الجزء الثالث عشر

8K 105 65
                                    

-
جفَاف إمتد لشهُور طويلة .. قلب تحول لأرض قاحِلة لا زرع فيها ولا حياة
إن نزلت على ضفاف هذه الأرض قطرة مطر واحدة أُحييّت كل بُقعة فيها .. فكيف بآلاف القطرات ؟ كيف بغيّث هائل مهييّب يغطي مساحات الوجع كلها ليُروى بالحب بكل تفاصيله ؟
رُويت الأرض بأبّهى طريقة ، وزار المطر كل البِقاع الجافة لتُزهر بعدها بأرّق الألوان
كانت تستمع لحبّات المطر الساقطة على سقف السيارة وقلبها يرتجف رهبّة ، ولا تدري عن ماهية الشعور القابع في فؤادها ، وجل ؟ جزع ؟ أو شعور جديد لأول مرة يزور حناياها لدرجة عجزت عن فهم معانيه ؟
دقات متواثبة بجنون وأنفاس متلاحقة أُجبرت على كبّحها بصعوبة وهي تحاول عدم التحرك كي لا يعرف عن وجودها هنا،ويظن بها ظن هي في غنى عنه ! لا تدري لأي مصيبة هي تتجه ولكن مادامت ذاهبة لامحالة إن كانت جازعة أو راضية
فالأفضل أن يكون الطريّق في حضرتـه .. حنون !

أليس هذا سبب كافي ليرتجف فؤادها بشعور رقيّق .. هو والمطر ؟

تِسللت بسمة خافتة خجولة ومرتجفة برعب لطرف ثُغرها وهي تحتضن نفسها وتثبت رأسها على طرف المقعد تستشعر دفئه من الخلف وسط وجلها ..
بعد مدة ليّست بالبعيدة وبعد خروجهم من ديرة الليل بأمتار طويلة ، تخللها إستنشاقها للدخان الحارِق لنصف المسافة وكبحها لسعُالها من الدخان بصعوبة ! والأهم إحتفاظها بذهولها لنفسها كون،شاهيّن الرجل الكارِهه لللدخان صار صاحب له .. يا للعجب !
توقفت السيارة وأنفتح الباب وهو يترجل منها وبدأ يتلاشى دفء المقعد لتحتله البرودة من بعده ، إنجبرت بعد لحظات على رفع رأسها وإستراق النظر لمكان توقفهم ، ولكن نظرتها تحولت لسيّل من التأمل المذهُول .. جحظت عيناها بدهشة وإنفغر فاهها رهبّة وإعجاب عنيف بالمكان اللي توقفوا فيه !

بين أطّراف المغارة اللي تحوفها الجِبال من على يمينها ويسارها ، وقطيع الإبل الهائل يحوف المكان بعد إنتشار المطر بأرجاء المكان ومُلأت البرك الصغيرة بفائضه ،في منظر ترك الرهبّة تدب بالقلوب من شدة جماله !
إبتسمت بإنبّهار أتبّع الإنبهار تنهييّدة عممييقة وهي تضغط على قلبها بكُل رقة لما لمحته واقف على طرف الصخرة ويحرق الدُخان بين شفايفه بُبطء شديد يتأمل الإبل بصمت عميق،كان مهييّب والهالة الجلوية محيطة فيه بشكل عنيف ! كان مثال للفخامة ، للشموخ !
بأكتافه العريضّة ، وقامته الطويلة ببسمة ملتوية ترتسم على ثغره بين لحظة والأخرى بسبب تأمله لقطيع إبّله ولمنظرهم الجميل في عينه !

نفض من بعد جلسة تأمله الدخان على الأرض واللي إلتهم ماءها حرارة أطرافها وذابت بصمت بين بركة الماء معلنة إنهزامها ، بينما هو إعتدل بوقوفه يرتب ثوبه بحركة سرِيعة ومازالت البّسمة على وجهه وهو يتِجهه للمغارة

بلعت ريقها بصعوبة تضغط على رأسها بوجع ، تراكم كل المشاعر بفؤادها صعب جداً
هي إعتادت على الصعوبة ويااما عاشت أمور كبيرة ، حيييل كبيرة .. ولكن الموجع إنها ماعاشرت هالشُعور من قبل لأجل تقدر تواجهه وتتغلب عليه ! الشعور البغيّض اللي تركها تتخلى عن حرصها وخوفها وتبّقى أسيرة بهالشعور اللي سيّرها للخروج من السيارة بهدوء تام ، وتطوي الأرض بعجلة من تحت أقدامها تِتجه للمكان اللي قصده ، ولكنها توقفت بخوف لوهلة وهي تلمح الذيبّ المعلق ! تبّسمت بعدها بهدوء و ووزعت نظراتها الباحثة للمكان ومن لمحته بعيد عن مرأ عينها وملتفت بظهره لها ،حتى وسعت الخطوات لداخل المغارة تنقل نظراتها باحثة عن سبب وجودها هنا ،عن الأنثى اللي سلبتها قلبها من شدة قهرها !
-
المضحك أنها تعتقد إن شاهييّن أعتزل كل الناس لأجل يلاقيها هنا بالمكان الخاص ، وهذا اللي أضرم نار حارقة بفؤادها تركت غضبها يتضاعف ويزيد بشكل حارِق ، رمت بسببه المنحوتة اللي أمامها على الأرض بغضب العالمين واللي دوي إرتطامها بالأرض تهادى لسمع شاهييّن الي بدوره تقدم بخطوات عجولة لمصدر الصوت !
لما سمعت صوت خطواته إنتفضت كل أطرافها وأخذت الرهبّة تزور قلبها من جديد وتعاقبها على عدم إلتزامها بحدود التعُقل،واللجوء للجنون اللي تركها تعيش الموقف الخطير هذا
واللي حتى هي عاجزة عن إستيّعاب عواقبه !
تداركت نفسها ووسّعت خطواتها وهي تِتجه للمطبخ الصخري وتتخبى بجسدها عن أنظاره
بينما بقية المكان كان تحت انظارها تمامًا
لمحته يتِجه بملامح مرتخية لامبالية للمنحوتة اللي وبرغم إنه قضى ليلتين ساهِر لأجلها إلا إنه من لمحها مرمية عالأرض حتى ناظرها بصمت للحظات بعدها رفع رأسه وتأمله بُقعة معينة تبّسم من بعدها وهو يتمتم بصوت هادي : تفدى عيونك يا وضـحى ولا يهمك !

ماكان هوى ديار الليل إلا من هواك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن