ماضي مصطفى (نور) ٢

89 14 64
                                    

٢٨

بعد ذلك الموقف بساعة تقريبًا، نرى مصطفى جالسًا في مقهى الرجال (القهوة) مع صديقه حمدي يشرب السيجارة الأربعين في اليوم، ليقول صديقه هنا:

_أنت عمال تحرق في سجاير كده ليه يا مصطفى؟ اهدى شوية، صحتك.

_خلاص يا حمدي... نجلاء راحت مني.

_لا إله إلا الله، هي نجلاء دي عملالك عمل؟

صمت مصطفى قليلاً ثم قال:

_واحد من المتدلعين اللي بياخدوا مصروف من أبوهم ياخدها مني. سمعت إن أمها هتخطبهاله عشان معاه فلوس وغني، وواضح إنه حاطط عينه عليها من زمان أصلاً وجايب لها آيفون في عيد ميلادها ومدلعها، وشكلها حبته بالهدية الخارقة اللي جابهالها دي، وأنا اللي بقالي تلات سنين بحوش عشان أجيب شبكتها... بقالي تلات سنين بدعي إنها تكون مراتي وبتعب عشانها... ييجي عيل متدلع ياخدها مني في يوم... في يوم يا حمدي.

_يا مصطفى استهدى بالله، عادي يا عم إنها ما تكونش من نصيبك البنات كتير في البلد، انت بتعمل في نفسك كده ليه؟

_وليه الحاجة اللي عايزها مقدرش أخذها يا حمدي؟ ليه في البلد بنت ال****ة دي كل حاجة صعبة فيها؟ ليه استنى سنين عشان أتجوز واحدة وواحد تاني يتجوزها في يوم؟ ليه هو كل حاجة يعرف ياخدها وأنا بعيش بطلوع الروح؟

_يا عم إحمد ربك غيرك مش لاقي ياكل.

_ليه؟ ليه في ناس مش لاقية تأكل؟ ليه أنا أرضى بحاجة زي كده؟ أنا ليه أتعب كل التعب ده على حاجة بسيطة؟ أنا ليه أحارب عشان أحاول أعيش حياة عادية؟ أنا مبطلبش أبقى إنسان خارق، أنا نفسي أعيش يا حمدي... نفسنا نعيش، ويوم ما الريس الجديد دا يمسك ويصلح الدنيا شوية يقوم يدي قرار بسماح بيع الناس والناس بقا بيبيعوا في بعض، تخيل احنا اول دولة عربية تسمح ببيع الناس فيها؟ متخيل العبث اللي احنا فيه؟ إحنا عايشين في عبث أقسم بالله، ولما تيجي تفكر تسافر هتبقا لاجيء وتختفي زي ما اختفى نص اللاجئين في العالم متعرفش هما ابادوهم ولا عملوا فيهم ايه، احنا بقينا محبوسين في البلد الملعونة دي ومضطرين نستحمل عبثها، أنا مش عارف ربنا مقامش قيامته ليه لحد دلوقتي، مش عارف.

_يا عم اسكت هتودي نفسك في داهية، مش كفاية الكلام بتاعك عالنت؟ ما تسيب الناس تبيع نفسها انت مالك، ... كل ده عشان واحدة؟

_واحدة؟ آه كل ده عشان واحدة يا حمدي... الواحدة دي اللي حسستني إن عندي شغف في الحياة دي.

_ليه يعني إيه المميز فيها؟ ما تعقل يا مصطفى، دي أخدت عقلك... الشغف ده انت اللي بتعمله لنفسك مش لحد تاني.

ظل مصطفى صامتًا وهو يحاول أن يهدأ، وظل صامتًا سارحًا تمامًا إلى أن قال:

_المميز فيها إني حبيتها... أظن ده سبب كافي.

سوق الأنام: لعنة النجوم السبعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن