البارت16

223 20 0
                                    

حـّروفّ منّ نـدمّ

وسـطّ لمحـّات الـظّلام و غـّروب الشمّس الداّفئةّ مـّا بينّ طيـّات لنـدّن المـّعمرة ، فيّ تـّلك الغـّرفة
الصـّغيرة ذّاتّ الألوانّ البّاهتةّ و الجـدّرانّ المتآكلة كـّان هوّ يجـّلسّ بكلّ يـأسّ و أسى على حـّاله فيّ
زّاوية صّغيرةّ لا تكـّاد تـّرى ينـظرّ إلى رقّاص السـّاعة و هو يتـّقدمّ فيّ كلّ ثّانـيةّ معـّلنا العـدّ التنـّازليّ
لنهـاّية هـذاّ اليومّ و بـدأ يّوم آخرّ
روتينيّ ، كمّ يّشفقّ على نفـّسه الآن ؟ كـمّ هو يـّكره نفـّسه الآن كمّ هو يـّبغض يّحقدّ يمقـّت هـذاّ الوضـّع
الذّي فيهّ الآن أنّ تـّـرى يدّيكّ و هما بلاّ فـائدّة، تلكّ اليدّ السمراء العاملةّ التّي لطّالما جّرت خّلف الدّنيا
لتكّسب بّضعة دّنانير تطّعم
بهـّا فمّ صاحبّها المتشّقق من أعبـاّء و همـّومّ التي يحمّلها على كتفّيه ،
صـّاحّبها هو ذّلك الرجـّل الأسمـّر ، الذّي طغى شبحّ الكـّبر على ملامّحه و بالـّرغم من أنهّ لا يـزاّل فّي
نهـّاية الأربعينات إلاّ أنهّ يبدّوا ككهـّل قضت عليه الشيـّخوخة ،كـّان ينـّظر بعينّين بنّيتينّ شـّاردتينّ إلى
تلكّ الـورقة الجديدّة من التـّحاليّل التيّ قدّ سلمهاّ له الطـّبيب تـّوا و التّي تستـدّعى بقـّائه فّي المّستشفى
للقـّاء العـّلاجّ الضـّروري و اللاّزم ،هـذّه المرة لا مـّجال إلى الرفّض و لا حـتّى الهـّرب فقدّ أهلكه
المـّرض و أتعبته المقـّاومة و أنهكـّه التمثيـّل بـأنه بخيّر ،
هـذّه المـّرة ، إنهـّا المـّوت
جـّلس على الأّرض فّي تلك الـزاوية كعـّادته عندّ تلقّيه أخبـّارا شنيـّعة ثمّ وضـّع ذّراعه على وجهه و
نـّزلت دّمعة وحيدّة يتيمـّة ، دّمعة رجـّل مـّريضّ
دمـّعة شخصّ محتـّاجّ ، لّيس محتـّاجـّا إلى المـّال و لا حتـّى الذّهب .. إنهّ فقطّ بحـّاجة لتـلكّ اليدّ الحـّانية
التيّ تمسحّ على ظهره و تحّضنه بكـّل دفء لتقيه من هـذّا العالمّ القـّاسي و لتـّخبره بصـّوت رقيـّق
حـّنون أنّ كلّ شيء سيكون
بخيـّر، و أنهـّا هنـّا معه
أجـّل إنهـاّ تلك المـرأة التّي يحّن لها الكـّل عندّما مـّروره بصدّمات من هذه الدّنيـّا ، تـّلك المـرأة التيّ
لطـّالما سـّاندّته ،لطـّالمـّا وقفـّت بجـّانبه .. لطـّالما أحبـّته لكنهّ أبـّعدهاّ بكلّ قـّسوة عنهّ أبعدّها غـّير آبه
بـدّموعهـّا أوّ حّبهّا له الذيّ يسّكن كّيانها
يـّا تـّرى لوّ أسّرع إليهـّا الآن ، لوّ ركضّ حـّافيّا شـّوارعّ لندنّ لها فـّهل ستقّبل بهّ ؟
بالـّرغم من الجـّروحّ التي سببهـّا لهّا هل ستقبل به و هو الآن شخصّ عـّاجز على حـافة النهـّاية ؟
تنهـدّ و مسـّح دمـّعته بكـلّ ألمّ ، ثمّ وقفّ مستنـدّا على سـّريرّه لـّيحملّ ذلكّ الدّفتر الأخـّضرّ الصـّغيرّ ،
أمسكـّه بـأنـّامله المـّرتجفّة ليخـطّوا حـّروفـّا منّ نـدّم بينماّ شّفتيه تهمّسانّ بكـّلمة واحـدّة فقطّ
ـ أنـّا أسّف
دّخلت فـّلور إلى غـّرفة والدّها الذّي أصّبح لا يـّغادّرها إلا قـّليلا فـّلمحته يـّكتبّ شيئـّا فّي دفّتره الخـّاص
بالدّيونّ ، الذّي لا يـّقترب منه أحـدّ فوقفّت فّي مكانهـّا باستقـامة و قـّالت محدّثة إيـّاه
ـ أبّي لقدّ صـّار الفـّطور جـّاهـزا منـذّ فـّترة ، ألنّ تـّنزل ؟
رّفع عينيه البنيتين اللتينّ قدّ ظـّهرت من تحّتهمـّا هـّالات من السـّوادّ و قدّ كـّانت معـّالم المـّرضّ بـّادية
عليه ، نـظّرامطـّولا إلى ابنتهّ الكبـّرى و الشخّص الوحيدّ الذّي تبقى بجـّانبه بـّعد أنّ غـّادره الكـّل ، ثمّ
قـّال بـجّفاء
ـ لا أريدّ ، لدّي رحـّلة عـّمل يجّب عليّ أنّ أجـّهز لهـّا لذّلك أحضـّري الطـّعام إلى هنـا ثمّ و في المـّرة
القـّادمة أريدّك أن تسـتأذّني قـّبل الدّخول ، أفهمت ؟
قـطّبت فـّلور بانزعاج من مـزاجـّه المنعـدّم هـذه الأيـام ثمّ استـدّارت راحـّلة دون أن تـّقول لّه شيئـّا و
هي تتمتـّم مـّعلقة على كـّلامه لكن فجـأة عـادّت إليه ثمّ قـالت بقّلق
ـ أبيّ هل أنت بخير ؟
كـّح سيدّ جوناثـّان قـّليلا ثمّ مسحّ بيدّه على وجهه الـشـاحب جـدّا و أومـأ بـرأسه دّلالة على الإيجاب ،
ثمّ ابتسمّ بهدوء لوهلة و قال
ـ أنـّا بخيـّر بـّل أحّسن حـّالا ،
رمّقت فلور والدّها بطّرف عينهـّا ثمّ اتجّهت إلى الأسـّفل و لمّ يـّخبوّا عليهّ قـّلقهـّا الشديدّ ، فـابتسمّ هـذه
المـّرة بسّخرية علىّ حـّاله ، بالـّرغم منّ كـّل مـّا فـّعله لا زالتّ بجـّانبه كالغـّراء تمـاّما

لا يجب قول لا لفخامتك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن