هو يعلم اكثر من اللازم ٢

104 12 83
                                    

٣٩

مع انبلاج فجر اليوم التالي، حيث كان مصطفى في المسجد يصلي، كانت نجلاء في غرفتها مع مريم.

كان وجه مريم غارقًا بدموعها الحارقة، وكانت صلاتها مليئة بالرجاء والذل إلى الله سبحانه وتعالى، كما علمها مصطفى. إذا احتاجت حقًا أن تتحدث بكل طاقتها دون خشية من أي رد فعل متردد، فتتحدث لله.

بعد صلاتها، ظلت جالسة تواصل بكاءها الهادئ. فمواجهة كل تلك المعاناة والألاعيب المرعبة انهكت قلبها الصغير، وأرهق استقبال الهلاوس البشعة عقلها الصغير. لم تعد تتحمل الإجهاد الذي تواجهه في مقاومة هذه الألاعيب النفسية القاسية، فمريم مستمرة في مقاومتها الجسدية والنفسية لكل هذا لمدة عامين.

ضمت يديها الصغيرتين ببعضهما، وبدأت تدعو الله وتترجاه:

_يارب، أنا تعبت أوي، وبقيت خايفة من كل حاجة. بقيت خايفة أنام، بقيت خايفة أصحى، بقيت خايفة أدخل الحمام، بقيت خايفة أروح المدرسة، بقيت خايفة أتكلم مع حد. أنا خايفة أوي وعارفة إنك شايفني وسامعني... وحاسة أني صبرت كتير يارب... يارب، أنا مش معترضة بس أنا مش عايزة أشوف الحاجات دي تاني... لما بشوفهم جسمي بيوجعني وقلبي بيوجعني جامد أوي وببقى خايفة إنه يقف.. ولو وقف ماما وبابا هيزعلوا أوي، أنا مش عايزة أشوفهم زعلانين عشاني تاني، يارب ابقَ كويسة، يارب اشفيني، يارب ما أشوفش الحاجات الوحشة دي تاني يارب.

ما لا تعرفه مريم أن نجلاء كانت تنظر إليها وتستمع لها من خلال فتحة الباب البسيطة، وكانت الدموع تنهمر من عينيها وقلبها يتفتت احتراقًا حزنًا على ابنتها الجميلة. نهضت مريم ومسحت دموعها لتفتح نجلاء الباب وهي تقول:

_صليتي الفجر يا حبيبتي؟

_أه يا ماما...

كان وجه مريم ممتلئًا بملامح الهم والرعب، عاقدة حاجبيها بخوف وعيونها غير ثابتة من توترها. دخلت نجلاء وأغلقت الباب وجلست بجانبها وهي تحسس على شعرها.

_مالك يا حبيبتي... احكيلي، اتكلمي معايا؟

_مفيش حاجة يا ماما، بس أنا شوفت حاجة لما كنت عند الدكتور... وكأني روحت مكان تاني، ولسة لحد دلوقتي خايفة من اللي شوفته، وأنا تعبت بصراحة من كتر ما بشوف الحاجات دي.

_لازم تقتنعي يا حبيبتي أن كل اللي بتشوفيه دا وهم ومش موجود...

صمتت مريم لبعض الوقا وهي تفكر. يظهر ترددها وتوترها في تلاعب أصابعها ببعضها البعض، وعلمت نجلاء ذلك فقالت لها:

_قولي يا حبيبتي، عايزة تقوليلي إيه، مش عايزاكي تخافي من حاجة.

ابتلعت ريقها متشجعة ثم قالت:

_أنا عايزة أسألك سؤال... بس متقوليش لبابا عشان خاطري.

_اسألي يا حبيبتي.

سوق الأنام: لعنة النجوم السبعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن