سر غرفة الأم ٢

101 15 93
                                    

٢١

.

.

.

من ثلاثة عشر سنة

قرابة منتصف الليل، نجلاء وهي في السابعة عشرة من عمرها، نراها في سيارة عمتها واقفان بها في شارع جانبي مهجور، نرى عمتها ممسكة بقلم وورقة وتكتب بسرعة في عجلة من امرها وملامح التوتر تعتلي وجهها، ليست ملامحها فقط ما تظهر توترها بل ارتجاف يدها الشديد اثناء الكتابة، ولهثها المستمر ودقات قلبها السريعة التي كانت تسمعها نجلاء بجانبها كصوت ضرب الدفوف. حين انتهت من الكتابة، أعطت الورقة لنجلاء وقالت:

_خدي الورقة دي عينيها، وإياك ي تفتحيها إلا لما توصلي بيت سميرة، ماشي؟

_سميرة؟ اللي في الجيزة؟

_أيوة، هتروحي تعيشي معاها. أنا قولت لأمك تروح هناك، وأنا هوصلك، متقلقيش.

_وإنتِ هتروحي فين؟ ليه بعد ما أبويا مات وأنا حاسة إنك بتبعدي عننا يا عمتو؟

صمتت عمتها وقامت بتشغيل السيارة وبدأت تقودها بسرعة وبصمت. وهنا لاحظت نجلاء من خلفهم سيارة تطاردها. دب الرعب في جسد العمة وزادت سرعتها أكثر. التفتت نجلاء لتلك السيارة وقالت:

_عمتو... في إيه؟ مين دول؟

لم ترد عليها، وظلت تقود بسرعة هائلة، تدخل يمينًا ويسارًا، تحاول بشدة أن تشتت من يطاردها وتضيع طريقه. لكنه متشبث ويطاردها في كل مكان، حتى دخلت شارعًا رأت أمامها سيارة مدرعة تسد الطريق وأمامها رجال يمسكون بالأسلحة ويرتدون ملابس أشبه بملابس الجيش ولكنها باللون الأسود والرمادي.

ضغطت العمة على الفرامل بسرعة شديدة وتوقفت فجأة واهتزت اجسادهما بقوة بسبب الوقوف المفاجيء، وبدور السيارة الاخرى وقفت خلفها، ليتم محاصرتها من الأمام والخلف. وهنا سمعت أحدهم يقول:

_انزلي من العربية يا ليلى... إنتِ واللي معاكي...

ليلى... هذا كان اسمها، اذكى عالمة في القرن الواحد والعشرين ومن اجمل نساء مصر، العبقرية التي ادهشت العالم بإختراعتها واكتشافاتها وابحاثها، العبقرية التي فازت بجائزة نوبل، العبقرية التي كانت تشارك العالم العظيم يوسف إمام في ابحاثه واختراعاته، تلك العبقرية التي تحمل أسرار وحقائق هذا العالم القبيح، تلك العبقرية التي اعتزلت مهنتها في اخر فترة من عمرها واصابها مرض خطير بالقلب

تلك العبقرية تكون ام نوح.

_عمتو... مين دول؟ دول الميليشيات اللي بيتكلموا عنها؟

بعدما قالت نجلاء لها هذا، اخذت ليلى نفس عميق ونظرت لها نظرة رقيقة بأعينها الساحرتان وابتسمت ابتسامة حزينة يائسة وقالت:

_أنا آسفة يا نجلاء... أنا آسفة إني معرفتش أحميكي... ومعرفتش أحمي ابني كمان... قد إيه أنا ست فاشلة. تعبت في حياتي عشان أتعمق في العلم والمعرفة، ولما وصلت ليهم اكتشفت إن المكان ده مش ليا، ومش لكل اللي عندهم قلب. طمعي في العلم وداني في داهية ووداكوا أنتم كمان يا حبيبتي. أتمنى تسامحوني، أتمنى بعد موتي أشوف وائل عشان أعتذرله.

سوق الأنام: لعنة النجوم السبعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن