قيمة الإبنة

119 19 16
                                    

٧

_تعرف يا نوح إيه هو الثريا؟ ده عبارة عن سبع نجوم مترابطة في السما، غالباً لما يتكلموا عنه بيذكروا ست نجوم بس... عشان النجمة السابعة مختفية واكتشفوها متأخر. النجوم دي بتمثل سبع أخوات في الحضارة اليونانية، المعروف منهم هي الأخت الأولى والكبيرة... كانت أخت مميزة جداً وقوية ونجمتها أعظم وأكبر نجمة... حتى هما سموها بالعظيمة الواحدة. أما الأخت الأخيرة والصغيرة... بيتقال عليها الأخت المفقودة لأنها الأخت الأكثر معاناة بينهم... وللأسف هي دي اللي نجمتها مطفية ومبيذكروهاش... قد إيه مسكينة النجمة الأخيرة دي.

سمع نوح البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً هذه القصة من أمه مراراً وتكراراً ولا يفهم لماذا تسردها له من الاساس، والغريب كلما تنتهي من حديثها كانت تخرج دموعها منكسرة بشدة رغم انها ليست قصة مؤثرة. قال نوح وهو منزعج خانق:

_يا ست إنتِ هتفضلي تقوليلي البوقين دول وأنا مش فاهم حاجة من اللي بتقوليه دا... أنا مش ناقصك بقى، متوجعيش دماغي.

_طب، براحة عليا... متزعقش.

_أنا نازل.

_ياريت تدور على شغل بالمرة.

_بقولك إيه، انسي حوار إنّي أشتغل ده عشان البلد الوسخة دي ما تستاهلش إني أتعب فيها. وبعدين معاشك كتير، وزي الفل، عايزة فلوس ليه؟

_عايزة فلوس ليه؟ عايزة فلوس عشان ناكل، عايزة فلوس عشان أتعالج. المعاش اللي شايفه كبير ده، انت بتاخد تلتربعه في القرف اللي انت بتشمه.

اتجه نوح لباب الشقة متجاهلًا إياها لكي يخرج، فتنهض وتوقفه وهي تقول:

_رايح فين؟ مش أنا بكلمك؟

_الكلام معاكي بيقصر العمر... وأنا مش فايق.

_وريني أخدت كام...

_لا، مش هوريكي عشان متاخديهمش... بس هقولك عشان مش هخاف يعني. أنا أخدت العشرتلاف جنيه اللي أنتي مخبياهم مني... وأنا عارف كويس إنك معبية ملايين مش بتقوليلي.

_يا ابني حرام عليك، أنا مش معبية منك حاجة والعشرتلاف دول عينتهم عشان علاجي.

_علاج إيه يا ست؟ أنتي زي الفل، وصحتك أحسن من صحتي، وناقص تتشقلبي قدامي.

_ما انت لو بطلت تشم القرف اللي بتشمه كانت صحتك هتبقى أحسن مني.

_ييووووووه يا ست اسكتي بقى، متوجعش دماغي، وابعدي بقى خليني أغور من وشك... أوعي.

وخرج نوح من البيت وجلست أمه وهي تبكي بشدة.

.

.

.

.

فتح نوح عينيه وهو يلهث وينهض جالساً ممسكًا بصدره المتثاقل من الغصة التي به. كلما يتذكر أمه، كلما يتذكر ما فعله بها، تتجمد رئتيه عن الحركة وتتعالى الغصة الى حلقه، لماذا عقله يريد أن يعذبه دائماً هكذا ويسترجع الذكريات التي تقتله حيًا من شعوره بالذنب والندم الجسيم؟، أمسك بصدره وحاول أن يتنفس، والدموع تخرج من عينيه، لا يستطيع البكاء ولا يستطيع التنفس.

سوق الأنام: لعنة النجوم السبعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن