مجزرة الحي الذهبي ٢

126 11 82
                                    

٦١

"إن كنتِ في الشباك أطلَّ فأراكِ، وإن كنتِ على السطح آتيكِ مع الصبح، وإن كنتِ مع الأطفال آتيكِ في الزوال، وإن كنتِ مع النساء آتيكِ في المساء، أحملكِ وأطير."

يرى عصام نفسه وهو يسير بين شوارع قرية بدائية بعض الشيء، يتوغل بين أزقتها الضيقة وهو يهتف ويصيح بتلك الكلمات، يصيح بها بنغمات كالأغاني وهو يسير بخطوات متراقصة، يرى نفسه معلقًا حول كتفه طبلة كبيرة الحجم، وبيده يضرب فيها.
وخلفه أطفال يضحكون ويلقونه بالحصى، يسخرون منه، يتهمونه بالجنون وهم يلقبونه بـ "بوسعدية" ويرددون هذا الاسم عليه.

كان لا يبالي بهؤلاء الأطفال، فهو يبحث عنها، عن من؟ لا يعلم.

ولكنه شعر في الحلم أن قلبه ينصهر قهرًا، ويشعر بحرارة دموعه التي تنهال من عينيه بغزارة، كان كالمجنون المختل، يغني ويرقص وهو مغموم مكروب القلب. لم يكن هذا أغرب ما يفعله، فهيئته الخارجية كانت أغرب مما يتخيله أحد.

كان يرتدي قناعًا من الجلد غريبًا مزينًا بأصداف بحرية، وعلى رأسه جمجمة طائر. يرتدي بعض جلود الحيوانات مقصوصة بشكل غير مرتب وملتف حول جسده العديد من الفرو والريش. كان الحلم قصيرًا وخاطفًا، ولكنه شعر عصام بكل تفاصيله كما لو كان واقعيًا.

استيقظ على صوت رنين هاتفه، استيقظ وهو يتنهد متعجبًا من ذلك الحلم الغريب، ولكنه لم يعره اهتمامًا وأجاب بسرعة على المتصل، ليصمع صراخ أحد ضباط العاصمة الإدارية مستنجدًا بعصام بسبب أدهم.

**********

قبل أن تأتي طائرات ومسيرات أدهم الحاملة آلاف الصواريخ، كان أدهم يقتل كل من بالحي وحده، كان من ذعرهم يهرعون خارج بيوتهم راكضين بأقدام عارية وهو يطلق عليهم الرصاص بشكل عشوائي، وإن إلتزم بعضهم المنزل كان يدكّ المنزل فوق رؤوسهم، كان لا يترك شارع إلا وقد تأكد أن كل من به قد مات، رجل، إمرأة، شيخ، مسنة، طفل، طفلة، كان يبيد كل من في الشوارع حولة وكل من في المربعات السكنية.

قتل أدهم وحدة ما يقارب الالف وعشرون فرد، إلى أن أتت المسيرات بعد ساعة من إتصاله بتريسا وبدأت تقصف بصواريخها في كل مكان، قد توعد أدهم أنه سينسف حي المربع الذهبي عن بكرة أبيه ويمحيه من على الخريطة كما لم تكن.

هو ورفاييل الآن واقفين أعلى إحدى البنايات يشاهدون ما يحدث بإستمتاع، يسمعون أصوات الصواريخ وهي تضرب بالارض فوق رؤوس المواطنين، يسمعون صياح الناس المفزع واصوات سعيهم وركضهم محاولين النجاة وكأنها قد وقعت الواقعة، يهربون من اهوالها الشنيعة، ويركضون دون الالتفات لأرقبائهم كل منهم يقول نفسي نفسي، والبعض من يتشبث بأهله كما لو كان بتشبث بقلبه لكي ينجوا به، يدهسون فوق بعضهم وفوق اشلاء جيرانهم، كل منهم يهرب ظنًا منه أنه سينجو ليأتي صاروخ بغته ويبخر وجوده ويموت في الحال.

سوق الأنام: لعنة النجوم السبعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن