الجزء الواحد والأربعون

10.1K 117 56
                                    


-
تنهد بإضطراب وهو يدس السيجارة بفمه لما لقى نفسه قدام الجلسة اللي كان دائماً يتجنبها "جلسة حزام" دخل بهدوءه الغاضب والي حاول يكتمه ولكن زارته الدهشّة بسبب وجود حزام فأقترب منه ولكن قبل يهمس له عن تساؤله هتف حزام ببشاشة وترحيب : حيا الله اللي قرر يخوض بدروبنا ! وآخيراً خضعت يا بن جلوي !

ناظره بإمتعاض بسبب النظرات الي تحولت له وهمس بغيظ : وش جابك بمجلسهم بتالي الليل ! أي كذبة بتداريها بليلة زواجك وأنت حاضر هنا ياحزام !

ضحك حزام بعبث وهو يهمس : بلاك تجهل! العريس عندنا ما يدخل لزوجته إلا بعد صلاة الفجر ! أقولك أنا مستغل الوضع بكل نقاطه يا بن جلوي لا تخاف !

تأمله بآسى وألتفت وهو يلمح زِناد يناظرهم بإستغراب وفضول لهمسهم أبتسم برغم كومة الآسى اللي بقلب لشكله المتلهف وكأنه يحاول يحل معضلة عبر قراءة شفايفهم ، فوسّع له مكان بجنبه وأشر له بعيونه يقرب .. وفعلاً قرب بضحكة مذهولة وجلس بجنبه وهو يهمس : رضيت فيني بكل أحوالك صح يا بن عسّاف !

أبتسم له بخفوت وهو يرمي السيجارة الي بيدينه بوسط شبّة النار اللي قدامهم : عطيتني حل غير الرضا ؟ لو أرفع المخدة بغرفتي لقيتك تحتها حتى بديرة الخيزر لاحقني كيف تبيني ألّد عنك ؟

ضحك بخفوت وناظر لحزام اللي نقل حديثه للشخص الي بجنبه بكل إحترافية فأبتسم من جديد وتأمل الجلسة الي يغلب عليها الدفء والمشاعر الصاخبة اللي ماعاشرها من أبداً ! وبلحظة تأمله ناظر لشاهييّن الساهم بشرود وكأن حمل الدنيا كلها على أكتافه
تذكر سؤال حزام قبل لحظات " من سمَاك عقيق " تذكر الموقف اللي أستدعى منه هالإسم ! بل تذكر المواقف اللي تركت شاهييّن يسكن بوسط زِناد بأول أيام شاهييّن بالسجن لما كان بإوج صدمته وحزنه على موت صديقه على يده كما شاع ، كان زِناد بإوج مرضه حتى ظن إنه بيموت من شدة التعب ! الحقيقة إن بقية السجناء نفروا من خوفاً من العدوى وتركوه لمصيره من التعب والوجع يراقب بتأوهات متوجعة والدمع يزور محجرعيونه من الوجع ! حتى أحد الليالي وهو يئن وصوت أنينه يقطع القلب لمح الشخص اللي بدأ يحتوي وجعه بصمت ، سحب اللحاف وبدأ يبرد جسده بقطعة قماش بنية كانت من ثوبه البُني ويضغط عليها بخفة وكأنه يحاول يخفف عليها ، لقاه يقرأ عليه الرقية الشرعية ويدعي له بكل هدوء ، وما أقتصر على ذلك صنع له من باقي الطحين اللي بالزنزانة مايسد به رمقه وأجبره يأكل بكل قوة
ولما كان متأثر وجداً سهر لأجله ليالي طويلة ، نفس الروتين بلا كلل ولا ملل يقرأ عليه ، يرقيه ، يسهر معه ولأجله ، يداريه بكل صمت
بدون ما يتحاور معه أو يفتح معه أي حديث
كان يعاوونه فقط على مرضه

-
ماكان يدري إنه ليلة بعد ليلة يغرس بقلب زِناد فضل وحب وإمتنان عجز يوفيه لحد هاللحظة !
زِناد ماكان بالسجين المحبوب ببدايات سجنه ولأنه دخل ظلم بسبب صاحبه كان دائماً شرس وقانط وعصبي فالكل كان يتجنبه ، ولكن شاهييّن بصمته ، ببروده ، وبعطفه المبطن في تصرفاته
قدرّ يرده لوعيه ، قدر يفهمه من جديد
إنك قادر على العيش بسكين بوسط ظهرك بطعنة صديق لك غدر !
كان يراقبه أغلب الوقت ، جامد وبارد وملامحه واجمة ولكن تصرفاته القليلة تناقض كل هالبرود ، كان يهب للمساعدة بأي لحظة يطلبونه فيها أو ما يطلبونه !
برغم وجعه الواضح على تقاسيم وجهه ، ذبوله ، إنكساره وقهره
والي ظن بسببه إنه فقد أعزّ الناس على قلبه كان يساعد لا لقى له جريح!
تذكر أول مرة دار بينهم حوار تعدى الكلمتين لما قال له زِنادبضحكة " علامك يارجل تمثال مثالي للصمت ! هذا وهو معروف عن زِناد وجلاسه ما تنقطع سواليفهم"
رمقه بعدها بنظرة غريبة وهو يهمس ببرود " إسمك يذكرني بأشياء ودي أتناساها لأجل كذا إترك بيني وبينك مسافة"
ناظره بصدمة لبروده ولصراحته القوية وحاول ينتزع نفسه ببشاشة لما تذكر إن " الزناد" اللي حال بينه وبينه صاحبه فقال بضحكة : أجل إسمي الجديد على يدينك لقبني !

ماكان هوى ديار الليل إلا من هواك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن