سموها باللعنة ...

مثير للشفقة ، هاهو ذا الآن سينهي اللعنة ، سينهي أيام الجحيم التي مر بها ، ألقى نظرة أخيرة لذلك الجدار الذي إمتنع عن التشطيب عليه منذ مدة ، و توقف في تاريخ ١٦ أغسطس من عام ١٣١٩ ....

التاريخ الذي مضى عليه مايقارب السبع سنوات ، التاريخ الذي توفيت فيه أخته الوحيدة ، والشخص الوحيد الذي عامله كإنسان لا كعالة ...

~لَعٌنِةّ آلَغُآجّ~حيث تعيش القصص. اكتشف الآن