مجزرة الحي الذهبي ١

94 10 98
                                    

٦٠

.

.

.

_يلا يا جمال عشان صلاة العشا.

من ثمان سنوات، يجلس جمال عند المقهى الرجالي وهو يستنشق لفافة التبغ الخامسة وحيدًا سارحًا، وينتبه فور أن ناداه أحدهم ويدعوه لصلاة العشاء. التفت جمال لمصدر الصوت ليجده الرجل الصالح والمصلح، والذي يسمع مدح الناس له يخرج من أفواههم دائمًا. لقد كان مصطفى. عقد جمال حاجبيه بتعجب وهو يقول له:

_انت تعرفني؟

تقدم مصطفى وهو يقول بابتسامته التي تبث الانشراح والراحة في كل من يراها:

_أنا أعرف كل اللي في القرية هنا، يلا تعالى معايا.

_فاضل عشر دقايق على الإقامة.

_ماشي، وفيها إيه؟ وراك حاجة مهمة أو حاجة؟

تنهد جمال بضيق وهو يقول:

_آه... ورايا مشوار مهم عايز أعمله.

_أنا برضو ورايا مشوار بس مأجله لبعد العشاء. تعالى نصلي العشاء ونروح سوا مشاويرنا.

نظر جمال إليه وهو يقول ليحسم الأمر:

_يا عم مش عايز أصلي، سيبني في حالي لو سمحت.

سكت مصطفى قليلًا ثم أومأ برأسه وذهب تاركًا إياه. وبعد قليل، فور انتهاء لفافة تبغه، نظر جمال إلى الطاولة حيث علبة سجائره ليأتي بالأخرى، ولكن لم يراها. إنه متأكد أن العلبة كانت فوق الطاولة. بدأ يبحث في جيوبه عنها ولم يجدها. وهنا تأكد أن مصطفى سرقها منه.

استشاط جمال ونهض مسرعًا إلى المسجد، وفور دخوله استوعب أنهم قد بدأوا بالصلاة فعلاً. ولاحظ أن مصطفى هو من كان يأمهم. ظل واقفًا وهو ينظر لهم في حيرة، وهنا دخل أحدهم المسجد بسرعة ليلحق الصلاة، وحين لمح هذا الشاب وقوف جمال بلا حركة قال له:

_يلا الحق صلي، متقلقش هتتحسبلك صلاة جماعة، متقلقش يلا.

نظر جمال للشاب وما زالت نظرات الحيرة تعتلي عينيه، وشعر بالإحراج فأومأ برأسه وبدأ يصلي معهم، أو بمعنى أصح كان يتدعي الصلاة، فقد اكتشف أنه لا يستطيع الصلاة بتاتًا. كيف تكون الركعات؟ ماذا يقال فيها؟ ماذا يقال في السجود؟ ماذا يقال بعد التكبير؟

لم يكن يعلم كل هذا أبدًا. هنا نسي علبة السجائر ونسي كل شيء. كل ما كان يفكر فيه هو إحراجه الذي بدأ يقضم قلبه بوحشية، مع الحسرة التي أحرقته روحه. فقد تحسر على حياته التي هدرت في التفاهات والانشغال بالأمور الترفيهية التي كانت تعطيه راحة مؤقتة ومزيفة، والتي هدرت مع أخيه عبدالله ومع انحرافه الذي أدى إلى مقتله.

حين انتهت الصلاة، وعاد المصلون لشؤون حياتهم الفانية بعد مقابلتهم مع رب العالمين الحي الذي لا يموت، ظل جمال جالسًا ينظر لمصطفى ومصطفى يبادله النظرات. حين أصبح المسجد فارغًا، اقترب مصطفى وجلس بجانبه وهو يخرج علبة السجائر قائلًا:

سوق الأنام: لعنة النجوم السبعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن