مخادعة المليحة ١

66 10 75
                                    

٤٤

بدأ يوم جديد مع بزوغ الفجر ويليه الشروق. عاد مصطفى من المسجد بعد الشروق إلى منزله، وبدخوله غرفته وجد نجلاء ما زالت مستيقظة.

جالسة على أريكة غرفتها، فجلس بجانبها. تملأ ملامحه الهم والعبوس والإنهاك، فقالت نجلاء له وهي تمر بأناملها بين خصلات شعره لتواسيه:

_لسة متضايق من اللي حصل أول أمبازح؟

طال صمته دون رد لتردف:

_حبيبي، فداك ألف عربية. وجمال كويس وأنت كويس وكلكم كويسين... متزعلش نفسك.

_أنا أستحق ده.

عقدت حاجبيها باستنكار شديد مما قاله:

_يعني إيه تستحق ده؟ أنت عملت إيه عشان تستحق حاجة زي كده؟

_أكيد ده عقاب ربنا بسبب ذنوبي.

_حبيبي، مش كل حاجة تحصلك تبقى عقاب من ربنا. مهو في حاجة اسمها ابتلاء عادي، إنت أدرى مني في الموضوع ده.

صمت مصطفى قليلاً وهو يشعر بالذنب والضيق الشديد.

_أنا خايف. خايف كل حاجة كنت بعملها مكانتش لله... وكانت عشان الناس.

_ليه بتقول كده؟

_معرفش يا نجلاء، أول ما عرفت أخواتي... وعرفت ذنوبهم... ولما بقيت بنصحهم معرفش كانت نيتي عاملة إزاي. تبقى مصيبة يا نجلاء لو كانت نيتي إنهم يعجبوا بيا وبصلاحي. أكيد ربنا عاقبني عشان كده... عشان يفكرني أني مجرد إنسان ضعيف ومهين خرج من مخرج البول مرتين، ويلحقني من التكبر والرياء.

_طب ما دي إشارة حلوة يا حبيبي، كون أن ربنا بيلحقك من الصفة دي معناه إنه بيحبك ومش عايزك كده.

_بس ده معناه إني فعلاً نصحت أخواتي رياء يا نجلاء.

_يا حبيبي، الرياء مبيبقاش إجباري. الرياء بتبقى حاجة اختيارية عند المنافق. مفيش منافق هيحس بالهم ويتضايق لما يلاقي نفسه مرائي. بالعكس، هو بيبقى عايز كده. إنما إنت مش منافق يا مصطفى ولا مرائي. يمكن النية التبست عندك أو إنت وهمت نفسك بده... إنما إنت مش كده يا مصطفى.

نظر مصطفى لها ليزداد من طمأنته. ابتسمت له وجعلته يقترب منها وتضع رأسه بين سحرها ونحرها، وهي تحس على شعره. وهو بدوره احتضنها بتلك الوضعية ليستريح ويستريح عقله من التفكير، وظل يردد:

_أسأل الله الإخلاص. أسأل الله الإخلاص. أسأل الله الإخلاص.

الرياء هو مقبرة العبادات. إن فعل المرء كل العبادات بشكل ممتاز تكون هباءً منثورًا إن كانت نيته هي إرضاء الناس والتفاخر في المقام الأول وليس لإرضاء الله.

الرياء هو كابوس مصطفى ومن مثله من يحاولون أن يستقيموا في الدنيا، من يهابون الله ويخلصون له كل الأعمال. يذعر مصطفى كلما يرى مدح الناس له وإعجابهم الشديد به لخشيته الشديدة من تلوث قلبه بالرياء والخيلاء بأعماله والعبادات التي أساسها هي إرضاء الله أولاً ومساعدة المسلمين ثانياً ولا شيء سوى ذلك.

سوق الأنام: لعنة النجوم السبعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن