p5

46 5 36
                                    

    جدران غلب عليها البياض ، أسرة متراصة وهدوء لايكسره سوى صوت تلك الأجهزة الطبية ، إستقمت في جلستي ، وأومئت لذلك الصغير بالخروج

أنزلت قدماي على السرير ليحتل الألم كل ركن من أركان جسدي ، صداع قوي  إنتابني فور رفع رأسي لتصتدم عيناي بسوداوتيه ، سوداوتيه التي كلما حدقت بهما أحسست أنني أغرق أعمق وأعمق إثرى الظلام الذي يطغا عليهما ،

مد يده دون أن يقطع تواصلنا البصري ، إلا أنني تجاهلته وشرعت بالنهوض ثانية ، سحقا أقرف من وجوده معي في نفس الغرفة ، في المرة الماضية كان سينحرني كالذبيحة وهو الآن يتضاهر بالإهتمام؟؟

سيحب يده ببطئ وكورها في قبضة ليحشرها في جيب بنطاله بعصبية ، متبوعة بعقدة تكونت بين حاجبيه لم يتكبد عناء إخفائها، إلا أنني لا أهتم فليمت ، 

ثبت قدماي على الأرض بصعوبة ، نوبة صداع أثقلت كاهلي ، تمسكت بملائة السرير خشية أن تخونني قدماي ، إقتلعت قناع الأكسجين ، ثم شرعت في فك باقي تلك الأجهزة الطبية بخمول ،

رمقني بنظرة إستحقار ، جعلت الدماء تغلي في عروقي وهذا ظهر جليا في إقتلاعي ماتبقى من الأجهزة بعنف ،

تقدم ذلك الوضيع بخطوات ثابتة دون أن ينطق بكلمة ، فتبعته راميتا ثقلي على الجدار ،

خطوت خطوتان ، وإذا بصوت سيارات الإسعاف يوقض المشفى من خمولها ، قرابة العشر أسرة ، إصابات خطرة ، تتراوح من بتر في الأطراف لحروق تمحي ملامح المصابين ، شظايا غرست في كامل الجسد ،

"الحروق من الدرجة الثالثة ، والأطراف مكوية في منطقة البتر !!!!!"   ، صرخت فتاة عشرينية  معطية تقريرا مبدئيا عن خطورة الإصابات ، إفترضت أنها ممرضة بحكم الرداء الطبي و  لإرتدائها قلادة تعريفية فضية ، فالأطباء يتميزون ببطاقات تعريف سوداء،

وماشد إنتباهي حقا هو تلك الهالة السوداء التي تحيط بثلاث مرضى ، أغمضت عيناي وفتحتهما ،لأتأكد من أنني لا أهلوس إثر المخدر ،

إلا أنه لم يختلف شئ ، الغريب أني نقلت بصري في أنحاء الرواق لأتيقن من أنني لست الوحيدة التي ألمحها ،  إلا أن الكل مشغول ، وكأنها غير موجودة أصلا ،

ماهي إلا ثوان حتى تتخذ تلك الهالة شكلا شبه آدمي ، وجه أقل مايقال عنه شيطاني ، عينان واسعتان  يغلب عليهما سواد يعدم البياض ، أنياب صفراء ، وجلد أحمر حمرة الدم ، قرنان سوداوان يصلان لمنتصف الرأس ، جسد هزيل ، جناحان متآكلان ،

يشرع هذا الكيان في الاقتراب من أحد المرضى يغرس أنيابه في عنق هذا الأخير ، فتنطلق شهقة متبوعة بإنخفاظ كل مؤشراته الحيوية ، يهرع الأطباء محاولين بث الروح فيه بلا جدوى ، يلفظ هذا الأخير آخر أنفاسه ويفارق الحياة

ليرمقني ذلك الكيان بإبتسامة أدت لتجمد الدم في عروقي ، إبتلعت ريقي بصعوبة وحاولت أخذ نفس إلا أنني لم أستطع ، وكأن الهواء حجب عني ،

~لَعٌنِةّ آلَغُآجّ~حيث تعيش القصص. اكتشف الآن