الثامن والثلاثون.

147 12 0
                                    

"حُقبتي الخاصة"
بعودتنا بحُقبة الزَمن للماضي وتحديدًا في اليوم الثامن من أغُسطس عام ١٩٤٠ في مدينة القاهرة نَجد حياة لا يوجد فيها وسائل التواصل الاجتماعي المُدمرة للعقول ولا نَجد أشخاص يدعون أن حياتَهم مثالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي نَجد أطفال يلعبون في الشَوارع والطُرقات، والناس يذهبون لأعمالِهم في الصباح الباكِر وصوت القرآن في المقاهي وفي شُرفة منزل قديم نَجد فتاة في العِقد الثاني مِن عُمرها ترتدي رداء باللون الأسود نتيجة  لوفاة والدها من عِدة أشهُر وجهها مُشرق ومُفعم بالحيوية تُدعى فريدة تَنتظر صديقها ليذهبوا للعمل في مصنع للأقمشة
-يا حمزة يلا هنتأخر
-حاضر حاضر خلصت قابليني تَحت يلا
ذهَبت للأسفل لنتقابل ونذهب معًا إلى العَمل أنا أدعى فَريدة وهذا صديقي وجاري حَمزة نَعمل في مَصنع الأقمشة التابع لجارنا الحاج بدران حَمزة لا يَعلم بحُبي لهُ من بداية وعي للحياه كَبرنا معًا ولعبنا معًا دائمًا كُنا معًا بالسراء والضراء يراودني دائمًا سؤال
هل هو أيضًا يبادلني نفس الشعور؟
ولا أجد لهُ إجابة ولَكن سأجد الإجابة قريبًا أنا واثقة،
-عاملة إيه يا هانم؟
-الحمد لله يا بيه وأنتَ؟
-أنا بخير طول ما أنتِ بخير
كلامتُه اللطيفة تأثر قلبي دائمًا وتجعلني أبتسم بسعادة
ذهبنا للعمَل وكالعادة وصلنا في وقت متأخر لاهتمامُه الزائد بنفسهِ، جاء إلينا المُدير
-يا أستاذ أنتَ وهي أنتوا مينفعش تيجوا بدري أبدًا
بدأت أنا بالكلام- مَعلش يا رفعَت أفندي اسفين أنا السبب
-أنتِ ولا هو أنا مليش دعوة لو بُكرة جيتوا متأخر اعتبروا نفسكوا مرفودين
وذَهب المُدير وأنا بداخلي أريد معاتبته على تأخيرُه لَكن بدأ هو في الكلام
-بتعتذري أنتِ ليه أنا اللي غلطان
-حمزة الموضوع انتهى ممكن نروح نشوف شُغلنا، بَعد إذنك
نَذهَب بالحُقبة الزمنية ليوم الثامن من أغسطس في عام ٢٠١٩ حَيث يوجد النفاق وإدعاء مَن هُم يطلقون على أنفسهم رواد التواصل الاجتماعي المثالية
نَذهب بالتحديد داخل المصحة النفسية 
نَجد فتاة في عِقدها الثاني نائمة فوق سَرير في غُرفة مُظلمة ليست مُدركة للحياة ولا لوجودها في هذا المكان وجهها شاحب تشبِه الأموات يسكُن السواد أسفل عينيها تُرى لماذا تتواجد هل بسبب حبيب، صديق، أم سبب آخر؟
نعود للماضي حيثما يوجد فريدة وحَمزة
-سعيدة يا ليلى
-أهلًا فريدة، مالِك مدايقة مِن إيه
-رِفعت أفندي يا ستي قالنا كلمتين بسبب تأخيرنا
-حمزة بيهتم بنفسه زيادة أوي
-مَعلش بقى، يلا نشوف شُغلنا
-يلا
وكالعادة الجميع يلومني على صَداقتي لهُ، وعلى تحمُلي لهُ لَكنهُم لا يعلمون حُبي لهُ وما يكمُن في قلبي تجاهُه
هو صَديقي الأول والآخير وحبيبي مُنذ يوم ولادتي وهو بجانبي هو صديقي الأوفى
-فريدة؟
إنتشلني من التفكير صوت صديقتي ليلى
-نَعم؟
-أنتِ كويسة؟
-الحمد لله
-لأ أنا حاسه إنك مش بخير، قولي لحمزة إنك هتيجي معايا نجيب حاجات بَعد الشُغل
-مش قادرة يا ليلى أروح في مكان
-يا بنتي تعالي معايا هنجيب حاجات ليا ونتكلم
-حاضر لما نخلص هبقى أقولُه
-يلا عشان الاستراحة بدأت
-عايزة أقعد لوحدي شويه
-طيب يا حبيبتي براحتك
فقدت قُدرتي على الإحساس بالألم الجسدي، الألم النَفسي يُدمرني يومًا بَعد يوم
لَقد قال لي حَمزة اليوم أنهُ يريد أن يقول لي شيءً مُهم يا ترى ماذا هو هل سيَعترف لي بحبُه أم ماذا ولَكني سأذهب مَع ليلى لجلب أشيائها أنا لم أعد لدي المقدرة على تحمُل المزيد من التفكير الحُزن يَسكُن قلبي أين أنتَ يا أبي، أريدك بجانبي هل سأظل وحدي إلى الأبد أنتَ وأمي ذهبتوا لم أرى أمي وها أنتَ ذَهبت أيضًا أنا راضية بِقضاء الله لكنني وحيدة يارب وحيدة
إنتهى وقت الاستراحة وعُدنا للعمَل إن اليوم لم يختلف عَن البارحة ولن يختلف عَن غدًا جميعَها أيام مُتشابهه
-أخيرًا خلصنا شُغل أنا مش قادرة
-ولا أنا، هروح اقول لَحمزة وأجي
-مستنياكِ
ذهَبت لحمزة وانتظرت لعدة دقائق لإنهُ كان يَقف مَع أصدقائه
-يلا نروح
-حمزة أنا هروح مَع ليلى نجيب حاجات وهروح
-يعني إيه هتروحي لوحدِك
-طيب أقولها لأ يعني
-متقوليش حاجة، بَس أنا كُنت عايز أقولِك على حاجة
-قول
-مش هَينفع دلوقتي لما ترجعي نبقى نِتكلم بس متتأخريش، عشان مش هتغدى مِن غيرك
-حاضر
بابتسامة-خلي بالِك من نَفسِك
-يعني مش زعلان
-لأ، يلا روحي
بادلتُه الابتسامة- سلام
ذَهبت مَع ليلى للتسوق وجلبنا الكثير من الأشياء وذهبنا لمكان يبيع الفساتين ورأينا فُستان أبهرني بجمالِه وقامت ليلى بشرائه والذي أثار استغرابي أنها أعطتهُ لي
-دا فُستانك بتديهولي أنا ليه
-دا عشانِك أنتِ، النهاردة يوم ميلادك
يوم ميلادي! هَل نسيت يَوم ولادتي ماذا يَحدُث لي أنا تائهه في هذه الدُنيا ماذا يَحدُث لي؟
-فريدة؟
-ها! نَعم
-مالِك النهاردة مين اللي واخد عقلك
-أنا كويسَه مفيش حاجة، شُكرًا بجد على الهدية أنا مش عارفة أقولِك إيه أنتِ الوحيدة اللي افتكرتِ حتى أنا مكُنتش فاكرة
-بتُشكريني على إيه إحنا إخوات
-ممكن نتكلم
-يلا
-أنا مش كويسه يا ليلى حاسه بالفشل وحاسه إن كُل حاجة ضدي حَمزة مُعاملتُه معايا اتغيرت أنا مش عارفة في إيه بجد
ليلى بحُزن على صديقتها
-بسبب إيه كُل دا بَس يا حبيبتي
-مَعرفش بجَد معرَفش
-تعالي في حُضني
-أنا بحبك أوي يا ليلى
-وأنا أكتر يا قلب ليلى-
ذهبت للمنزل وأنا سعيدة للغاية بهذه الهدية الرائعة وأنني أملُك صديقة جميلة ووفية مِثل ليلى أنا محظوظة بها
-مساء الخير
-مساء النور يا بنتي تعالي يلا عشان نتغدى
-حاضر، بصي يا خالتي ليلى جابتلي إيه عشان يوم ميلادي
-الله! حلو أوي يا حبيبتي تتهني بيه، كُل سنة وأنتِ بخير
-أنا هروح أغير
-استني خدي هديتي
-حلوه أوي يا خالتي أنا بَحبك أوي
-وأنا بحبك أكتر يا روح خالتك دا أنتِ بنت الغالين
هَذه خالتي مديحة والدة حَمزة وبمثابة أمي الثانية هي مَن قامت بتربيتي عِوضًا عَن أمي أعطتني هَدية جَميلة للغاية أعطتني شال من صُنع يديها صنعته لي بِكُل حُب
-هو فين حَمزة يا خالتي
-في شقتُه وهيجي دلوقتي
-مساء الخير
-مساء النور يا بني
-مساء النور
انتهينا مِن الطعام وذَهبت ودخَلت خالتي إلى المَطبخ لتجلي الأطباق
-فريدة عايزك
-نَعم؟
-أنا هخطُب أمينة بِنت الجيران إيه رأيك؟
-إيه؟!

