p14

27 3 38
                                    

 
  رياح عاتية وإصتدام فروع شجرة الصنوبر بزجاج تلك البقعة الزجاجية.....   سيمفونية متقنة كان ملحنها تراتيل إصتدام  تلك القطرات الهوجاء بذلك السقف الخشبي....

   خيط أزرق تطوع كاسرا عتمة تلك الغرفة المضلمة... وزاد فتيل تلك الشمعة نورا ليته لم يكن....

     طغت رائحة النشادر على ذلك الصدئ الناجم عن الدم المتجلط.... وتراقصت ألشنت اللهب في الشمعة لتغدو كشعب يقف تحية لعلمه....

   دخان أسود كسواد السماء في تلك الليلة الماطرة.... تكاثف ليشكل معالم كيان مبهمة بجثة آدمية....

         تربعت تلك الإبتسامة الصفراء على تقاسيم وجهه مظهرة أنيابا حادة.... إتسعت تلك الإبتسامة لتتشكل عيناه الصفراوتان الخاليتان من السواد....

    سالت الشمعة على باطن يد ذلك العشريني لتحدث حروقا على عقبها.... إلى أن هول الموقف ثبط كل حواسه....

   ثلث وجه مقضوم... قرصان صفراوان خاليان من السواد.... إبتسامة صفراء وأنياب متآكلة....

   يفتح فمه لتتسرب تلك الأفاعي كالجراد على الأرضية... رمى صاحب اللحية الخشنة تلك الشمعة لتسقط وتلتهم تلك الملائات التي فقدت بياضها بسبب كم الدماء التي غزتها....
.
.
.
.
.
.
.
.
.
    
    عينان كانتا أشبه ببحر من العسل هاهما ذا تتربعان على قسمات محيا شاهد الأمرين قبل مغادرة روحه.... يقال أن المرئ يفارق الحياة وهو مفتوح الأعين ليلمح تجرد روحه من ذلك اللباس البالي....

   ولكن الواقع أن تلك الروح أبت أن تتجرد من تلك الخرقة البالية... لربما لأنها هنا فقط أدركت مدى قصر روحها ومدى إنشغالها بشهوات الدنيا.... بشهوات تلك الجنة المؤقتة....

   تسارعت ألسنة اللهب لموضع تلك الشابة العشرينية لتلتهم معالم محياها بجشع.... توسلات يائسة و أنين مكتوم لذلك الذي كان يقبع بحضنها"بابا.. لا أريد الموت.. "

   أيقضه صوت طفله من حالة الجمو.  التي إغتصبت عقله ليبعد تلك اليدين الرقيقتين بسرعة فاكا العناق ويلقي بصاحب الشعر المجعد على الأرضية بإهمال...

   إمتلأت سوداوتاه بالدموع وهو يلمح النيران تلتهم تفاصيل ذلك الوجه الطفولي.... نزع معطفه وظرب كالمحموم كمحاولة بائسة لإمقاض آخر ذكرى من موطنه.... فلاطالما كان الموطن هو المنبت الذي نشعر فيه بالحب والأمان... وهاهو ذا صار كالغريق يبحث عن جزيرة يرسو فيها بلا جدوى...

  بكى وتوسل لتضرم النار في ذلك المعطف الجلدي بدوره... رماه بعيدا وضرب بيديه بعبث ويأس ليخمد تلك النيران الهوجاء... كان أشبه بالطفل الذي نبئ بخبر فقد أمه... وفعلا لطالما كانت أما وأختا وحتى صديقا له... بل كانت عالمه....

   إحترقت يداه لكنه لم يتوقف بكى بحرقة وواصل محاولاته العقيمة بدون كلل.... إنفصل عن العالم.... حجب عن مجال إبصارها بكاء طفله وتوسلاته وحتى خطى ذلك الكيان نحو ما عزمت زوجته على حمايته حتى آخر نفس...

~لَعٌنِةّ آلَغُآجّ~حيث تعيش القصص. اكتشف الآن