الفصل الثامن

10.5K 142 71
                                    


-
في دِكة البُدلاء
حُلم ضائع .. أو ربما كان في طور الراحة
أو في لحظة ضعف ، قد أُنهك صاحبه
لدرجة أنه بات ينسى معنى"حلم"

المباراة كانت في دقايّقها الأخيرة ، يسترق النظر بملل على أعضاء فريقه وهم يتناوبون على رمي الكرة بين أقدامهم ، تململ بجلسته وأخذ يثبّت قلنسوة جاكيته على رأسه بإتقان ،يشعر بالخزي يقطع فؤاده بأي لحظة ممكن يبان فيها وجهه وهو مركون بالدكة ،خصوصاً هاللحظة
" بحضور شاهِر بن جلوي " لأركان الملعب
ماكان يدري هو الضيق اللي فعلاً متأجج بصدره وحابّس عليه النفس ، ولا الغصّة اللي بحلقه
هي السبب !
كل اللي يعرفه  إن  السّنة والنص من بعد الحادثة الشنيعة مامرت أبد ،كلهم بقو بنفس اللحظة
كلهم لازالوا يعيشون مرارة شعورها مراراً وتكراراً
بكل ثانية يتنفسون فيّها يتقلبون على جمر الغضا من شدة بشاعة الشُعور
للآن عايش بوسط بركة دماء صقر ، وعايش بين نظرات الضعف والهوان بعيون شاهيّن
بعدما كان ضمن اللاعبين الأساسين والكورة تتراقص بين أقدامه تسعيّن دقيقة ، صارت الخمس دقايَق نعيم ينعم فيه ، صار من ضمن اللاعبيين المركونين بآخر اللائحة واللي تواجده يهدم تعب فريق كامل ، مايدري هي فعلاً لحظة ضعف منه إنه عاجز عن الإستمرار في حياته ؟
ولا بهت حلمه فعلاً وصار روتين ممل ؟

كانت الغّصة تتزايد بشكل يسّد عليه تنفسه ، لاهو عاجز يبلعها ولا عاجز يفرغها من حنجرته
بكل مرة يتذكر إنه هو " حرب كان شاهد وحاضر فقط على الموقف" وعاش كُل هالوجع وعجز يستمر في حياته
فكيف بصاحب صقر ، كيف بالشخص الي عاش مع صقر حلاوة الدنيا ومراراتها ، كيف بالشخص اللي آخر درجات حرارة كفوف صقر تحولت لصقيع بارد بين كفوفه وعجز يفلتها من شدة صدمته ، كيف بالشخص اللي عايش بين أسوار السجن لسنة ونص كاملة بتهمة قتل ذراعه اليمين وصاحبه اللي يعده من أولي القُربى أو هو أقرب !
صقيع بارد غلف قلبه باللحظة اللي تذكر فيَها شاهيّن وأخذ نفس بهدوء وهو يرفع رأسه باللحظة الي أعلن فيها الحكم نهاية المباراة وفوز فريقه بهدفين مقابل هدف وسط فرحة الطاقم الإداري واللاعبين وبقية لاعبين الإحتياط الي بجنبه وبرغم إنه حاول يفرح أو عالأقل يمثل الفرحة ولكنه عجز ،بكل ما تملك يمينه من عجز
رفع رأسه وتأمل فرحة الجمهور وماكانت رغبته بالفخر بمستوى فريقه لأن ماكان له فضل إنما كان يبّحث بعيونه عن سنده وذخره
ولحظة اللي وقعت أنظاره عليه حتى تنهد تنهيَدة عمييقة من وسط جوفه وهو يبتسم بخفوت !

شاهر بن جلوي .. اللي عجزت الدنيا تكسره بمصايبها قدر شاهيّن يكسره وبسهولة !
من يصدق إن العظيم الثابّت القوي ينحني ظهره وتنزل هامته بعد هالحدث ، شاهِر تغير بالحيل
شاهِر ماعاد بشاهِر الأولي في ظل غياب قرة عينه
شاهِر تفطر فؤاده بموت صقر وبهّتت حياته بغياب شاهيّن
حتى بسمته تلمح مراراتها على بعد خطوات طويلة ، حتى بتبسُمه هاللحظة لحرب وكأنه يعزز له أو يقويه على دنيته توضح المرارة فيه
لمح ياسيّن اللي بجنب جده ، واللي تِكفل بتوصيله للملعب بالعاصمة  واللي سِجن شاهيّن قابِع فيها ، برغم رفضه لزيارتهم بآخر الشهور إلا إنه شاهِر ماكل ولا مل وهو يحضر كل أسبوع لعله يحن ويرضى ،ولكن لاحياة لمن تنادي !
قرر هالمرة يحضر مباراة حرب ، وهو ملاحظ تدني مستواه وإقصاءه من مباريات الفريق بكل وضوح وعنده كل العلم عن السبب ولكن ما بيده شيء ، غير يحضر ويؤازر
إذا شاهِر بنفسه ماعنده حل لعلة قلبه ، كيف بيحل عُقد أحفاده وأمانته بهالدنيا ؟

ماكان هوى ديار الليل إلا من هواك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن