رواية رُد قلبي
الفصل التاسع والعشرون "الغريب"
……………………………..
تنهد بثقل وهو ينظر للون اللاخضر المنتشر حوله في الحقول وزقزقة الطيور بترنيمة سلام جميلة انعكست على الأجواء الهادئة لتلك القرية البسيطة والتي أختارها لتكون ملاذة وهروبه من الجميع
زفرة ساخطة خرجت منه وهو يتمنى لو يستطيع نسيان كل ماحدث وينعم ببعض الهدوء بين ضجيج عقله
يود نسبان الجميع والده ووالدته وشقيقتاه و...ليلة
يود نسيانها ونسيان مع فعله بها
جز على أسنانه بقوة وهو يتذكر ماكاد يفعله بها..كان سيرتكب جريمة بشعة في حق نفسه وحقها..كان سيكون مغتصب..لا فرق بينه وبين الوحوش الراكضين خلف رغباتهم الدنيئة وبذائة شعورهم الحيواني
لن ينسى صراخها بين يداه ونظرتها المُرتعبة التي تصرخ به ليستفيق من ثمل حقارته
يحاول نسيان إحتقان وجهها بفزع حينما مزق كنزتها لينكشف جزئها العلوي أمامة ...لن ينسى كل تلك اللحظات التي تثير ضيقة وغثيانه من نفسه..لن يُسامح نفسه ولن يغفر إلا أذا...
إلا اذا ماذا !
وهل يجرؤ أن يطلب منها السماح !
ايملك الجرأة ان يقف أمامها قائلا..سامحيني ياليلة على كوني حقير وكنت سأغتصبك وأهتك عرضك وعرضي !
ملامحه الظاهر عليها الخزي جعلته يطرق رأسه أرضًا ويده تعبث بتراب الأرض بشرود..وندم ويأس
شعر بكف توضع على كتفه ليرى وجه صديقة البشوش
"رضوان" صديق تعرف عليه منذ فترة قصيرة...أو بمعنى أوضح أنقذ حياته منذ فترة وأعتبرها رضوان فضل لابد من ردة...لذا جاء به الي بلدتة في أحد القرى الريفية البسيطة..أعطاه الكوخ المتواضع المجاور لمنزلهم..ويعطيه ما يكفيه من الغذاء وخيرات الطبيعة..ثم يتركه لعزلته التي اختارها
استفاق على حديث رضوان وهو يهتف بسماحة...
-بردو لسه شارد ومش عايز تقولي ايه الي مشيلك الهم كدا
عقد وائل حاجبيه بضيق وخزي..
-مش يمكن لو عرفت ايه الي مخليني كدا تطردني من بيتك وارضك ومتبصليش بصة التقدير دي
صمت رضوان لثوان قبل أن يردف بفطنة..
-لا مش هعمل كدا مهما كان الي عملته..مش عشان جميلك الي في رقبتي انك انقذا حياتي لأ..عشان ملامحك الندمانة دي بتقول ان ايا كان الغلط الي انت عملته مش هتكرر تاني ونفسك تكفر خطيئته
غامت عيناى وائل بعذاب وهو يشيح عيناه عن ذاك الرفيق الطيب يتمنى لو أن الأمر يهون كما يتحدث..يتمنى لو كان يستطيع مسامحة نفسه بدلا من كونه القاضي والجلاد على نفسه الضعيفة
ربت رضوان على كتفه قائلا..
-انت بقالك يجي شهر هنا ومشوفتش الشيخ علوان..انا متأكد لو شوفته وقعدت معاه هينورلك قلبك قبل وشك
انا ازاي نسيت وراحت عن بالي ان دواك هو الشيخ علوان
رفع وائل وجهه وأردف بنبرة ساخرة متسائلة..
-وهيعملي ايه الشيخ علوان دا..هيعمل سحر ينسيني كل الي..
قطع حديثة بحسرة وأكمل في نفسه
"كل الي عملته في نفسي "
ليرد رضوان بهدوء ويقين...
-الشيخ علوان ملوش في السحر ولا الكلام الخايب دا
الناس بتشوفه ولي من أولياء الله الصالحين..بس هو بيشوف نفسه انه عبد فقير لله اداله شويه علم وبينفع بيه غيره..وهو الوحيد الي هيريحلك بالك
تجاهل وائل حديث رضوان ليقول بجفاء..
-مش عايز اروح لحد..عايز أفضل لوحدي
ولو تقلت عليك بقعدتي هنا انا ممكن أمشي
لاح العتب والضيق على وجه رضوان ليقول بعتب..
-وهو انا بقولك على الشيخ علوان عشان عايزك تمشي!
لا ياوائل يشهد ربنا اني مش شايفك ضيف..من اليوم الي فديت نفسك بيا وانت بقيت اخويا اوعى تقول الكلام الفارغ دا كدا تاني
همهم وائل بشرود وهو يربت على ساقه..
-شكرا يارضوان
همهم رضوان مستأذنًا وتركه بين شروده وخيباته التي تعتصر قلبه وتُخز ضميرة بوخزٍ قاسي...وهو يخبر نفسه أن بهروبة من الجميع فعل الصواب..ليكفيهم أذاه ويكفي نفسه تأنيب ضميره
استفاق من شرودة على تلك التي تركض خلف طفل صغير مُمسكة بيدها فردة حذاء "شبشب بوردة" وتهتف به صارخة أن يعود وإلا ستطبع حذائها على جسده شبر شبر
ذاك المشهد الذي يراه يوميًا على بُعد أميال من البيت المجاور لبيت رضوان..والذي يبعد عن الكوخ الذي يقطن به بمسافة لا بأس بها
وكالعادة يهتف الطفل برجاء وبكاء طفولي
"خلاص يازينة انا اسف..والله ماهموت البط تاني"
ولكن زينة كانت صارمة وهي تسحبة من اذنه واجمة الوجه..ولازال الصغير يبكي ويرجوها ليعقبها هتافه الطفولي
"وحياة سيدك غباشي لا تسيبيني..انا كنت بشرب البطة مقصدش اموتها..يازينة وحياة النبي سيبيني"
رجاء الطفل وكلماته الغريبة جعلت إبتسامة شاحبة تنمو على شفتى وائل وهو ينتظر أن تصفح المدعوة زينة عن هذا الشقي..ولكنها من الواضح لن تصفح هذة المرة وهي تغلق الباب بعنف وتختفي خلفه هي والصغير
زينة..تلك الفتاة التي رأها في أول يوم هنا في القرية
هي التي نظفت الكوخ ليعيش فيه..وهي إبنة عم رضوان وشقيقة خطيبته..وتلك التي صرخت في وجهه بغضب عندما حادثها بحدة وقد ظن أنها خادمة..لتصرخ به انها إبنة العمدة عبدالمنعم الراشد
ليعتذر رضوان مُغمغمًا أنها لازالت صغيرة ،إبنة الثامنة عشر سنة ولأن طباعها نارية مُتمردة تتصرف أحيانا بطيش كما فعلت للآن لذا لا يحزن منها..
تجاهل وائل ماسمعه عنها شرد في متاهته الخاصة
ولكن الآن استرجع هيأتها في عقله وتفحصها جيدًا
رغم نحافة خصرها إلا أن مواطن الفتنة في جسدها ظاهرة ولا تخطئها عين..متوسطة الطول عادية الملامح
تُميزها شامة وردية غريبة أعلى وجنتها اليُمنى..وعيناها الواسعة ذات الرموش الطويلة وحجران بلون الليل يتوسطان عيناها..صغيرة العمر عامرة الجسد
وبشرتها الخمرية تجعلها فتاة صغيرة في ثوب إمرأة مُغرية
نفض صورتها عن ذهنه وعاد يشرد في نفسه وعائلته وليلة
غمامة ندم شفافة لاحت على عيناه جعلته يطرق رأسه بخزي من جديد..وصفعة والده تلسع وجهه من جديد
صفعة بطعم الخذلان..الإحتقار و الأسى
نظرات شقيقاته تلاحقنه بفزع وصدمة
ونظرات والدته كانت نصيب الأسد في خزيه
نظرات مريرة على سنين تربيتها التي ذهبت أدراج الرياح حالما عرفت بما فعله مع ليلة..صرخت به بلوعة
"تغتصبها..حاولت تغتصب بنت عمك ياوائل..قولي ان دا كدب وانا هصدقك قولي وحياتي عندك"
صرخ بها والده بصرامة وسخرية..
"لا مش هكدب..البيه بنفسه اعترفلي وقالي انه حاول يغتصبها بعد مااتصل بيها ووهمها انه تعبان..حط عينك في عين امك وقولها دا كدب ولا حقيقة "
أمره بسخرية سوداء ليرفع عيناه المُذنبتين ويقول بخفوت...
"حقيقة ياأمي"
سقطت والدته أرضًا وظلت تنتحب بأسى وهي تُكرر
"خسارة تربيتي فيك..خسارة تعبي عليك "
ليهتف والده وهو يجره من ثيابه نحو الخارج
"اطلع بره وماشوفش وشك تاني..ولو بنت عمك بلغت عنك يبقا حقها وانا هشهد معاها..اطلع قلبي وربي غضبانين عليك ليوم الدين..استعوضنا ربنا فيك"
طُرد تحت صرخات والدته وبكاء شقيقاته..ورغم بكائهم حزنًا عليه إلا أن نظراتهم المريرة تلاحقة كاشبح ثائر يود لو يلتهم عنق ضميره
استفاق على صرخات الصغير الذي هرب من البيت الذي دخله منذ دقائق مسحوبًا من اذنه..كان الصغير يركض بفزع نحوه هاتفًا...
-الحقني ياسيدنا الحقني يابيه..زينه هتاكل ايدي الحقني وغلاوة سيدك غُباشي
دُهش وائل وهو يرى الطفل يرمي نفسه في أحضانه
لينظر الى الك النارية القادمة نحو الصغير بعينان تنضحان حدة وشراسة..تجاهلت النظر له وسحبت الصغير ببعض العنف هاتفة...
-تعالالي هنا يامفعوص انت وحياة سيدك غباشي لاضربك لحد ماتقول كفاية
قاوم الصغير وهو يتشبث بوائل هاتفًا...
-طب من غير ضرب وانا بقولك كفاية
كتم وائل ضحكته على الصغير ليأخذ موقفًا جديًا حيال هذا العراك الغير متكافئ ليُمسك بالصغير قائلاً..
-خلاص سيبيه خوفتي الولد كفاية
زمجرت بعنف وهي تجذب الطفل هاتفة...
-ملكش دعوة ياغريب..متدخلش في الي ميخصكش
يلا ياناصر أحسن مااقول لابويا العمدة
شهق الطفل باكيًا وهو يُخبئ وجهه في صدر وائل هاتفًا..
-لا ابويا العمدة هيضربني بالجريدة سايق عليكي النبي سيبيني..قولها ياغريب تسيبني
عقد وائل حاجبيه وهو يربت على ظهر الطفل وهو يسمع كلمة غريبة منها ومنه ليقول..
-غريب !
وفي غمرة تفكيره جذبت زينة الطفل بقوة وحملته بين يداها بحزم وسارت به نحو دارهم..ليقول وائل خلفها..
-براحة عليه بلاش تضربيه
لفت رأسها بحدة وزمجرت بعنف..
-خليك في حالك ياغريب..خليك في حالك لحد ماترجع مطرحك..
صمت وقد فهم كلماتها الزاجرة وصمت تمامًا..بينما عيناه تُشيع جسدها الأنوثي الفائر وهو يحتوي جسد الطفل الصغير وتختفي به من جديد..ليعقد حاجبيه لثوان وهو يُفكر..كيف لإبنة العمدة أن تسكن دار بسيطة جوار دار رضوان...بينما "دَوار العمدة الكبير" يقع في بداية القرية !
أجابه رضوان على هذا التساؤل بعد غروب الشمس وهو جالس جواره يعطيه رغيف الخُبز الطازج ليشاركة في وجبة الغذاء الشهية...
-زينة وزينب وناصر ولاد العمدة من ست تانية
من سنين اتجوز واحدة من بره الكفر وخباها عن الكل وخلف منها..لحد ماالست علية مراتة عرفت المستخبي وجابت الست دي من تحت الأرض هي وزينة وزينب وناصر كان لسه حتة لحمة حمرا
بس الغريبة انها وافقت يقعدوا في الكفر هنا تحت اسم العمدة عادي...رغم انها عمرها مااعترفت بيهم انهم ولاد جوزها..كانت دايما بتتباهى بولادها الرجالة وتقول هما دول ولاد العمدة..بس اهه زي ماانت شايف..مقعدهم في دار متليقش بيهم..بس قدام الناس عامل نفسه بيهتم بيهم وبجهازهم
همهم وائل بشرود ليقول..
-وانت خطبت اختها زينب ازاي
هام وجه رضوان بعشقًا دافئ ليقول...
-كنت مسافر مره ورجعت دارنا لاقيتها بتساعد امي في الخبيز..شوفتها وقعتلها..امي قالت لامها اني رايدها..
-وابوها العمدة وافق عليك ولا مهموش امرها أصلا !
همهم رضوان بوجوم..
-لا مقعدش معايا من الأساس...اخوها الي قعد معايا واستجوبني..اخوها دا كان ساعتها ظابط القسم هنا
كان بيشتري ويبيع فيا وعامل فيها انها فارقة معاه
وهي بنفسها قالتلي ان محدش بيسأل فيهم
وانه جهزها وخلاص...بس اقولك..انا مش قلقان إلا على زينة
هتف وائل دون اهتمام وهو يأكل..
-اشمعنا
توقف رضوان عن الأكل ليشرد قائلا بإشفاق..
-زينة روحها في ابوها..رغم انه مش مديها وش ولا ريق..لكن هي متعلقة في جلابيته وكل مايكسر بخاطرها كل ماتحاول تتمرد وتكسر كلمته عشان ياخد باله منها
عقد وائل حاجبيه ساخرًا...
-والتمرد بتاعها عبارة عن ايه يعني في القرية الصغيرة دي..انها متروحش المدرسة مثلا !
صمت رضوان لثوان قبل ان يقول بخفوت..
-لا كانت هتسيب البلد وتطفش..ولولا خوفه من الجُرسة والفضايح خلى اخواتها الشباب يلحقوها
وخدوها على بيت العمدة ومرجعتش ليليتها الا على المستوصف عدل
انقبض فك وائل ليقول بتوجس..
-عملولها ايه !
اشتد فك رضوان وأشاح وجهه عنه وأغلق الحديث دون إجابة لتساؤله..بينما تيقن وائل أن هاجسه صحيح..الصغيرة تأذت وانكسرت كالزجاج..تجرح كل من يقترب منها..تأذت للغاية
***
لا تدري لِم كل شيئ يبدو صعبًا عليها..منذ تولي شَريف إدارة العمل وكل شيئ يبدو فوضويًا للغاية
أخطائة المُتكرره كادت تجعلهم خاسرين..ولكن لولا جلوسها كل ليلة تتابع الأعمال في مكتب والدها
لم تكن لتلاحظ تلك الأخطاء ابدا
وايضًا جودي تبدو شاردة منذ مدة..تشعر أنها ليست بخير ابدا زاد وجومها وزادت نظراتها الحائرة
كلما جلست معاها تشعر وكأنها تود لو تخبرها شيئ
ثم تصمت فورًا متراجعة عن الحديث
تشعر أن حزنها بسبب صالح خطيبها
تنهدت بعجز وهي لاتدري مالذي عليها فعله
هل تتصل بوالدها وتخبرهم بما يحدث معهم..تخبرهم عن شريف ومزاجه العابس..او عن جودي وحزنها
أو عن ريشة وذبولها !
كادت تُمسك الهاتف وتتصل بوالدها ولكن تلكأت يدها على زر الإتصال..لا، لن تتصل بهم..إن أخبرتهم سيقطعون إجازتهم الهادئة وسيتعكر ميزاج أباها
وقد ارتاحت أخيرًا لإرتياحه..لا لن تخبرهم
نظرت لساعة معصمها لتجدها تُشير للسابعة ليلاً
وقت إنصراف العاملين وهي معهم..حزمت حقيبتها
واستعدت للرحيل..ولكن كالعادة يطلبها موسى قبل ان تغادر ليرتب معها جدول أعمال غدًا..وكأنها مُساعدته
همست بالكلمة الأخيرة ساخرة وهي تتجه للمكتب تطرقة برتابة..ثم تدلف دون سماع الإذن لتجده يستند برأسه على المكتب بصمت رأته يُشبه صمتها
تنهدت لتقف أمامه قائلة بعملية...
-استاذ موسى انا خلصت شغلي..فين الورق الي مفروض نرتبه قبل..
قطعت حديثها حينما رأته يرفع رأسه لترى عيناه المنتفخة..الملونة بالأحمر المختلط بالدمع..كان وجهه مُرهق يائس ..حزين..وقد لامس حزنه قلبها بطريقة لا تألفها أبدا
تُرى مابه !
منذ بداية اليوم وهو واجم وشارد..وحزين
ولكن الآن تراه وكأنه كان...يبكي !!
قطع شرودها حينما هتف بصوت باد مُختنق..
-لا اتفضلي روحي..انا هرتب الورق
عقدت حاجبيها بدهشة من هيأته الغريبة..شخصًا كاموسى لا يُبدي اي انفعال سوى غضبه والآن يبدو حزين كأسدٍ مجروح بتلك العينان الحمراوتان..مابه !
كادت تتسائل ليصلها صوته الغليظ هاتفًا..
-اتفضلي اطلعي واقفلي الباب عشان أكمل شغلي
طبقت شفتيها وصمتت لتحدجة بنظرة صامتة ثم تخرج كما أمر..بلا نقاش أو جدال او حديث بلا طائل
ليتنهد وهو يعاود وضع جبينه على المكتب أمامه..يشعر بأن روحه تنسحب منه ببطئ غريب..وكأن العالم يقف كالغصة في حلقه
نظر لتقويم اليوم ليجده ذاك اليوم الذي يهرب من ذكراه..وحتى لو هرب لا ينسى..وكأن ألم ذاك اليوم لا ينتهي..وكأنه مُقيد بأغلال الفقد...فقد إبنتة المُقربة لقلبه..ابنته "جنىَ"
اليوم ذكرى وفاتها ووفاة روحه معها..ذكرى حارقة تجعل الحرارة تزداد بعيناه وتُنبئ عن الدمع الذي سيهبط حارًا على وجنتيه...لتخرج منه شهقة مُتألمة وهو يُطالع صورتها في هاتفه..ليزداد حسرة وألم
وهو يحدق بوجهها الأبيض المُستدير..وملامحها الشقية وعيناها الواسعة بحدقتيها الرمادية وشعرها الأشقر كاوالدتها..وتلك الإبتسامة التي كانت تُداعب قلبه في الماضي..ولكن الآن تُدمي قلبه حسرة ولوعة
آاااه من فراق الأحبة..آااه من ألم فراقك ياابنتي
هتف بها داخله وهو يضع يده على عيناه ويكتم تأوه مجروح...يحاول نسيان خسارته فيها..ولكن ظل إبنته يلاحقه أينما ذهب...
يراها في عاداته اليومية...يراها عندما يرى أي طفل أمامه...يراها عندما يأكل المُعجنات التي كانت تُفضلها
يراها عندما يركب سيارته وينظر للمقعد الخلفي
يراها في كل جميلٍ حوله..وللغرابة يراها في سيدرا
يرى ملامح إبنته في وجهها الواجم..في ثورتها الغاضبة..وفي إبتسامتها النادرة
أطلق زفرة مُرتحفة ليسمع الباب يُفتح من جديد وسيدرا تدخل بملامحها الواجمة..والتي لانت بقلق حينما رفع يده عن عيناه ورأت الدموع المكتومة
لتقول بقلق خرج عن سيطرتها...
-انت كويس !
صمت..صمتٍ تام لاح على وجوههم..هل تريد منه أن يخبرها أنه بخير ..!
سيكون كاذب كبير وكلاهما يعلم ذالك
وفي الوقت ذاته..هل هي مُستعدة لسماع سبب حزنه وزيادة كاهلها بأمور الآخرين ..!
ستكذب إن قالت انها مُستعدة لسماعه
لذا كذب وهتف بهدوء وهو يُشيح وجهه..
-لا انا تمام مفيش حاجة..
وصدقته هاربة لتقول بنفس الهدوء..
-طب تمام..انا ماشية بعد اذنك
وخرجت كاالصاعقة وكأنها كانت تنتظر منه أن ينفي حزنه وهيأته اليائسة..كانت تنتظر ليكذب..لتُصدق كذبه...يكفيها ما تُعانيه من مشاكل وهموم حولها
لا ينقصها مشاكل موسى أيضًا
أطلقت زفرة طويلة وهي تخرج من الشركة وتستقبل الهواء في رئتيها برحابة..وتُسارع لتركب سيارتها وتنطلق بها حيث الصياد...ولكنها لم تدري مالذي فقدته لتوها...فقدت قلبها في مكتب موسى ..رغم هروبها من أمامه..إلا انها كانت تهرب من خفقة هادرة
ولم تدري أنها فقدت قلبها أمام موسى..بلا رجعة
***
أنت تقرأ
(رُد قلبي )"الجزأن معًا" مكتملة✔️
Romanceرواية رد قلبي للكاتبة وسام أسامة وهي مؤلفة سلسلة قاسٍ ولكن أحبني ومشاعر قاسية وغيرها من الروايات الالكترونية الشيقة