جدران غلب عليها البياض ، أسرة متراصة وهدوء لايكسره سوى صوت تلك الأجهزة الطبية ، إستقمت في جلستي ، وأومئت لذلك الصغير بالخروج
أنزلت قدماي على السرير ليحتل الألم كل ركن من أركان جسدي ، صداع قوي إنتابني فور رفع رأسي لتصتدم عيناي بسوداوتيه ، سوداوتيه التي كلما حدقت بهما أحسست أنني أغرق أعمق وأعمق إثرى الظلام الذي يطغا عليهما ،
مد يده دون أن يقطع تواصلنا البصري ، إلا أنني تجاهلته وشرعت بالنهوض ثانية ، سحقا أقرف من وجوده معي في نفس الغرفة ، في المرة الماضية كان سينحرني كالذبيحة وهو الآن يتضاهر بالإهتمام؟؟
سيحب يده ببطئ وكورها في قبضة ليحشرها في جيب بنطاله بعصبية ، متبوعة بعقدة تكونت بين حاجبيه لم يتكبد عناء إخفائها، إلا أنني لا أهتم فليمت ،
ثبت قدماي على الأرض بصعوبة ، نوبة صداع أثقلت كاهلي ، تمسكت بملائة السرير خشية أن تخونني قدماي ، إقتلعت قناع الأكسجين ، ثم شرعت في فك باقي تلك الأجهزة الطبية بخمول ،
رمقني بنظرة إستحقار ، جعلت الدماء تغلي في عروقي وهذا ظهر جليا في إقتلاعي ماتبقى من الأجهزة بعنف ،
تقدم ذلك الوضيع بخطوات ثابتة دون أن ينطق بكلمة ، فتبعته راميتا ثقلي على الجدار ،
خطوت خطوتان ، وإذا بصوت سيارات الإسعاف يوقض المشفى من خمولها ، قرابة العشر أسرة ، إصابات خطرة ، تتراوح من بتر في الأطراف لحروق تمحي ملامح المصابين ، شظايا غرست في كامل الجسد ،
"الحروق من الدرجة الثالثة ، والأطراف مكوية في منطقة البتر !!!!!" ، صرخت فتاة عشرينية معطية تقريرا مبدئيا عن خطورة الإصابات ، إفترضت أنها ممرضة بحكم الرداء الطبي و لإرتدائها قلادة تعريفية فضية ، فالأطباء يتميزون ببطاقات تعريف سوداء،
وماشد إنتباهي حقا هو تلك الهالة السوداء التي تحيط بثلاث مرضى ، أغمضت عيناي وفتحتهما ،لأتأكد من أنني لا أهلوس إثر المخدر ،
إلا أنه لم يختلف شئ ، الغريب أني نقلت بصري في أنحاء الرواق لأتيقن من أنني لست الوحيدة التي ألمحها ، إلا أن الكل مشغول ، وكأنها غير موجودة أصلا ،
ماهي إلا ثوان حتى تتخذ تلك الهالة شكلا شبه آدمي ، وجه أقل مايقال عنه شيطاني ، عينان واسعتان يغلب عليهما سواد يعدم البياض ، أنياب صفراء ، وجلد أحمر حمرة الدم ، قرنان سوداوان يصلان لمنتصف الرأس ، جسد هزيل ، جناحان متآكلان ،
يشرع هذا الكيان في الاقتراب من أحد المرضى يغرس أنيابه في عنق هذا الأخير ، فتنطلق شهقة متبوعة بإنخفاظ كل مؤشراته الحيوية ، يهرع الأطباء محاولين بث الروح فيه بلا جدوى ، يلفظ هذا الأخير آخر أنفاسه ويفارق الحياة
ليرمقني ذلك الكيان بإبتسامة أدت لتجمد الدم في عروقي ، إبتلعت ريقي بصعوبة وحاولت أخذ نفس إلا أنني لم أستطع ، وكأن الهواء حجب عني ،
![](https://img.wattpad.com/cover/368735843-288-k357476.jpg)
أنت تقرأ
~لَعٌنِةّ آلَغُآجّ~
Fantasyتسأل نفسها ماذنب ذاك الذي ولد منبوذا لما كتب عليها الفناء ليعيش الغير....لما عليها الإطفاء ليشتعل الغير ... لما عليها الإحتراق ليبصر الغير.... فمابال الدنيا تطعنها كلما حاولت النهوض .... فمابال تلك الروح تتآكل ... فمابال الحياة وهي تسلب أغلى ماتم...