البارت 1

1.6K 43 4
                                    


شـجرة طـويلة تمتـدّ أغـصانها الحـاملة وريقـات وردية الـلون من شـرفة إلى غـاية تلك الـغرفة الـبسيطة ذات الأثاث الـقـديم ، جـدرانها بيضـاء و في وسـط احتل السـرير الـجزء الأكبر من المـساحة و على الـرغم من أنه كـان صـغيرا إلا أنه وجد عليه جسم شـابة نـائمة بكـل راحـة و هـدوء ذات شـعر بـني قـصير أشـعث و بشـرة بيضـاء ، فجـأة رنّ منـبه فـوقفت بسـرعة ليـظهر طـولها المـتوسط و الأقـرب للـقّصر و هاهي قـد فـتحت عينـيها الـبنيتين الـواسـعتين ، كـانتـّا بـرغم من أنهما عـاديتان لكنّ كـالزجاج الذّي يـعكس مـا يـراه من حـوله فـعينيهـا تفعلان الأمر تماما مع مشـاعرها .
حمـلت منشـفة وغـادرت متـجهة نحو غايتها لتـخرج بـعد دقـائق معـدودة مرتـدية فستـانا أحمـر اللون ريفـي نوعـا ما و على شفتيهـا أحـلى ابتسـامة، فـتحت باب و ظـهر رواق و بخـطوتين منها عـبرته لتصّبح في الصـالة يطـل من الـجهة المـقابلة مـطّبخ و حيث كـان التـلفاز شـغالا ليـطلق صـوت المـذيع في الأرجـاء مختـرقا ذلك الـصّمت 
_ تّم الـعثور على جـّثة امرأة بـمنتصف العشرينيات في منـزلها الـخّاص ، بـعد الكشف عن هويتها اتضح أنها مـجرد مـحامية مبتـدئة لوكالة ديفانس المشهورة ، كانت بـيدها قضيتها الأولى التي تـخّص طلاق زوجة . و الـغريب في الأمر أن هـذه الجـريمة من قبّل كرانغ بعد أن تـركّ بصماته في المسرح و كل المعلومات الأخرى عن سبب و كيفية قتلها مجهولة رفضت الشرطة الإفصاح عنها ، لذلك أيها الـسّادة من فّضلكم تـأكد من إغـلاق الأبواب جيدا قبل خلودكم إلى النوم و أتركوا الـهاتف بـجانبكم على الـدوام فـنحن لا نـعلم من هو الـهدف التالي العشوائي لـكرانغ
تنهـدّت الفتاة بأسى و هي تـهز رأسها ذات الـيمين و الـشمـّال ليس لأنها استمعت لما قـاله المـذيع تـوا بـل من نفـاذ القـهوة من عنـدها و لا رغـبة لها الآن بالـخروج لشـراء واحدة . فخـرجت من الـشـقة متـجهة نـحو جـاّرتها ، طـّرقت الـباب غـير آبهة لكمّ تشير عقـارب السـاعة ليـفتح و تظـهر امرأة كبيـرة في الـسن و بالـرغم من التـجاعيد التي غـزت وجهها إلا أنها لا تـزال محـتفظة برونـق جمـالها الآسر ، قـالت بإنـزعـاج
ـ مـاذا تـريدين في الصبـاح الـباكر مـاري ؟ 
ابتسـمت الفـتاة المـدعوة بـماري و السـذاجة قد عـلت وجهها ، إن دّل على شيء فـهو لابدّ كونهـا إمـّا بريئـة أو تـدعي البـراءة فـردت عـليها بتـهذيب شديد يتنافى مع طريقة رنها للجرس منذ قليل 
ـ صبـاح الـخير سيـدة فـرانسيس أنـا أريـد أن أستـعير بـضعة كمية من القـهوة فلقد نـفذ مـا لدي و المـحّل القـريب من حينـا يبـعد حـوالي ربـع سـاعة و أنا لا أرغب في الـذهاب الآن مع إحتـمالية إيجـاده مغـلقا ، احم لذلك من فـضلك الـقليل فقط ؟ 
كشـرت السيـدة فرانسيس و تمتـمت بشـتائم عـدة في طـريقهـا نـاحية المـطّبخ ، عـادّت بـسرعة و أعطـتها كـيس الـقهوة كـاملا ثـم قـالت بحـدّة 
ـ لا تـعودي إلا و مـعكّ المـال فـالمـهلة المـحددة قـدّ إنتهت الـيوم 
لم تـغادر الابتسـامة فـمّ مـاري عنـدما أجـابتها بالايجـاب و عنـدمـا حـّضرت كوبهـا الدافئ في هـذا الـفّصـل البـارد من الشتـاء اسـتلقت على الكـنبة بكل استـرخاء و قد قررت أنها سوف تـنهي بحثـها الـيوم فـلا شيء آخر لديها لتفعله . 
صبـاح يـوم الاثنين 
وضعت يـديها على خصرهـا بقـلة حـيلة و نـظرة الأسـى قد ارتسمت على وجهها ، نـقطة آخرى مـثل هـذه و سـوف تفشـل بكل تأكيد حسنـا و ما الذي قد بـقى لتستطيع فـعله ؟ فقد ذاكـرت و حفـظت كـل كـلمة في كـل محـاضرة قـد ألقـاها الأسـاتذة لكن لمـا هـذه الـعلامة لا تنـفك إتباعها في حيـاتها ؟ زفـرت بغيض و هي تـهمس لنفسهـا 
ـ كـل هـذا لأن جـاك ألـقى لـعنته علي . 
ـ مـاري .. مـاري 
نـظرت إلى الأمام حيث كـانت تـقف شـابة ذات قـوام ممشـوق كأنها من عـارضـات الأزيـاء ، شـعرهـا الأشـقر المـتموج على ظهـرها و عينيـها الذهـبيتين ، بشـرتها الـبيضـاء الخـالية من أي شـائبة ، فـعـلا إنهـّا مـلكة جمـال .. أكـملت كـلامها بـهدوء 
ـ أيـمكننا أن نـذهب في نـزهة ؟ أريـد التـحدث مـعك في مـوضوع خـصوصي
استـغربت مـاّري منهـا ، كـلير طـالبة تـدرسّ معها و لا تتـعدى العـلاقة غـير ذلك كمـّا أنه يـمكنّ الـقول أنهـّا تـكنّ بضعة مشـاعر ليس كـره و لا المـحّبة لكنّ أقـرب للـبغض و بالـرغم من هـذا أجـابتها بابتسامة على مـحياها لم ّ تفـارقـها قط 
ـ طـّبعـا كـلير ،
و فـور أن وافقـت مـاري حـتى أسـرعت كـلير نـاحيتها لـتمسكها من ذراعهـا و هي تـقودها نـحو سيـارتها الـجديدة التي اشتراها لّـها والدها ، صـعدت على متـنها و هي لا تـزال منـدهشة ثـم قـالت بهدوء 
ـ كـلير أيمـكنك إعـطائي لـمحة عن هـذا المـوضوع فـطريقة تصـّرفك غـريبة 
لم تـّقل شيئا و إنـمـّا ضـغطت على المـكـّابح بأقـصى ما تـملك مـن قـوة لـيـّسمع صـوت عـالي إلتفتت إليـه كـل الأنـظار ، أدارت المـّقود بكـل احتراف متـجهة نـحو مـطعم مـا لكـي يتمكنا من الـحديث 
/
غـّـرفة كـبيرة جـدرانهـّا ذهـبية اللـون تـحتوي على مـكّتبـة عليهـّا مـعظم مـّلفـات العـمّل و مـكّتب فـخمّ أسـود مـطّـرز بـزخـّارف ذهبيـة تمتـدّ من الأعـلى نـاحية الأسـفل ، عـّلق خـلفه صـّورة لـرجـّل كبـير في الـّسن يـرتدي مـّلابس قـديمة لنبـلاء و يـظّهر عليه صـفات الكـبرياء الـغـرور . 
كنـبّـات سـوداء تتـلائم مع تـلكّ الـسجـادة المنـفـوشة وسطـّها مـائـدة زجـّاجيـة وضـعت عليهـّا مـزهـرية بهـّا ورود جــافة ، كــانّ مستلقـّيا على أحـدها شـّاب ببنـّية قـوية نـوّعا مـّا يـده تـلامس الأرّض و الأخـرى على وجهه 
رنّ هـاتفـه فـقـطّب بإنـزعـاج ليحـّاول إسـكاته ، أنـّف مـسـلول و شـّعـر كـحلي حـريري لامـعّ غـطى مـعظم ملامحه ، عـينين داكـنتين حـادّتين تـعـّرفـان على مـدّى خـطّر هـذا الـشـّاب ، في منتـهى الـجـاذبية و بغـاية الـوسـّامة كأنه أحـدّ لوحـّات ليوناردو دافينشي أو بيكـاسو جـّلس بـتعّب ثـمّ رفـعه و قــّال ببـرودة و بـحّة صـوته تتـردد في الأرجـّاء كـالصـدى . 
ـ نـعم ؟ إفـعــل مـا تـريده أنـّا لا أهـتم ، 
ثـمّ أغـلقه و رمـاه بكـل بسـاطة في تـلك الـمـزهرية ليصـمت إلى الأبد .
/
في ذلك الجـناح الفـخم كـّان يجـّلس على الـسرير بينمـّا زين فـمه بإبتسـامة خـبيثة و مـاكـّرة لمّ يسـتـطع أنّ يخفيهـّا بـالـرغم من أنـّه ممثـّل نـّافس نـجوم هـوليوود في بـّراعـتهم ، يـرتدي سـروالّ جينـز و منشـّفة بيضـّاء على كتـفيه . 
ذو شـّعـر بنـّي لامـّع مـصّفف بـعناية بـّواسـطة الـّراعي الـّرسمي لكـّل لرحـّلاته ' جـّل ' عـينيه نـّاعـستين بـلون الـعّشب الـنّقي و بّـشرته البـيضـاء الصـّافية من أي شـائبة ، جـسمّ قـوي و مـا الذي قـدّ تـريده الفتـيات آكـّثر من ذلك ؟ 
ابتـسـامة سـّاحرة و جـاذبية بـحـّتة مـعّ عضـّلات بـاّرزة و ثـّراء لا حـدود له إنـّه فـّارس أحـلام كل مـّن تـقع عينيها عليه ، فجـأة وقفّت أمـامه إمرأة لمّ تـكنّ تـّقل عنه بمستوى الجمـّال فـّشعـرها الأسود الـحريري انسـّاب بكـّل حـّرية على ظـهرهـّا و بّشـرتها الـبرونزية مـّع مـلامحها الفـاّتنة كـأنها حـّورية تـّسيـر و بذلك الـّثـوب الأحمـّر الذي انسدل على قـوامها بكل تنـّاسب و عنفـوان فـيـمكنّ الـقول عنهـّا .. مـلاك ، تـحدّثت بهمّس مثـير رغمّ أنه لا يوجد أحدّ غيرهما 
ـ عـزيزي مـا رأيـك ؟ 
رمـّقها بـسـّخرية و لكنّ لم يستـطّع أن يـخفّي الإعجاب الذّي تـّرسله عيـنيه نـحّوها ففي وجـودهـّا هي و هّي فقـط تــّسقـط جـميع حـواجزه جـّانبـّا و تختـّفي كـّل مقـاوماته و خّبراته كـأنهّ طـّفل يـكـّابر لكـّنه يـريد و بـشدة الحـّصول على تـلك الـحلوى .
ـ تـبـدّين كـّفتـيات الـليّل إليـزابيث ، 
اقـتربت مـنـّه و عـّلى شفتيها الحـمّـراوتين المتوكزتين ابتسـّامة بـّاردة .. قـبلته بكـّل جـرأة على خـدّه مـع انحـنائها استنشـّق رائـحة عـطّرها فإزداد ارتبـاكاّ ، رفّعت معـطّفها المّصنوع
من الفـرو و ارتـدته ثـمّ قـالت بخـّفوت و رقّـة 
ـ شكـّرا حـبيبي 
وقف بـعـّصبية و ارتـدى قـميصه على عـجّل رافـّضـا دقـات قـّلبه المـّسـعورة التـّي تنـّبض على صـوتهـّا النـاعـمّ ، قـّال ببـرود نـجّح في إتقـانه
ـ كـّل شـيء جـاهـز فـّهـل أنـّت مسـتعدة ؟ 
وضـّعت يديهـّا حـول خـّصـره و هي تـدركّ تـمام الإدراك بمـدى تأثيـرها عليـه فـهاهي رجـّفته تـنتـّقـل إليهـّا ، قـالـت بتـحـدّي 
ـ طـّبـعا 
/
تـوقفت شـاحـّنة كبـيرة عنـدّ ذلك المـبنى الـبّـالي فـخـّرج العـمـّال و همّ يحـملون الأثـّاث أخـذينه إلى الـدّور الـثـاني في الشـقة الـيمـنى، وصـّلت سيـّارة خـلفهم و خـّرج شـّاب منهـا . كـانّ شـعـره أسـود طـّويل قـليلا فـقط يـّربط معظمه و يـرتديّ قميصـّا أزرق مـعّ بـنـطّال أسـود و يـّضع نـظارات لتـحميه من أشـّعة الـشمس . رفـّع يـديه عـّالـّيا محـاّولا طّـرد الكـّسـل فجـأة ظـّهرت إمـرأة عـجوز أمـّامه من الـعدم لتـجّعله ينـدهش ، قـالت بصـرامة و هي تـلقـي نـظّرة مـقيمة له 
ـ مـرحبـّا بـكّ في المـبنى و الحـّي بشـكّل عـام ، أنـّا السيـدة فـرانسيس زوجـة الـسيد فـرانسيس الـذّي قـمّت باستئجار الـشـقة من عـنده و أنـّا هنـا لأرحـّب بـكّ فقـط فأهـلا 
ـ مسـّاء الخـير أدعـى ويـليـام دويـل يـمكنـكّ مـناداتي بـويل ، إنـّه لشـّرف لي لقـائكّ سيـدة فـرانسيس 
ابتـسمـّت بخـّفة و قـدّ اعـجبتهـّا طـّريقته في الكـلام إنـّه لبـّق ، قـّـالت بفّضول كعـادتهـّا رامـّية صـرامتهـّا تـلك جّنـبا 
ـ مـاذا تـّعمل ويـليـام ؟ 
ضـحكّ بـتوتـّر من سـؤالهـّا المـفـاجئ ثـمّ انـحنى ليـّقـبل يـدهـّا بـكل إحتـرام و هو على شـفتيه ابتسـامة وديـّة 
ـ مـا رأي أن تـدعوني الآنسـة الجـميـّلة لكـّوب شـّاي كي نتـّعرف على بعضّنـا أكـّثر ؟ 
احـمّرت وجنتيـّها و هي لا تـنفـكّ تـرديد كمّ هـو لـطّيف و جـذابّ .. ثـمّ سـّارعت بإدخـّاله لشـّقتهـا كـّي تتحـدّث معـه أكثر بينمـّا تـركّ ويليـام مـهمتـه ألا و هـيّ الاشـراف على العـمال لتـرتيب الأثـاث لكّن لاداعـي فليـفعلوا مـا يشاءون .

لا يجب قول لا لفخامتك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن