بداية الطامَّة ٣

112 10 30
                                    

٥٨

وصل عصام إلى إحدى المباني، ووقف بسيارته وهو يحدق في المبنى بهَمّ يثقل أنفاسه، ولكن كان يحفز نفسه كلما يتذكر أنهم سيعلمونه بمكان أحمد ابنه. استنشق نفسًا عميقًا وزفره كما لو كان يحاول طرد تلك الغصة التي في صدره. بعدها خرج من السيارة ودخل المبنى بخطوات متثاقلة منفذًا أمر أحد الضباط بالإكراه، وفور أن دخل أتى إليه الضابط نفسه وهو يسلم عليه بحفاوة وسرور عارم قائلاً:

_أنت مش متخيل سعادتي بيك، أخيرًا جيت عشان تعذب الراجل ده، بقولك إيه؟ استخدم كل الأساليب اللي في دماغك، فِشّ غلك فيه لأننا كلنا عايزين نفش غلنا فيه.

_قبل كل حاجة أنا عايز دليل يثبتلي إنكم عارفين مكان أحمد.

ابتسم الضابط ابتسامة خبيثة وهو متوقع سؤاله ليخرج بهاتفه ويريه صورة لأحمد وهو بداخل أحد البيوت الطينية البدائية، لينتفض عصام ويسحب الهاتف وهو يحدق في صورة ابنه بأعين متسعة من شدة دهشته وشوقه له، ليعيد الضابط ويمسك بهاتفه وهو يقول:

_ها؟ هتعمل اللي هنقولك عليه؟

نظر عصام للضابط بنظرات مستشيطة وهو يقول:

_ماشي، بس متقوليش أعمل إيه ومعملش إيه. سيبني أعذبه بمزاجي.

_لا يا روح أمك، مش بمزاجك اللي أقولك عليه تعمله، عشان ده يستحق القتل أصلاً ويستحق إن لسانه يتقطع زي ما بنقطع لسان اللي زيه... بس منقدرش، غير كده الراجل ده مش طبيعي، إحنا خلصنا كهربا المبنى كله عليه، أخد ٢٠٠ فولت بحاله ومحصلوش حاجة واتجلد لحد ما المخبر اللي بيجلده نفسه بدأ يصوت من وجع إيديه، ده غير إن الجنازير اللي بيربطوه بيها بتخن وتسيح أول ما تسيح وياخد الراجل حريته، المخبرين بيجروا منه كأنهم بيجروا من ملك الموت. لحد دلوقتي مش عارفين الحديد بيسيح فجأة إزاي، بس يمكن ده من كتر الكهربا اللي في جسمه. على العموم أظن محدش يقدر عليه غيرك عشان كده طلبناك.

كان يستمع عصام لهذا الرجل بملامح ساخرة مستغربة من هذه الترهات التي يتفوه بها، وهنا أخرج الضابط حقيبة بها أدوات تعذيب.

_خد دي وانت داخل، وحاول تشتم في ربه هتستفزه أوي لأنه متدين وكده، وهدده بمراته برضه، أصل بيحبها أوي أوي، وياريت تبقى تحلق دقنه لأن ده هيجننه أكتر.

_يا عم ماشي، هات بقى خليني أخلص.

كان من المفترض أن يعلم عصام هوية ذلك الرجل الذي سيعذبه من وصف الضابط له. أخذ عصام الحقيبة واتجه للزنزانة وفي باله أنه سيرى شابًا مجهول الهوية سيعذبه بضعة دقائق ويخرج لابنه، فهو لا يفكر في أي شيء حاليًا سوى ولده.

فتح باب الزنزانة ثم وضع الحقيبة وأغلق الباب. وحين التفت رأى الشخص المعلق، وفور أن رآه تيبس واقفًا في صدمة من شدتها، تغلغل الألم في جسده كما لو كانت صاعقة كهربائية ضربت قلبه وكسرت ضلوعه لفتات.

سوق الأنام: لعنة النجوم السبعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن