بداية الطامَّة ١

97 11 68
                                    

٥٦

أصوات نحيب طفلة صغيرة تتسرب إلى أذني هاجر أثناء نومها. تفتح جفونها بفضول لترى غرفتها عائمة في لون أرجواني شديد القتامة ولا تشعر بجسدها، يفتح باب الغرفة برفق من قبل طفلة في عمر الخمس سنوات. حين اقتربت بخطوات قليلة، كبر جسدها إلى أن وصلت لجسد طفلة في سن التسع سنوات تقريبًا. ظلت تقترب بخطوات بطيئة، وكلما اقتربت، كلما كبر ونضج جسدها، وتتعالى أصوات بكائها.

وهاجر جسدها مشلول متيبس، تحدق في تلك الفتاة المجهولة التي تقترب منها ببطء واستفزاز، إلى أن وصلت لسريرها وتضح صورتها. نضجت إلى أن أصبحت فتاة شابة، ترتدي رداءً أبيض عند بطنها متلطخ بالدماء ويتسرب إلى ساقها كالنفساء أو الحائض.

إنها الفتاة ذاتها التي رآها نوح بين ثلوج روسيا، ولكن هذه المرة كانت تحمل بكفها جنينًا ما زال الحبل السري موصولًا به، وكان الجنين يبكي هو كذلك. قالت الفتاة وهي تقرب الجنين إلى هاجر:

_عجبك كده؟ شوفتي عملوا فيَّ إيه؟ عجبك كده؟

تعالى عويل الطفل وتبدل صوته إلى أن أصبح صوته كالكلب الباكي، وكان بشعًا يشمئز منه السامعون من شدة نشاز الصوت. أردفت الفتاة بنبرة جهورية صارمة:

_خليه يفتكرني، خليه يفتكرني، خليه يفتكرني!

فجأة طار الأثاث من حولها وطارت هي الأخرى بعنف، وارتطم جسدها بالسقف، ثم هبطت بقوة على السرير، لتنهض هاجر بفزع وهي تشهق وتثب من على السرير بسرعة، وهي تنظر حولها وهي تلهث.

كانت الغرفة عادية، مظلمة، لا ضوء أرجواني بها ولا شيء، ولكن صوت الفتاة الصغيرة الباكية ما زال يسمعه، وكان مصدره خارج الغرفة.

خرجت هاجر مسرعة، ظنًا منها أنه بكاء مريم، وحين خرجت إلى الصالة كان ظنها في محله، رأت مريم جالسة على أرض الشرفة تجهش بالبكاء، متحفظة على صياحها لكي لا توقظ أمها نجلاء. كانت تبكي بحرقة قوية، جسدها يتقفقف وتأخذ أنفاسها بعسر وسرعة.

تقدمت هاجر إليها وجلست أمامها لتعتدل مريم في جلستها وتحاول إسكات نفسها، لتقول هاجر:

_كملي عياط عادي، متمنعيش نفسك.

عادت مريم للبكاء لتردف هاجر:

_بتعيطي ليه بقى؟

_أنا قتلت فيفي...قتلت القطة إللي بحبها، كنت بحبها أوي وكانت جميلة أوي، قتلتها بطريقة وحشة أوي، مش قادرة أسامح نفسي، يارب أموت أنا تعبت، دايما بتخليني اقتل الناس واقتل الحيوانات وأنا مش عايزة كدة، تعبت من كتر ما بشوف الدم، تعبت من كتر ما بشوف الناس بتموت، جسمي وجعني من كتر الزعل، أنا تعبت أوي يا عمتو تعبت والله، بابا فسحني امبارح واتبسطت شوية بس دا منسانيش كل اللي مريت بيه، ينفع انط من هنا؟ ينفع انتحر واموت؟

سوق الأنام: لعنة النجوم السبعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن