هفـّواتّ الماّضي بينّ مستقبـّل الـغدّ
فيّ أحد المنـازلّ العـّديدة المـّوجودة بـّذلكّ الحـّي البسيطّ ، يّغلبّ لـون الـّرمادي على جـدّرانه بـدّاخله فيّ الطـّابقّ الثـاّني حيثّ تـّوجدّ تلكّ الصـّهباء
الجـّالسة بـكلّ هـدوء علىّ سـّرير والدّها تمسكّ بينّ يدّيها دّفتره الـّصغير ، منّ يـّراها لمّ يصـدقّ أنهاّ و قّبل أسّبوع كـّانت مـّنهارة تـّرفض تصـّديق
أنّ والدها قدّ توفي أمامهـّا حّقيبة سـّوداء متوسطّة الحـجمّ ذات قـفّل مميز قدّ جـّلبها الـّعم رويّ
أمـّا تـّلك الفتاة ذات الشـّعر البـّني الأشـّعث القّصير كـّانت تجـّلس فوقّ المنضـدّة و على شّفتيهـّا ابتسـامة لطّيفة، متبـّادلة شّتى أنواع الأحـّاديّث مـعّ
عمـّهمّّا روي، بنـّبرتهـّا المـّرحة و شّخصيتهـاّ السـّاذّجة
ـ لا أصدّق عميّ فحتى بـّعد كل هذه السنين لا تـّزال كمـّا أنتّ بلّ تـّغيرت لتصبحّ أكثّر وسّامة ، هلّ سيدّة ليكسيّ لازالت تصآب بالغّيرة من آجلك ؟
الكـّل يـّعلم أنهاّ تحـّاول نـّزع هـذاّ الجـّو الحـّزين من قـّلوبهماّ و كـّلاهما يـّعلمان أنهاّ الأكثّر حزنـّا بينهم ، فـهي لمّ تـّذرّف و لو دمعّة ابتسـمّ العـمّ
رويّ بـهدوء و جـّلسّ أخيـّرا على الكـّرسي بـّعد أن تـعّبت قدّميه من الـّوقوف ليكـّمل حـدّيثهما الجـّانبي الذّي يـّقطـّع صّمت المـّوحشّ
ـ أجـّل لا تـّزال لكّن إن كـّان أحدّ منـّا قدّ تـّغير كلّيا بهذه الـّغرفة هو أنتّ مـّاري ، بالكّاد تـّعرفت عليكّ عند الوهلة الأولى
ابتسمتّ ماريّ بغير استيعاب لكّلماته الغآمضة و هي بالكـآدّ قدّ عـرفت المعنى منّ خلفّها
ـ أنـّا ؟ لا أظن ذّلك ،
أجـّاب بمـّغزى و هو يـّرمقهـّا بنـّظرات لمّ تستطـّّع مـّاري تفسيرهـّا و لمّ تـّلمحها قطّ
ـ كـّليـّا ، أهـذّا لأنكّ أصبحـّت خطيبّة ذّلك الـرجّل الشهيـّر نـّايت آل لبير ؟
ضحكـّت مـّاري و هي تـّشير بيدّهـّا دلالة على أنه يمـّزح بـلا شكّ، ثمّ اقتربت منه أكثـّر و هـذّه عـّادتهـّا عندّ الارتبـّاك أو التـّوتر
ـ نـّايت ؟ لا هـذا مستـحّيل
ـ الجـّرائدّ تـّقول عنكمـّا سنـدّريـّلا و الأمـّير ، معـطّية بذّلك عـّنوان لقّصة حبّكمـّا لذّا أنـّا أظنكّ فـّعلا تـّغيرت بعدّما التـّقيته
مـّاري بـّتوتر : و كيـّف ذّلك ؟ أنـّا
ـ لقدّ أصبحـّت أكثـّر انفـتاحـّا يـا ماريّ و قدّ لا تـرينّ ذلك بّنفسكّ لكنّكّ تـّغيرت عن نفسكّ المـنـطّوية تـّلكّ ، كـّنت لا تتـجـرأين على فّتح حدّيث
مـّع أحد و ها أنت الآن مـّكونة الكثير من الأصدّقاء و قدّ حللت مشـّكلة والدّك مع الديونّ حتى لو كان الأمروهميـّا ، لذا أقول لكّ بلى أجدّك
قدّ تـّغيرت ، و الفّضل يـّعود إلى خطّيبكّ نايت
صمـّت روي و لمّ يـّقل شيئـّا بـّعد هـذّا، فـنـظّرت مـاّري إلى النـّافذة بـّشرودّ و هي تـفكّر أحقـّا قدّ تـّغيرت ؟ ربمـّا ، لا بل أكيـدّ فإبتسمت بـمرحّ
تـّاركة هذا الأمر جـّانبـّا
ـ فـلورا هل وجدّت ما تـبحّثين عنه ؟
هـزت رأسها دلالة على النفـّي ثمّ تـّوقفت عن النّبش في أغـّراّض والدّهما الـّراحـّل و استلقت على الـّسرير بـتـّعب، فجـأة رنّ الجـّرس فـّسـارعت
مـّاري بالقفـّز و الذّهاب لفتّحه محـّاولة التـّهرب من نـظرّات رويّ الخافتةّ ذات المعانيّ و الكّثير من التساؤلات
حّينهـّا رأتّ شّخصـّا لمّ تكّن لـتتـّوقع مـجيئه أبدّا ، نـّايت يّقف مستنـدّا على الجـدّار و ذّراعيه معـّقودتّين ، يـّرتدّي معـطّفا أسـّودّ تمـّاما مثّل شـّعره
الحريري المنسـدّل على جـّبهته الشـّاحبة و وشـّاحـاّ رمـّاديّا كعـّينيه اللتـّان تقـدّحان بـّرودّا و جمـّودا ، ابتسمـّت مـّاري بـّعدم استيعاب و قدّ انتـّقل
إلى مسـّامعهـّا صوّته الحـّاد و الغـّاضب
ـ أينّ إختفيت بّحق الله ؟ و لمـاذّا هـّاتفّك مـّغلقّ ؟ أتـّعلمينّ كمّ تـّطلب منيّ الـبحّث عنكّ من وقـّت ؟
سـألتهّ ببـّلاهة كمّ من وّقتّ فـرمّقها بـّحدةّ لتتدّاركّ سـّؤالهـّا الـغّبي و تتّراجـّع إلى الخـّلف مفسحة لّه بالمـّرور فـظّهـّر خـّلفه
ويـّليام المبتسمّ بطـّلته المّشرقة ، كانت عاجزةّ عنّ التعبيرّ فـنايتّ خطيّبها الوهميّ قدّ بحثّ عنها ، حيّنها شعـّرت بشيّء يّعصر قّلبها و كمـآ لو
كـأنّ قدّميها لمّ تعدّ تحملانّ وزنها و عندّما لاحـظّت فـلور تـأخر مـاري في المجيء صّاحت بّصوت عـّالي من الغـرّفة المـجاورة
ـ مـّاري ، من هنـّاك ؟
لمّ تستطعّ ماري أن تجّيبها و لو بـحرّف واحدّ فدّهشتها منّ قدوم نايت و ويليام إلى منزل والدها أكّثر من أيّ ، تّقدم ويـّليام و ألقى عليهـّا
الـّتحية بمرحّ لكّن لمّ يجدّ منها تـّجاوبـّا فقـّال نايت بسخرية
ـ أو تـّظنين أنكّ تستـطّعين الهـّروب من قـّبضتي ؟ حـّتى لو وصّلت إلى النّصف الآخر من العـّالم فـأنا سـأجدّك
دمـّعت عينيهـّا فجـأة فـّتـّوتر ويـّليام و تـّبادل نّظرات الاستـّغرابّ مـّع صدّيقه ، لكّن الأمرّ المفـاجئ أنهـّا مـّاري نفسهـّا الخّجولة التّي كّانت
انطوائية فيما مـّضى قدّ رمّت نفسهـّا بينّ ذّراعي نـّأيت ثمّ بدأت بالبكاء المـّرير
خـّرجتّ فـّلور من الغـّرفة مسـّرعة متـّعثرة في خـطّواتها و خّلفها السيدّ رويّ ، لكنهمـّا تّوقفـّا عندّما وقّعت أعينهـّما على منـّظر مـّاري كّيف
قّبضتها الصـّغيرة تشدّ على معطـّفه راّفضة تـّركه ، كيّف لدّموعهـّا المنهـّمرة أن تبـّلل صـّدره ، كيـّف هيّ تخبـأ رأسهـّا فّي حضّنه إنها صـّغيرتها
مـّاري فتحدّث نـّايت بحدّة محدّثـّا فـّلور و نبـّرة تهـدّيد شدّيد اللـهجةّ ،
ـ ما الذّي فعلته ؟
قطّبت فـّلور و رغـّبت في تلكّ اللحظة لو أنهـّا تـّنتـّزع أختها الصـّغرى من بينّ بـّراثنه بقّصوى شدّيدة ، فقـّالت محدّثة أيـاه بغّضب
ـ بل قّل ما الذّي فعلته أنت ؟ أيّن كـنت أنت عندّما أتممنا مـّراسمّ دّفنّ والدّنا ؟ هل كـّنت بـجّانبها ؟ دّعني أتذّكر ؟ أجّل بل لمّ تكّلف نفسكّ عناء
الحـّضور حتّى
ألجّم لسّان ويّليـّام من الصدّمة و ألتفت مستديرا ينـّظر إلى ناّيت ، مـّاري والدّها قدّ توفى ؟ فطّغت علّيه مّلامحّ الحّزن بينمـّا انسحّب عمّ رويّ
من المنـّزل تـّاركـّا شـؤون عـّائلة روبّرت خّلفه ، فقـّال ويّليـّام بهدوء
ـ أقدّم تعازي الشدّيدة و بالـّرغم من أنهّا متـأخرة ،
ابتّسمت فـّلور بّسخرية فرمّقها ويّليـّام باستنكّار ، هذه الفتـّاة تـّبدوا مـّتلبدة المشـّاعّر و لا تـّروقه على الإطلاق أبـّعد نـّايت مـّاري ممسكّا إيـاها
من كّتفيهـّا ثمّ نـّزل إلى مسـّتوى عينيها الزجاجيتين اللّتان قدّ عكّستا مـّدى الألمّ الذّي تمّر
به ثمّ قال ببـّرود و نبـّرته المبحوحة قدّ انطّلقت كالسّهم إلى قّلبهـّا
- لمـّا تّدعين الحـّزن ؟ لّيس كمّا لو كـأنكّ تحّبينه، ألسّت أنت من كّنت تتفادّينه ؟ يبدوا أنكّ قدّ صّرت ممثـلةّ بارعةّ لكنّ من الأفـّضل أن تّفصلي
عمـلكّ عنّ حيـآتكّ الواقّعية، دّعنا من هـذّا فـأنا قدّ أتيت لأخبركّ أنّ موعدّ الـّزفافّ فيّ نهاية هـذّا الشـّهر لذّا كوني على
صّـاح وّيليـّام محـّاولا تحـذّيره و عبوسه واضحّ للعيـآن
ـ نـّايت
بينمـّا تّوقفت ماري عن البكـّاء فـّورا كمـّا لو كـأنّ دموعهـّا قدّ جفّت، ماذا كانت تنتـظرّ منه بالضبطّ ؟ أنّ يربت على رأسها بدّفء و يّخبرها
بـأن كلّ شيء سوف يكون بخيّر ؟ هـذّا نايت قّلبه من جـّليد ، شّعرت حّينها بالخزّي و الشّفقة على حـّالها ،
ما الذّي كانت تّفعله ؟ لماذا عندّما رأته تسّاقطّت الجدٍّران من حولهـّا ؟ فقـّالت و العـّبرة تخنٌّق رّقبتها
ـ أنتّ محقّ كالعـادّة ، فـأنتّ تـّعلمّ كل شيء ، منّ أكون و معّ من أكون أو أيّن أكونّ ، أينّ أعيشّ و أينّ أذّهب و عـّائلتي لكنّ
.. لكّن
شدّت قّبضتها بـقوة واهّنة و صـّرخت بـّوجهه بينما دّموعها قدّ شكلّت خـطّا، خـطاّ منّ عينيها إلى أقّصى وجنّتيها
ـ كونكّ تـّعرف هـذّه الأشيـاء لا يعـّني أنكّ تـّعلم ما بّقلبي
ثمّ نـّظرت إليه بحـّزن و ركّضت إلى الأعـّلى، لتغّلق باب غـّرفتها بـأخرّ ذّرة طـّاقة تمتلكهـّا ثمّ بـدأت فيّ البكـّاء المـّرير، لقدّ ظنتّ و عندّما تخّلت
عنها عـّائلتها ، أنّ الشخّص الوحيدّ الذّي سيّفهمّها و يهونّ عنها هو نـّايت ، ظّنت أنه بالرّغم من برودّه و ردودّه السـّاخرة فخّلف هذا الجـّدار
إنسـّان مّثلها يبحّث عن الأمـّان و الحّب ، عن العـّائلة لكنّ ربمـّا فعلا غطّاء الكّتاب مثّل محتواه
بينمـّا رفّع نايت حاجبه دّلالة على استنكار تصّرفها ثمّ أخرجّ يده من جّيب معطّفه التيّ رفّضت ساّبقـّا أن تبـّادلّ ماري الحنانّ و وضـّع بطـّاقة جميـّلة
مـّزخرفة على الطـّاولة فـّرمقته فلور بحقدّ ليّقول ويّليام بـترددّ
ـ نقدّم لكّ تعـازيّنا الحـّارة لفّقدان والدّكمّ و لنحنّ شديدو الأسّف لأنناّ لمّ نسمّع بهـذّا سّـابقّا
نـّظرت إليه فلور من أخمصّ قدّميه إلى أعلى رأسه بّسخرية ثمّ كحّت قّليـّلا و هي تشّير على البـّاب ،
ـ منّزلنا يّـعذّر وجودّكما ، غـّادرا
استـدّار وّيليـّام ليّتجه بخطوات بطيئة نـّاحية المخـّرج و هو يّرددّ في نفسه كمّ يكّره أختهـّا الحقودّة هـذّه ، يّكرههاّ و لا يحّب التعـّامل معهـّا و
لولا الواجّب لما كـّان تحدّث معها أبدّا و لكنّ من الآن فصـّاعدا يبدوا أنهّ سيكونّ لدّيهما الكثّير من اللقـّاءات الغـّير سـّارة ، بينمـّا قـّال نايتّ ببرودّ
ـ و نحنّ لا يّشرفنا التواجدّ في منـّزلكّ
قطّبت فـّلور بعّصبية ثمّ أمسكـّت بالكـّرسي الذّي أمامهـّا و قدّ ارتفّع عن الأرّض قـّليلا لتـّقول بحـدّة و غّضب
ـ إننّي أحضّر اجتماعاتّ تّخص السيطرة على الغّضب لذّا إغّضابي قدّ لا يكونّ أفّضل شيء تّفعله ،
عـّاد ويّليـّام أدّراجه و أمسكّ نايت من ذّراعه لّيقوده خـّارجّا قّبل أن يّقول شيئا يزّيد من الطّين بله ، بينمـّا رمقّت فـّلور نايتّ
بكره و حقدّ .. لنّ تسمحّ لأحدّ أنّ يقفّ بينها و بينّ أختها بّعد الآن ، حتّى لو عنى الأمّـر القّيام بشتى أنـّواع الأسـّاليب و جميـّع الطّرق ملتوية
كّانت أو مبـّاشرة ، خبيثة أو بريئة
لاّ لن تسمـحّ له بـأخذّ ماري من بينّ يدّيها بـّعد فـراقّ دامّ أعوامـّا ، لنّ تسمحّ لشخصّ مثّله أنّ يـرتبطّ بّفتاة مثّل ماري
أنت تقرأ
لا يجب قول لا لفخامتك
Romancechanez الكاتبة رواّيتي يـّغلبّ عليهـّا الطـّابع الـرومانّسي الإجتمـّاعي ، يتخـّللهـّا الـقّليل من الكـّوميدّيـا و بّضعة بـهاراتّ من الـواّقع أحـّم أعـّلم أننّي سيـئة في تـّرك الأنطـّباع الـجيـدّ لـكّن .. أحـمّ سـأكونّ ممتـّنة للـحّصول على بـّعض ال...