الثاني والأربعون.

167 18 0
                                    

- بابا أرجوك بطل تضغط عليا.
- يا حبيبتي أنا مش بضغط عليكي بأي شكل من الأشكال، أنا بس قلقان.
- والجواز مش حل.
- وأنا مقولتش الجواز، أنا قولت توافقي تقعدي مع العرسان بدل ما إنتِ بترفضي من برة برة كده.
- وأنا مش موافقة يا بابا، ياريت منفتحش الموضوع ده تاني.

خدت شنطتي وخرجت من البيت بعصبية، مش قادرة أفهم وجهه نظره، ليه بيحاول يجبرني على حاجة مش عايزاها؟ ليه ميسيبنيش آخد قراري لوحدي؟ ليه مصمم يتدخل في حياتي بالشكل ده؟
وقفت قدام مكتبة قديمة وقررت أدخل عشان أهرب من الواقع، أو بمعنى أصح من تفكيري فيه، أنا فعلًا فاهمة أنا عايزة إيه؟ فيه مبرر واضح لرفضي فكرة الجواز؟ أيوة أنا حاسة إني مش مؤهلة دلوقتي وأنا عارفة ده كويس يبقى ليه أهلي مصممين يتدخلوا، لو دي مكانتش حياتي .. لو ليا أهل غير دول كان ممكن أكون مبسوطة.
بصيت حواليا على رفوف الكتب، كل كتاب منهم ليه بطل وكل بطل ليه حكاية، كلنا أبطال في روايتنا، بس رواية من رواية تختلف، أتمنى لو كنت عايشة حياة تانية غير دي، حياة أكون راضية عنها بشكل كامل، أهل تانيين غير أهلي، حتى لو هفقد قصادها حاجة تانية!
قربت من رفوف الروايات التاريخية، اختارت واحدة بعشوائية بحتة، قصة الرواية كانت بتدور حوالين أميرة، أميرة من الأسرة الملكية كالمتوقع، أعتقد دي حياتها مناسبة، ياريتني كنت مكانها.
قعدت في مكان منعزل من المكتبة وبدأت في القراءة، غمضت عيني وأنا بحاول انغمس في الأحداث وأتخيل إني مكانها، لو كنت مكان الأميرة وأسرتها هما أسرتي .. أكيد هبقى مبسوطة.

قعدت على السرير بحزن وأنا بحاول أفهم وجهه نظرهم، ليه الأميرات مش مسموحلهم بالقراءة؟ لإنهم مستحيل يتولوا حكم المملكة وهيكون مصيرهم الزواج من أحد الأمراء؟ ده مش سبب كافي، الأميرات من حقهم يتعلموا ولكن تقاليد الأسرة الملكية بتمنع ده، منتهى العنصرية والتفرقة، لو مكنتش أميرة ودول مش أهلى كان هيبقى عندي فرصة أتعلم، كان هيبقى من حقي أختار مصيري كتاجرة أو طبيبة أو أيًا كان، مكنتش هبقى مجبرة أفضل عايشة في دور الأميرة المثالية ثم الملكة الحكيمة، أنا حابة أكون اللي أنا أختاره!
قومت من مكاني بغضب وخرجت من جناحي، أنا هقولهم لإن ده حقي ومينفعش يمنعوني عنه، القراءة والتعليم هما العنصر المؤثر الأساسي في ثقافة الانسان ومع ذلك هما أبسط حقوقه، مبطلبش إن حد يعلمني ولكن بطالب يتسمحلي أتعلم، ده حقي.
دخلت للغرفة الرئيسية واللي كان مجتمع فيها الأسرة الملكية بخطوات سريعة عكس التقاليد اللي بتؤمر الأميرات يمشوا ببطئ، تقاليد ملهاش قيمة ومع ذلك كل مرة بتعاقب لو ملتزمتش بيها، توقعت إن حد منهم هيقولي إني مينفعش أدخل كده كالعادة ولكن اللي حصل كان عكس المتوقع، كلهم ساكتين ومركزين نظرهم عليا، بعض التوتر ظاهر على ملامحهم، نفس التوتر اللي بيظهر كل مرة يقولولي واحدة من التقاليد الملكية اللي عمري ما هقبلها، أنا إنسانة من حقي أختار، ومش هقبل أكون عبدة للتقاليد دي!
سألت باستغراب وترقب - مالكم؟ بتبصولي كده ليه؟
ردت عليا والدتي كونها الملكة - الحقيقة إن فيه حاجة عايزين نقولهالك.
- قولوا، أنا سامعاكم.
قالت بتوتر - الحقيقة إننا ..
قاطعها جلالة الملك - الحقيقة إن فيه أمير من إحدى الممالك طلب إيدك وأنا وافقت كوني والدك، وقريب جدًا هيتم تحديد الزفاف.
- أنا مستحيل أقبل بالمهزلة دي!
ردت عليا إحدى قرايب والدي وكذلك فرد من الأسرة الملكية - إنتِ ازاي تتكلمي بالاسلوب الغير لبق ده؟
- لإن اللباقة عندكم في الكلام وبس، حرصكم كله على مظهركم قدام العامة!
- وده لكوننا الأسرة اللي بتحكم المملكة.
- وأنا مش عايزة أكون هنا أبدًا، مش حابة أكون من أسرتكم دي.
خرجت بعصبية ورجعت لجناحي مرة تانية، بمجرد ما وصلت انهرت من العياط، ازاي هيسمحوا بزواجي من أمير متعاملتش معاه قبل كده؟ أمير مشافنيش ولا حبني ولكنه استخدم الزواج كوسيلة للتقرب من الملك، وازاي حق الرفض مش في إيدي؟ أنا عمري ما هقبل مهما حصل.
بعد خلود جميع الخدم إلى النوم خرجت من الجناح بحذر وهدوء، اتسللت في الممرات لحد ما وصلت من المطبخ واستخدمت الباب الخلفي للخروج من القصر عوضًا عن الباب الرئيسي، استخبيت ورا شجرة كبيرة وأنا بفكر ازاي هقدر اخرج من البوابة واللي أكيد عليها حراس، أكيد هوصل لطريقة لو فكرت شوية، بس في كل الأحوال مستحيل أفضل هنا!
سمعت صوت قريب مني - سمو الأميرة؟
غمضت عيني بذعر بعد ما عرفت إنه أحد الحرس، كل سبل الهروب اختفت وهيتم تشديد الحراسة بعد ما يعرفوا بمحاولة هروبي، آخر محاولة للتحرر من التقاليد الساذجة اتبددت.
- إنتِ بتحاولي تهربي؟
بصيتله من غير ما اتكلم، ملامحه كانت غريبة ومع ذلك مألوفة، كأني شوفته في مكان بس مش حقيقي، كأننا اتقابلنا في حلم.
قال بعد فترة من الصمت - أنا هساعدك.
سألت بدهشة - إنت .. إنت بتتكلم بجد؟
رد بحزم - أيوة، كونك رافضة الزواج من الأمير وهما هيجبروكي ده شئ مقدرش أسكت عنه، أنا أقدر أخرجك من هنا من غير ما حراس البوابة يشوفونا، تعالي معايا.
اتحركت معاه فعلًا وأنا حاسة ببعض الخوف، مش عارفة ازاي صدقته، ممكن يكون بيخدعني، ليه ممكن حارس يساعدني وهو عنده علم إن الأسرة الملكية لو عرفت هيخسر وظيفته وحياته؟
وصلنا فعلًا لمنطقة في الجنينة بعيد عن البوابة وكان فيه باب خشبي قديم في السور المحيط بالقصر، رفع الباب الخشبي وقدرت اعدي منه وبكده أخيرًا اكون خارج حدود القصر، بصيتله بامتنان فابتسملي بخفة وقفل الباب مرة تانية عشان يرجع لمكانه، بدأت اجري بكل قوتي وأنا كل هدفي ابعد عن القصر مسافة كافية قبل ما قرص الشمس يظهر، لو دول مكانوش أهلي مكانش ده أصبح حالي، لو ليا أهل غيرهم كانت حياتي هتكون أفضل بكتير.

اسكربتات 3حيث تعيش القصص. اكتشف الآن