وها نحنُ نَذهب لِعام ٢٠١٩ حَيث الفتاة النائمة غير مُدركة للعالم المُحيط
-ها يا دكتور علي حددت الحالة
-لأ للأسف مش عارِف المَرض اللي عندها غريب ونادر أنا مش عارف أحددُه هي بتصحى مِن النوم تُقعد تعيط بِسبب جواز حَمزة من بِنت الجيران أمينة وشوية بتضحك وشوية بتعيط وشوية تقول إيه دا أنا تخنت قوي وشوية تقول أنا رفيعة جدًا ومبصحاش غير ساعتين في اليوم وباقي اليوم نايمة
-مين حَمزة دا
-مَعرفش حتى مِش بتتكلم ولا بتقول حاجة حاولت أتكلِم معاها مِش عارف
-مِش يمكن انفصام
-لأ لأ مش أعراضُه
-لو مش قد الحالة يا دكتور قول
-لأ يا دكتور محمد أنا قدها بس أديني يومين بالظبط وأنا هقولَك هي عندها إيه ونبدأ نِشتغل على العلاج
-ماشي بس خلي بالك مِنها دي بنت أستاذنا كُلنا الله يرحمُه
-حاضر والله هَعمل اللي اقدر عليه
هَذه حالة مِن الحالات النادرة لم أفهم ما هو مرضها بَحثت كثيرًا على الإنترنت وفي المراجع حتى كُتب الجامعة ولم أجد اسم هذا المَرض
ماذا سأفعل يا الله!
أكملت البَحث ولم اذق طَعم الراحة طوال يومين
نَعم لقد وجدت اسم المَرض إنهُ يَحمِل اسم غريب للغاية يُسمى(متلازمة أليس في بلاد العجائب)
نَذهب الآن لِعام ١٩٤٠
يَعني إيه يا حمزة هتتجوز؟
-يعني هتجوز يا فريدة فيها إيه
-مفيهاش حاجة، بَعد إذنك
-يعني إيه مش هتيجي معايا نخطبها ولا هتقوليلي رأيك؟
-مبروك يا حمزة تتهنوا ببعض، أنا بَس جاية تعبانة شوف أنتَ هتروحلهم امتى وأنا جايه طبعًا دا أنا هبقى حماتها
بادلني الإبتسامة
-طبعًا يا بنتي
-بَعد إذنك بقى هنام تِصبح على خير
-وأنتِ من أهل الخير
لا يبادِلني شعور الحُب هل أنا أُحب من طَرف واحد؟!
صديقي وحبيبي
حبيبي؟! لم يَعُد حبيبي
هو الآن صديقي وأخي فقط
لَكن هل سأقدر على تحويله من حبيب لأخ؟
لَم أعُد أعرف شيء لقد ذاد الحُزن في قلبي وذهبنا لخُطبة أمينة ومَرت الشهور  والتهينا في التحضيرات وجاء يوم الزفاف ورأيتها بجانِبُه وفي خلال هَذه الشهور ذهبت للطبيب لبعض من الوجع في صدري وتفاجأت بمرض خطير في القلب وسأموت ظللت سعيدة في الزفاف لرأيتُه سعيد لَكن عندما عُدت للمنزل لم يفارقني البُكاء
استمرت في البُكاء حتى الصباح وغادرت الحياة
الجميع تفاجأ صَباحًا كانت نائمة ولا يوجد بها شيء
نَعم توفت لقد تحملت ما لم يستطع إنسان تحملُه
لنذهب لِعام ٢٠١٩
لنرى الفتاة نائمة وهي تُدعى فريدة ويقف أمامها الدكتور علي والدكتور مُحمد وفاجأة قامت تَصرخ وتقول: حمزة إتجوز حمزة إتجوز
وأنا مُت أنا مُت أكيد اللي واقفين دول مش شايفيني عشان أنا ميته
-فريدة مالِك
-أنتَ بتتكلم معايا ازاي أنا ميته، أكيد أنتَ ميت زيِّ صَح
-لأ إحنا عايشين
-لأ حمزة إتجوز هو وأمينة وأنا كُنت تعبانة ومُت
ظَلت فريدة على هذا الحال طيلة أيام لَم تَعُد تأكُل ولا تنام هي متيقنة أنها ميته ولَم يَعد العلاج يأتي بمفعول جسدها أصبح هزيل وماتت فريدة الحقيقة وفريدة الخيالية
-ها يا دكتور علي
-فريدة خلاص أنا فقدت الأمل منها فريدة وحَمزة دول كانوا اشخاص خيالية بالنسبة ليها لإني والدها ووالدتها توفوا وحَمزة صديقها إتجوز واحدة تانية وهي المَرض اللي عندها بيخليها تتخيل إنها عايشة في زمن تاني وتبني اشخاص خيالية في دماغها
-يعني إيه
-أهي بتاخُد العلاج بس أنا فقدت الأمل وكُل الدكاترة فقدت الأمل
وظَلت فريدة على هذه الحالة لمُدة شَهر وانتقلت إلى رحمة الله

منة مسعد

- عاالم مختلف )" 💛✨

اسكربتات 3حيث تعيش القصص. اكتشف الآن