الرجاء توخي الحيطة والحذر ١

1K 38 78
                                    

١

القاهرة، سنة ٢٠٤٢
.

.

.

.

_نوح... مش هتوديني هناك زي ما قولتلي؟ انت نسيت ولا إيه؟

فتح نوح جفونه مستيقظًا من نومه على صوت طفلة تحدثه بتلك الجملة، وهو يحاول أن يستفيق لمحها تمر من أمام غرفته، كالعادة فهو يراها ويسمع صوتها يوميًا،هو حتى لا يعلم من هي تلك الطفلة.

كانت الساعة الخامسة صباحًا، ظل جسده الساكن حركته ممددًا على السرير وعيناه تحدقان في السقف، وإن كان جسده ساكن فقلبه وعقله ليسا ساكنان ابدًا ولم يذوقا السكون والسكينة في عمره البتة.

قام بعدما تنهد بهَمّ وكأنه مستاءًا من استيقاظه من النوم في المقام الأول، دخل حمامه وتوضأ ليصُلّي الفجر قبل الشروق، وحين انتهى ظل جالسًا صامتًا لمدة نصف ساعة تقريبًا، منزله هادئ كهدوء المقابر، حتى هو بارد كبرود ساكينها.

كاد أن يسمع صوت أمعائه من شدة سكون المنزلة ومن شدة وحدته التي لا تطاق، الوحدة التي يراها الناس حرية.

لا يستطيع تحديد سبب معاناته النفسية والجسدية التي يواجهها من وحدته تلك، اهذا لأن الإنسان كائن إجتماعي بطبعه؟، أم هو يكره نفسه ويكره صحبته طيله تلك الاعوام؟، أم لأنه يرى الوحدة لا تظهر قيمته الحقيقة كرجل من المفترض ان يكون مسؤول عن عائلة واولاد.

وهو على هذا الحال منذ ست سنوات، لا يؤنسه إلا صوت تلك الطفلة وهالتها التي يراها بين الحين والآخر، وها قد رآها الآن وهي تدخل الحمام، أثناء انشغال عقله عن التفكير.

على أي حال، فقد ارتدى ملابسه وخرج ليذهب لعمله.

نوح داغر، مدرس رياضيات في إحدى المدارس الثانوية، يبلغ من العمر ستة وثلاثين عامًا، يميزه شعره الطويل ولحيته الخفيفة، رجل وحيد ويبحث عن شخص اختفى من حياته فجأة، لا يعرف من هو ولكنه يريد أن يراه ليعتذر له، مجددًا هو لا يعلم لماذا يريد الإعتذار له ولكن كلما يشعر بفقدات هذا الشخص المجهول كلما يشعر بالذنب حياله كما لو كان هو السبب في إختفاءه.

حين خرج من المصعد، قابل حارس العمارة.

_عم حسين.

_أيوة يا أستاذ نوح، تحت أمرك.

قال نوح مستفسرًا بأمل يحومه اليأس:

_مش هتقولي بقى الشقة بتاعتي مالها؟

_أستاذ نوح، ... أنا زهقت

_هديلك ٢٠٠ جنية.

_يا أستاذ، أقسم بالله شقتك زي الفل، مفيهاش حاجة.

_يا عم حسين... قول الحقيقة ومش هسيبها، متقلقش.

_ورب الكعبة، شقتك مافيهاش حاجة، دا حتى سكنها قبلك يجي خمستاشر واحد ولا حد اشتكى... يبقى المشكلة فيك بقى يا أستاذ

سوق الأنام: لعنة النجوم السبعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن