~ الغـطاء الأبيـضّ ~
حينمـا غادرت عـينيـه ذلك المنظر لكي يتلاشى تـدريجيا من أمـامه و لم يبقى سوى الذكريـات تلكّ الأحداث المـاضيةّ السـابقةّ التي تـركتّ آثـرا عـميقاّ
في نفـسه فجعلته يصبحّ على ما هـو الآنّ رجـل يتـعامل بـمسدسه فقطّ غـايته الانتقـام و لا غـير حتى لو عـنى ذلك مـوته ، كان يمسك بين أنـامله سيجـارةّ
يدخـنّ بكثـافة بالرغم من أنه لمّ يكن يدخن قبـلاّ و بخـطواتّ هادئةّ اتجـهّ نحـو المـدّخل رفعّ أنـامله ثمّ حرك المقبضّ لكي يفتـحّ البـاب لوحدّه مصدرا صريـراّ
مزعـجاّ مرعـباّ
استنشقّ كميـةّ أخرى ثمّ حرك خصـلاّت شعره الأسودّ بعـفويةّ لكيّ تصبحّ مبعثرةّ في كل اتجـاهّ حينماّ فتـح البـابّ دخل إلى قـاعةّ كبيـرة نـوعاّ ما دمر نصفها
نـظرّ إلى تـلك المدفـأة القـديمةّ بجانبها يوجد كرسيّ فـخمّ أسـود اللونّ بزخرفاتّ ذهبيـةّ ملفتة فـابتسمّ بكل سخـريةّ لطالما احتـلّ هذا الكرسيّ نيكـولاس قدّ كان
يجـلسّ عليه واضـعاّ قدما على الأخرىّ و بين يـديه يوجدّ مسدس صـغيرّ ماكاروف هـذا قد كـان اسمـهّ يمسحـهّ دومـاّ و العـجيبّ في الأمرّ أن ذلك المسدسّ
لطالما كان متسخـاّ
ـ أعـدت ديميتري ؟ أيـن هو تـقريرك ؟
تـجاهل نغـمةّ صوت نـيكولاسّ البـاردةّ المنـاديةّ نحوهّ قد كانّ يدرك أنه مجرد خيالات لا أكثـرّ و لا أقـلّ ثم نـظرّ إلى الأعـلىّ يوجد سـلمّ طـويلّ يـصلّ للطـابقّ
الأعـلىّ فعـبرهّ بهدوءّ لقدّ كان مهتزا يوشك على التحطم لكيّ يصـل إلى رواق مـظلمّ داكنّ لا أكثر للحيـاةّ فيه جالّ بعينيه على ذلكّ السـجادّ الأحمرّ قدّ صـارّ
لونه داكناّ ثمّ نـظرّ إلى الجـدارّ حيثّ عـلقتّ صـورّ لكل من نيـكولاسّ و جـدّه أيضاّ جميـعّ أسلافّ ماكاروفّ السابقينّ كانتّ نـظراتهم واحدةّ تعـلوها الكبرياءّ
و البـرودّ أيضاّ الـكرامةّ العـاليةّ و الفـخرّ ..
ـ مـا الذيّ تـفعله ؟ لقدّ طـلبت منـك أن تـقتله ..
استـدار ديمـيتري إلى الخلفّ حيثماّ كان مصدرّ الصـوت قدّ بدت مـلامحـهّ هادئةّ للغـايةّ ثمّ تـقدمّ بخطواتّ بطيئةّ نـحوهّ لكيّ يقفّ أمـامّ بـابّ ما بدى عـادياّ
جداّ فلفّ يده حول المقبضّ لكي يفتحّه لولا أنه ترددّ لمّ يبدوا أنه راغبّ بالدخول إلى الغـرفةّ لكـنهّ بـتصميمّ عـبرّ أول خـطوةّ نـحو ماضيهّ كانتّ حالة تـلكّ
الغـرفةّ أسوءّ من المنـزلّ بأكمله كلّ شيءّ محـطمّ فيها الأوراقّ متنـاثرةّ فيّ كل مكانّ و كتـبّ عـديدةّ مزقتّ لنفسّ الصـفحة الأثـاث قدّ قـلبّ رأسا على عـقبّ
إلا كـرسيّ واحدّ
أغـلق ديميتري عينيه لم يستـطعّ أن يوقف سيل الذكـرياتّ ، لقدّ كان الأمرّ صـعبا في البـدايةّ لكنه أجبر نفسه علىّ تـقبلّ ما يحدثّ من حوله فعـادّ ينـظرّ إلى
الكرسي بعينين بـاردتينّ إن أراد أن يقتـل نايت هذهّ المـرةّ سوفّ يسدد فوهة المسدس نحوه دونّ تـردد فيجب عليه أن يـواجه أحداثّ تـلك الليلةّ مجددا تمتم
بـكلماتّ خافتةّ
ـ لقد عـدت أبي ..
بالرغم من أن ما قاله كان متأخـراّ لكنه بدى صـائبا بالنسبةّ له ثمّ جـلسّ على ذلك الـكرسيّ يضع قدما على الأخرى مغـلقاّ عينيه قدّ انهـالتّ إلىّ ذهنه
مجـموعةّ منّ الصـورّ كان بطلها نيـكولاسّ نفسهّ بنبرةّ صـوته المبـحوحةّ و نـظرتّه البـاردةّ وجـهه الشـاحبّ و عينيه الداكنتينّ قدّ كان يتـحدثّ بـنغـمةّ متهكمـةّ
للغـايةّ موجهاّ فيهاّ سيـلاّ من الغـضبّ الشديد الشتمّ إليهما ..
ـ لقدّ قـلت لك بـوضوحّ أن تـقتله ألم أفـعل ؟ فـما الذي تـفعله أمامي الآن ؟ اقــتله إنه الـعقبة الوحيدة التي تقف فيّ طـريقك أقـتل نـايت ..
بالفـعلّ لطالما كان نـايت العـقبة الوحيدةّ التي تقفّ بينــّه و بين تـحقيقّ أحـلامه ، إنه الـرجلّ الوحيد الذي استـطاعّ لا أن يقفّ فيّ وجهه فقطّ بلّ حتىّ أمـام
نيـكولاسّ لقدّ كان فـريدا بـطريقةّ غـريبّة خاصةّ كما لو كـأن قـلبه لم يـعرفّ الخوف قـطّ و لمّ يترددّ قطّ فحتىّ لما أخبرهما نيكولاسّ أن الطـريقةّ الوحيدةّ لكيّ
يعتـرف بأحدهما للملأ هو أن يقوم أحد منهما بهزيمة الآخرّ آخذ أخلى ما يملك و المـهمة الأخيرةّ تكمن في قــتله ، أخذ حياة نايتّ ..
وقفّ ببطءّ ثم عـبرّ الغـرفةّ إلى مكـتبةّ صغيرةّ بالـزاويةّ أمسكّ كـتاباّ أحمـرّ كان لفيلسوف ما عـرف بـميله للجانبّ الآخر رغبـته الشديدةّ في الانتقـامّ ثم فتـحه
لكيّ يجد مسـدسا مميـزاّ فيّ نهايتـهّ علقّ أول حرفّ من اسم نيـكولاسّ كان غـريباّ لكن جدّ متقن العـملّ فرفـعهّ ديميتري بهدوءّ ثم أغـلقّ عينه لكيّ يسدد فوهته
نحوّ كرسيّ الذي كان يجلسّ عليه سـابقاّ ، همسّ لنفسه بنبرةّ بـاردةّ تعـلواّ تدريجياّ معّ كلّ كـلمةّ ينطقّ بها
ـ كيفّ تـطلبّ مني أخذ حيـاته و أنت عجـزتّ عن ذلكّ أبي ؟ لمـاذاّ قـمت بتلك اللعـبةّ و أنتّ تـميل له منذّ البـدايةّ ؟ لمـاذاّ أعجبت به و أنتّ مدرك لخيـانته لكّ ؟
لمـاذاّ ؟ و أنا الذيّ نفذّ كل أوامرك لم أنل و لو بجزء من ذلك الاهتـمامّ ؟ أنـتّ غيرّ منصف ّأبيّ غيرّ منصف على الإطلاقّ فبسببّك أنظر ما صرت عليه الآنّ ..
تـلكّ الكلماتّ التيّ كانت حبـيسةّ قلبه طـوالّ حيـاته قدّ سمعهـاّ الصدى الآنّ بعد فواتّ الأوانّ فـلاّ نيكولاسّ على قيدّ الحيـاةّ و لاّ كل شيءّ كان مثلما كانّ بلّ
مجرد حطـامّ وّ ظلمـةّ هـذاّ ما صارت عليه عـائلةّ ماكاروف العـريقةّ ، أمسكّ المسدسّ جيـداّ و هو يصيـحّ بحدةّ
ـ قـمت بكلّ شيء من أجـلكّ لقدّ تـخليت عنّ سيرينا من أجلكّ تـركتّ أميّ من أجلكّ و كلّ أصدقائيّ لكّ فقطّ ، تـعلمتّ أن أحب المـادةّ مثلكّ و أتصفّ بالكبرياءّ
مثـلكّ أيضاّ فـأيّن أخطـأتّ ؟ لماذا لم تعترفّ بيّ ؟ لماذاّ لم تثني عليّ قـطّ ؟ أو لست الأحقّ بأن أكون جانبكّ ؟ أخبرنيّ .. لقدّ قلتّ لك أخبرنّي بحق السماءّ
أين أخـطأت ؟
أطلق رصـاصةّ على ذلكّ الكرسيّ تـلتها أخرىّ و الغـضبّ يـعلوه فيّ لحظة نسيّ تـماما أن نيكولاسّ لم يعد قـيد ّالحياةّ فـتـقدمّ بخـطواتّ سريعةّ و أخذّ يضربّ
أيّ شيءّ أمـامه بعصبيةّ و هوّ يرددّ كلماتّ كانت حبيسةّ قـلبهّ
ـ أيهـا السافلّ الوغـدّ ما الذيّ فـعلته لتـنال حب الكـلّ ؟ أنت لا تستحقّ حب أحدّ يجدر بكّ الـموت ، أيهاّ الـجرذ الـحقيرّ ابن الـ .. أنـا أحق بالفوز منـكّ ، نـايتّ
أكرهـكّ أمقــكّ أكرهكم جميـعاّ
دفـعّ بالكرسيّ جانباّ ثمّ صـاحّ بقوة قدّ علت صرختـهّ الغـاضبةّ في الأرجاءّ لماذاّ لم يمسكّ نيـكولاس بالمسدسّ لماذا لم يقتـل نايتّ حينهاّ ؟ لمـاذاّ لم يقتله و
قد عـلم بخيانته له ؟ لمـاذاّ لم يوجه فوهته نحـوهّ حينماّ أدركّ أنه قدّ أخذّ أحبّ الأشياءّ إليه كبريائه و أمواله سمعـتهّ و دمائه فلماّ لم يفعل ؟ لا بلّ ازدادّ إعجابه
بهّ بينما هوّ الذيّ نفذّ كل شيءّ على أكمل وجه تماما مثلماّ أراد لم ينل أبدا ثناءا منهّ صـاحّ مجدداّ بـحدةّ
ـ أبـيّ أنـا سوف أنجز المهمـةّ التي أنت فشلت بهاّ سوفّ أقتل نايت و هكـذاّ سأهزمكما مـعاّ ..
بـعدّما قال ذلك فتح عينيه على وسعهماّ بدهشة قدّ وضع يده على جبينه مستغـربـا سرعان ما تحولت دهشته تلكّ إلى ضـحكاتّ مدوية فيّ الأرجاءّ بـاستمتاع
لما قـالهّ لمّ تتوقفّ تـلكّ الضحكاتّ على الإطلاقّ بل ازدادت قـوةّ كـأنه قدّ حررّ نفـسهّ أخيـراّ من تلكّ القيود الملتفةّ حولهّ ، حـولّ يديهّ قدميهّ و عـقله أخيراّ و قدّ
نزعّ تلكّ الكمامةّ من حولّ فمه فأطلقّ العنان لتلكّ الأسرار التي احتلها قلبه طوالّ هذه المدةّ قدّ أخذ يرددّ بكلّ ضحكةّ
ـ سأقتـلّ نايت ، نـاي أخي العـزيزّ الصغير أنت التـاليّ ..
تـوقفتّ ضحكـاتهّ فجـأةّ قدّ عـاد يضعّ يده على جبينه عينيـهّ داكنتين كماّ لو كأنهما لمّ تريا النـورّ قطّ كذلكّ قـلبه حالماّ فتـحّ العـنانّ له و لما تـركّ حقدّه كرههّ
و مقـته يتغلغلّ أكثـرّ فيّ جسدهّ فيّ عـروقهّ و دمائهّ حينهـاّ فقد القـدرةّ على التحكمّ بنفسـهّ لماّ يبلغّ المـرء أشدّ أنـواعّ الـكرهّ يفقّد القـدرة على التميزّ بين الخطأ
و الصـوابّ فـيرى ما يفـعله هوّ الـصوابّ بعـينهّ و غـايتهّ أي كانت وسيلته فيصّل إليهاّ ، قـالّ بنبرةّ مستمـتعةّ
ـ لنـجعلّ هـذاّ مسرحّ الأحداثّ مجـدداّ ، مـا رأيكّ أبيّ ؟ سوفّ أنهي سلالةّ مـاكاروف العـريقةّ في نفسّ البقعـةّ التي بدأتّ بهاّ لاّ تـقلقّ سأحرص علىّ تنـفيذّ الأمرّ
على أتمّ وجه بمثـاليةّ لم تـرها عيناكّ قبلاّ ، حينهاّ سأتخـطاكم ..
نـظرّ من حـولهّ بنوعّ من الخبثّ ثمّ حـملّ غـطاءّ أبيضّ كان على الـسريرّ ليـضعهّ فوقّ الكرسيّ و يعيده إلىّ مكـانه السابقّ أخـذّ يعـيدّ تـرتيبّ المكانّ إلى نفسّ
ما قدّ كان عليه سابقاّ باستمتاع غـريبّ و هوّ يتمتمّ بـأيّ كان من المفترضّ أن تكونّ الأريكةّ و أيّن صفحـةّ كـتابّ قدّ كان مفتوحاّ عليهاّ بالرغم من أن ما حوله
كانّ محـروقاّ نصفهّ أو محـطمّ إلاّ أنه وجـدّ متعتهّ فيّ إعـادّة ترتيبّ كلّ شيءّ .. كماّ لو كأنه لاّ يرى ما أمامـهّ و أنّ هذه الغـرفةّ التي يقفّ فيهاّ هي على ما كنت
عليه سـابقاّ و أنّ ذلك الـكرسيّ يجلسّ عليه نـيكولاسّ ينتـظرّ المـواجهةّ الأخيرةّ بينّ أبنائهّ ..
ـ نـايّ أيها العـزيزّ ستواجه نهايـتكّ قـريباّ،
أنت تقرأ
لا يجب قول لا لفخامتك
Romancechanez الكاتبة رواّيتي يـّغلبّ عليهـّا الطـّابع الـرومانّسي الإجتمـّاعي ، يتخـّللهـّا الـقّليل من الكـّوميدّيـا و بّضعة بـهاراتّ من الـواّقع أحـّم أعـّلم أننّي سيـئة في تـّرك الأنطـّباع الـجيـدّ لـكّن .. أحـمّ سـأكونّ ممتـّنة للـحّصول على بـّعض ال...